“ليس التّذكّر نفيا للنّسيان، التّذكّر شكل من النّسيان”
ميلان كنديرا (1)
“وحدّثت أنّ الجاحظ قال: نسيت كنيتي ثلاثة أيّام، حتّى أتيت أهلي. فقلت لهم: بم أُكنى؟ فقالوا: بأبي عثمان.” (2 ).
***
لا يقصّ علينا هذا الخبر حادثة النّسيان وإنّما يخبرنا بإيجاز مفرط في اقتصاده حدثَ اكتشاف النّسيان découverte وانكشاف dévoilement المنسيّ. وما اكتشفه الجاحظ وقت الحادثة هو أنّه نسي اسمه، وما انكشف له بذاك الاكتشاف هو أنْ ليس له اسم، فالنّسيان جعله بلا اسم. وحينئذ، ليس الخبر من هذا المنطلق سوى استعادة بالقول لذلك الاكتشاف، واستئناف لذاك الانكشاف في مشهد آخر مافتئ يذكّر ويتذكّر بأنّ ما استعيد قد ظلّ طيّ النّسيان نسيا منسيّا طيلة ثلاثة أيّام. هذا المنسيّ هو في ظاهر الأمر الكنية. ولكن إن لطّفنا النّظر وأنعمناه لألفينا أنّ ما نسيه الجاحظ ليس الكنية بل اسم الكنية. فهو يذكر أنّ له كنية، ويعلم أنّ لكنيته اسما، ويعلم أيضا أنّ المنسيّ هو اسم الكنية. وهو فوق كلّ ذلك يعلم أين هي، وفي أيّ مستودع أودعت (أهلي)، ويعرف رغم النّسيان الّذي أصابه كيف يعثر عليها وكيف يسترجعها لتعود إليه. فما الّذي أصابه النّسيان إذن؟ إنّه الدّالّ الّذي به يكون للاسم اسم، أي الدّالّ الّذي يمثّل الاسم. فما أصابه النّسيان ليس الكنية بل اسم الكنية، وما كُبت في حادثة النّسيان ليس الاسم بل اسم الاسم. ومعنى ذلك أنّ النّسيان لم يكن كلّيا شاملا فَقَدَ فيه الجاحظ ذاكرته وملكة التّذكّر، فأصبح فاقدا للذّاكرة amnésique، وإنّما هو مجرّد نسيان oubli مُحي فيه اسمُ الاسم، أو اسمُ الكنية، فأصبح موضع الاسم بلا اسم، يفتقر للدّالّ الّذي يمثّله ويسمّيه. وعندما يصيب النّسيان اسم الكنية فقط، أو دالّ الاسم، وهو هاهنا “أبو عثمان”، ينقلب النّسيان كَبْتًا له صلة وثيقة بقوى النّسيان. وهي قوى لها أواصر متينة بالشّوق désir البشريّ. ولعلّه لأجل ذلك استحال إدراك هذه القوى على النّحو الّذي تدرك به الظّواهر الطّبيعيّة أو مقاربتها كما تقارب الحقائق العلميّة. فلا يمكن أن تتأسّس على النّسيان حقيقة علميّة، لأنّ الحقيقة العلميّة مندرجة في سجلّ الصّواب والدّقّة والتّطابق. كما لا يمكن أن يكون النّسيان ظاهرة من ظواهر الاعتقاد كالدّين والأسطورة والأدب والفنّ، ففي الاعتقاد حملٌ على الاعتقاد في معرفة من المعارف، وحملٌ على تصديق حقيقة مّا. فللنّسيان حقيقة مخصوصة لا تتعرّى في الصّدق ولا تنجلي في الصّواب، ولا تكون بالتّصديق والتّسليم والإيمان، ولكنّها لا تنقال إلاّ باستحالة القول. وبذلك يعلّمنا النّسيان شيئا جوهريّا هو أنّه ينهض على علم مثقوب، أو علم مصاب بنقص مركزيّ مادامت الحقيقة في النّسيان لا تنقال بنصف قول أو شبه قول وإنّما بالصّمت واستحالة القول ( 3). فالحقيقة في النّسيان هي ممّا يستحيل قوله لأنّنا لا نعرف كيف نقولها (4 ). فقوى النّسيان كالشّوق هي من مجال اللاّشعور الّذي بخلاف النّسيان يقول بعض القول، ولكنّه لا يقول كلّ شيء (5 ). وعلى هذا النّحو صارت قوى النّسيان كاللاّشعور مشكّلة لبنية العلم على نحو مختلف (6 ). لنفترض أنّ الجاحظ يستجيب لكلّ نداء، ويتعرّف كلّما نودي إلى اسمه أو اسم اسمه، فإنّه في الواقع يعرب بتلك الاستجابة عن إذعانه لنظام مّا من التّسمية (7 ). ولكنّه بالنّسيان ينفصل عن هذا النّظام. فهذا النّسيان غير المتوقّع أو غير المنتظر إنّما هو في الحقيقة شكل من أشكال العجب، لأنّه به (أي بالنّسيان) ابتدعَ [لا-اسما]. وبذلك يكتسب النّسيان من منظور الجاحظ على الأقلّ الدّلالة التّالية وهي: أنا لست حيث تناديني، أنا هناك حيث لا أدري ولا تدري.
إنّ ظهور موضع هذا الـ “هناك”، هذا الّذي لا يتحدّد بالمحدّدات الفضائيّة المعهودة من قبيل (فوق ¹ تحت/ يمين ¹ شمال/ خلف ¹ أمام) إنّما يعرب عن ضياع الجهات السّتّ، أي عن ضياع العلم واختفائه، ويعرب في الآن نفسه عن ظهور ثقب في العلم، أو ضرب من المعرفة المثقوبة (8 )، أو نوع من الحبل السّرّيّ بواسطته يخاطبنا هذا اللاّعلم ويظهر على الرّكح بثقب لا بفضل الذّاكرة. ففي ذاك الثّقب الّذي يفضي إلى هذا الـ »هناك « سقط الاسم المنسيّ. يمكن أن نؤوّل هذا اللاّعلم، أو هذه المعرفة المثقوبة الّتي بها انقلب اسم الكنية إلى [لا-اسم، على أنّه يمثّل شوق الجاحظ إلى أن يُنْسى بأن يَنْسى اسمه، ولذلك كان سبيله إلى هذا الشّوق هو أن يجعل اسمه، اسم العلم، اسم كنيته الّتي بها عُرف واشتهر (أبو عثمان) مبنيّة على نحو مختلف، على غير ما جرت به التّسمية، وهو أن يحوّله إلى موضوع ضائع، أو اسم منسيّ. ولكن لماذا كان نكران الاسم أو كبته هو ذاته شوق المسمّى؟ بل لماذا اتّخذ هذا الكبت شكل نسيان؟ ثمّ لماذا كان هذا النّسيان ذاته هو ما يعيّن شوق المسمّى؟
إنّ الشّوق هو دائما وأبدا شوق إلى المستحيل، ولكنّه ها هنا يتّحد بمعناه الأصليّ، وهو الغياب (9 ). فشوق الجاحظ لا يبنى باسمه معلوما وإنّما ينبني باسمه منسيّا بغياب ما يمثّله من الأسماء. فشوق الجاحظ ليس شوقا إلى غياب الاسم، أو اسم الاسم، وإنّما هو شوق إلى غياب الدّالّ الّذي بغيابه لا يكون للاسم اسم، فلا شيء يمثّله عند الآخر الكبير Autre، ولا شيء يمثّله في ذاكرة الذّات.
يقتضي ذلك كلّه أن يكون النّسيانُ موضوعَ الشّوق، وأن يكون نسيان الاسم هو ما يمثّل موضوع ذاك الشّوق. وحينئذ يغدو شوق المسمّى شوقا إلى التّعجّب، وتشوّقا إلى “ما خفي سببه ولم يعلم”، واشتياقا إلى النّسيان بما هو السّبيل إلى اللاّعلم واللاّمعرفة.
وعلى هذا النّحو، لم يعد النّسيان بحكم ذلك آفة العلم كما اشتهر في المأثور الأدبيّ إنّما أصبح هذه القدرة على الغياب، هذا العلم الّذي مرّ به الاسم إلى النّاحية الأخرى حيث انقلب إلى موضوع منسيّ لا يمكن تذكّره. فالنّسيان هو هذا التّحويل الّذي أجري على الاسم (10 )، فأضحى بمقتضاه خارج نطاق نظام الذّاكرة والعلم، وانقلب من جرّاء ذلك الخروج إلى موضوع ضائع (¹ ذائع) لأنّه كان من المفروض أن لا يُنسى، وأن لا يكون موضوع افتقار وفقدان. فهو موضوع ضائع لأنّه ليس موجودا في الموضع الّذي ينبغي أن يوجد فيه. ولأنّه موضوع ضائع فهو يثير العجبَ، أو قُلْ هو موضوعُ عجبٍ مادام العجب يعني “إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده”، أو “التّعجّب من الشّيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه” أو “خفي سببه ولم يعلم”. فالموضوع الضّائع هو موضوع قد وسمه العجب بحيث يتعطّل فيه التّفكير والتّذكّر والعلم والمعرفة. وهذا التّعطّل هو الّذي حمل الجاحظ إلى عتبة الملغز وما فيه من عجب L’étonnement (11 )، وجعله متعجّبا، معطّل التّفكير والذّاكرة، غير قادر على التّذكّر لأنّ الوسائل الّّتي كان بها يعرف اسمه لم تعد صالحة وذات فائدة ليعرف في أيّ موقع اختفى الاسم، وترك باختفائه شيئا آخر ينجم هو اللاّمعرفة الّتي جرى التّعبير عنها في نصّ الخبر بمحنة النّسيان الّتي دامت ثلاثة أيّام. ولكن، إذا كان سبيل النّسيان هو هذه السّبيل فكيف عُلم أنّه دام ثلاثة أيّام لا تزيد ولا تنقص؟ وقبل كلّ شيء ما معنى ثلاثة أيّام؟ ما دلالة هذا التّقسيم التّاريخيّ، وهذا التّقويم الاجتماعي للزّمن؟ وكيف يمكن أن نقيس به النّسيان الّذي يقتضي أن ينتمي إلى زمنيّة لاتاريخيّة، أو زمان خارج كلّ زمان وتاريخ؟ هل تدلّ هذه المدّة على نسيانٍ لا ينسى واستحالة نسيان مالا ينسى؟ أم هي تشير إلى صدع في الاستمراريّة، أو انقطاع في المستمرّ، وانفصال في المتّصل بها يمكن التّيه في بُعد سِرّيّ لا ينفتح إلاّ في هذا الانقطاع التّاريخيّ الّذي هو الزّمان اللاّتاريخيّ ؟ أليست زمانيّة النّسيان من زمان اللاّشعور الّذي لا يعرف الزّمن كما أكّد فرويد (12 ).
إنّ هذا النّسيان الّذي دام ثلاثة أيّام لم يكن تكرارا يوميّا للنّسيان وإنّما هو خبر نقله الجاحظ بوصفه إخبارا عن حدث جرى لأوّل مرّة. فالتّكرار لا يولّد سوى الملل الّذي يبدّد من طاقة العجب بما هو “إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده”. فالملل هو تكرار هذا الّذي سبق أن حدث، أو سبقت معرفته على نحو تماثلت فيه هويّة ما حدث وما يحدث الآن. أمّا النّسيان فلا يتكرّر وإنّما يدوم في الزّمان. وهو إذ يدوم يعيد بداية مّا يصعب تكرارها أو التّعوّد عليها ومؤالفتها لأنّها ممّا يخرق العادة ويخرج عن المعهود المألوف. ولمّا كان العجب هو تعجّب من هذا الخرق الّذي انفتح في المألوف والعادة والمعهود أضحى التّعجّب بهذا المعنى عملا يعاد فيه تذكّر البداية ولكن كذكرى عمل نفسيّ ( الكبت الأصليّ Le refoulement originaire) لا تمتلك ذاكرة الذّات في شأنه أيّ تمثيل، أو دالّ يمثّله (13 ).
بيد أنّ ما ظلّ الجاحظ يكرّره، حتّى بعد أن استعاد اسم اسمه واسترجع ذكراه وذكره والعلم به، إنّما هو شوقه إلى النّسيان ولكن في مشهد آخر هو مشهد الكتاب. فأن يرسل الجاحظ كتابا من تأليفه “لم يترجم باسمي” كما يقول، أي غيرُ حامل لاسمه، وخال من وسمه، ومجرّدٌ من خاتمه، إنّما هو تكرار لمشهد النّسيان على نحو مختلف. فإذا كان نسيان الاسم قد جرى بكبت الاسم في مشهد النّسيان فإنّ غياب الاسم لم يجر في مشهد الكتاب بعمل نفسيّ لاشعوريّ على غرار الكبت وإنّما بقتل الاسم.
ينبغي أن نوضّح أنّ قتل الاسم le meurtre du nom (14 ) لم يكن بإخفاء آثار الجريمة فحسب على غرار ما يحدث عندما تحرّف النّصوص أو يتغيّر مظهرها، أو تنقل من مكانها الأوّل إلى موضع آخر (15 )، وإنّما كان باستحالة ترجمة الكتاب بالاسم الشّخصيّ، أي بجعل الاسم لا يسمّى innommable، لأنّ ذاك الّذي يسمّي قد فقد القدرة على تسمية الاسم. وهاهنا يكمن الفرق بين مشهد النّسيان ومشهد الكتاب. ففي المشهد الأوّل يمتلك الجاحظ [لا-اسما] اكتسبه لا بعدم قدرته على تسمية الاسم، وإنّما نحته بعلم مثقوب، بعدم المعرفة الّتي جعلته لا يعرف كيف يسمّي اسمه. أمّا في مشهد الكتاب، فقد كان الجاحظ يعرف اسمه، ولكنّه امتنع من ذكره مترجما إيّاه بدوالّ أسماء أخرى، فتحوّل اسمه بتلك التّرجمة إلى اسم لا يسمّى بحكم ذلك الامتناع. ولمّا كانت هذه التّرجمة قد جرت بصيغ مختلفة فإنّ علاقة الكتاب باسم المؤلّف، وهي علاقة نسبة ونسب كما حدّدها الجاحظ نفسه بعبارات متنوّعة مثل “وأنسبه إلى نفسي ... منسوبا إليّ، وموسوما بي ... ولم ينسب إلى تأليفي”، قد كانت متوتّرة تشهد على أنّ العلاقة بين السّلاليّLe filial والمكتوبL’écrit في معظم مؤلّفات الجاحظ قد كانت محكومة بلعبة اختفاء الاسم وظهوره، يمكن أن نسمّيها لعبة الأختام.
