د. عثمان أبوزيد - فائدة لغوية.. التقاه - والتقى به ـ والتقى معه

كنت في لجنة لمناقشة رسالة علمية بجامعة الخرطوم ، مع عَلَمين من أساتذة اللغة العربية ؛ بروفيسور الحبر يوسف نور الدائم وبروفيسور جعفر ميرغني . وصدر مني تعليق على تعبير ( التقاه ) الوارد في الرسالة ، فقلت إن تعدية هذا الفعل بنفسه خطأ ، وهو أسلوب بدأت تتوسع فيه وسائل الإعلام ، والصواب : التقى به أو التقى معه أو لقيه . وأقرّني الأستاذان ، حتى إن الأستاذ الدكتور جعفر ميرغني علّق ممازحاً بكلمة من الدارجة السودانية : " التقاه زي ما تقول كدا طقَشُه " !
ثم ذكرت هذا في مقابلة صحفية أجراها معي محمد خليفة صديق لصحيفة الدرب الإسلامي التي كانت تصدر في الخرطوم ، فعلّق مصحح الصحيفة بأن هذا الأسلوب له أصل وأن : التقاه متعدياً حكاه ابن سيده، ويشهد له ما أنشده الكسائي :
لما التقيت عُميرًا في كتيبته ... عاينت كأس المنايا بيننا بددا
وصار مذهبي في هذه المسألة الاحتياط وعدم التخطئة ، ولذا عندما كتبت بعد ذلك في مجلة مجمع اللغة العربية السوداني مقالة ذهبت فيها إلى أن ( التقيته فصيح ، والتقيت به لغة ) ، ولم يرِد في تحكيم تلك المقالة اعتراض أو تصويب .
ثم حصل بيني وبين الدكتور عمر أحمد فضل الله أخذ وردّ في مناقشة هذه المسألة اللغوية ، إذ اجتهد الدكتور عمر في بحثها ، ولم يترك فيها شاردة ولا واردة لينتهي كلانا إلى الحكم بعدم صحة هذا الأسلوب ، وأن ما ورد منه في شعر الأقدمين قد يؤخذ من باب الضرورة الشعرية .
ورد الفعل التقى في القرآن الكريم لازماً مفيداً المشاركة كما في " التقى الجمعان ـ فالتقى الماء على أمر قد قدر ـ في فئتين التقتا ـ إذا التقيتم ـ مرجَ البحرين يلتقيان " .
وهكذا نرى أن الفعل في القرآن لم يُستخدم إلا لازماً مفيداً المشاركة كما في الأمثلة السابقة .
وعليه فإن التقى فعلٌ لازم ، مُطاوعُ لقي المتعدي ، مثل الفعلين جمع واجتمع ، معنى وحكما .
لدينا إذن ، في استخدام التقى ، أكثر من خيار :
1 – التقى الرجلانِ .
2 – التقى زيدٌ وعمرٌو .
3 – التقى زيدٌ بعمرٍو .
والخيار الثالث صحيح ، وإن كان البعض يخطئه ، والاستعمالان الأولان أفصح ؛ لكون (التقى) يفيد معنى التشارك الذي يقتضي تعدد الفاعل .
أمّا التقى زيدٌ عمراً فهو مبنى يجافي المنطق اللغوي ، بل يجافي الأذن أيضاً، وتفسيره هو النصب بما يُسمّى إسقاط العامل .
وبالنظر في القواميس، فالفعل التقى في المنجد : "التقى الشيء : يجب تعديته حينما نلتقي شيئاً بمعنى نجده ، كقولنا : التقيت الكتاب أي وجدته . وفي لسان العرب ، مادة لقي ، التقوا وتلاقوا بمعنى ، ثم فسّر بعد ذلك ملتقى أَكفّنا التي وردت في الحديث ، قائلا : وملتقى أكفّنا أي أيدينا تلتقي مع يده وتجتمع .
وملخص ما قيل :
(التقى) فعل لازم، وهو في أصله مطاوع (لقِيَ) المتعدي .
فكما تقول: جمعتُ القوم فاجتمعوا، كذلك تقول: لقيَ فلان فلانا فالتقيا .
والفعل (التقى) لا يخرج عن ثلاثة استعمالات في فصيح الكلام :
- أن تسنده إلى فاعل مثنى أو جمع أو ما في معنى الجمع: التقى الرجلان أو القوم .
- أن تسنده إلى فاعل مفرد معطوف عليه غيره بالواو : التقى عمرو وزيد .
- أن تعديَه بالباء بعد إسناده إلى الفاعل : التقى زيد بعمرو .
أما ما شاع أخيراً من تعدية (التقى) وجعله بمعنى (لقِيَ) المتعدي فلعله من الخطأ الشائع . والله أعلم.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى