قد يكون الضياع صورة أخرى للاستدلال على الطريق، فالدليل (الرجل الذي كان يرشد التائهين في الصحراء قديما) قد مارس الضياع بشكل متكرر حتى أمسى عارفا بطرق البرية وطعم رمال واتجاهات الرياح. وأعني أن التجارب والنظر من الجهات جميعها للشيء الواحد، تعطي نتائج أكثر وضوحا ومعرفة.
أما أصدقاؤنا في المجالس والمقاهي والمضايف، وتحديدا المثقفون، فهم _غالبا _ ينظرون من زاوية واحدة، أو زاويتين، فتجدهم متشبثين بآرائهم ومعتقداتهم وأفكارهم التي بُنيت على بحث وتفكّر وتدبّر قليل وفقير، متناسين أن المعرفة بجوانبها المتعددة تعتمد على الاطلاع والقراءة والمشاهدة والتحليل والربط والتأني والفهم وبشكل مستفيض، وهذه الخصائص كلها تلعب دورا كبيرا بما يخرج من لسان المرء من آراء ونظريات ومعتقدات، ووفقا لهذه الخصائص، مَن مِن أصدقائنا الأحبة يعتقد أو يظن بأنه قد اعتمدها كلها في آرائه؟ خصوصا وأن ٩٠ بالمئة من المواضيع هي نسبية، وليست مطلقة، مثلا، حين يبدأ الحديث عن السياسة، فإنك تجد شخصا ما ملتزما ب(رؤية) عن الوضع الحالي ويعتقد بأنها هي الحقيقة الوحيدة التي يجب على الجالسين كلهم الاقتناع بها، وإلا، فهم جَهَلة! وهذه آفة مستشرية في جسد الوسط الثقافي.
وحين يغيّر احدهم دفّة الحديث نحو الأدب، فلا تستطيع أن تسلم على نفسك من العلماء والمنظرين والفلاسفة، ليس خطأ أن يشارك المرء بالحديث ويناقش المواضيع آنفة الذكر، ولكن الخزي والسذاجة تكمن في تبني وجهة نظر يختلف فيها الجميع، وهي مسألة أساسا قابلة للأخذ والرد وتعدد الآراء ويظن بأنه بجانب الحقيقة بعينها، ولا أعني هنا الواضح من المواضيع، كشاعرية المتنبي أو مصطلح المخضرمين أو أفضلية امرء القيس، بل في مواضيع هي أصلا ذوقيّة والحكم فيها على أساس الانطباع، وهذا ما أسميه آفة مجالس المثقفين الكبرى.
وفي ذكر آفة أخرى، فهي أنك تجد مجموعة أو شخصين، يتفقان في رؤية أو نظرية واحدة، وفي لحظة احتدام صخب النقاش، ينتصر أحدهم للآخر ويجعلان من المناقِش أضحوكة عن طريق تسفيه آرائه والسخرية من كل ما ينطق به، وكانهم العلماء الوحيدون على وجه الكرة الأرضية، وهؤلاء يعرفون أنفسهم جيدا.
أمَا والله فالآفات كثيرة، ولكن النقطة الرئيسة فيها هي ظنّ الكثير من المثقفين إن صح القول بأنهم مثقفون حقا، ظنهم بأنه إذا ما تغيرت وجهة نظرهم خلال النقاش أو وافقوا آخرين على آرائهم بشكل ولو بشكل جزئي، فإنهم قد خسروا الحرب ومصيرهم الأسر! وهذا يدفع المجادل وليس المناقش إلى أن يصل إلى نقطة بعيدة جدا عن المنطقية والموضوعية كي يثبت أنه على حق، ويصل به الحال إلى الصياح والشتم والعراك، وبالتالي ينتهي المجلس بغيظ وكراهية... وهذا ينطبق على منشورات الفيس بوك بشكل أوسع وأكثر ضراوة، فالفضاء مفتوح والحروف متاحة، ولكن، وللأسف ليس هناك وقت للتفكير قبل الكتابة.
