إذا كان النص الأدبي لا يكتمل إلا بمتلقيه، حسب الدرس النقدي الحديث، فإن النص المسرحي لا يُختبر كرؤية وتشكيل إلا على الخشبة، لأن المسرح عرض ومواجهة وغواية، تتيح للمتلقي / المشاهد لحظة احتكاك مباشرة، ولحظة مباغتة حية، يتفاعل معها وتتفاعل معه، بخطاب مفتوح على جهات الخشبة، كما هو مفتوح على جهات الكائن.
إلا أن هذه الخصوصية للنص / العرض، لا تنفي إمكانية التلقي للنص الأدبي المسرحي، كخطاب يبني فضاءه وزمانه، وشخصياته، ولحظته الدرامية من خلال وسيط لغوي، بل يمكن أن تشكل هذه القراءة غواية أخرى من غوايات النص المسرحي، خاصة إذا كانت اللغة تنهض من وعيها الجمالي، وتتشكل في إشاراتها ومسافاتها كي يتشكل المعنى من أسرارها وتأويلاتها.
وهذا ما اشتغل عليه الأديب عامر البري، في مسرحيته ( باب الزاوية) أسطورة جديدة، في بناء جملته الحوارية المكثفة الحاملة لتأويلاتها، وغواياتها في تشكيل المعنى، وفي تأجيج الصراع الدرامي، وفي بناء الشخصية بكل أحوالها وحركاتها وشؤونها، وتطوراتها بمستوياتها المختلفة، مما جعل المسرحية نصا أدبيا يحتفي بجملته كما تحتفي القصيدة بتشكيلها، وبالتالي يفسح النص للقارئ مساحة كافية للدخول في التأمل واستبطان الكلمات وهي تشكل معناها .
ولعل الموضوع المعالج في هذا النص كان دافعا لاختبار هذا التشكيل الجمالي للغة، وهو الذي أيقظ لدى الكاتب هذا التماهي باللغة الشعرية في انسجام إيقاعي داخلي يكشف عن مقدرة حقيقية في الاستجابة لايقاعية الموضوع، واللغة، وبالتالي إيقاعية النص المسرحي، وهذا ما يمكن الكشف عنه في أحاديث بعض الشخصيات التي كانت تستجيب لإيقاعية المكان/ المقام في داخلها، فتشف كلماتها كما هو الحال في حديث ( علي) وهو يخاطب المقام، الذي يمثل له حلما ووجودا " ما أحلى قوامك .. ما أحلى الأرجاء، ما أعذب ماءك ملموما في جنباتك، ير وي الموتى والأحياء وأولادك الجبناء... جئتك أحلم بالتحليق في أجوائك، والطيران في سماك، لا عين تراني، ولا عين تراك" وكذلك الأمر في حديث ( شريفة) مع (عائشة) عن موت أمها ، " الوقت داهمها فانفلت المعنى" أو بتخطيب جملة النفري الشهيرة( كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى) حيث تقول " ضيقت الوقت.. فاتسعت الفكرة.. فكانت العبارة" فإذا بالحوار يتحول إلى لحظة استكناه للمعنى من عمق العبارة، ومن عمق الموقف، مما يكشف عن ذلك الألق الداخلي في تشكيل الشخصية المتماهية مع المكان المقدس / المقام، وكأن المكان هو الذي كان يفعل هذه الطاقة الكامنة في الكشف عن أسرار اللغة، وبالتالي عن أسرار الشخصية، وعن أسرار اللحظة الدرامية التي يشكلها الحوار بين الشخصيات، وهناك الكثير من هذه العبارات التي يمكن التنبه إليها دون جهد كبير، لأن النص مبني على الرؤية، في تشكيل مقاماته، خاصة وأن فكرته تنبثق من هذا الاحتفاء بالمكان المقدس أو المقام الذي يشكل مقامات مختلفة للمعنى ، فهو الرمز والماضي والتراث، والروح والوجود، وكما يقول ( علي) هو مقام الأجداد، ضياء القلب والروح " وكذلك هو " أغنية الواقفين في مدارات الشك والخوف والخيانة " هذا المقام الحلم الذي يدافع عنه المؤلف بلسان عائشة، وعلي، وشريفة، لأن في دفاعه عنه، يكمن دفاعه عن وجود الكائن، وعن كينونته، وصيرورته عبر الزمان، لأن المكان لا ينفصل عن زمانه، وعن تاريخه، ولا عن كائناته، التي لا تنفصل هي الأخرى عن زمنها وتاريخها فيه، وبالتالي إن تهديد المكان بالهدم، يعني تهديد الكائن بالتلاشي والانطفاء من داخله، لأن الاعتداء على المكان لا يعني فقط الاعتداء على جغرافية الكائن، بل على تاريخه، وبالتالي على انبثاقاته الروحية في التواصل والوجود، والحياة.
