احيانا لا ينبع سؤال الذات من حاجة الحصول على يقين، بل قد تكون الحاجة استنكارية طاردة لليقين. ذلك من أجل تعزيز فكرة ذوبان الأصول في ذات كلية واحدة. يسعى هذا السؤال إلى نفي هوية راهنة تدخلت في نشأتها أحداث التاريخ،وعلى اثرها صارت الذات منتمية لها ضمن سياق محدد.
سعى الشاعر صالح رحيم في مجموعته الشعرية الثانية(ريشة لطائر منقرض)الصادرة عن دار الدراويش والتي تحمل عنوان نصها الأول،إلى طرح هذا السؤال بأكثر من مستوى،كان نص المجموعة الأول يمهد لفكرة نفي الذات الراهنة،والتي تسعى لتعزيرها بقية النصوص، لكن هذا السعي يصطدم بضبابية على المستوى الفكري والتي تعكسها بصورة واضحة اللغة التقريرية في النص الاول للمجموعة:
"ولأكن أكثر وضوحاً
للريشة مزاج خبيث
تختفي في يد الطفل الوريث
وتتوهج في يدٍ أجنبية
كان آبائي يرحمهم الله
لا يعرفون أمريكا وإسرائيل".
يبدو جليا ان الاسلوبَ اللغوي حجاجي، مهموما بالكشف والتعريف،الا ان مسألة نفي اليقين تحضر أيضا لأنها سمة لآلية الاستنكار. وهذا الحضور يكون تركيبي من خلال تكرار آلية خبرية تؤشر في بدايتها وضعاً ثم تنفيه احيانا وتتجاهله احيانا أخرى ليبقى غير محسوم:
"الحياة شك
يدرك باليقين".
كما في نص (كانوا بخير) الذي يبدأ بنفس جملة العنوان ويستمر حتى نهايته ليحقق انزياحاً عن منظومته المنطقية يعارض ما جاء في أول النص:
"كانوا بخير يازبيبة... وكلنا اليوم بخير".
وهذه الآلية تستمر في نصوص أخرى في المجموعة لغاية خطابية اكثر من كونها فنية:
"كانت الوردة وردة حتى جف النهر" من نص (جرح)،
"يبقى العالم سيئاً
حتى تولد فيه فتاة مثل ابنتي" من نص(مظلة شوبنهاور).
وأود الوقوف عند هذا العنوان الذي يسجل مشاكسة نكاية بشوبنهاور الذي رأى يوما ان الجنس البشري لن يستمر اذا خضع قرار الإنجاب للمنطق العقلي.
لأن الشاعر لا يعزل نفسه عن المحيط الاجتماعي الذي يشكل موروثه لبنة مركزية في خطاب المجموعة عامة،فإن التناسل وسيلة لمعارضة الشر في رأيه، ومثلما يحاول جاهدا تجاوز هوية الراهن من خلال العودة إلى الاسلاف فإنه يغني أيضا لوعد الجيل اللاحق:
ويكف الصياد عن ملاحقة الطريدة
وتتخلص الطريدة
من كونها طريدة
فتعيش الكائن
الذي كانته في سالف الأزمان.
يستعين الشاعر في مسعاه بالافتراض الذي يمنحه قدرة غير واقعية لا تتجاوز الحقل اللغوي كأداة للتغير، طالما ان الحدود الواقعية تكبله فلا يجد ضالته الا في اللغة:
"تتمنى الشمعة
لو أنَّ لها ساق ثانية
لتضيء أكثر،
ولو توفر للإنسان ساق ثالثة
لاستثمرها
في الهرب!."
ينحى التركيب اللغوي منحى خبريا دون أي محاولة لخلق انزياح تركيبي،ويستعين احيانا بزوائد تفصل النص عن محاولة تكثيفه ليظهر بشكل من الاسهاب له علاقة بالهدف الحجاجي الأول للشاعر مثل استخدام مفردات(مثلا، أحياناً، لذا). أما الانزياح الدلالي الذي يكتنز الشعرية بأحد تعاريفها فيظهر في بعض النصوص مثل (رجل تغطيه الأيادي تدثره الظلال) و(سيرةحياةكلمة) لكن مدياته تنحسر كمياً:
"في سوق النظرة أعلن التجارُ عن إفلاسهم
ومن بينهم كنتُ الرابحَ الوحيد،
فقد تعلمتُ من حُسَّادٍ حدة النظر وقوة التركيز
دربوا عينيَّ وجعلوا منهما حربتين"
...
