نشأت المدارس الفنية والأدبية، نتاج جهود مشتركة من مجموعات قليلة من العباقرة. فالسوريالية، اجتهاد مشترك بين عدة شباب فرنسي، اندريه بريتون وفاتشي، كتاثر بالدادائية، وبدورها أثرت السوريالية على التعبيرية وما بعد الحداثة.
كل المدارس الحيوية في الفن والأدب، نسمع أنها نتجت كرد فعل لحدث ما، الحروب، الأوبئة، الثورة الصناعية، التكنولوجيا..الخ. إلا في عالمنا العربي، إن الاحداث عندنا تمضي فقط، ولا تنتج فنا. بل سخطاً ونقمة؛ خاصة بعد نهاية المد العروبي الثوري، وإعلان الهزيمة الثقافية تبعاً للهزيمة السياسية والإقتصادية.
لقد أنشأتُ صحيفة إسخيلوس من أجل هدف واحد، هو أن أعيد خلق بيئة اجتماع العباقرة في الأدب، بيئة مثالية لخلق مدارس-وليس مدرسة- للفن والأدب، بيئة مثالية للصراع المذهبي الفني والأدبي، وليس صحيفة عادية، كباقي الصحف الرقمية، التي تُستعرض فيها الاعمال، كأصنام بلا آلهة. غير أن زخم الدوافع تلك، تقلص جداً. إذ يبدو أن المثقف العربي يفضل النأى بنفسه عن التعرض للنقد. وبالتالي عرض ذلك عقله للتحجر والتصلب. أصبح هناك اجترار واجترار لما هو موجود مسبقاً ولكن بتنوع كارتيزي ممل. إن سقف الإنتاج العربي في الحضيض، وأقصد بالإنتاج، الإنتاج المفارق للبرادايم السائد. ذلك الذي يسمونه غالباً بالمُقاطع أو الذي يحدث قطيعة ما مع الماضي. باختصار، هذا لم يحدث ولا يبدو أنه سيحدث عما قريب.
بناء الأصول:
هناك كسل عربي مزعج جداً، عندما يتعلق الأمر ببناء الأصول. إن كل مذهب أو مدرسة أو دين أو علم جديد، ينبثق عن خاطرة عابرة، ولكنها ليست منبتة الصلة عن الماضي، إن العبقرية الغربية (التي يجب أن نعترف بها رغم كل شيء) هي التي تنشيء كل يوم علماً جديداً ومذهباً جديداً وفلسفة جديدة. قد يغالطني البعض ولكن؛ سأعطيه حينها (بياناً بالعمل)؛ تخيل أيها العربي أي كلمة وضع امامها ثلاثة احرف إما (logy) أو (ism)، وادخل على قوقل، وابحث عنها، ستجد أن الغرب قد بنى لها أصلاً لتتحول إلى مذهب أو علم. في الجامعات الغربية، حتى الأساطير والسحر تنشأ لها كليات خاصة، تدرسها بعمق لتؤسس لها أصولاً. في العالم العربي، هناك كليات كاملة لا يفضل الأب أن ينتمي لها ابنه. هذه كارثة، فلا تنهض حضارة عندما تكون غير قادرة على بناء الأصول..بناء علوم جديدة ومذاهب، خيالها يقمعه انعدام الثقة، وعمليات الهدم التي تمارسها مجموعات المتعلمين والمثقفين تجاه بعضهم البعض كما يفعل السياسيون تماماً. لقد خلق الصراع مجتمعات خاوية وهشة. لا تملك رغبة راسخة في تحقيق منجز تاريخي لها. ولذلك فهي شعوب فاشلة وفشلها مستمر وأخشى أن يكون مزمناً.
إسخيلوس؛ إزميل للنحت والبناء والتصحيح:
ها هو العدد الحادي عشر سيخرج بعد بضعة أسابيع. هناك مجلات عديدة، أقل أو أفضل من إسخيلوس، ولكنها في كل الاحوال تعاني من الصفوية والنخبوية كعادة كل شيء عربي..الإعلام العربي، السياسة العربية، الاحزاب العربية، المسابقات والجوائز العربية...الخ. غير أن إسخيلوس ليست كذلك؛ إنها ليست صفوية ولا نخبوية، لكنها منفتحة كأداة عرض واستعراض وتعليم وتدريب وصقل. وستظل هكذا لأن هذا هو هدفها. ولا ينقصها شيء من الليبرالية اللازمة للتجويد الفردي والجماعي. ولذلك فهي فرصة، لبناء الأصول. لكن المشكلة؛ من أولئك الذين يملكون الرغبة في بناء الأصول؟ إن الرغبة هي أول محددات الإبداع، وليست القدرة، فالرغبة تؤدي -إن توفرت ولو بلا قدرة- ستفضي حتماً إلى القدرة. ولكن القدرة ليست بمفضية أبداً إلى الإنجاز بلا رغبة.
إن المثقف العربي الذي يفضل الإنكفاء على نفسه، سيعاني مستقبلاً إما من إحباط يقمعه أو من نرجسية يعوض بها إحباطه، فتزداد عزلته. ولذلك فما اقوله هو نصيحة تساعد المثقف على التغيير والإنتشار في نفس الوقت.
تعتبر إسخيلوس وسيلة انتشار، وفرصة احتكاك، لأولئك الذين يقدرون رغبتنا كأدباء وفنانين في تغيير واقعنا، المحلي والإقليمي والعالمي.
لقد قرأت من قبل بوستراً محبطاً جداً يؤكد على أن الرجل في بداية شبابه يفكر في تغيير العالم، ثم في منتصف العمر يبحث عن حل لمواجهة ازماته، أما في أواخر حياته فيستسلم لواقعه. أو شيء من هذا القبيل. وهذا غير صحيح.
إن افراداً استطاعوا تغيير وجه العالم. الأنبياء والفلاسفة، الحكماء، كارل ماركس، جيفارا، ومحمد النبي، وبولس الرسول، وهنري كسينجر، وغيرهم. إن العالم يقبل التغيير، عندما نحمل له أطروحات إيجابية تمنحه الأمل.
قبل شهرين أو ثلاثة قررت العودة للرسم الذي انقطعت عنه وأنا في التاسعة عشر من عمري، وبالفعل بدأت بدايات متواضعة ولا زلت حتى الآن أقل من أن أعتبر نفسي رساماً، لكن حادثة ما غيرت تفكيري تماماً. لقد دخلت إلى مجموعات الرسم العالمية في الفيس، وبدأت نشر رسوماتي، وهي رسومات تركيبية تجمع بين السوريالية والوحشية والباروكية والرمزية..الخ. عموماً ليست بشيء يذكر من حيث الجودة. لكن ما حدث كان غريباً، فعندما دخلت إلى تلك المجموعات وهي قرابة عشرين مجموعة، كان السائد فيها هو الرسم التجاري الحديث، أي رسم البورتريه وكأنه صورة فوتوغرافية. وبعد عرض رسوماتي، بدأت عملية تحول، والعودة إلى السوريالية، لقد لاحظت هذا التأثير، وانا لا أضخم التقييمات بل أراها على حقيقتها. نعم لقد حدث تأثير، وأصبح هناك توق للتحرر من الرسم التجاري الذي يفتقد للمتعة. باختصار، لقد فضل الرسامون تحرير الرسم والاستمتاع به، بدلاً عن الرسم إرضاء لمن يدفع. إننا نستطيع أن نحدث تغييراً، ويستطيع الفن والأدب أن يقود ذلك التغيير إن تمتعنا بالإخلاص الكافي لانفسنا. إن أكبر خيانة نتعرض لها ليس من الأخرين بل عندما نخون نحن أنفسنا.
كل المدارس الحيوية في الفن والأدب، نسمع أنها نتجت كرد فعل لحدث ما، الحروب، الأوبئة، الثورة الصناعية، التكنولوجيا..الخ. إلا في عالمنا العربي، إن الاحداث عندنا تمضي فقط، ولا تنتج فنا. بل سخطاً ونقمة؛ خاصة بعد نهاية المد العروبي الثوري، وإعلان الهزيمة الثقافية تبعاً للهزيمة السياسية والإقتصادية.
لقد أنشأتُ صحيفة إسخيلوس من أجل هدف واحد، هو أن أعيد خلق بيئة اجتماع العباقرة في الأدب، بيئة مثالية لخلق مدارس-وليس مدرسة- للفن والأدب، بيئة مثالية للصراع المذهبي الفني والأدبي، وليس صحيفة عادية، كباقي الصحف الرقمية، التي تُستعرض فيها الاعمال، كأصنام بلا آلهة. غير أن زخم الدوافع تلك، تقلص جداً. إذ يبدو أن المثقف العربي يفضل النأى بنفسه عن التعرض للنقد. وبالتالي عرض ذلك عقله للتحجر والتصلب. أصبح هناك اجترار واجترار لما هو موجود مسبقاً ولكن بتنوع كارتيزي ممل. إن سقف الإنتاج العربي في الحضيض، وأقصد بالإنتاج، الإنتاج المفارق للبرادايم السائد. ذلك الذي يسمونه غالباً بالمُقاطع أو الذي يحدث قطيعة ما مع الماضي. باختصار، هذا لم يحدث ولا يبدو أنه سيحدث عما قريب.
بناء الأصول:
هناك كسل عربي مزعج جداً، عندما يتعلق الأمر ببناء الأصول. إن كل مذهب أو مدرسة أو دين أو علم جديد، ينبثق عن خاطرة عابرة، ولكنها ليست منبتة الصلة عن الماضي، إن العبقرية الغربية (التي يجب أن نعترف بها رغم كل شيء) هي التي تنشيء كل يوم علماً جديداً ومذهباً جديداً وفلسفة جديدة. قد يغالطني البعض ولكن؛ سأعطيه حينها (بياناً بالعمل)؛ تخيل أيها العربي أي كلمة وضع امامها ثلاثة احرف إما (logy) أو (ism)، وادخل على قوقل، وابحث عنها، ستجد أن الغرب قد بنى لها أصلاً لتتحول إلى مذهب أو علم. في الجامعات الغربية، حتى الأساطير والسحر تنشأ لها كليات خاصة، تدرسها بعمق لتؤسس لها أصولاً. في العالم العربي، هناك كليات كاملة لا يفضل الأب أن ينتمي لها ابنه. هذه كارثة، فلا تنهض حضارة عندما تكون غير قادرة على بناء الأصول..بناء علوم جديدة ومذاهب، خيالها يقمعه انعدام الثقة، وعمليات الهدم التي تمارسها مجموعات المتعلمين والمثقفين تجاه بعضهم البعض كما يفعل السياسيون تماماً. لقد خلق الصراع مجتمعات خاوية وهشة. لا تملك رغبة راسخة في تحقيق منجز تاريخي لها. ولذلك فهي شعوب فاشلة وفشلها مستمر وأخشى أن يكون مزمناً.
إسخيلوس؛ إزميل للنحت والبناء والتصحيح:
ها هو العدد الحادي عشر سيخرج بعد بضعة أسابيع. هناك مجلات عديدة، أقل أو أفضل من إسخيلوس، ولكنها في كل الاحوال تعاني من الصفوية والنخبوية كعادة كل شيء عربي..الإعلام العربي، السياسة العربية، الاحزاب العربية، المسابقات والجوائز العربية...الخ. غير أن إسخيلوس ليست كذلك؛ إنها ليست صفوية ولا نخبوية، لكنها منفتحة كأداة عرض واستعراض وتعليم وتدريب وصقل. وستظل هكذا لأن هذا هو هدفها. ولا ينقصها شيء من الليبرالية اللازمة للتجويد الفردي والجماعي. ولذلك فهي فرصة، لبناء الأصول. لكن المشكلة؛ من أولئك الذين يملكون الرغبة في بناء الأصول؟ إن الرغبة هي أول محددات الإبداع، وليست القدرة، فالرغبة تؤدي -إن توفرت ولو بلا قدرة- ستفضي حتماً إلى القدرة. ولكن القدرة ليست بمفضية أبداً إلى الإنجاز بلا رغبة.
إن المثقف العربي الذي يفضل الإنكفاء على نفسه، سيعاني مستقبلاً إما من إحباط يقمعه أو من نرجسية يعوض بها إحباطه، فتزداد عزلته. ولذلك فما اقوله هو نصيحة تساعد المثقف على التغيير والإنتشار في نفس الوقت.
تعتبر إسخيلوس وسيلة انتشار، وفرصة احتكاك، لأولئك الذين يقدرون رغبتنا كأدباء وفنانين في تغيير واقعنا، المحلي والإقليمي والعالمي.
لقد قرأت من قبل بوستراً محبطاً جداً يؤكد على أن الرجل في بداية شبابه يفكر في تغيير العالم، ثم في منتصف العمر يبحث عن حل لمواجهة ازماته، أما في أواخر حياته فيستسلم لواقعه. أو شيء من هذا القبيل. وهذا غير صحيح.
إن افراداً استطاعوا تغيير وجه العالم. الأنبياء والفلاسفة، الحكماء، كارل ماركس، جيفارا، ومحمد النبي، وبولس الرسول، وهنري كسينجر، وغيرهم. إن العالم يقبل التغيير، عندما نحمل له أطروحات إيجابية تمنحه الأمل.
قبل شهرين أو ثلاثة قررت العودة للرسم الذي انقطعت عنه وأنا في التاسعة عشر من عمري، وبالفعل بدأت بدايات متواضعة ولا زلت حتى الآن أقل من أن أعتبر نفسي رساماً، لكن حادثة ما غيرت تفكيري تماماً. لقد دخلت إلى مجموعات الرسم العالمية في الفيس، وبدأت نشر رسوماتي، وهي رسومات تركيبية تجمع بين السوريالية والوحشية والباروكية والرمزية..الخ. عموماً ليست بشيء يذكر من حيث الجودة. لكن ما حدث كان غريباً، فعندما دخلت إلى تلك المجموعات وهي قرابة عشرين مجموعة، كان السائد فيها هو الرسم التجاري الحديث، أي رسم البورتريه وكأنه صورة فوتوغرافية. وبعد عرض رسوماتي، بدأت عملية تحول، والعودة إلى السوريالية، لقد لاحظت هذا التأثير، وانا لا أضخم التقييمات بل أراها على حقيقتها. نعم لقد حدث تأثير، وأصبح هناك توق للتحرر من الرسم التجاري الذي يفتقد للمتعة. باختصار، لقد فضل الرسامون تحرير الرسم والاستمتاع به، بدلاً عن الرسم إرضاء لمن يدفع. إننا نستطيع أن نحدث تغييراً، ويستطيع الفن والأدب أن يقود ذلك التغيير إن تمتعنا بالإخلاص الكافي لانفسنا. إن أكبر خيانة نتعرض لها ليس من الأخرين بل عندما نخون نحن أنفسنا.