د. رضا عبد الرحيم - النيل فى أعمال النحات محمود مختار

في أواخر القرن التاسع عشر، ولد المثال محمود مختار، وتحديدا في10مايو 1891م في قرية من قري ريف مصر تدعي "نشا" القريبة من نبروه مركز طلخا بمحافظة الدقهلية.

ولقد كانت من هوايات الصبي "مختار" التسلل إلي الترعة، وكثيرا ما كان ينتزع الطين من شواطيء القنوات فيصوغ منها نماذج مجسمة من الحيوانات المألوفة في رحاب القرية. ثم سرعان ما تحرر من الطبيعة وتخلص من التجسيدات الحيوانية ؛ ليتخذ من الشكل الإنساني مظهرا لها ،وهو ما يعرف بالنمط الكلاسيكي للفن .

وفي هذا الوقت قبل وصول مياه النيل إلي البيوت الريفية، كانت الفلاحة المصرية تزاول مسئوليتها في نقل المياه بالجرار. وقد رأي مختار منذ طفولته هذه المشاهد فاستحوزت علي بصره وبصيرته.

وأصبحت صورة الفتاة والجرة عنده مرادفة لنهر النيل، وأصدق تعبير عنه.

وقد اتخذ هذا النموذج - الفتاة والجرة - أداة لكثير من أعماله الفنية التي سوف نستعرضها فى مقالى هذا :

تمثال العودة من النهر- حجر صناعي:
وهو يمثل ثلاث قرويات تحمل كل واحدة منهن جرة مليئة بالماء فوق رأسها. في أثناء عودتهن من النهر، ولكل قروية منهن حركة مستأنية متقنة تختلف عن صاحبتها، وتظهر براعة "مختار" في إظهار الوجوه السمحة المليحة الحالمة،
وكذا القوام المنتصب الشامخ في اعتداله، وفي الصدور النواهد في بروز واستدارة ونبل.
تمثال إلي النهر- رخام:
في هذا التمثال أثبت "مختار" قدرته علي التشريح ، كما أعطي لموضوع هذا التمثال جاذبية مزدوجة، جاذبية تشكيلية كلية نابعة من الفتنة الحسية، ثم ترجمة هذه الفتاة - موضوع التمثال- بعد ذلك إلي صيغة وقالب مرئي بكل ما يبعثه في كل نفس من ذكريات حلوة لذيذة وقيم معنوية ترقي به من مجرد شكل رخامي إلي مثل أعلي للإنسانية.
تمثال علي ضفاف النيل- رخام:
ُيعد تمثال علي ضفاف النيل إحدي تحف "مختار" الرخامية النادرة تبدو فيها مسحة تعبيرية رقيقة تقوم علي عناصر التبسيط والإيجاز الدال والقوام الأهيف الرشيق ولطف الأثر واعتدال البنية وتناسب الأجزاء. ولم يقتصرفي ذلك علي مجرد الشكل الخارجي الذي ترصده العين بل حرص علي البحث عن منح أعماله نبضاً وحياة.
تمثال رافعة المياه- حجر صناعي:
والتمثال لسيدة مصرية في وضعية سحب لجرة بعد أن امتلأت بالمياه من النيل .ويشكل كتلة جسم السيدة مع حجم الوجه ونظرة العينين للأمام في أثناء سحب الجرة تناغما يفوق هذا التناغم الذي نراه في الطبيعة.فقد أضاف علي الجسم معني موسيقيا بكل جوانبه؛يكسبه نغمة تتخلل أجزاءه فيوحد لحنها وتعبيرها.
تمثال عروس النيل(بنت النيل)- حجر صناعي:
في البداية أحب التأكيد علي أن أسطورة عروس النيل فرية قديمة أقحمت علي شعب مصر لتلويث سمعته وللطعن في حضارته واتهامه بالرجعية والتخلف الحضاري. أما تمثال عروس النيل فقد حرص "مختار"علي إحياء فن أجداده في التعبير عن التاج والقرط والعقد والأساور، فكلها ذات طابع فرعوني أصيل.
تمثال بنت الشلال- برونز:
يظهر واضحا جليا في هذا التمثال تأثر "مختار" بفلسفة تراث أمته.وبنت الشلال تمثال لوجه فتاة معبر صريح من منطقة الشعراء التي عرفت بطبيعتها الجافة،وجوها اللافح الذي يكسو الوجوه لونا نحاسيا ويصبغها بالأعتداد والجدية.وقد بهرن في هذا التمثال العلاقة التي أتقن الفنان في إظهارها بين شعر الفتاة ومنديل الرأس، والتي تدل أيضا علي أننا أمام فنان قوي الملاحظة.
وإذا كان "هيجل" (وهو أرسطو العصر الحديث ومؤلف انسكلوبيديا العلوم الفلسفية، وكانت لمحاضرته في علم الجمال التي نشرت بعد وفاته عام 1835م. أعظم الأثر علي فلسفة القرن العشرين) قد نعت النحت المصري القديم بالجمود- نظرا لعدم إدراكه أن الفن المصري القديم كان خاضعا لحكومة ثيوقراطية ؛ وأن الفن كان في خدمة الدين- في التعبير وعدم المرونة ،

فإن المثال المصري محمود مختار أكسب أعماله النحتية رشاقة وحركة وعمقاً تضاهي الحرية التي تميز بها النحت اليوناني. دون أن يقع في أتون التقليد الأعمي؛ فطرازالأداء الذي ولع به مصري، والثياب التي اختارها لعناصره مصرية، والروح العام الذي يتجلي وينتشر في عمله مصري.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى