نعى الدكتور محمد يوسف حبلص أخاه الأستاذ الدكتور محمد فتيح – ولقد أعطاني تلك الأوراق بتاريخ19/8/2012م- بقوله:
" بسم الله الرحمن الرحيم"
أيها السيدات والسادة السلام عليكم ورحمته وبركاته
وبعد
فهل رأيتم لو أن فلاحا شمر عن ساعد الجد، وغرس فأحسن الغرس، حتى اخضوضرت شجراته ، وأينعت ثمراته، وأضحى بستانه يسر النظرين ، فيسهر ليلة طويلة يمني نفسه بما سوف يجنيه في الصباح من ثمر طيب وفير، وما أن انبلج الصبح ، وذهب متهللا ليجني ثمرات ما زرعت يداه ، فإذا بريح قدرية قد عصفت بزرعه ، فوجده هباء منثورا ، أرأيتم كم يكون حزنه قاتلا ، وفاجعته أليمة ؟ تلك حال دار العلوم اليوم ، وقد انتقت محمد فتيح من أنجب شبابها ، وأنبغ خريجيها ، وأعدته فأحسنت إعداده حتى غدا عالما جديرا بما أعد له ، وفجأة سقط الفارس من فوق صهوة جواده، كالكأس الممتلئة تنكسر فيسيل ماؤها الفرات قبل أن يفثأ حرا ، أو يروي ظمأ ، ما أفدح خسارتنا فيك يا محمد، وما أوجع فراقك ، وأحسب أن وقتا طويلا سينقضي قبل أن تتمكن دار العلوم من أن تعثر من بين شبابها على فارس آخر يعوضنا عن نموذج محمد فتيح زينة شباب العلماء بالدار ، وبعض أملها في غد علمي أكثر إشراقا.
أيها السيدات والسادة:
ولد محمد سليمان إبراهيم فتيح في الثامن من شهر فبراير1942م، بمركز البتانون محافظة المنوفية ، وحرص والده على إعداده ليكون شيخا أزهريا ، كهذا الشيخ الجليل الذائع الصيت في قريتهم، وهو الشيخ محمد الشامي الأستاذ بكلية أصول الدين والذى صار فيما بعد حماه وجدا لأبنائه ، فانكب الوليد النجيب على حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه في سن مبكرة، والتحق بالمعهد الديني ، وأظهر نبوغا ملحوظا بين أقرانه، وحصل على الثانوية الأزهرية1962م ، وكان ترتيبه الثالث على المعاهد الأزهرية، وكعادة النابغين من طلاب الثانوية الأزهرية ، دفعه طموحه للالتحاق بار العلوم ، مضحيا بمكافأة التفوق التي كانت تعطى للأوائل من طلاب الثانوية الأزهرية، وقد وجد الطالب في دار العلوم من المعارف الجديدة ، والمناهج المتطورة ، ما عوضه عن ذلك وأشبع نهمه ، فجاء تفوقه منذ السنة الأولى وحتى السنة الأخيرة حيث حصل على ليسانس دار العلوم في دور مايو1966م وكان ترتيبه الأول بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى. وبعد ذلك بشهور قليلة كلف للعمل معيدا بقسم النحو بدار العلوم في 18/9/1966م، ثم حصل على الماجستير بإمتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، وعين مدرسا مساعدا بنفس القسم في29/11/1972م.وفي سنة1975م سافر في بعثة إلى إنجلترا في مادة علم اللغة ، ونقل بعد ذلك إلى وظيفة مدرس مساعد بقسم علم اللغة بدار العلوم في26/4/1979م.وبعد أن حصل من جامعة ليدز على الدكتوراه في6/7/1983م، عاد إلى دار العلوم حيث عين مدرسا لعلم اللغة بها في22/2/1984م ، وظل في هذا المنصب حتى أعير سنة1986م للعمل بالجامعة الإسلامية بإسلام آباد لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل للعمل بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة حيث عمل بها ثلاث سنوات أخرى حصل أثناءها على درجة أستاذ مساعد في علم اللغة في 27/12/1989م، وقد عاد إلى دار العلوم من إعارته في أغسطس سنة1992م وظل بها حتى وافته المنية في 8/1/1995م ، قبل أن يتم الثالثة والخمسين بشهر واحد.
أيها السيدات والسادة :
هذا هو فقيد دار العلوم الغالي ، وشهيدها الفارس النجيب الذي أمضى بين جدرانها وفي كنفها ثلث قرن من الزمان ، له فيها عشرات الآباء ومئات الأخوة وآلاف الأبناء والتلاميذ ، كلنا لفراقه محزون مكلوم، كلنا لفقده عين دامعة وقلب جريح، لقد كان بيننا نعم الطالب النابه ، ثم نعم الباحث المدقق ، ثم نعم الأستاذ القدير، ما أعظمه إنسانا مسلما قدوة ، قدوة في صدقه ، قدوة في نقائه وصفاء سريرته، قدوة في إيمانه وعبادته وحبه للصالحين البسطاء، نموذجا فريدا، ونمطا رفيعا من البشر في صداقته ووفائه ، وكان رجلا تشرف بمعرفته، وتسعد بمجالسته ، عاش عالما ورعا ، ورحل شهيدا للعلم تقيا ، لم يطلب دنيا ، بل كان فيها من الزاهدين ، ولكنه تبوأ باقتدار وجدارة مكانة العلماء الأتقياء.
والفضل في الدنيا لعلم نافع = والفضل في الأخرى لعبد أطوع
من كان في الدنيا تقيا عالما = أبصر به في الآخرين وأسمع
في ذمة الله يا أنبل الرجال ،" وإنا لله وإنا إليه راجعون"صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إيضاح :
لعل طول هذه الترجمة راجع لأنها الوحيدة التى وجدها الباحث تترجم بتفصيل ، وتتحدث عما هو خفي من جانب حياة الدكتور محمد فتيح رحمه الله وأنها تدل على مدى ما يتمتع به أبناء دار العلوم من علاقة سامية ووفاء نادر.
" بسم الله الرحمن الرحيم"
أيها السيدات والسادة السلام عليكم ورحمته وبركاته
وبعد
فهل رأيتم لو أن فلاحا شمر عن ساعد الجد، وغرس فأحسن الغرس، حتى اخضوضرت شجراته ، وأينعت ثمراته، وأضحى بستانه يسر النظرين ، فيسهر ليلة طويلة يمني نفسه بما سوف يجنيه في الصباح من ثمر طيب وفير، وما أن انبلج الصبح ، وذهب متهللا ليجني ثمرات ما زرعت يداه ، فإذا بريح قدرية قد عصفت بزرعه ، فوجده هباء منثورا ، أرأيتم كم يكون حزنه قاتلا ، وفاجعته أليمة ؟ تلك حال دار العلوم اليوم ، وقد انتقت محمد فتيح من أنجب شبابها ، وأنبغ خريجيها ، وأعدته فأحسنت إعداده حتى غدا عالما جديرا بما أعد له ، وفجأة سقط الفارس من فوق صهوة جواده، كالكأس الممتلئة تنكسر فيسيل ماؤها الفرات قبل أن يفثأ حرا ، أو يروي ظمأ ، ما أفدح خسارتنا فيك يا محمد، وما أوجع فراقك ، وأحسب أن وقتا طويلا سينقضي قبل أن تتمكن دار العلوم من أن تعثر من بين شبابها على فارس آخر يعوضنا عن نموذج محمد فتيح زينة شباب العلماء بالدار ، وبعض أملها في غد علمي أكثر إشراقا.
أيها السيدات والسادة:
ولد محمد سليمان إبراهيم فتيح في الثامن من شهر فبراير1942م، بمركز البتانون محافظة المنوفية ، وحرص والده على إعداده ليكون شيخا أزهريا ، كهذا الشيخ الجليل الذائع الصيت في قريتهم، وهو الشيخ محمد الشامي الأستاذ بكلية أصول الدين والذى صار فيما بعد حماه وجدا لأبنائه ، فانكب الوليد النجيب على حفظ القرآن الكريم، فأتم حفظه في سن مبكرة، والتحق بالمعهد الديني ، وأظهر نبوغا ملحوظا بين أقرانه، وحصل على الثانوية الأزهرية1962م ، وكان ترتيبه الثالث على المعاهد الأزهرية، وكعادة النابغين من طلاب الثانوية الأزهرية ، دفعه طموحه للالتحاق بار العلوم ، مضحيا بمكافأة التفوق التي كانت تعطى للأوائل من طلاب الثانوية الأزهرية، وقد وجد الطالب في دار العلوم من المعارف الجديدة ، والمناهج المتطورة ، ما عوضه عن ذلك وأشبع نهمه ، فجاء تفوقه منذ السنة الأولى وحتى السنة الأخيرة حيث حصل على ليسانس دار العلوم في دور مايو1966م وكان ترتيبه الأول بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى. وبعد ذلك بشهور قليلة كلف للعمل معيدا بقسم النحو بدار العلوم في 18/9/1966م، ثم حصل على الماجستير بإمتياز مع مرتبة الشرف الأولى ، وعين مدرسا مساعدا بنفس القسم في29/11/1972م.وفي سنة1975م سافر في بعثة إلى إنجلترا في مادة علم اللغة ، ونقل بعد ذلك إلى وظيفة مدرس مساعد بقسم علم اللغة بدار العلوم في26/4/1979م.وبعد أن حصل من جامعة ليدز على الدكتوراه في6/7/1983م، عاد إلى دار العلوم حيث عين مدرسا لعلم اللغة بها في22/2/1984م ، وظل في هذا المنصب حتى أعير سنة1986م للعمل بالجامعة الإسلامية بإسلام آباد لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل للعمل بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة حيث عمل بها ثلاث سنوات أخرى حصل أثناءها على درجة أستاذ مساعد في علم اللغة في 27/12/1989م، وقد عاد إلى دار العلوم من إعارته في أغسطس سنة1992م وظل بها حتى وافته المنية في 8/1/1995م ، قبل أن يتم الثالثة والخمسين بشهر واحد.
أيها السيدات والسادة :
هذا هو فقيد دار العلوم الغالي ، وشهيدها الفارس النجيب الذي أمضى بين جدرانها وفي كنفها ثلث قرن من الزمان ، له فيها عشرات الآباء ومئات الأخوة وآلاف الأبناء والتلاميذ ، كلنا لفراقه محزون مكلوم، كلنا لفقده عين دامعة وقلب جريح، لقد كان بيننا نعم الطالب النابه ، ثم نعم الباحث المدقق ، ثم نعم الأستاذ القدير، ما أعظمه إنسانا مسلما قدوة ، قدوة في صدقه ، قدوة في نقائه وصفاء سريرته، قدوة في إيمانه وعبادته وحبه للصالحين البسطاء، نموذجا فريدا، ونمطا رفيعا من البشر في صداقته ووفائه ، وكان رجلا تشرف بمعرفته، وتسعد بمجالسته ، عاش عالما ورعا ، ورحل شهيدا للعلم تقيا ، لم يطلب دنيا ، بل كان فيها من الزاهدين ، ولكنه تبوأ باقتدار وجدارة مكانة العلماء الأتقياء.
والفضل في الدنيا لعلم نافع = والفضل في الأخرى لعبد أطوع
من كان في الدنيا تقيا عالما = أبصر به في الآخرين وأسمع
في ذمة الله يا أنبل الرجال ،" وإنا لله وإنا إليه راجعون"صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إيضاح :
لعل طول هذه الترجمة راجع لأنها الوحيدة التى وجدها الباحث تترجم بتفصيل ، وتتحدث عما هو خفي من جانب حياة الدكتور محمد فتيح رحمه الله وأنها تدل على مدى ما يتمتع به أبناء دار العلوم من علاقة سامية ووفاء نادر.