ومن هنا كان الصراع المحتدم بين المقدس والمدنس، بين يد تبحث عن مبررات للتدمير وبين روح تتشبث بكل ماأوتيت من طاقة كامنة بهذا الرمز الذي ينبني عليه الحلم، وتنبني عليه رحلة الكائن في الخلاص.
ومن خلال هذا الرمز للمقام، حاول الكاتب أن يكشف عن حقيقة الصراع بين السلطة والرعية، بين الروحي والمادي، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين الاستبداد والثورة، ليتحول هذا المقام إلى مقام مطلق في معناه، حيث تنبني الرؤية المسرحية على هذا الكنه الكامن في العلاقة بين المكان والإنسان هذا المكان الذي يتماهى بمقامه مع مقام الروح ومقام الوجود، ومقام الرؤية الحالمة بمستقبل أجمل .
باب الزاوية، نص مسرحي، تكمن أهميته في هذا الجهد الابداعي والمعرفي الذي يكمن وراء إنتاجه، فكرة ومبنى ومعنى، إضافة إلى الإمكانيات الكامنة لإسقاطه على التحولات في الواقع العربي، سواء بالجغرافيا أو بالتاريخ، أو بالحراك المعاصر الذي عرى كل شيء، لأنه نص انبنى على الصراع بين القيم وعلى الصراع بين الوجود واللاوجود، ومن خلال هذا الحس الانساني استطاع أن يحقق أهم عناصر الشعرية في الخطاب المسرحي، وهو عنصر الانسجام الإيقاعي لغة ورؤية وبناء وتشكيلا ما يجعله من النصوص التي تستحق التأمل في مقام تأويلاته المختلفة .
إلا أن هذه الخصوصية للنص / العرض، لا تنفي إمكانية التلقي للنص الأدبي المسرحي، كخطاب يبني فضاءه وزمانه، وشخصياته، ولحظته الدرامية من خلال وسيط لغوي، بل يمكن أن تشكل هذه القراءة غواية أخرى من غوايات النص المسرحي، خاصة إذا كانت اللغة تنهض من وعيها الجمالي، وتتشكل في إشاراتها ومسافاتها كي يتشكل المعنى من أسرارها وتأويلاتها.
وهذا ما اشتغل عليه الأديب عامر البري، في مسرحيته ( باب الزاوية) أسطورة جديدة، في بناء جملته الحوارية المكثفة الحاملة لتأويلاتها، وغواياتها في تشكيل المعنى، وفي تأجيج الصراع الدرامي، وفي بناء الشخصية بكل أحوالها وحركاتها وشؤونها، وتطوراتها بمستوياتها المختلفة، مما جعل المسرحية نصا أدبيا يحتفي بجملته كما تحتفي القصيدة بتشكيلها، وبالتالي يفسح النص للقارئ مساحة كافية للدخول في التأمل واستبطان الكلمات وهي تشكل معناها .
