أمل الكردفاني- قضية التطبيع والعلمانية تحت معيار النظام العام الدستوري

..
أحد الوزراء وبعض القانونيين، ذهبوا إلى أن التطبيع أو إختيار العلمانية جائز وفقاً للوثيقة الدستورية، ولم يفصلوا في الأمر كثيراً. لكنني اتوقع أنهم يستندون إلى أن الوثيقة الدستورية تجيز لمجلس السيادة أو رئيس الوزراء إنجاز عملية السلام أو إبرام الاتفاقيات الدولية وغيرها.
غير أن هذا الرأى محل نظر، ويحتاج إلى توضيح نقطة هامة، وهي أن الوثيقة الدستورية جاءت (رغم عدم اعترافي بدستوريتها هي نفسها)، جاءت لتنظيم فترة انتقالية. هذه نقطة هامة لفهم ارتباط الوثيقة بالحكومة (كسلطة سيادة وسلطة إدارة في آن واحد) بظرفها الوقتي، وهو الذي يحصر كل أعمالها في الإطار التسييري، حتى في إبرام المعاهدات أو الاتفاقيات..الخ.
لماذا؟
لأن القانون كله مؤسس على فكرة النظام العام. لقد شرحت جانباً يسيراً منها في مقال قديم عن قانون النظام العام على الرابط التالي لمن يحب الاستزادة:
shorturl.at/BGJTX

النظام العام باختصار هو عبارة عن قيم عليا، أي يتبناها الشعب، وينهض لحمايتها وتعزيزها، وهذا النظام العام يؤثر على كافة أفرع القانون (مدني، جنائي، إداري..الخ).
لذلك يعتبر النظام العام مجموعة قيم عليا، هذه القيم لا يمكن لحكومة تسييرية أن تفرضها (إلا إن كانت تمارس حكما دكتاتورياً في الخفاء).
النظام العام الدستوري، آيدولوجيا أو مجموعة آيدولوجيات، يتبناها الشعب (إن تمت بناء على توافق جميع القوى السياسية)، أو تفرض عليه عندما تنتصر قوة أو قوى متحالفة على قوة أخرى باستخدام السلاح.
لذلك فإبرام المعاهدات لحكومة تسييرية مؤقتة، يجب أن لا يتضمن بأي حال من الاحوال، فرضاً أو تعديلاً للنظام العام الدستوري. فمثلاً، قامت حكومة حمدوك بالتوقيع على اتفاقية سيداو، وهي اتفاقية لا يجوز له التوقيع عليها، حتى لو كانت الوثيقة الدستورية تجيز لرئيس الوزراء أو مجلس السيادة إبرام المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية. لأن سيداو ترتبط بآيدولوجيا محددة. وهكذا تدخل في إطار رسم نظام عام لم يتفق عليه جميع الشعب. كذلك الحال مع التطبيع، أو علمانية الدولة. نعم يجوز للحكومة التسييرية ان توقع اتفاقيات تتعلق بالنقل الجوي، او تسليم المجرمين، أو تحديد المياه الإقليمية، أو معاملة المسجونين...الخ. أما عندما تتعلق الاتفاقية بتوجه آيدولوجي فهي هنا ترتبط مباشرة بالنظام العام، الذي يجب أن يتم تحديده على أساس دستوري، أي باتفاق كافة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني المختلفة. وإلا عد غير ذلك فرضاً لدستور لم يتم سنه بعد.
كما أن انتهاك معيار النظام العام الدستوري، لا يؤدي أبداً لنتائج إيجابية، لأنه سيفضي لعدة مشاكل منها على سبيل المثال: خلق حالة توتر واستقطابات آيدولوجية قبل وضع دستور متفق عليه؛ وهذا لا يُساهم أبداً في استقرار الدولة لا حالياً ولا مستقبلاً. والأهم من ذلك، أنها تجعل موقف الدولة أمام المجتمع الدولي محرج وغير مستقر، إذ أن الدولة قد تجد نفسها مستقبلاً مجبرة على التحلل من إلتزاماتها الدولية. والأصعب من ذلك، أن يكون ذلك التحلل صعباً للغاية، أو يؤدي إلى أعباء إضافية على الدولة. لقد قام ترامب مثلاً بالتحلل من اتفاق أمريكا مع إيران، ومن اتفاق امريكا مع باقي دول العالم حول المناخ، وغير ذلك.. وهو بالتالي سيضع خلفه في مطب كبير، عندما يحاول العودة بأمريكا من نقطة الصفر.
لقد قال وزير العدل (في الفيديو الذي عرض لقاءه مع بعض النسوة الشيوعيات)، أن حمدوك أوصى بالتوقيع على كافة الإتفاقيات الدولية. وكان سعيداً بذلك، وهو لا يدري أن التوقيع بهذا الشكل الفوضوي قد يجر بلاوي ومصائب على السودان مستقبلاً. ناهيك عن ارتباط العديد من الإتفاقيات بمسائل تدخل مباشرة في صلب النظام العام الدستوري. أي أنها تخرج مباشرة أيضاً من نطاق صلاحيات حمدوك. وتدخل في نطاق صلاحيات حكومة تستند إلى دستور متفق عليه من كافة القوى السياسية كما أسلفنا.
ما يجب أن يفهمه البرهان أو حمدوك ووزرائه، أنهم حكومة مؤقتة، حتى لو كانت لدي أي منهم طموحات استحواذية، فعلى الأقل هم لم يعلنوا عنها، وبالتالي عليهم أن يمثلوا سيناريو مسرحيتهم الهزلية والهزيلة تلك بطريقة أكثر احترافية من طريقة الهواة السمجة هذه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى