أدب السجون مصطفى نصر - الزيارة..

يعرف الصول رمضان؛ منصور العريض- أشهر وأهم مسجون فى السجن – فرجاله فى كل العنابر يلبون ندائه وينفذون ما يأمرهم به.
تحتاج إدارة السجن إليه – أحيانا – لتنفيذ مأموريات لصالحها؛ كتأديب مسجون مشاغب أساء لبعض الضباط ولم ينفع معه تأديب السجن؛ فيتولى منصور العريض أمره، وهم يعلمون أن تأديبه على يد منصور؛ سينهى كل شيء، فرجاله يمسكون بالمسجون ويضربونه بطريقة بشعة؛ تجعله لا يستطيع بعدها أن يرفع رأسه أو صوته.
أو أن ترغب إدارة السجن فى الوصول إلى معلومات من بعض المساجين، فيبث منصور رجاله؛ فيأتون له بما تريد إدارة السجن.
لهذا؛ شرد الصول رمضان عندما قرأ اسم منصور العريض فى كشف الزيارة، تمنى لو كان قد بلغ عن أجازة لكى لا يحضر هذا اليوم؛ فالزيارة التي يكون فيها منصور العريض لها وضع خاص. فهو يأتى وحوله رجاله – غير المدرجين فى الكشوف - من كل جانب؛ يفسحون له الطريق؛ فيدفعون المساجين الذين يقفون فى طريقه فى عنف. ورمضان غير قادر على الاعتراض، لأنه يعلم أن إدارة السجن لن تقف بجانبه أمام منصور.
يتقاضى رجال منصور – منه – راتبا شهريا، أو أسبوعيا، ويعطيهم سجائر كثيرة.ويصل إلى سمع الصول رمضان أن منصور هذا يبيع المخدرات داخل السجن. لم يتحدث في هذا مع أحد ولا حتى مع أصدقائه المقربين، فهو لا يحب أن تأخذ إدارة السجن منه موقفا، كما أنه لا يحب أن يختلف مع منصور العريض.
يقدم منصور له – أيام الزيارات – بعض الحلويات والهدايا، من " الزيارة " التى تأتيه، يأخذها رمضان غير راغب فيها، لكنه لا يستطيع رفضها. يبتسم رغما عنه، وفى داخله رغبة فى أن يصفعه على قفاه العريض ووجهه الممتلئ.
بدأ طابور الزيارة؛ يقوده شاويش قديم فى السجن، يعرفه رمضان منذ أن كان جنديا صغيرا. لم يكن منصور ضمن الطابور، فهو لا يحب أن يتعامل مثل باقى المساجين. لابد من أن يأتى وحده وحوله رجاله. راجع رمضان أسماء وأرقام المساجين على الكشف الذى فى يده، لم يتبق من الزيارة سوى منصور.
الزوار يقفون بعيدا، يصنعون ضجيجا. والجنود يسدون الباب الضيق أمامهم. يعطيهم الزوار سجائر، ويتحدثون معهم. بعض المتدافعين – من الزوار- رأوا المساجين الذين جاءوا لزيارتهم؛ ضمن الطابور، فنادوا عليهم وتصايحوا.
لم تتبق سوى دقائق وتبدأ الزيارة، ولم يأت منصور العريض. يعرف الصول رمضان زواره – بعض رجاله خارج السجن – يرتدون بذلا وخواتم كثيرة فى أصابعهم، ويتحركون في صالة الزيارة كأنهم فى بيوتهم. يضحكون بصوت مرتفع ويسخرون من باقى المساجين. يتمازحون – أحيانا – بالسباب والضرب أمام الجنود والضباط.
جاء منصور وحوله رجاله ( من المساجين ). عددهم أكثر من كل مرة، معظمهم من الشباب الصغير. يحمل بعضهم بطاطين ليفرشوها لزوار معلمهم فوق الأرض العارية. ابتسم منصور للصول رمضان وقال وهو يسير بعيدا عنه:
- سنتعبك اليوم أكثر من كل مرة.
لم يفهم رمضان مقصده. ابتسم له وهو شارد:
- بعد إذنك، أريد زوجتى .
لم يكن موعد الزيارة قد بدأ. رغم هذا أشار رمضان للشاويش لأن يأتى بزوجة منصور من بين الزوار الواقفين خلف الباب الضيق. أسرع الشاويش، خرج من الباب، وعاد ومعه امرأة فى منتصف العمر، ممتلئة وشعرها مصبوغا باللون الأصفر. أسرع مسجون – من رجال زوجها – يحمل " الزيارة " التى تحملها لزوجها. لم تحى أحد، تابعها الزوار الذين ينظرون من فوهة الباب الضيق. تعالى صوتهم؛ مطالبين بالدخول مثلها.
أحس رمضان بأنها مرتبكة، أو مهمومة.أسرع منصور إليها مبتسما ومصافحا، قال:
- الصول رمضان؛ أعز أحبابنا فى السجن.
وضعت يدها فى يد رمضان، لكنها لم تنظر إليه. نظر منصور إلى رجاله، فقال أحدهم للصول رمضان:
- بعد إذنك يا فندم.
فردوا بطانية على الأرض العارية وسط صالة الزيارة، وفردوا بطاطين. فامسك كل اثنين منهم بطرفى البطانية، حتى صنعوا ساترا. دخل منصور وزوجته وسط الساترين المصنوعين من البطاطين الممدودة، ثم أسرع اثنين آخرين ومدوا بطانيتين من الأمام والخلف. أما رجال منصور فقد كانوا حريصين على أن ينظروا بعيدا – وهم يمسكون أطراف البطاطين حتى لا يروا ما يحدث فى الداخل.
اشرأبت رؤوس الزوار وتدافعوا؛ مما جعل بعض الجنود – الذين يقفون مع رمضان – أن يذهبوا إلى الباب الضيق لمساعدة زملائهم هناك.
أراد الصول رمضان أن يعترض، فمد ساقه فعلا ذاهبا لضرب هؤلاء الذين يمدون البطاطين، ثم دفع الرجل وزوجته العاريين فى أسفل؛ لكنه لم يستطع.
كان الشاويش يتابع وجه رمضان فى قلق، جندى من الجنود ذهب إلى الجدار وسند جسده. فقد أحس بالدوار. أحس رمضان بأن حدة الشمس قد خفت، وإنها سوف تغرب فى غير ميعادها. تذكر أن الزيارة قد حان موعدها، لكنه لم يستطع أن يأمر بدخولها وسط هذا المشهد. تمنى لو جاء ضابط كبير ليتخذ موقفا حيال ما يحدث.على الأقل سيكون القرار ليس قراره وحده.
وقف منصور فأسدل رجاله بطاطينهم، كانت زوجته تشد ملابسها حول جسدها وهو ينظر إلى رجاله سعيدا، من فرط سعادته ضرب أحدهم على قفاه. فابتسم له الرجل سعيدا. قال منصور لرمضان:
- ألف شكر يا أفندينا.
فرش رجل من رجاله بطانية على الأرض فجلس منصور وزوجته يتحدثان، ومدت أمامها " الزيارة " التى جاءت بها. بينما حمل الباقى بطاطينهم ووقفوا بعيدا، منتظرين عودة معلمهم. ثم أشار الصول رمضان بدخول الزيارة. كان غير سعيد لأنه لم يمنع ما حدث، لكنه قال لنفسه ليطمئنها:
- ما الذى حدث، إنها زوجته فى الحلال.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
427
آخر تحديث
أعلى