الشواهد:
1- انظر: Kundera, Milan: (2003) Les testaments trahis, folio, p154:
“Le souvenir n’est pas la négation de l’oubli. Le souvenir est une forme de l’oubli”
2- الحمويّ الرّومي، شهاب الدّين ياقوت: معجم الأدباء. إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب. تحقيق د. إحسان عبّاس (8 أجزاء) دار الغرب الإسلامي. بيروت ـ لبنان، الطّبعة الأولى 1993، ج5،ص2101
3- انظر: Fonteneau, Françoise: (1999) L’éthique du silence. Wittgenstein et Lacan. Éditions du Seuil ,Paris
4- انظر: Descombes, Vincent : ( 1977 ) L’inconscient malgré lui. Les Éditions de Minuit. Paris, p14 الّذي يعرّف اللاّشعور بقوله: “ليس اللاّشعور ما لا تريد الذّات قوله، وإنّما هو ما لا تعرف الذّات قوله، وهو ما تقوله رغم أنفها – L’inconscient n’ est plus ce que le sujet ne veut pas dire, il est ce que le sujet ne sait pas dire, ce qu’il dit malgré lui.”
5- انظر: André, Serge : (2001-1995) Que veut une femme ? Points-Essais , p12
6- ليس للاّشعور علاقة بالحقيقة واللاّحقيقةnon-vérité ، فهو مغاير تماما لمحدّداتها على نحو جذريّ مادام ينتمي إلى جهة أخرى من الكينونة. فهذه اللاّكينونة هي ما يسمّيها فرويد بالواقع النّفسيّ La réalité psychique. يراجع، في هذا السّياق ما كتبه كسترياديس في كتابه: Castoriadis, Cornelius: (1975-2006) L’institution imaginaire de la société. Points-Essais, p 426
7- انظر لفي ستراوس، كلود: الفكر البرّي (La pensée sauvage)، تعريب نظير جاهل،، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت ـ لبنانن ط1، 1984، ص 218.
8- André, Serge : Que veut une femme ? op.cit , p12
9- انظر فصل XVI بعنوان: Desiderium من كتاب: Quignard, Pascal: (1998-1999) Vie secrète, folio, p.p168-185، حيث يبيّن أنّ أصل الشّوق désir مرتبط بالنّجوم. فكلمة desiderium تعني بالضّبط الكواكب الّتي تلمع بـغيابـها. فأن نشتاق هو أن نبتعد عن الكوكب أو أن يبتعد عنّاDésirer s’écarte de l’astre. ومن ثمّة كان تعريف كينيار Quignard للشّوق بأنّه الطّامة Le désir, c’est le désastre أو النّجم ما لم ينجم dés-astre. وهذا يتّفق مع تصوّر العرب للنّجم. فقد جاء في اللّسان: “ما طلع نجم قطّ وفي الأرض عاهة إلاّ رفعت” والمقصود بالنّجم ها هنا نجم الثّريّا “والعرب تزعم أنّ بين طلوعها وغروبها أمراضا ووباء وعاهات في النّاس والإبل والثّمار”.
10- انظر فصل ( نسيان الأسماءOubli de noms propres - ) من كتاب: Freud, Sigmund: (2001) Psychopathologie de la vie quotidienne.Traduit de l’allemand par Serge Jankélévitch, Petite bibliothèque Payot, Paris, p.p7-14.
11- في خصوص العجب، استفدنا كثيرا من تحليل Alain Didier-Weil لأنواع العجب الثّلاثة الواردة في الفصل الأوّل (العجب في الحياة اليوميّة – L’étonnement dans la vie quotidienne ) من كتابه: Didier-Weil, Alain: (1995) Les trois temps de la loi. Le commendement sidérant, l’injonction du surmoi et l’invocation musicale. Éditions du Seuil, p.p11-26.
12- تسمّيه كريستفا خارج الزّمن Hors-temps، وقد بيّنت صوره المختلفة في فصل عنوانه “فضيحة خارج الزّمن Scandale du hors-temps” من كتابها:Kristeva, Julia: (1997-2000) La révolte intime. Pouvoirs et limites de la psychanalyse II, Livre de poche, biblio/essais, p.p40-67.
13- انظرidier-Weil, Alain: Les trois temps de la loi, op.cit, p18.
14- انظر: «Le meurtre du Nom» في كتاب: Sibony, Daniel: (1997-2000 )«Le racisme», une haine identitaire. Points-Essais, p.p156-163. . ويمكن أن نضيف أنّ هذا القتل يجعل اسم الجاحظ غائبا ولكنّه غير منسيّ، لأنّ الاسم المنسيّ يقتضي تذكّره، مادام التّذكّر يحيي الاسم المنسيّ بذكره عندما يستعاد. فالأشياء، وحتّى الأسماء، يحييها ذكرها. وشتّان بين كتاب لا يذكر اسمه وكتاب لا يوضع اسمه. فالأوّل لا يعرف اسمه لأنّه اسم منسيّ، والآخر كتاب لا يوضع اسمه لأنّه لا يسمّى إلاّ إذا ترجم باسم آخر كأسماء الموتى كما سنرى.
15 انظر: Freud, Sigmund: (1939-2002) L’homme Moïse et la religion monothéiste. Traduit de l’allemand par Cornélius Heim. Folio essais, p115.
(1) Kautzsch II, S. 14 f.
ميلان كنديرا (1)
“وحدّثت أنّ الجاحظ قال: نسيت كنيتي ثلاثة أيّام، حتّى أتيت أهلي. فقلت لهم: بم أُكنى؟ فقالوا: بأبي عثمان.” (2 ).
***
لا يقصّ علينا هذا الخبر حادثة النّسيان وإنّما يخبرنا بإيجاز مفرط في اقتصاده حدثَ اكتشاف النّسيان découverte وانكشاف dévoilement المنسيّ. وما اكتشفه الجاحظ وقت الحادثة هو أنّه نسي اسمه، وما انكشف له بذاك الاكتشاف هو أنْ ليس له اسم، فالنّسيان جعله بلا اسم. وحينئذ، ليس الخبر من هذا المنطلق سوى استعادة بالقول لذلك الاكتشاف، واستئناف لذاك الانكشاف في مشهد آخر مافتئ يذكّر ويتذكّر بأنّ ما استعيد قد ظلّ طيّ النّسيان نسيا منسيّا طيلة ثلاثة أيّام. هذا المنسيّ هو في ظاهر الأمر الكنية. ولكن إن لطّفنا النّظر وأنعمناه لألفينا أنّ ما نسيه الجاحظ ليس الكنية بل اسم الكنية. فهو يذكر أنّ له كنية، ويعلم أنّ لكنيته اسما، ويعلم أيضا أنّ المنسيّ هو اسم الكنية. وهو فوق كلّ ذلك يعلم أين هي، وفي أيّ مستودع أودعت (أهلي)، ويعرف رغم النّسيان الّذي أصابه كيف يعثر عليها وكيف يسترجعها لتعود إليه. فما الّذي أصابه النّسيان إذن؟ إنّه الدّالّ الّذي به يكون للاسم اسم، أي الدّالّ الّذي يمثّل الاسم. فما أصابه النّسيان ليس الكنية بل اسم الكنية، وما كُبت في حادثة النّسيان ليس الاسم بل اسم الاسم. ومعنى ذلك أنّ النّسيان لم يكن كلّيا شاملا فَقَدَ فيه الجاحظ ذاكرته وملكة التّذكّر، فأصبح فاقدا للذّاكرة amnésique، وإنّما هو مجرّد نسيان oubli مُحي فيه اسمُ الاسم، أو اسمُ الكنية، فأصبح موضع الاسم بلا اسم، يفتقر للدّالّ الّذي يمثّله ويسمّيه. وعندما يصيب النّسيان اسم الكنية فقط، أو دالّ الاسم، وهو هاهنا “أبو عثمان”، ينقلب النّسيان كَبْتًا له صلة وثيقة بقوى النّسيان. وهي قوى لها أواصر متينة بالشّوق désir البشريّ. ولعلّه لأجل ذلك استحال إدراك هذه القوى على النّحو الّذي تدرك به الظّواهر الطّبيعيّة أو مقاربتها كما تقارب الحقائق العلميّة. فلا يمكن أن تتأسّس على النّسيان حقيقة علميّة، لأنّ الحقيقة العلميّة مندرجة في سجلّ الصّواب والدّقّة والتّطابق. كما لا يمكن أن يكون النّسيان ظاهرة من ظواهر الاعتقاد كالدّين والأسطورة والأدب والفنّ، ففي الاعتقاد حملٌ على الاعتقاد في معرفة من المعارف، وحملٌ على تصديق حقيقة مّا. فللنّسيان حقيقة مخصوصة لا تتعرّى في الصّدق ولا تنجلي في الصّواب، ولا تكون بالتّصديق والتّسليم والإيمان، ولكنّها لا تنقال إلاّ باستحالة القول. وبذلك يعلّمنا النّسيان شيئا جوهريّا هو أنّه ينهض على علم مثقوب، أو علم مصاب بنقص مركزيّ مادامت الحقيقة في النّسيان لا تنقال بنصف قول أو شبه قول وإنّما بالصّمت واستحالة القول ( 3). فالحقيقة في النّسيان هي ممّا يستحيل قوله لأنّنا لا نعرف كيف نقولها (4 ). فقوى النّسيان كالشّوق هي من مجال اللاّشعور الّذي بخلاف النّسيان يقول بعض القول، ولكنّه لا يقول كلّ شيء (5 ). وعلى هذا النّحو صارت قوى النّسيان كاللاّشعور مشكّلة لبنية العلم على نحو مختلف (6 ). لنفترض أنّ الجاحظ يستجيب لكلّ نداء، ويتعرّف كلّما نودي إلى اسمه أو اسم اسمه، فإنّه في الواقع يعرب بتلك الاستجابة عن إذعانه لنظام مّا من التّسمية (7 ). ولكنّه بالنّسيان ينفصل عن هذا النّظام. فهذا النّسيان غير المتوقّع أو غير المنتظر إنّما هو في الحقيقة شكل من أشكال العجب، لأنّه به (أي بالنّسيان) ابتدعَ [لا-اسما]. وبذلك يكتسب النّسيان من منظور الجاحظ على الأقلّ الدّلالة التّالية وهي: أنا لست حيث تناديني، أنا هناك حيث لا أدري ولا تدري.
