في البداية كانت القصيدة بنفسها الجمالي، وكان يتحرك في محيطها السحر القصصي كما عرفه شعراء العصور الأولى ، وكانت تطل أضواء الرواية العالمية من نفس الملحمة الشعرية. ولم تضيق باللغة العربية مساحتها على مستوى الكلمة ،أوعلى مستوى الجملة الشعرية والصورة الفنّية ،وظل النص الشعري محمولا معرفيا وتاريخيا وجماليا، سواء اعتمد غرضا معينا من الأغراض الشعرية ( المدح أو الغزل أو الرثاء أو الفخر والهجاء)، ومع تواكب الازمنة والأحداث وقع ذلك الإنقلاب الرهيب على مستوى النص الشعري، فانفتح العالم على عوالم جديدة ، وظهرت كتابات من رحم النص الشعري بفنياتها الجديدة. والحقيقة المرّة التي لا نعترف بها هي أن النص الشعري في الجزائر وفي كل بلدان الوطن العربي يحتاج منّا الى مصارحة مع الذات بأن نعترف وأن نقول: ليس كل مايكتب في أيامنا هذه على صفحات التواصل الإجتماعي هو من الشعر، وأن نعترف بضعف ابداعنا الشعري الحاصل على مستوى اللغةن والصورة، وذلك نتيجة التغيير النفسي والإجتماعي والثقافي والحضاري في عالمنا المترامي الأطراف. وذلك ما جعل الكثير من الشعراء يهرعون الى تلك الإستخدامات اللغوية التي جعلت النص الشعري يخرج عن مواصفاته الفنية والجمالية ويدخل تلك الضبابية المعتمة، وتلك الضحالة القاتلة التي رافقتها مسميات أخرى باسم الشعر.فالومضة الشعرية ليست من الشعر في شيء، بل إنّها تعبير عن حالة مأسوية للنص الذي يعيشها كاتبه، ويحاول فرضها ضمن دائرة الشعر عبر تلك المواقع التواصلية، وكأنّ صاحبها به إصابة لوثة فنية أو خدر فني، يحاول الإختصار لما يراد قوله إن هو أطال الكلام.فالومضة ليست إضافة للنص الشعري الجيد الجاد، والنّص المفتوح في الغالب ليس شعرا أيضا، إنّما هو نصّ سرديّ يكتب على هامش القصيدة الشعرية، وما أكثر أولئك الذين عجزواعن كتابة النّص الشعري، فكتبوا الومصة ، وكتبواالنّص الواهم. إنّ كلّا من الومضة والنص المفتوح ليس هما من الشعر، وقد يخالفني الرأي البعض على أنّهما من النص ( القصيدة النثرية) أقول : نعم ، ولكن للقصيدة النثرية فنياتها وقواعد كتابتها.تلك الإضافات التي يسميها أدعياء الكتابة والنقد هي من الشعر،فاعتذر لكم إن قلت : إنّها إضافات لقيطة تولّدت على حساب النّص الشعري الأصيل سواء كان نصا عموديا أو نصا حرّا حداثيا، ورغم ذلك سيظل الشعر منارة الكلام الفاره،وهجا للروح فيضا مسترسلا من المشاعروالاحاسيس والطاقات الإبداعية المدهشة، إذا عزّ الكلام،وليس صحيحا أيضا أنّ الرواية هي سيدة الموقف في زمننا هذا إنما كل الأجناس الأدبية تنهل من مضمون النص الشعري الجيد.