وللحديث بقية عن آفات المجالس والفيس بوك التي طالما تعلمت أن أكون صامتا فيها إذا رأيت أن الحديث فيها بطريقة (البقاء للأقوى).
أمير ناظم
أما أصدقاؤنا في المجالس والمقاهي والمضايف، وتحديدا المثقفون، فهم _غالبا _ ينظرون من زاوية واحدة، أو زاويتين، فتجدهم متشبثين بآرائهم ومعتقداتهم وأفكارهم التي بُنيت على بحث وتفكّر وتدبّر قليل وفقير، متناسين أن المعرفة بجوانبها المتعددة تعتمد على الاطلاع والقراءة والمشاهدة والتحليل والربط والتأني والفهم وبشكل مستفيض، وهذه الخصائص كلها تلعب دورا كبيرا بما يخرج من لسان المرء من آراء ونظريات ومعتقدات، ووفقا لهذه الخصائص، مَن مِن أصدقائنا الأحبة يعتقد أو يظن بأنه قد اعتمدها كلها في آرائه؟ خصوصا وأن ٩٠ بالمئة من المواضيع هي نسبية، وليست مطلقة، مثلا، حين يبدأ الحديث عن السياسة، فإنك تجد شخصا ما ملتزما ب(رؤية) عن الوضع الحالي ويعتقد بأنها هي الحقيقة الوحيدة التي يجب على الجالسين كلهم الاقتناع بها، وإلا، فهم جَهَلة! وهذه آفة مستشرية في جسد الوسط الثقافي.
وحين يغيّر احدهم دفّة الحديث نحو الأدب، فلا تستطيع أن تسلم على نفسك من العلماء والمنظرين والفلاسفة، ليس خطأ أن يشارك المرء بالحديث ويناقش المواضيع آنفة الذكر، ولكن الخزي والسذاجة تكمن في تبني وجهة نظر يختلف فيها الجميع، وهي مسألة أساسا قابلة للأخذ والرد وتعدد الآراء ويظن بأنه بجانب الحقيقة بعينها، ولا أعني هنا الواضح من المواضيع، كشاعرية المتنبي أو مصطلح المخضرمين أو أفضلية امرء القيس، بل في مواضيع هي أصلا ذوقيّة والحكم فيها على أساس الانطباع، وهذا ما أسميه آفة مجالس المثقفين الكبرى.
وفي ذكر آفة أخرى، فهي أنك تجد مجموعة أو شخصين، يتفقان في رؤية أو نظرية واحدة، وفي لحظة احتدام صخب النقاش، ينتصر أحدهم للآخر ويجعلان من المناقِش أضحوكة عن طريق تسفيه آرائه والسخرية من كل ما ينطق به، وكانهم العلماء الوحيدون على وجه الكرة الأرضية، وهؤلاء يعرفون أنفسهم جيدا.
أمَا والله فالآفات كثيرة، ولكن النقطة الرئيسة فيها هي ظنّ الكثير من المثقفين إن صح القول بأنهم مثقفون حقا، ظنهم بأنه إذا ما تغيرت وجهة نظرهم خلال النقاش أو وافقوا آخرين على آرائهم بشكل ولو بشكل جزئي، فإنهم قد خسروا الحرب ومصيرهم الأسر! وهذا يدفع المجادل وليس المناقش إلى أن يصل إلى نقطة بعيدة جدا عن المنطقية والموضوعية كي يثبت أنه على حق، ويصل به الحال إلى الصياح والشتم والعراك، وبالتالي ينتهي المجلس بغيظ وكراهية... وهذا ينطبق على منشورات الفيس بوك بشكل أوسع وأكثر ضراوة، فالفضاء مفتوح والحروف متاحة، ولكن، وللأسف ليس هناك وقت للتفكير قبل الكتابة.
وللحديث بقية عن آفات المجالس والفيس بوك التي طالما تعلمت أن أكون صامتا فيها إذا رأيت أن الحديث فيها بطريقة (البقاء للأقوى).
أمير ناظم