بينما كنت طالب دراسات عليا في جامعة ساندياغو في الولايات المتحدة الامريكية، في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ولضيق الحالة المادية حصلت على عمل في دكان الكتب، Aztec Book Store ، في محيط الجامعة، حيث كنت اعمل على تفريغ كراتين الكتب من الشاحنة، ثم تفريغ الكتب من الكراتين، وتسعيرها ثم نقلها الى الرفوف في الدكان، وأخيرا تحطيم الكراتين الفارغة من خلال ماكنة مخصصه لهذا العمل.
لكن هذا الوصف الوظيفي لما كنت أقوم به من عمل ليس موضوعنا لهذا اليوم، وانما الموضوع ما شاهدته ضمن تلك الوظيفة، وكان صادما الى حد ما. لقد كان يعمل الى جانبي ومجموعة العمال والموظفين طبعا، شخص في اربعينيات العمر، أشقر، له عيون زرقاء جميلة، طويل القامة، وله كرش مندلع امامه كبطن حامل في شهرها الثامن او التاسع. واحسست من لحظة رؤيته انه انسان غير سوي وغير طبيعي، واستغربت وجوده كموظف، وهو في تلك الحال المزرية، ويبدو وكأنه في عالم اخر تماما.
سالت احد الموظفين عنه، وعن سبب وجوده، فاخبرني ان المذكور محارب قديم، من مخالفات حرب فيتنام، وهناك يطلقون عليهم اسم Vietnam veterans ، وان المذكور يعاني من اعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وان القانون هناك يلزم الشركات توظيف بعض هؤلاء الأشخاص رغم عدم اهليتهم في تقديري للعمل وقلة انتاجيتهم.
كان ذلك الموقف اول مرة اسمع فيها بأعراض ما بعد الصدمة، وحينما توسعت في القراءة عن الموضوع، خلصت الى ان من الاثار الإيجابية القليلة ربما لحرب فيتنام، انها اغنت مكتبة علم النفس بالمعرفة، فقد تعرف علماء النفس في الغرب على الاثار المدمرة للحروب، وبالتالي الصدمات والظروف الصادمة، واثار تلك العوامل على من يعيش ظروف الحرب من ضغوط نفسية، وتوتر، وقلق، وخوف من الحرب ومن مآلتها. وصار معروفا لدى المختصين بان مثل تلك الاثار ليست آنية، وتبرز اثناء ظروف الحرب فقط، وانما تستمر وقد تظهر اثناء وبعد انتهاء المشاركة في الحرب او التعرض للظروف الصادمة، ويطلق عليها اسم اعراض واثار ما بعد الصدمة.
ولا أتصور ان أحدا ينظر الى حرب الكورونا التي فرضت على البشرية، على انها اقل بشاعة في دمارها واثارها العاجلة والآجلة على الناس، من الحرب التقليدية. بل ربما يكون لهذه الحرب اثار اشد من الحروب التقليدية، بسبب مجموعة عوامل منها انها جاءت على حين غرة، وشملت العالم بأكمله، وجاءت على شكل خطر يهدد الجميع، وهي مرض شديد العدوى، متحور ومتطور ليفتك باي شخص في أي وقت وفي ظل غياب لقاح او علاج لوقف العدوى، وفرضت ضرورة اتخاذ إجراءات غير مسبوقة مثل الحجر الصحي، والاغلاقات، والتي لم تلاقي القبول من قطاع عريض من الناس، وطبعا ما يترتب على ذلك كله من اثار اقتصادية وصحية واجتماعية ونفسية.
ومكتبة علم النفس أصبحت حاليا وبعد مرور كل هذه المدة على اندلاع الجائحة، أصبحت تحتوي على بعض الدراسات والتحليلات والارشادات للتعامل مع ظروف الجائحة والتخفيف من اثارها. وهي تجمع تقريبا على مجموعة اثار خطيرة منها التوتر والقلق والاكتئاب، والإحباط والياس والوهم المرضي، واثار تلك المشاعر النفسية والجسدية. لكني أتصور بأن مزيد من الدراسات اللاحقة سوف تظهر وسوف تكشف وقائع أخرى عديدة للأثار المدمرة التي ستسببها وتخلفها الجائحة.
