فولفجانج بورخرت - ثمة شيء واحد فقط.. ترجمة: د. عادل الأسطة

قل : لا
أنت أيها الرجل وراء الآلة ، أيها الرجل في المصنع
عندما يأمرونك صباحا : عليك ألا تصنع ماسورة ماء وطنجرة طبيخ .
عليك أن تصنع خوذة فولاذية ومدفعا ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا !
أنت أيتها الفتاة خلف طاولة البقالة ، وأنت أيتها التي في المكتب ،
عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تملأي القنابل وأن تركبي منظار التصويب لسلاح الدفاع الحاد ، فثمة شيء واحد فقط
قولي : لا
أنت يا صاحب المصنع ، عندما يأمرونك صباحا :
عليك أن تبيع البارود بدلا من البودرة والكاكاو ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها الباحث في المختبر ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تخترع موتا جديدا ضد الحياة القديمة ، فثمة شيء واحد فقط قل : لا
أنت أيها الشاعر في غرفتك ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تغني أشعار الكراهية لا أشعار الحب ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها الطبيب في فراش المرض ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تكتب " الرجال أكفاء للحرب " ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها القسيس على المنبر ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تبارك الجريمة وأن تلفظ الحرب على أنها مقدسة ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها القبطان على الباخرة ، عندما يأمرونك صباحا : عليك ألا تأخذ القمح بعيدا ، بل المدافع والدبابات ، فثمة شيء واحد فقط قل : لا
أنت أيها الطيار في ميدان الطيران ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تحمل القذائف والفوسفور فوق المدن ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها الخياط وراء طاولتك ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تقص البدلات العسكرية ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها القاضي في الروب الرسمي ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تذهب إلى محكمة الحرب ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها الرجل في محطة القطار ، عندما يأمرونك صباحا : عليك أن تعطي الإشارة لانطلاق قطار الذخيرة ولنقل المجموعات ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيها الرجل في القرية وايها الرجل في المدينة ، عندما يأتونك صباحا ويحضرون لك أمر التجنيد ، فثمة شيء واحد فقط
قل : لا
أنت أيتها الأم في ( النورماندي ) ، وأيتها الأم في ( أوكرانيا ) ، أنت ، أيتها الأم في ( فريسكو ) و ( لندن ) ، أنت في ( الهونغو ) و ( المسسيبي ) ، أنت أيتها الأم في ( نيبال ) و ( هامبورغ ) ، و القاهرة و ( أوسلو ) ، أيتها الأمهات في كل بقاع الأرض ، الأمهات في العالم ، عندما يأمرونكن صباحا :
عليكن أن تلدن أطفالا ، ممرضات للمستشفيات الحربية ، وجنودا للمعارك القادمة ، أيتها الأمهات في العالم ، ثمة شيء واحد فقط
قلن : لا !
فإن لم تقلن لا ، عندما لا تقلن أنتن : لا ، أيتها الأمهات
في موانيء المدن الصاخبة البخارية ستحرس السفن الكبيرة آنة ، ومثل جيف ماموثات جبارة ستتأرجح جثامين الماء حاملة ، مقابل جدران الأرصفة المنعزلة ، الموتى ، حشائش الماء ، الطحالب والصدف ، الجسد المدوي سابقا هكذا خانت ، السمك الفاسد الهاديء ، فواحا ، لينا ، سقيما ، ميتا .
قطارات الشوارع ستنبعج بغباء مثل أقفاص بلا معنى ، عيون صناعية غير لامعة ، وستقع مقشرة إلى جانب الأداة الفولاذية للأسلاك والخطوط خلف المخازن ذات السقوف المثقوبة المتداعية ، في الشوارع البركانية الممزقة المفقودة .
هدوء موحل رمادي مهووس رصاصي سوف يتجول ، نهم ، نام ، سينمو في المدارس والجامعات وأماكن التمثيل ، على ملاعب الرياضة وملاعب الأطفال ، بشع ومتكالب ، لا يمنعه مانع .
والخمر الصافي الناعم سيتعفن على المنحدرات المتداعية ، والأرز سيجف في الأرض اليابسة ، والبطاطا ستتجمد في المزارع المتروكة بلا استصلاح ، والابقار سيمددن أرجلهن المتصلبة إلى السماء ، مثل موطيء قدم الحلب المقلوبة .
في المعاهد ستغدو الاختراعات العبقرية للأطباء الكبار متخثرة ، متعفنة ، فطرا يتعفن .
في المطابخ ، الحجرات والمخازن ، في بيوت التبريد والتخزين ستنحل أكياس الطحين الأخيرة ، كؤوس الفراولة الأخيرة ، القرع وعصير الكرز ، الخبز تحت الطاولات المقلوبة وفوق الصحون المحطمة سيصير أخضر والزبدة السائلة ستخرج رائحة نتنة مثل صابون الشحم ، الحبوب في الحقول ستكون غارقة إلى جانب الأرض التي علاها الصدأ مثل جيش مهزوم وقالب طوب يبعث دخانا ، الطعام والمداخن للمصانع المدكوكة ستغطى من العشب الأبدي - مفككة ، مفككة .
وسيصبح الإنسان الأخير ، مع احشائه الممزقة ورئته الملوثة ، بلا جواب ووحيدا تحت الشمس المتوهجة المسممة ، وتائها تحت الأفلاك المزعزعة ، وحيدا بين المقابر الجماعية الني لا حصر لها ، وبين الأصنام الباردة للمدن الجبارة كثيرة التسلح ، المدن المقفرة ، سيصبح الإنسان الأخير جافا بلا جدوى ، رذيلا ، شاكيا - وشكواه المخيفة :
لماذا ؟
وينسل في البراري غير مسموع ، يعصف بين الركام الخشنة ، يتسرب بين طوب الكنائس ، يصفق ضد المخابيء ، يقع في ضحك الدم ، غير مسموع ، بلا جواب ، آخر صرخة حيوانية للإنسان الحيوان - كل هذا سيصل صباحا ، صباحا ربما ، ربما اليوم ليلا ، عندما .. عندما ..
لا تقلن : لا .




فولفجانج بورخرت.jpg
أعلى