للمرأة المبدعة خصوصيتها في إبداعها، سواء على مستوى اللغة أو على مستوى الرموز؛ فالعالم الخاص للمبدع لا يمكن فصل ظلاله عن إبداعه. والواقع أن المرأة تختلف عن الرجل في خصوصياتها فالمرأة بوجه عام أعمق حبا للحياة وللجمال وأكثر اهتماما بالوجود، وإن كانت شكليات العالم الذكوري استطاعت أن تنحيها عن اللقطات في الصور، فلا شيء استطاع أن ينحي المرأة عن الفاعلية في الممارسة الحيوية للتواجد الإنساني. المرأة أعمق إحساسا بالتواصل، وأعمق إحساسا بالفقد، فرحها أصيل، وحزنها قاتل. حتى شعور المرأة بالجمال جوهري في حياتها تحرص عليه وترعاه لأنها ترى أنها يجب أن تكون جميلة، بعكس شعور الرجل بالجمال فهو شعور استهلاكي غالبا.
نلمس هذا في مجموعة الكاتبة أسماء هاشم "عجوز تفك ضفائرها" والصادرة عن دار النسيم هذه الأيام آخر 2020 . المجموعة تغلب عليها المفردات التي ارتبطت بالأنثى في جنوب مصر خاصة، وتحديدا ارتبطت بما يمكن أن نطلق عليه أنثروبولوجيا الفقد والحزن.. فالموت في المجموعة حاضر ورابض بطقوسه وأثاره وآلمه الشكلية والنفسية وشكله الإجتماعي وحتى تركاته. فلم يكن عنونة القصة الأولى بعنوان اليتيمة من باب الصدفة كما أن العنوان العام "كعجوزز تفك ضفائرها" لم يأت جذافا؛ ففك الضفائر هلعا هو انعكاس الموت على على شكل الكبار "اندهش أصدقاء الفيس بوك من العدودة التي كتبتها على صفحتي بعد الوفاة وربما رأوني مثل عجوز جنوبية فكت ضفائرها وتشيل التراب على رأسها وتبكي بحرقة وحين لا يشفي البكاء غليلها من الحزن تصرخ بوووبووووبوووووه".
واليتم هو انعكاس الموت على شكل ومضمون الأطفال؛ يرثون همومه التي قد تكون مادية من أثر الفقر المترتب على غياب العائل، ولكن الأصعب ما يترتب عليه من التمزق الوجداني بين عوائلهم وأولياء أمورهم؛ مما يخصهم ويرسخ في وجدانهم ما لا يعرفه الآخرون. هكذا حال اليتيمة حتى شعرها كان موضوع نزاع بين أمها وعمتها ربما هذا ما أدى إلى تمرده على نفسه ليمرض ويكون مصيره الحلق.
استخدمت الكاتبة المعادلات الموضوعية في كثير من القصص سواء استخداما عاديا كرمزية لها دلالاتها كما في "نخلة جدنا إدريس" حيث محو الزمن لكعب جريدها الذي يستخدم كسلالم للصعود ليتم تلقيحها وجني ثمارها، إلى بلحها وانحناء جزئها العلوي على النيل من فرط ثقل الطرح، فضلا عن تحكم طالع النخل في أهلها وطمعه المستمر في مشاركتهم رزقها بحجة صعوبة العمل لصالح هذه النخلة وورثتها، وحتى استطالة النخلة لدرجة أنه صار من الصعب تصويرها كلية إلا من خلال ظلها، وصعوبة توزيع ثمارها بالعدل نظرا لتكاثر ورثتها .. كلها رمزيات للحياة التي توسعت وتمددت وصارت الإحاطة بها وبأمورها صعبة حتى أنك لا تستطيع تكوين صورة كاملة واضحة إلا من خلال انعكاس الأصل على صفحة الرؤيا الشخصية؛ لذا صار الجميع يتنصل من تولي أمر رعايتها وتوزيع عطاءها؛ فأنى لأحد العدل؟ وقد صار الورثة أكثر عددا من ثمارها، وتوزعوا في أرجاء البلاد. في هذه القصة صارت النخلة نفسها هي مبدعة الأحداث وكاتبة قصتها وكأنها الحياة وعلاقتها بالأحياء وعلاقتهم بها.
أما في قصص كثيرة أخرى استخدمت الكاتبة المعادل الموضوعي كموسيقى تصويرية في خلفية التصوير للواقعين الوجداني والمادي. من بداية العنوان حيث اتخذت الكاتبة من ضفائر شعر الأنثى تيمة تكرارية تتغير دلالاتها بتغير المواقف فالشعر كما هو "وجه الأنثى الثاني" كما كان يقول العرب هو الصفححة التي تنعكس عليها جوانياتها فالشعر عادة مصفف ومتناسق، لكنه في الأفراح تزيده الأنثى حضورا مبهجا بالمبالغة في تجميله وتشكيله، وفي الأحزان قد تهمله أو تنكشه، أو في بعض الأماكن قد يتحول لمعبر عن حالة الحزن الداخلي
وشعر الأنثى تحديدا دال على مدى الرعاية التي تتلقاها البنت " وحين تجد ضفائري متهدلة وخصلات متناثرة على جبهتي و بقايا نعاس تظلل وجهي بينما أمي في ساحة البيوت مع الجارات تثرثر بأخبار الصباح، وقتها لا تخفي عمتي غضبها وتسحبني إلى بيتها وسط ضجة يحدثها صوتها المجلجل وهي تشكو لكل من يقابلها إهمال أمي، وتعرض ضفائري المتهدلة وشعري المبعثر لفحص عيون الجميع لتثبت تهمة الإهمال على زوجة الأخ التي هي أمي .. " وكما تحرص العمة على إثبات تهمة الإهمال تحرص الأم على إثبات صفة الرعاية حتى إنها تحتفظ بضفائر بنتها بعد الاضطرار لحلق شعرها لعلاج فروة الرأس. والشعر أيضا دال على الزمن وتقلباته؛ فالشعر الذي كان (حين مات أبي، تصف أمي طوله في ذلك الوقت بأنه كان في طول عقلة إصبع"، هو الذي جعلت منه الرعاية ضفيرتين عظيمتين صارتا قدوة للأمهات " صارت أمي بين نسوة النجع خبيرة بشأن كل ما يطيل الشعر ويحسن خصلاته " وجعل منه الإهمال والتمزق تاريخا في كيس كأثر وكأن الشعر حضارة وطن تتفجر حيوية مع رعايتها وتصير أثرا مع إهمالها؛ حتى أنه يحتاج لحلقه وبنائه من جديد (عجزت أيضًا عن علاجها. فلا نفع معها مسحوق القرض ولا لبخة الحنة الساخنة المعجونة بمنقوع القرض المر. كانت البثور تتناسل بصورة آلمتني، خافت أمي من جلجلة صوت العمة واتهامها بالإهمال والتقصير وربما تشكوها للأعمام المسافرين .
مثلما ترضخ أمي لصوت العمة المجلجل رضخت لصوت طبيب مدينة كوم أمبو الذي رفض إعطاء الدواء حتى يتخلص رأسي من كل الشعر الكثيف.) قد يكون العلاج والمراجعات لهما ألم في النفس والوجدان، لكن الدواء يحتاج الحسم والعلم لا الطرق البدائية المقدسة.
والشعر أيضا دال على الصراع بين الحياة والموت: طرفا الهم في وجودنا الإنساني والتي أفرغت لهما الكاتبة تقريبا طاقتها الإبداعية في هذه المجموعة منذ العنوان "عجوز تفك ضفائرها"، فهذا الفعل مرتبط بطقوس النواح على الموتى في موروثات الصعيد.
وفي قصة "ملاك الموت" يصير الغراب معادلا للملاك الذي يقتنص الأرواح والتي لا تستطيع أن تختفي منه مهما حرست الدور بالرجال وسدت كل الشقوق بالطين. ويصير الكتكوت معادلا للإنسان الذي مهما قاوم الموت لابد مهزوم أمامه
" في لحظة خاطفة غاب نور الشمس تحت ظل ثقيل تحرك بسرعة خاطفة وكانت صوصوة أحد الكتاكيت المخطوفة. كانت أجنحة طائر أسود ترفرف فوقنا .مفرودة على آخرها وآخر صوصوة للكتكوت لفظها وهو بين منقار الطائر الذي فر بعيدا في السماء بينما جسد أمي يترجرج في ثوبها الأسود لتلحق بالطائر المغدور. فيما يتعارك ظلها وظل الطائر كان يتساقط علينا زغب الكتكوت المغدور وظلت صوصوته المستغيثة تذكرني بصراخنا الفزع يوم موت أبي."
اللغة في المجموعة لغة تأثيرية تستطيع أن تضع القارئ في الحدث وتحفذ المخيلة على العيش في عالمه بكل ظلاله رغم بساطة المفردات وانسيابية السرد " أحاول تذكر رائحة أبي قبيل موته. كانت رائحته مزيجًا من عطر مسحوق الغسيل والصابون المعطر الذي يستحم به وعطور يشتريها لا تمحو رائحة عرقه التي احتفظت بها أمي في ملابسه المخزونة في صندوق البيت. تلفتُ في فضاء الخور وفي شريط السماء الذي يسقف المسافة بين الجبلين، من أين ستظهر يا ملاك الموت..؟حاولت مرة تسلق جبل الخور لأراه فسقطت مكسورة الساق في المساحة بين الجبلين وجلست شهورا بساق ممدودة وظهر مسنود على كتف الجبل أسأل رفيقات المدرسة اللاتي يزرنني هل رأينه ؟ من أين سنظهر يا ملاك الموت؟" وكما نلاحظ تركيز الكاتبة على الروائح وهي جوهر التأثير وأهم محدثاته؟ ثم السؤال قبل فقرة الصراع وبعدها لتوحي بالحرقة وتأكيد الهم فليس مفجرا لطاقة العقل شيء مثل الأسئلة.
