عَجِبَ الناس حين تَلاحَظ لهم خلال المُحاكمات التي تمت لفصيل من المتهمين في أعقاب ثورة يونيو 2013 كيف كان استهتارهم بالمحاكمات، سواء أكان بإعطاء ظهورهم لهيئة المحكمة، أم بالتلفظ بعبارات لا تليق بمجلس قضاء، أو بإثارة الجَلبة والضوضاء، ولكن مَن يقرأ التاريخ يتبدد لديه هذا العَجَب حين يجد أن هذا الاستهتار موروث لدى ذلك الفصيل قديم. تجلى ذلك في محاكمة قتَلة القاضي أحمد الخازندار سنة 1949.
كانت واقعة اغتيال القاضي الخازندار بتحريض وتَخطيط من عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص للإخوان المسلمين، ونَفذها كل من محمود سعيد زينهم، وحسن محمد عبد الحافظ.
تولَّى النائب العام محمود منصور بك التحقيق، واستدعى الشيخ حسن البنا ليَسأله عن صلة المتهمَين بالجماعة فأنكر تلك الصلة، ولمَّا واجهه النائب العام بأن واحد من القاتلَين هو حسن عبد الحافظ سكرتيره الخاص، اعترفَ بصلة المتهمَين بالجماعة وأنكر علمه بالجريمة.
وفي أمر ذلك الاستهتار المَوروث، يقول أحمد مُرتضَى المراغي - وزير داخلية في عهد الملك فاروق - (1): أسرعتُ بحكم وظيفتي إلى القسم لحضور استجواب المتهمَين، رأيتهما هادئَين باسمَين، كان أحدهما ضخم الجثة طويلاً وكان الآخر قصيرًا نحيفًا، وبدأ وكيل النيابة التحقيق وسأل أولهما عن اسمه فأجاب: ولماذا تريد مَعرفة اسمي؟ وسأل الثاني فأجاب: اسأل زميلي يَقل لكَ اسمي وضحك، فنهرهما وكيل النيابة وأعاد السؤال فذكر كل منهما اسمه، فسألهما هل أطلقا الرصاص على المستشار الخازندار؟ فردَّا بكل برود: ومَن هو الخازندار؟ ثم امتنعا عن الرد على أي سؤال، فتوقف وكيل النيابة عن التحقيق، ولكن أحد رجال البوليس حاول التكلم معهما فضحكا، ولم يَردَّا عليه فسَكت، وبعد ذلك مال الصغير النحيف على أذن الضخم وأسرَّ إليه شيئًا استغرق بعده في ضَحك مكتوم حتى دمَعت عيناه، فقلتُ له: هل أستطيع أن أعرف ما الذي أضحكك؟ فردَّ مُبتسمًا: أصل صاحبي خفيف الدم، وقال نُكتة حلوة.
تملَّكني غضب وحًنق لا حدَّ لهما، قاتلان يَقتلان مُستشارًا على درجة ممتازة من العِلم والخُلق، ويُرمِّلان زوجة، ويُيتِّمان طفلَين، ولا يأبهان بشيء، ولا يَحسَّان بفداحة الجُرم الذي ارتكباه، ثم يتماديان في الاستهتار بالمُحقق ورجال الأمن، ويتبادلان النِّكات بدلاً من الرد على أسئلة وكيل النيابة".
وثَبُت من حكم المَحكمة في قضية مَقتل القاضي الخازندار "الصحيفة 335" "أنَّ المتهمَين تابعان لجماعة الإخوان المسلمين، فالأول ضُبطت في غرفته أوراق تدل على أنه مُنتم إليها، وشهدت والدته في التحقيق بأنه مُنتم إلى هذه الجماعة، وأنَّ أخاه وأباه عضوان فيها، وأما الثاني فهو عضو عامل فيها".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحمد مرتضى المراغي: غرائب من عهد فاروق، دار الشروق 2009 صـ 72.
كانت واقعة اغتيال القاضي الخازندار بتحريض وتَخطيط من عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص للإخوان المسلمين، ونَفذها كل من محمود سعيد زينهم، وحسن محمد عبد الحافظ.
تولَّى النائب العام محمود منصور بك التحقيق، واستدعى الشيخ حسن البنا ليَسأله عن صلة المتهمَين بالجماعة فأنكر تلك الصلة، ولمَّا واجهه النائب العام بأن واحد من القاتلَين هو حسن عبد الحافظ سكرتيره الخاص، اعترفَ بصلة المتهمَين بالجماعة وأنكر علمه بالجريمة.
وفي أمر ذلك الاستهتار المَوروث، يقول أحمد مُرتضَى المراغي - وزير داخلية في عهد الملك فاروق - (1): أسرعتُ بحكم وظيفتي إلى القسم لحضور استجواب المتهمَين، رأيتهما هادئَين باسمَين، كان أحدهما ضخم الجثة طويلاً وكان الآخر قصيرًا نحيفًا، وبدأ وكيل النيابة التحقيق وسأل أولهما عن اسمه فأجاب: ولماذا تريد مَعرفة اسمي؟ وسأل الثاني فأجاب: اسأل زميلي يَقل لكَ اسمي وضحك، فنهرهما وكيل النيابة وأعاد السؤال فذكر كل منهما اسمه، فسألهما هل أطلقا الرصاص على المستشار الخازندار؟ فردَّا بكل برود: ومَن هو الخازندار؟ ثم امتنعا عن الرد على أي سؤال، فتوقف وكيل النيابة عن التحقيق، ولكن أحد رجال البوليس حاول التكلم معهما فضحكا، ولم يَردَّا عليه فسَكت، وبعد ذلك مال الصغير النحيف على أذن الضخم وأسرَّ إليه شيئًا استغرق بعده في ضَحك مكتوم حتى دمَعت عيناه، فقلتُ له: هل أستطيع أن أعرف ما الذي أضحكك؟ فردَّ مُبتسمًا: أصل صاحبي خفيف الدم، وقال نُكتة حلوة.
تملَّكني غضب وحًنق لا حدَّ لهما، قاتلان يَقتلان مُستشارًا على درجة ممتازة من العِلم والخُلق، ويُرمِّلان زوجة، ويُيتِّمان طفلَين، ولا يأبهان بشيء، ولا يَحسَّان بفداحة الجُرم الذي ارتكباه، ثم يتماديان في الاستهتار بالمُحقق ورجال الأمن، ويتبادلان النِّكات بدلاً من الرد على أسئلة وكيل النيابة".
وثَبُت من حكم المَحكمة في قضية مَقتل القاضي الخازندار "الصحيفة 335" "أنَّ المتهمَين تابعان لجماعة الإخوان المسلمين، فالأول ضُبطت في غرفته أوراق تدل على أنه مُنتم إليها، وشهدت والدته في التحقيق بأنه مُنتم إلى هذه الجماعة، وأنَّ أخاه وأباه عضوان فيها، وأما الثاني فهو عضو عامل فيها".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحمد مرتضى المراغي: غرائب من عهد فاروق، دار الشروق 2009 صـ 72.