إنّ ظهور موضع هذا الـ “هناك”، هذا الّذي لا يتحدّد بالمحدّدات الفضائيّة المعهودة من قبيل (فوق ¹ تحت/ يمين ¹ شمال/ خلف ¹ أمام) إنّما يعرب عن ضياع الجهات السّتّ، أي عن ضياع العلم واختفائه، ويعرب في الآن نفسه عن ظهور ثقب في العلم، أو ضرب من المعرفة المثقوبة (8 )، أو نوع من الحبل السّرّيّ بواسطته يخاطبنا هذا اللاّعلم ويظهر على الرّكح بثقب لا بفضل الذّاكرة. ففي ذاك الثّقب الّذي يفضي إلى هذا الـ »هناك « سقط الاسم المنسيّ. يمكن أن نؤوّل هذا اللاّعلم، أو هذه المعرفة المثقوبة الّتي بها انقلب اسم الكنية إلى [لا-اسم، على أنّه يمثّل شوق الجاحظ إلى أن يُنْسى بأن يَنْسى اسمه، ولذلك كان سبيله إلى هذا الشّوق هو أن يجعل اسمه، اسم العلم، اسم كنيته الّتي بها عُرف واشتهر (أبو عثمان) مبنيّة على نحو مختلف، على غير ما جرت به التّسمية، وهو أن يحوّله إلى موضوع ضائع، أو اسم منسيّ. ولكن لماذا كان نكران الاسم أو كبته هو ذاته شوق المسمّى؟ بل لماذا اتّخذ هذا الكبت شكل نسيان؟ ثمّ لماذا كان هذا النّسيان ذاته هو ما يعيّن شوق المسمّى؟
إنّ الشّوق هو دائما وأبدا شوق إلى المستحيل، ولكنّه ها هنا يتّحد بمعناه الأصليّ، وهو الغياب (9 ). فشوق الجاحظ لا يبنى باسمه معلوما وإنّما ينبني باسمه منسيّا بغياب ما يمثّله من الأسماء. فشوق الجاحظ ليس شوقا إلى غياب الاسم، أو اسم الاسم، وإنّما هو شوق إلى غياب الدّالّ الّذي بغيابه لا يكون للاسم اسم، فلا شيء يمثّله عند الآخر الكبير Autre، ولا شيء يمثّله في ذاكرة الذّات.
يقتضي ذلك كلّه أن يكون النّسيانُ موضوعَ الشّوق، وأن يكون نسيان الاسم هو ما يمثّل موضوع ذاك الشّوق. وحينئذ يغدو شوق المسمّى شوقا إلى التّعجّب، وتشوّقا إلى “ما خفي سببه ولم يعلم”، واشتياقا إلى النّسيان بما هو السّبيل إلى اللاّعلم واللاّمعرفة.
وعلى هذا النّحو، لم يعد النّسيان بحكم ذلك آفة العلم كما اشتهر في المأثور الأدبيّ إنّما أصبح هذه القدرة على الغياب، هذا العلم الّذي مرّ به الاسم إلى النّاحية الأخرى حيث انقلب إلى موضوع منسيّ لا يمكن تذكّره. فالنّسيان هو هذا التّحويل الّذي أجري على الاسم (10 )، فأضحى بمقتضاه خارج نطاق نظام الذّاكرة والعلم، وانقلب من جرّاء ذلك الخروج إلى موضوع ضائع (¹ ذائع) لأنّه كان من المفروض أن لا يُنسى، وأن لا يكون موضوع افتقار وفقدان. فهو موضوع ضائع لأنّه ليس موجودا في الموضع الّذي ينبغي أن يوجد فيه. ولأنّه موضوع ضائع فهو يثير العجبَ، أو قُلْ هو موضوعُ عجبٍ مادام العجب يعني “إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده”، أو “التّعجّب من الشّيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه” أو “خفي سببه ولم يعلم”. فالموضوع الضّائع هو موضوع قد وسمه العجب بحيث يتعطّل فيه التّفكير والتّذكّر والعلم والمعرفة. وهذا التّعطّل هو الّذي حمل الجاحظ إلى عتبة الملغز وما فيه من عجب L’étonnement (11 )، وجعله متعجّبا، معطّل التّفكير والذّاكرة، غير قادر على التّذكّر لأنّ الوسائل الّّتي كان بها يعرف اسمه لم تعد صالحة وذات فائدة ليعرف في أيّ موقع اختفى الاسم، وترك باختفائه شيئا آخر ينجم هو اللاّمعرفة الّتي جرى التّعبير عنها في نصّ الخبر بمحنة النّسيان الّتي دامت ثلاثة أيّام. ولكن، إذا كان سبيل النّسيان هو هذه السّبيل فكيف عُلم أنّه دام ثلاثة أيّام لا تزيد ولا تنقص؟ وقبل كلّ شيء ما معنى ثلاثة أيّام؟ ما دلالة هذا التّقسيم التّاريخيّ، وهذا التّقويم الاجتماعي للزّمن؟ وكيف يمكن أن نقيس به النّسيان الّذي يقتضي أن ينتمي إلى زمنيّة لاتاريخيّة، أو زمان خارج كلّ زمان وتاريخ؟ هل تدلّ هذه المدّة على نسيانٍ لا ينسى واستحالة نسيان مالا ينسى؟ أم هي تشير إلى صدع في الاستمراريّة، أو انقطاع في المستمرّ، وانفصال في المتّصل بها يمكن التّيه في بُعد سِرّيّ لا ينفتح إلاّ في هذا الانقطاع التّاريخيّ الّذي هو الزّمان اللاّتاريخيّ ؟ أليست زمانيّة النّسيان من زمان اللاّشعور الّذي لا يعرف الزّمن كما أكّد فرويد (12 ).
إنّ هذا النّسيان الّذي دام ثلاثة أيّام لم يكن تكرارا يوميّا للنّسيان وإنّما هو خبر نقله الجاحظ بوصفه إخبارا عن حدث جرى لأوّل مرّة. فالتّكرار لا يولّد سوى الملل الّذي يبدّد من طاقة العجب بما هو “إنكار ما يرد عليك لقلّة اعتياده”. فالملل هو تكرار هذا الّذي سبق أن حدث، أو سبقت معرفته على نحو تماثلت فيه هويّة ما حدث وما يحدث الآن. أمّا النّسيان فلا يتكرّر وإنّما يدوم في الزّمان. وهو إذ يدوم يعيد بداية مّا يصعب تكرارها أو التّعوّد عليها ومؤالفتها لأنّها ممّا يخرق العادة ويخرج عن المعهود المألوف. ولمّا كان العجب هو تعجّب من هذا الخرق الّذي انفتح في المألوف والعادة والمعهود أضحى التّعجّب بهذا المعنى عملا يعاد فيه تذكّر البداية ولكن كذكرى عمل نفسيّ ( الكبت الأصليّ Le refoulement originaire) لا تمتلك ذاكرة الذّات في شأنه أيّ تمثيل، أو دالّ يمثّله (13 ).
بيد أنّ ما ظلّ الجاحظ يكرّره، حتّى بعد أن استعاد اسم اسمه واسترجع ذكراه وذكره والعلم به، إنّما هو شوقه إلى النّسيان ولكن في مشهد آخر هو مشهد الكتاب. فأن يرسل الجاحظ كتابا من تأليفه “لم يترجم باسمي” كما يقول، أي غيرُ حامل لاسمه، وخال من وسمه، ومجرّدٌ من خاتمه، إنّما هو تكرار لمشهد النّسيان على نحو مختلف. فإذا كان نسيان الاسم قد جرى بكبت الاسم في مشهد النّسيان فإنّ غياب الاسم لم يجر في مشهد الكتاب بعمل نفسيّ لاشعوريّ على غرار الكبت وإنّما بقتل الاسم.
ينبغي أن نوضّح أنّ قتل الاسم le meurtre du nom (14 ) لم يكن بإخفاء آثار الجريمة فحسب على غرار ما يحدث عندما تحرّف النّصوص أو يتغيّر مظهرها، أو تنقل من مكانها الأوّل إلى موضع آخر (15 )، وإنّما كان باستحالة ترجمة الكتاب بالاسم الشّخصيّ، أي بجعل الاسم لا يسمّى innommable، لأنّ ذاك الّذي يسمّي قد فقد القدرة على تسمية الاسم. وهاهنا يكمن الفرق بين مشهد النّسيان ومشهد الكتاب. ففي المشهد الأوّل يمتلك الجاحظ [لا-اسما] اكتسبه لا بعدم قدرته على تسمية الاسم، وإنّما نحته بعلم مثقوب، بعدم المعرفة الّتي جعلته لا يعرف كيف يسمّي اسمه. أمّا في مشهد الكتاب، فقد كان الجاحظ يعرف اسمه، ولكنّه امتنع من ذكره مترجما إيّاه بدوالّ أسماء أخرى، فتحوّل اسمه بتلك التّرجمة إلى اسم لا يسمّى بحكم ذلك الامتناع. ولمّا كانت هذه التّرجمة قد جرت بصيغ مختلفة فإنّ علاقة الكتاب باسم المؤلّف، وهي علاقة نسبة ونسب كما حدّدها الجاحظ نفسه بعبارات متنوّعة مثل “وأنسبه إلى نفسي ... منسوبا إليّ، وموسوما بي ... ولم ينسب إلى تأليفي”، قد كانت متوتّرة تشهد على أنّ العلاقة بين السّلاليّLe filial والمكتوبL’écrit في معظم مؤلّفات الجاحظ قد كانت محكومة بلعبة اختفاء الاسم وظهوره، يمكن أن نسمّيها لعبة الأختام.