نلمس هذا في مجموعة الكاتبة أسماء هاشم "عجوز تفك ضفائرها" والصادرة عن دار النسيم هذه الأيام آخر 2020 . المجموعة تغلب عليها المفردات التي ارتبطت بالأنثى في جنوب مصر خاصة، وتحديدا ارتبطت بما يمكن أن نطلق عليه أنثروبولوجيا الفقد والحزن.. فالموت في المجموعة حاضر ورابض بطقوسه وأثاره وآلمه الشكلية والنفسية وشكله الإجتماعي وحتى تركاته. فلم يكن عنونة القصة الأولى بعنوان اليتيمة من باب الصدفة كما أن العنوان العام "كعجوزز تفك ضفائرها" لم يأت جذافا؛ ففك الضفائر هلعا هو انعكاس الموت على على شكل الكبار "اندهش أصدقاء الفيس بوك من العدودة التي كتبتها على صفحتي بعد الوفاة وربما رأوني مثل عجوز جنوبية فكت ضفائرها وتشيل التراب على رأسها وتبكي بحرقة وحين لا يشفي البكاء غليلها من الحزن تصرخ بوووبووووبوووووه".
واليتم هو انعكاس الموت على شكل ومضمون الأطفال؛ يرثون همومه التي قد تكون مادية من أثر الفقر المترتب على غياب العائل، ولكن الأصعب ما يترتب عليه من التمزق الوجداني بين عوائلهم وأولياء أمورهم؛ مما يخصهم ويرسخ في وجدانهم ما لا يعرفه الآخرون. هكذا حال اليتيمة حتى شعرها كان موضوع نزاع بين أمها وعمتها ربما هذا ما أدى إلى تمرده على نفسه ليمرض ويكون مصيره الحلق.
استخدمت الكاتبة المعادلات الموضوعية في كثير من القصص سواء استخداما عاديا كرمزية لها دلالاتها كما في "نخلة جدنا إدريس" حيث محو الزمن لكعب جريدها الذي يستخدم كسلالم للصعود ليتم تلقيحها وجني ثمارها، إلى بلحها وانحناء جزئها العلوي على النيل من فرط ثقل الطرح، فضلا عن تحكم طالع النخل في أهلها وطمعه المستمر في مشاركتهم رزقها بحجة صعوبة العمل لصالح هذه النخلة وورثتها، وحتى استطالة النخلة لدرجة أنه صار من الصعب تصويرها كلية إلا من خلال ظلها، وصعوبة توزيع ثمارها بالعدل نظرا لتكاثر ورثتها .. كلها رمزيات للحياة التي توسعت وتمددت وصارت الإحاطة بها وبأمورها صعبة حتى أنك لا تستطيع تكوين صورة كاملة واضحة إلا من خلال انعكاس الأصل على صفحة الرؤيا الشخصية؛ لذا صار الجميع يتنصل من تولي أمر رعايتها وتوزيع عطاءها؛ فأنى لأحد العدل؟ وقد صار الورثة أكثر عددا من ثمارها، وتوزعوا في أرجاء البلاد. في هذه القصة صارت النخلة نفسها هي مبدعة الأحداث وكاتبة قصتها وكأنها الحياة وعلاقتها بالأحياء وعلاقتهم بها.