"تتوهج الحنجرة
وتنطفئ،
لذا ألتفتُ
يميناً ويساراً
قبل أن أعبر
لأنني على يقين
بأن القدر
لا يحترم إشارات المرور! "
سعى الشاعر صالح رحيم في مجموعته الشعرية الثانية(ريشة لطائر منقرض)الصادرة عن دار الدراويش والتي تحمل عنوان نصها الأول،إلى طرح هذا السؤال بأكثر من مستوى،كان نص المجموعة الأول يمهد لفكرة نفي الذات الراهنة،والتي تسعى لتعزيرها بقية النصوص، لكن هذا السعي يصطدم بضبابية على المستوى الفكري والتي تعكسها بصورة واضحة اللغة التقريرية في النص الاول للمجموعة:
"ولأكن أكثر وضوحاً
للريشة مزاج خبيث
تختفي في يد الطفل الوريث
وتتوهج في يدٍ أجنبية
كان آبائي يرحمهم الله
لا يعرفون أمريكا وإسرائيل".
يبدو جليا ان الاسلوبَ اللغوي حجاجي، مهموما بالكشف والتعريف،الا ان مسألة نفي اليقين تحضر أيضا لأنها سمة لآلية الاستنكار. وهذا الحضور يكون تركيبي من خلال تكرار آلية خبرية تؤشر في بدايتها وضعاً ثم تنفيه احيانا وتتجاهله احيانا أخرى ليبقى غير محسوم:
"الحياة شك
يدرك باليقين".
كما في نص (كانوا بخير) الذي يبدأ بنفس جملة العنوان ويستمر حتى نهايته ليحقق انزياحاً عن منظومته المنطقية يعارض ما جاء في أول النص:
"كانوا بخير يازبيبة... وكلنا اليوم بخير".
وهذه الآلية تستمر في نصوص أخرى في المجموعة لغاية خطابية اكثر من كونها فنية:
"كانت الوردة وردة حتى جف النهر" من نص (جرح)،
"يبقى العالم سيئاً
حتى تولد فيه فتاة مثل ابنتي" من نص(مظلة شوبنهاور).
وأود الوقوف عند هذا العنوان الذي يسجل مشاكسة نكاية بشوبنهاور الذي رأى يوما ان الجنس البشري لن يستمر اذا خضع قرار الإنجاب للمنطق العقلي.
لأن الشاعر لا يعزل نفسه عن المحيط الاجتماعي الذي يشكل موروثه لبنة مركزية في خطاب المجموعة عامة،فإن التناسل وسيلة لمعارضة الشر في رأيه، ومثلما يحاول جاهدا تجاوز هوية الراهن من خلال العودة إلى الاسلاف فإنه يغني أيضا لوعد الجيل اللاحق:
ويكف الصياد عن ملاحقة الطريدة
وتتخلص الطريدة
من كونها طريدة
فتعيش الكائن
الذي كانته في سالف الأزمان.
يستعين الشاعر في مسعاه بالافتراض الذي يمنحه قدرة غير واقعية لا تتجاوز الحقل اللغوي كأداة للتغير، طالما ان الحدود الواقعية تكبله فلا يجد ضالته الا في اللغة:
"تتمنى الشمعة
لو أنَّ لها ساق ثانية
لتضيء أكثر،
ولو توفر للإنسان ساق ثالثة
لاستثمرها
في الهرب!."
ينحى التركيب اللغوي منحى خبريا دون أي محاولة لخلق انزياح تركيبي،ويستعين احيانا بزوائد تفصل النص عن محاولة تكثيفه ليظهر بشكل من الاسهاب له علاقة بالهدف الحجاجي الأول للشاعر مثل استخدام مفردات(مثلا، أحياناً، لذا). أما الانزياح الدلالي الذي يكتنز الشعرية بأحد تعاريفها فيظهر في بعض النصوص مثل (رجل تغطيه الأيادي تدثره الظلال) و(سيرةحياةكلمة) لكن مدياته تنحسر كمياً:
"في سوق النظرة أعلن التجارُ عن إفلاسهم
ومن بينهم كنتُ الرابحَ الوحيد،
فقد تعلمتُ من حُسَّادٍ حدة النظر وقوة التركيز
دربوا عينيَّ وجعلوا منهما حربتين"
...
"تتوهج الحنجرة
وتنطفئ،
لذا ألتفتُ
يميناً ويساراً
قبل أن أعبر
لأنني على يقين
بأن القدر
لا يحترم إشارات المرور! "