ولعل الموضوع المعالج في هذا النص كان دافعا لاختبار هذا التشكيل الجمالي للغة، وهو الذي أيقظ لدى الكاتب هذا التماهي باللغة الشعرية في انسجام إيقاعي داخلي يكشف عن مقدرة حقيقية في الاستجابة لايقاعية الموضوع، واللغة، وبالتالي إيقاعية النص المسرحي، وهذا ما يمكن الكشف عنه في أحاديث بعض الشخصيات التي كانت تستجيب لإيقاعية المكان/ المقام في داخلها، فتشف كلماتها كما هو الحال في حديث ( علي) وهو يخاطب المقام، الذي يمثل له حلما ووجودا " ما أحلى قوامك .. ما أحلى الأرجاء، ما أعذب ماءك ملموما في جنباتك، ير وي الموتى والأحياء وأولادك الجبناء... جئتك أحلم بالتحليق في أجوائك، والطيران في سماك، لا عين تراني، ولا عين تراك" وكذلك الأمر في حديث ( شريفة) مع (عائشة) عن موت أمها ، " الوقت داهمها فانفلت المعنى" أو بتخطيب جملة النفري الشهيرة( كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى) حيث تقول " ضيقت الوقت.. فاتسعت الفكرة.. فكانت العبارة" فإذا بالحوار يتحول إلى لحظة استكناه للمعنى من عمق العبارة، ومن عمق الموقف، مما يكشف عن ذلك الألق الداخلي في تشكيل الشخصية المتماهية مع المكان المقدس / المقام، وكأن المكان هو الذي كان يفعل هذه الطاقة الكامنة في الكشف عن أسرار اللغة، وبالتالي عن أسرار الشخصية، وعن أسرار اللحظة الدرامية التي يشكلها الحوار بين الشخصيات، وهناك الكثير من هذه العبارات التي يمكن التنبه إليها دون جهد كبير، لأن النص مبني على الرؤية، في تشكيل مقاماته، خاصة وأن فكرته تنبثق من هذا الاحتفاء بالمكان المقدس أو المقام الذي يشكل مقامات مختلفة للمعنى ، فهو الرمز والماضي والتراث، والروح والوجود، وكما يقول ( علي) هو مقام الأجداد، ضياء القلب والروح " وكذلك هو " أغنية الواقفين في مدارات الشك والخوف والخيانة " هذا المقام الحلم الذي يدافع عنه المؤلف بلسان عائشة، وعلي، وشريفة، لأن في دفاعه عنه، يكمن دفاعه عن وجود الكائن، وعن كينونته، وصيرورته عبر الزمان، لأن المكان لا ينفصل عن زمانه، وعن تاريخه، ولا عن كائناته، التي لا تنفصل هي الأخرى عن زمنها وتاريخها فيه، وبالتالي إن تهديد المكان بالهدم، يعني تهديد الكائن بالتلاشي والانطفاء من داخله، لأن الاعتداء على المكان لا يعني فقط الاعتداء على جغرافية الكائن، بل على تاريخه، وبالتالي على انبثاقاته الروحية في التواصل والوجود، والحياة.
ومن هنا كان الصراع المحتدم بين المقدس والمدنس، بين يد تبحث عن مبررات للتدمير وبين روح تتشبث بكل ماأوتيت من طاقة كامنة بهذا الرمز الذي ينبني عليه الحلم، وتنبني عليه رحلة الكائن في الخلاص.
ومن خلال هذا الرمز للمقام، حاول الكاتب أن يكشف عن حقيقة الصراع بين السلطة والرعية، بين الروحي والمادي، بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين الاستبداد والثورة، ليتحول هذا المقام إلى مقام مطلق في معناه، حيث تنبني الرؤية المسرحية على هذا الكنه الكامن في العلاقة بين المكان والإنسان هذا المكان الذي يتماهى بمقامه مع مقام الروح ومقام الوجود، ومقام الرؤية الحالمة بمستقبل أجمل .
باب الزاوية، نص مسرحي، تكمن أهميته في هذا الجهد الابداعي والمعرفي الذي يكمن وراء إنتاجه، فكرة ومبنى ومعنى، إضافة إلى الإمكانيات الكامنة لإسقاطه على التحولات في الواقع العربي، سواء بالجغرافيا أو بالتاريخ، أو بالحراك المعاصر الذي عرى كل شيء، لأنه نص انبنى على الصراع بين القيم وعلى الصراع بين الوجود واللاوجود، ومن خلال هذا الحس الانساني استطاع أن يحقق أهم عناصر الشعرية في الخطاب المسرحي، وهو عنصر الانسجام الإيقاعي لغة ورؤية وبناء وتشكيلا ما يجعله من النصوص التي تستحق التأمل في مقام تأويلاته المختلفة .
الشاعرة د.بهيجة مصري ادلبي
الشاعرة د.بهيجة مصري ادلبي ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit الشاعرة د.بهيجة مصري ادلبي und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit,...
www.facebook.com