أما في قصص كثيرة أخرى استخدمت الكاتبة المعادل الموضوعي كموسيقى تصويرية في خلفية التصوير للواقعين الوجداني والمادي. من بداية العنوان حيث اتخذت الكاتبة من ضفائر شعر الأنثى تيمة تكرارية تتغير دلالاتها بتغير المواقف فالشعر كما هو "وجه الأنثى الثاني" كما كان يقول العرب هو الصفححة التي تنعكس عليها جوانياتها فالشعر عادة مصفف ومتناسق، لكنه في الأفراح تزيده الأنثى حضورا مبهجا بالمبالغة في تجميله وتشكيله، وفي الأحزان قد تهمله أو تنكشه، أو في بعض الأماكن قد يتحول لمعبر عن حالة الحزن الداخلي
وشعر الأنثى تحديدا دال على مدى الرعاية التي تتلقاها البنت " وحين تجد ضفائري متهدلة وخصلات متناثرة على جبهتي و بقايا نعاس تظلل وجهي بينما أمي في ساحة البيوت مع الجارات تثرثر بأخبار الصباح، وقتها لا تخفي عمتي غضبها وتسحبني إلى بيتها وسط ضجة يحدثها صوتها المجلجل وهي تشكو لكل من يقابلها إهمال أمي، وتعرض ضفائري المتهدلة وشعري المبعثر لفحص عيون الجميع لتثبت تهمة الإهمال على زوجة الأخ التي هي أمي .. " وكما تحرص العمة على إثبات تهمة الإهمال تحرص الأم على إثبات صفة الرعاية حتى إنها تحتفظ بضفائر بنتها بعد الاضطرار لحلق شعرها لعلاج فروة الرأس. والشعر أيضا دال على الزمن وتقلباته؛ فالشعر الذي كان (حين مات أبي، تصف أمي طوله في ذلك الوقت بأنه كان في طول عقلة إصبع"، هو الذي جعلت منه الرعاية ضفيرتين عظيمتين صارتا قدوة للأمهات " صارت أمي بين نسوة النجع خبيرة بشأن كل ما يطيل الشعر ويحسن خصلاته " وجعل منه الإهمال والتمزق تاريخا في كيس كأثر وكأن الشعر حضارة وطن تتفجر حيوية مع رعايتها وتصير أثرا مع إهمالها؛ حتى أنه يحتاج لحلقه وبنائه من جديد (عجزت أيضًا عن علاجها. فلا نفع معها مسحوق القرض ولا لبخة الحنة الساخنة المعجونة بمنقوع القرض المر. كانت البثور تتناسل بصورة آلمتني، خافت أمي من جلجلة صوت العمة واتهامها بالإهمال والتقصير وربما تشكوها للأعمام المسافرين .
مثلما ترضخ أمي لصوت العمة المجلجل رضخت لصوت طبيب مدينة كوم أمبو الذي رفض إعطاء الدواء حتى يتخلص رأسي من كل الشعر الكثيف.) قد يكون العلاج والمراجعات لهما ألم في النفس والوجدان، لكن الدواء يحتاج الحسم والعلم لا الطرق البدائية المقدسة.
والشعر أيضا دال على الصراع بين الحياة والموت: طرفا الهم في وجودنا الإنساني والتي أفرغت لهما الكاتبة تقريبا طاقتها الإبداعية في هذه المجموعة منذ العنوان "عجوز تفك ضفائرها"، فهذا الفعل مرتبط بطقوس النواح على الموتى في موروثات الصعيد.
وفي قصة "ملاك الموت" يصير الغراب معادلا للملاك الذي يقتنص الأرواح والتي لا تستطيع أن تختفي منه مهما حرست الدور بالرجال وسدت كل الشقوق بالطين. ويصير الكتكوت معادلا للإنسان الذي مهما قاوم الموت لابد مهزوم أمامه
" في لحظة خاطفة غاب نور الشمس تحت ظل ثقيل تحرك بسرعة خاطفة وكانت صوصوة أحد الكتاكيت المخطوفة. كانت أجنحة طائر أسود ترفرف فوقنا .مفرودة على آخرها وآخر صوصوة للكتكوت لفظها وهو بين منقار الطائر الذي فر بعيدا في السماء بينما جسد أمي يترجرج في ثوبها الأسود لتلحق بالطائر المغدور. فيما يتعارك ظلها وظل الطائر كان يتساقط علينا زغب الكتكوت المغدور وظلت صوصوته المستغيثة تذكرني بصراخنا الفزع يوم موت أبي."
اللغة في المجموعة لغة تأثيرية تستطيع أن تضع القارئ في الحدث وتحفذ المخيلة على العيش في عالمه بكل ظلاله رغم بساطة المفردات وانسيابية السرد " أحاول تذكر رائحة أبي قبيل موته. كانت رائحته مزيجًا من عطر مسحوق الغسيل والصابون المعطر الذي يستحم به وعطور يشتريها لا تمحو رائحة عرقه التي احتفظت بها أمي في ملابسه المخزونة في صندوق البيت. تلفتُ في فضاء الخور وفي شريط السماء الذي يسقف المسافة بين الجبلين، من أين ستظهر يا ملاك الموت..؟حاولت مرة تسلق جبل الخور لأراه فسقطت مكسورة الساق في المساحة بين الجبلين وجلست شهورا بساق ممدودة وظهر مسنود على كتف الجبل أسأل رفيقات المدرسة اللاتي يزرنني هل رأينه ؟ من أين سنظهر يا ملاك الموت؟" وكما نلاحظ تركيز الكاتبة على الروائح وهي جوهر التأثير وأهم محدثاته؟ ثم السؤال قبل فقرة الصراع وبعدها لتوحي بالحرقة وتأكيد الهم فليس مفجرا لطاقة العقل شيء مثل الأسئلة.