ولا بد من التنويه بأنني لست هنا بصدد وضع دراسة متخصصة في علم النفس، او تقديم تحليل نفسي يرصد الاثار النفسية لحرب الكورونا بصورة مهنية متخصصة، وانما اردت فقط تسجيل ملاحظاتي من واقع مشاهداتي ومعايشتي للحدث، وما املكه من معرفة حول أثر الصدمة والمصيبة على الانسان من واقع دراساتي في مجال العلوم الانسانية.
فلا شك ان بدايات حرب الكورونا مثل صدمة هائلة لكل الناس، ذلك لما اثارته من مخاوف، ولان الناس لم تكن تعرف مديات الجائحة، وما هي الاضرار التي يمكن ان تحصل كنتيجة لهذا الخطر الداهم. ولذلك كانت ردة الفعل الأولية للتعامل مع الجائحة عند الكثير من الناس أقرب الى الهوس من حيث النظافة، وإجراءات التباعد الاجتماعي والانقطاع عن الناس والحجر واتباع تعليمات الوقاية.
ولذلك كان الخوف هو سيد الموقف، وهذه المشاعر تتفاوت عند الناس فمنهم من يصاب بالرعب والذعر ومنهم من يشعر بالخوف بحدود معقولة ومحتملة، وقد تجد ناس لا يبالون متبلدين في رد فعلهم، وكأن شيئا لم يكن.
ولا شك ان مشاعر الخوف والقلق من المرض الذي قد يفضي الى الموت تكون صعبة ولا تطاق خاصة إذا سيطر على الانسان هواجس الإصابة بالمرض في ظل غياب العلاج، وهاجس الموت وفقدان الأحبة، وفقدان مصدر الرزق، والافلاس لأصحاب الاعمال والبطالة للعاملين في مختلف القطاعات الخ.
وحتما كل الظروف التي نشأت كنتيجة للتغير المفاجئ في نمط الحياة والاضرار الاقتصادية وتعطل قنوات العيش التقليدية، تؤدي الى مشاعر بالإحباط والعجز والياس والقلق ايضا. ويتعرض الانسان بتفاوت الى ضغوط نفسية هائلة حتى في التعامل مع الاغلاقات وتبعاتها مثل تعطل واغلاق المدارس واللجوء الى الدراسة عن بعد ووجود الأطفال في المنزل، والخوف من التواصل الجسدي مع الاخرين، وهو ما فرض على الناس وبتفاوت أيضا، العزلة والانقطاع عن التواصل. ولا شك ان لهذه العزلة أثر نفسي رهيب فنحن كبشر نحتاج للنظام الاجتماعي الداعم والمساند ليبقينا في حالة توازن وان لا ننجرف نحو الجنون.
وكل هذه الاثار يمكن ان تؤدي الى شعور عارم بالكآبة، عند قطاع عريض من الناس، خاصة من يتعرض لأضرار مباشرة كنتيجة لظروف الجائحة، وأكثر الناس تعرضا للكآبة هم الذين يفقدون احبتهم ويجدون أنفسهم عاجزين عن عمل شيء لهم، او يتسببون في موت احبتهم، وتكون الاثار شديدة القسوة وتستمر لسنوات طويلة عند منكر المرض او المستهتر لكنه يقع ضحية للعدوى او يتسبب في موت أحبته.
ولا شك ان الذي يختبر الفقد اثناء هذه الجائحة سيتعرض لموجات رهيبة من الحزن، تتمثل في صدمة نفسية أولية عند الفقد، ثم تبلد في المشاعر، ثم الانكار، ثم يصاب بمشاعر الغضب، لينتهي بمشاعر الكآبة والحزن، كما هو معروف عن الاثار التي تتركها الصدمات.
اما إذا شعر الانسان بأنه هو الذي تسبب في إصابة والده او والدته مثلا، الكبار في السن وأدت تلك الإصابة الى وفاة الاب او الام فان شعور قاتل بالذنب قد يسيطر على ذلك الانسان إضافة الى مشاعر الحزن والكآبة طبعا.
وليت هذه الأثار النفسية تتوقف عند هذا الحد، وتزول بزوال الجائحة التي لا نعرف متى ستختفي طبعا. لكن الحروب والصدمات النفسية المزلزلة يكون لها اثار طويلة المدى تسمى بأعراض ما بعد الصدمة.
أيضا ...ليت هذه الجائحة تتسبب في صدمة واحدة، لكنها على الاغلب سوف تتسبب بسلسلة صدمات لقطاع عريض من الناس. فالجائحة بحد ذاتها صدمة، والتغير في نمط الحياة الحاد والدراماتيكي وانقطاع التواصل صدمة، والحجر الصحي صدمة، واحتمال الإصابة صدمة، والاصابة صدمة، وفقدان الأحبة صدمة، وكل هذه الصدمات قد يكون لها اثار بعيدة المدى وقد تودي الى مشاعر الحزن والقلق والكآبة المدمرة.
وكمثال على اعراض ما بعد الصدمة تشرح دكتورة نفسية أمريكية متخصصة في علاج الحالات التي تعاني من اعراض ما بعد الصدمة، على انها وبعد وفاة والدتها الكبيرة في السن ( 102 عام ) وفي ظروف عادية، ورغم انها الخبيرة في علاج تلك الحالات ولها من العمر سبعون عاما عند اذن ، الا انها وكما تقول وجدت نفسها تختبر موجات من الحزن والكآبة على اثر فقدها لوالدتها، مما دفعها للبحث عن سبب تلك المشاعر المفاجئة لإنسانة متخصصة وتعالج تلك المشاعر، لتجد بعد بحث وتمحيص بأن بعض العلماء يتحدثون عن وجود ادلة بأن هناك تبادل في الخلايا يحصل اثناء الحمل وان لمشاعر ما بعد الصدمة علاقة بتلك الخلايا.
فان كانت طبيبة متخصصة في علم نفس، وتعالج الناس من اثار ما بعد الصدمة، تجد نفسها اثر فقد والدتها المسنة، في ظروف عادية، تتعرض لموجات من الحزن ومشاعر الكآبة، فكيف ستكون مشاعر الكآبة والحزن والاثار الاخرى التي تكون ملازمة لما بعد الصدمة على انسان أنكر الجائحة ولم يقم باتخاذ إجراءات الوقاية، وربما يشعر انه تسبب بموت أناس سواء بعدين كانوا او قريبين. او لأنسان أصيب بالإحباط وفقدان التوازن بسبب الخلل الاقتصادي وفقدان الوظائف والأمان المالي؟
كان الله في عون البشر.
خاصة الذين يكون لهذه الجائحة عليهم أثر رهيب وصدمات وفقد الأحبة، وخسائر مادية وما الي ذلك من اضرار.
لكن لا داعي للهلع رغم كل ما قيل وسيقال، فمن اجل محاصرة والتخفيف من تلك الاثار النفسية، لا بد أولا ان ندرك بأن هذه الحرب لها تبعات نفسية، وجسدية، كما ان لها تبعات اقتصادية. وعلينا ان نفهم ونعي ونتعلم أدوات التعامل مع الصدمات، للتخفيف من تلك الاثار وحصرها وتحديد أثرها.
ولكل مشكلة حل، وان لم يكن هناك حل فليس هناك مشكلة أصلا. علينا تقبل المرض وحصره في حدود المعرفة العلمية عنه وعدم السقوط في متاهات الفزع والوهم المرضي الذي هو سبب رئيسي في المرض النفسي، والمرض النفسي كما تقول مايو كلينك في احدى دراساتها سبب رئيسي في المرض الجسدي.
وحيث ان العدوى اصحبت واقع حال لا بد من تطوير أدوات للتعامل مع التغير القصري في طبيعة الحياة الرتيبة التي نتجت عن الجائحة، فلا بد من استبدال التواصل الجسدي بالتواصل عبر وسائل الاتصال عن بعد، وعدم الانقطاع عن الاتصال مع الناس.
ويجب الاستمرار في العيش وممارسة الرياضة، وخلق بدائل لعادات وأساليب حياة انقطعت وعدم الياس بل والتمسك بالأمل بأن القادم سيكون أفضل.
وحتما يجب الحرص على تجنب الإصابة او التسبب بإصابة الاخرين تجنبا لمشاعر الذنب واثار ما بعد الصدمة النفسية إذا حصل فعلا وتسبب المنكر بالأذى لآخرين.
ويمكن الاسترشاد بما تطرحه الدراسات المتوفرة حاليا على الانترنت من إرشادات ومنها إرشادات صادرة عن مايو كلنك الأمريكية.
وليس هناك عيب بل يجب اللجوء الى المختص في حالة بروز اثار نفسية شديدة قد تتطلب تدخل خبير، حتى يحافظ الانسان على توازنة ولا يصبح ضحية المرض النفسي والجسدي ايضا، وكي يتجنب الاثار بعيدة المدى للجائحة او ما يعرف بأثار ما بعد الصدمة التي قد تستمر لسنوات طويلة.
هي حرب عالمية حتما وحقا...حرب من نمط اخر ولا يمكننا ان نفعل مثل النعامة، ونعتقد بان الأمور على خير ما يرام ونترك النار تحرق اصابعنا.
وكان الله في عون البشر.
لكن هذا الوصف الوظيفي لما كنت أقوم به من عمل ليس موضوعنا لهذا اليوم، وانما الموضوع ما شاهدته ضمن تلك الوظيفة، وكان صادما الى حد ما. لقد كان يعمل الى جانبي ومجموعة العمال والموظفين طبعا، شخص في اربعينيات العمر، أشقر، له عيون زرقاء جميلة، طويل القامة، وله كرش مندلع امامه كبطن حامل في شهرها الثامن او التاسع. واحسست من لحظة رؤيته انه انسان غير سوي وغير طبيعي، واستغربت وجوده كموظف، وهو في تلك الحال المزرية، ويبدو وكأنه في عالم اخر تماما.
سالت احد الموظفين عنه، وعن سبب وجوده، فاخبرني ان المذكور محارب قديم، من مخالفات حرب فيتنام، وهناك يطلقون عليهم اسم Vietnam veterans ، وان المذكور يعاني من اعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وان القانون هناك يلزم الشركات توظيف بعض هؤلاء الأشخاص رغم عدم اهليتهم في تقديري للعمل وقلة انتاجيتهم.
كان ذلك الموقف اول مرة اسمع فيها بأعراض ما بعد الصدمة، وحينما توسعت في القراءة عن الموضوع، خلصت الى ان من الاثار الإيجابية القليلة ربما لحرب فيتنام، انها اغنت مكتبة علم النفس بالمعرفة، فقد تعرف علماء النفس في الغرب على الاثار المدمرة للحروب، وبالتالي الصدمات والظروف الصادمة، واثار تلك العوامل على من يعيش ظروف الحرب من ضغوط نفسية، وتوتر، وقلق، وخوف من الحرب ومن مآلتها. وصار معروفا لدى المختصين بان مثل تلك الاثار ليست آنية، وتبرز اثناء ظروف الحرب فقط، وانما تستمر وقد تظهر اثناء وبعد انتهاء المشاركة في الحرب او التعرض للظروف الصادمة، ويطلق عليها اسم اعراض واثار ما بعد الصدمة.
ولا أتصور ان أحدا ينظر الى حرب الكورونا التي فرضت على البشرية، على انها اقل بشاعة في دمارها واثارها العاجلة والآجلة على الناس، من الحرب التقليدية. بل ربما يكون لهذه الحرب اثار اشد من الحروب التقليدية، بسبب مجموعة عوامل منها انها جاءت على حين غرة، وشملت العالم بأكمله، وجاءت على شكل خطر يهدد الجميع، وهي مرض شديد العدوى، متحور ومتطور ليفتك باي شخص في أي وقت وفي ظل غياب لقاح او علاج لوقف العدوى، وفرضت ضرورة اتخاذ إجراءات غير مسبوقة مثل الحجر الصحي، والاغلاقات، والتي لم تلاقي القبول من قطاع عريض من الناس، وطبعا ما يترتب على ذلك كله من اثار اقتصادية وصحية واجتماعية ونفسية.
ومكتبة علم النفس أصبحت حاليا وبعد مرور كل هذه المدة على اندلاع الجائحة، أصبحت تحتوي على بعض الدراسات والتحليلات والارشادات للتعامل مع ظروف الجائحة والتخفيف من اثارها. وهي تجمع تقريبا على مجموعة اثار خطيرة منها التوتر والقلق والاكتئاب، والإحباط والياس والوهم المرضي، واثار تلك المشاعر النفسية والجسدية. لكني أتصور بأن مزيد من الدراسات اللاحقة سوف تظهر وسوف تكشف وقائع أخرى عديدة للأثار المدمرة التي ستسببها وتخلفها الجائحة.
ولا بد من التنويه بأنني لست هنا بصدد وضع دراسة متخصصة في علم النفس، او تقديم تحليل نفسي يرصد الاثار النفسية لحرب الكورونا بصورة مهنية متخصصة، وانما اردت فقط تسجيل ملاحظاتي من واقع مشاهداتي ومعايشتي للحدث، وما املكه من معرفة حول أثر الصدمة والمصيبة على الانسان من واقع دراساتي في مجال العلوم الانسانية.
فلا شك ان بدايات حرب الكورونا مثل صدمة هائلة لكل الناس، ذلك لما اثارته من مخاوف، ولان الناس لم تكن تعرف مديات الجائحة، وما هي الاضرار التي يمكن ان تحصل كنتيجة لهذا الخطر الداهم. ولذلك كانت ردة الفعل الأولية للتعامل مع الجائحة عند الكثير من الناس أقرب الى الهوس من حيث النظافة، وإجراءات التباعد الاجتماعي والانقطاع عن الناس والحجر واتباع تعليمات الوقاية.
ولذلك كان الخوف هو سيد الموقف، وهذه المشاعر تتفاوت عند الناس فمنهم من يصاب بالرعب والذعر ومنهم من يشعر بالخوف بحدود معقولة ومحتملة، وقد تجد ناس لا يبالون متبلدين في رد فعلهم، وكأن شيئا لم يكن.
ولا شك ان مشاعر الخوف والقلق من المرض الذي قد يفضي الى الموت تكون صعبة ولا تطاق خاصة إذا سيطر على الانسان هواجس الإصابة بالمرض في ظل غياب العلاج، وهاجس الموت وفقدان الأحبة، وفقدان مصدر الرزق، والافلاس لأصحاب الاعمال والبطالة للعاملين في مختلف القطاعات الخ.
وحتما كل الظروف التي نشأت كنتيجة للتغير المفاجئ في نمط الحياة والاضرار الاقتصادية وتعطل قنوات العيش التقليدية، تؤدي الى مشاعر بالإحباط والعجز والياس والقلق ايضا. ويتعرض الانسان بتفاوت الى ضغوط نفسية هائلة حتى في التعامل مع الاغلاقات وتبعاتها مثل تعطل واغلاق المدارس واللجوء الى الدراسة عن بعد ووجود الأطفال في المنزل، والخوف من التواصل الجسدي مع الاخرين، وهو ما فرض على الناس وبتفاوت أيضا، العزلة والانقطاع عن التواصل. ولا شك ان لهذه العزلة أثر نفسي رهيب فنحن كبشر نحتاج للنظام الاجتماعي الداعم والمساند ليبقينا في حالة توازن وان لا ننجرف نحو الجنون.
وكل هذه الاثار يمكن ان تؤدي الى شعور عارم بالكآبة، عند قطاع عريض من الناس، خاصة من يتعرض لأضرار مباشرة كنتيجة لظروف الجائحة، وأكثر الناس تعرضا للكآبة هم الذين يفقدون احبتهم ويجدون أنفسهم عاجزين عن عمل شيء لهم، او يتسببون في موت احبتهم، وتكون الاثار شديدة القسوة وتستمر لسنوات طويلة عند منكر المرض او المستهتر لكنه يقع ضحية للعدوى او يتسبب في موت أحبته.
ولا شك ان الذي يختبر الفقد اثناء هذه الجائحة سيتعرض لموجات رهيبة من الحزن، تتمثل في صدمة نفسية أولية عند الفقد، ثم تبلد في المشاعر، ثم الانكار، ثم يصاب بمشاعر الغضب، لينتهي بمشاعر الكآبة والحزن، كما هو معروف عن الاثار التي تتركها الصدمات.
اما إذا شعر الانسان بأنه هو الذي تسبب في إصابة والده او والدته مثلا، الكبار في السن وأدت تلك الإصابة الى وفاة الاب او الام فان شعور قاتل بالذنب قد يسيطر على ذلك الانسان إضافة الى مشاعر الحزن والكآبة طبعا.
وليت هذه الأثار النفسية تتوقف عند هذا الحد، وتزول بزوال الجائحة التي لا نعرف متى ستختفي طبعا. لكن الحروب والصدمات النفسية المزلزلة يكون لها اثار طويلة المدى تسمى بأعراض ما بعد الصدمة.
أيضا ...ليت هذه الجائحة تتسبب في صدمة واحدة، لكنها على الاغلب سوف تتسبب بسلسلة صدمات لقطاع عريض من الناس. فالجائحة بحد ذاتها صدمة، والتغير في نمط الحياة الحاد والدراماتيكي وانقطاع التواصل صدمة، والحجر الصحي صدمة، واحتمال الإصابة صدمة، والاصابة صدمة، وفقدان الأحبة صدمة، وكل هذه الصدمات قد يكون لها اثار بعيدة المدى وقد تودي الى مشاعر الحزن والقلق والكآبة المدمرة.