الشواهد:
1- انظر: Kundera, Milan: (2003) Les testaments trahis, folio, p154:
“Le souvenir n’est pas la négation de l’oubli. Le souvenir est une forme de l’oubli”
2- الحمويّ الرّومي، شهاب الدّين ياقوت: معجم الأدباء. إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب. تحقيق د. إحسان عبّاس (8 أجزاء) دار الغرب الإسلامي. بيروت ـ لبنان، الطّبعة الأولى 1993، ج5،ص2101
3- انظر: Fonteneau, Françoise: (1999) L’éthique du silence. Wittgenstein et Lacan. Éditions du Seuil ,Paris
4- انظر: Descombes, Vincent : ( 1977 ) L’inconscient malgré lui. Les Éditions de Minuit. Paris, p14 الّذي يعرّف اللاّشعور بقوله: “ليس اللاّشعور ما لا تريد الذّات قوله، وإنّما هو ما لا تعرف الذّات قوله، وهو ما تقوله رغم أنفها – L’inconscient n’ est plus ce que le sujet ne veut pas dire, il est ce que le sujet ne sait pas dire, ce qu’il dit malgré lui.”
5- انظر: André, Serge : (2001-1995) Que veut une femme ? Points-Essais , p12
6- ليس للاّشعور علاقة بالحقيقة واللاّحقيقةnon-vérité ، فهو مغاير تماما لمحدّداتها على نحو جذريّ مادام ينتمي إلى جهة أخرى من الكينونة. فهذه اللاّكينونة هي ما يسمّيها فرويد بالواقع النّفسيّ La réalité psychique. يراجع، في هذا السّياق ما كتبه كسترياديس في كتابه: Castoriadis, Cornelius: (1975-2006) L’institution imaginaire de la société. Points-Essais, p 426
7- انظر لفي ستراوس، كلود: الفكر البرّي (La pensée sauvage)، تعريب نظير جاهل،، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنّشر والتّوزيع، بيروت ـ لبنانن ط1، 1984، ص 218.
8- André, Serge : Que veut une femme ? op.cit , p12
9- انظر فصل XVI بعنوان: Desiderium من كتاب: Quignard, Pascal: (1998-1999) Vie secrète, folio, p.p168-185، حيث يبيّن أنّ أصل الشّوق désir مرتبط بالنّجوم. فكلمة desiderium تعني بالضّبط الكواكب الّتي تلمع بـغيابـها. فأن نشتاق هو أن نبتعد عن الكوكب أو أن يبتعد عنّاDésirer s’écarte de l’astre. ومن ثمّة كان تعريف كينيار Quignard للشّوق بأنّه الطّامة Le désir, c’est le désastre أو النّجم ما لم ينجم dés-astre. وهذا يتّفق مع تصوّر العرب للنّجم. فقد جاء في اللّسان: “ما طلع نجم قطّ وفي الأرض عاهة إلاّ رفعت” والمقصود بالنّجم ها هنا نجم الثّريّا “والعرب تزعم أنّ بين طلوعها وغروبها أمراضا ووباء وعاهات في النّاس والإبل والثّمار”.
10- انظر فصل ( نسيان الأسماءOubli de noms propres - ) من كتاب: Freud, Sigmund: (2001) Psychopathologie de la vie quotidienne.Traduit de l’allemand par Serge Jankélévitch, Petite bibliothèque Payot, Paris, p.p7-14.
11- في خصوص العجب، استفدنا كثيرا من تحليل Alain Didier-Weil لأنواع العجب الثّلاثة الواردة في الفصل الأوّل (العجب في الحياة اليوميّة – L’étonnement dans la vie quotidienne ) من كتابه: Didier-Weil, Alain: (1995) Les trois temps de la loi. Le commendement sidérant, l’injonction du surmoi et l’invocation musicale. Éditions du Seuil, p.p11-26.
12- تسمّيه كريستفا خارج الزّمن Hors-temps، وقد بيّنت صوره المختلفة في فصل عنوانه “فضيحة خارج الزّمن Scandale du hors-temps” من كتابها:Kristeva, Julia: (1997-2000) La révolte intime. Pouvoirs et limites de la psychanalyse II, Livre de poche, biblio/essais, p.p40-67.
13- انظرidier-Weil, Alain: Les trois temps de la loi, op.cit, p18.
14- انظر: «Le meurtre du Nom» في كتاب: Sibony, Daniel: (1997-2000 )«Le racisme», une haine identitaire. Points-Essais, p.p156-163. . ويمكن أن نضيف أنّ هذا القتل يجعل اسم الجاحظ غائبا ولكنّه غير منسيّ، لأنّ الاسم المنسيّ يقتضي تذكّره، مادام التّذكّر يحيي الاسم المنسيّ بذكره عندما يستعاد. فالأشياء، وحتّى الأسماء، يحييها ذكرها. وشتّان بين كتاب لا يذكر اسمه وكتاب لا يوضع اسمه. فالأوّل لا يعرف اسمه لأنّه اسم منسيّ، والآخر كتاب لا يوضع اسمه لأنّه لا يسمّى إلاّ إذا ترجم باسم آخر كأسماء الموتى كما سنرى.
15 انظر: Freud, Sigmund: (1939-2002) L’homme Moïse et la religion monothéiste. Traduit de l’allemand par Cornélius Heim. Folio essais, p115.
(1) Kautzsch II, S. 14 f.