وكمثال على اعراض ما بعد الصدمة تشرح دكتورة نفسية أمريكية متخصصة في علاج الحالات التي تعاني من اعراض ما بعد الصدمة، على انها وبعد وفاة والدتها الكبيرة في السن ( 102 عام ) وفي ظروف عادية، ورغم انها الخبيرة في علاج تلك الحالات ولها من العمر سبعون عاما عند اذن ، الا انها وكما تقول وجدت نفسها تختبر موجات من الحزن والكآبة على اثر فقدها لوالدتها، مما دفعها للبحث عن سبب تلك المشاعر المفاجئة لإنسانة متخصصة وتعالج تلك المشاعر، لتجد بعد بحث وتمحيص بأن بعض العلماء يتحدثون عن وجود ادلة بأن هناك تبادل في الخلايا يحصل اثناء الحمل وان لمشاعر ما بعد الصدمة علاقة بتلك الخلايا.
فان كانت طبيبة متخصصة في علم نفس، وتعالج الناس من اثار ما بعد الصدمة، تجد نفسها اثر فقد والدتها المسنة، في ظروف عادية، تتعرض لموجات من الحزن ومشاعر الكآبة، فكيف ستكون مشاعر الكآبة والحزن والاثار الاخرى التي تكون ملازمة لما بعد الصدمة على انسان أنكر الجائحة ولم يقم باتخاذ إجراءات الوقاية، وربما يشعر انه تسبب بموت أناس سواء بعدين كانوا او قريبين. او لأنسان أصيب بالإحباط وفقدان التوازن بسبب الخلل الاقتصادي وفقدان الوظائف والأمان المالي؟
كان الله في عون البشر.
خاصة الذين يكون لهذه الجائحة عليهم أثر رهيب وصدمات وفقد الأحبة، وخسائر مادية وما الي ذلك من اضرار.
لكن لا داعي للهلع رغم كل ما قيل وسيقال، فمن اجل محاصرة والتخفيف من تلك الاثار النفسية، لا بد أولا ان ندرك بأن هذه الحرب لها تبعات نفسية، وجسدية، كما ان لها تبعات اقتصادية. وعلينا ان نفهم ونعي ونتعلم أدوات التعامل مع الصدمات، للتخفيف من تلك الاثار وحصرها وتحديد أثرها.
ولكل مشكلة حل، وان لم يكن هناك حل فليس هناك مشكلة أصلا. علينا تقبل المرض وحصره في حدود المعرفة العلمية عنه وعدم السقوط في متاهات الفزع والوهم المرضي الذي هو سبب رئيسي في المرض النفسي، والمرض النفسي كما تقول مايو كلينك في احدى دراساتها سبب رئيسي في المرض الجسدي.
وحيث ان العدوى اصحبت واقع حال لا بد من تطوير أدوات للتعامل مع التغير القصري في طبيعة الحياة الرتيبة التي نتجت عن الجائحة، فلا بد من استبدال التواصل الجسدي بالتواصل عبر وسائل الاتصال عن بعد، وعدم الانقطاع عن الاتصال مع الناس.
ويجب الاستمرار في العيش وممارسة الرياضة، وخلق بدائل لعادات وأساليب حياة انقطعت وعدم الياس بل والتمسك بالأمل بأن القادم سيكون أفضل.
وحتما يجب الحرص على تجنب الإصابة او التسبب بإصابة الاخرين تجنبا لمشاعر الذنب واثار ما بعد الصدمة النفسية إذا حصل فعلا وتسبب المنكر بالأذى لآخرين.
ويمكن الاسترشاد بما تطرحه الدراسات المتوفرة حاليا على الانترنت من إرشادات ومنها إرشادات صادرة عن مايو كلنك الأمريكية.
وليس هناك عيب بل يجب اللجوء الى المختص في حالة بروز اثار نفسية شديدة قد تتطلب تدخل خبير، حتى يحافظ الانسان على توازنة ولا يصبح ضحية المرض النفسي والجسدي ايضا، وكي يتجنب الاثار بعيدة المدى للجائحة او ما يعرف بأثار ما بعد الصدمة التي قد تستمر لسنوات طويلة.
هي حرب عالمية حتما وحقا...حرب من نمط اخر ولا يمكننا ان نفعل مثل النعامة، ونعتقد بان الأمور على خير ما يرام ونترك النار تحرق اصابعنا.
وكان الله في عون البشر.