عاش المثقفون المغاربة حياة عصيبة ، تتجاذبهم أفكارٌ وتيارات بين شرق وغرب . وهذا ما وسع الشرخ القائم بين قناعات ومذاهب سعت إلى تشكيل الفكر الحديث ، وانفتاحه الكامل على الحداثة الغربية . بدأت رحلة البحث عن العلم والأدب ، في المغرب ، قبيل الاستقلال . وفي هذه الانعطافة التاريخية ، دخل الفكر المشرقي غازيا الساحة الثقافية المغربية ، ومهيمنا عليها بتصورات استمدت من فلسفات أدب النهضة . وكان لهذا الاحتكاك تأثير عميق وجوهري ، في بناء الفكر المغربي ، نتيجة الحملة العسكرية على مصر ، التي قادها نابليون بونابارت في القرن الثامن عشر . وبمجرد ظهور هذه البوادر الإحيائية في الشرق العربي ، حتى تسارعت أفكار الإصلاحيين من الانتشار كالنار في الهشيم . فكانت الفرصة مواتية أمام كل من جمال الدين الأفغاني ، والشيخ محمد عبده ، وعبد الرحمن الكواكبي من تحرير الشرق العربي من المعتقدات البالية ، و دفـْع الفكر المتنور إلى الظهور ، والتبلور في الساحة الفكرية والأدبية العربية . إن بمجرد ذكر الفكر التنويري يتبادر إلى الأذهان المسار الطويل الذي قطعته الأجناس الأدبية كتعبير عن واقع متغير ، في مختلف الأقطار العربية ، كي تؤسس لكيانها بناءها المعماري المميز .
في سنة 1974 نشر عبد الكريم غلاب كتابا عنونه ب " مع الأدب والأدباء " ، أشار فيه إلى النضج الفكري ، الذي طال الأدب المغربي . وفي ذات السياق ، ركز غلاب ، بالخصوص ، على جنس القصة القصيرة والرواية ، باعتبارهما إحدى وسائل الاحتجاج الفعالة ، التي يلجأ إليها الكاتب والأديب . فبعيد الاستقلال ظهرت أسماءٌ شابة وطموحة إلى تغيير الأوضاع ، والنضال ضد جيوب المقاومة ، التي تدافع عن الوجود الفرنسي بالمغرب. وفي مقدمة هذه الأسماء نجد : عبد القادر السميحي و عبد الجبار السحيمي ، ومحمد الصباغ ومحمد برادة وأحمد عبد السلام البقالي ومحمد بيدي وربيع مبارك ورفيقة الطبيعة وخناتة بنونة وغيرهم . إلا أن النضال السياسي لم يعن في الساحة الأدبية ، إلا مع صاحب رائدة الأدب السيري " في الطفولة " عبد المجيد بن جلون ، من خلال مجموعته القصصية " وادي الدماء " . وكانت بذلك إشراقة حقيقية في المقاومة والفداء . وفي هذا الاتجاه ، كانت القصة القصيرة المغربية تمثل التيار المشرقي ، المناهض للحملات الصليبية ، التي تخضع لها هذه الربوع من الوطن العربي . فجاءت أساليب هؤلاء الشبان خالية من التنميق اللغوي ، بل دأبت قريحتهم على فضح ألاعيب المستعمر بلغة فنية واضحة ، تباشر الواقع من زوايا مختلفة . في حين كانت الرواية لازالت قيد التشكل البطيء ، باستثناء بعض الأعمال الروائية ، التي انفلتت من عنق الزجاجة ، وتعد على رؤوس الأصابع في مقدمتها : " جيل الظمأ " لمحمد عزيز الحبابي ، و" أكادير " لمحمد خير الدين ، و" المعلم علي " لعبد الكريم غلاب .
وفي السياق ذاته ، نجد أن أحمد الزيادي في كتابه " تاريخ الوطنية المغربية من القصة القصيرة " دراسة ونصوص ، قد ربط فيه الكاتب بين رافدين أساسيين للمعرفة ؛ التاريخ والأدب . إن هذه الدراسة ، ذات المنهج التاريخي ، كان لها طموح كبير عند الزيادي ، حينما كان ينظر إليها كما نظر عموم طلاب الجامعات الفرنسية ، إلى روايات وقصص بلزاك ، حيث يلجئون إلى الاستزادة بالحقائق المعرفية وأصولها التاريخية من إبداعات الأديب ، والنهل منها عوض المؤرخ .
وبهذا العمل أخرج أحمد الزيادي إلى العلن كتابا مغاربة مغمورين ، من خلال نشر أهم نصوصهم لأول مرة ، والتي تؤرخ لفترات حرجة مر بها المغرب . وعلى رأس هؤلاء الكتاب نجد : محمد حصار ، وعبد الحفيظ العلوي ، محمد الزيزي ، والتهامي الوزاني ، وأحمد الخضر الريسوني وغيرهم ... فالتيمة الأساسية ، التي تؤلف بين هذه النصوص ، تسلط الضوء على الأصول و الجذور ، من خلال إبراز المعاناة الحقيقية التي يعيشها المغاربة تحت سلطة القمع و الاضطهاد و النفي و الإبعاد من طرف السلطات الفرنسية . فكما جاءت قصة " أبحث عن بربري " للكاتب محمد حصار ، والتي نشرها لأول مرة سنة 1933 في مجلة " مجلة المغرب " ، لتصور رحلة أراد أن يقوم بها مدير المجلة إلى جبال الأطلس الشامخة . في هذه التجربة ، و التزاما بأخلاقيات مهنة الصحافة ، ينظر المدير إلى أن الوفاء ، الذي يربطه بالقراء ، من الواجب أن يحافظ على وشائجه وطقوسه . إلا أنه تفاجأ برسالة من أحد زملائه يثنيه فيها عما اعتزم القيام به ، ومرد ذلك رؤيا عجيبة راودته في منامه ، تقضي بعدم التفرقة بين البربر والعرب ؛ لأنهما ينحدران معا من نسل آدم عليه السلام .
فالمقاومة في الأدب المغربي ، لم تطل على ما هو مألوف واعتيادي ؛ وإنما القصدية من ورائها هي تثمين أدب ظل في عتـْمة النسيان . فما مصير الإبداع الحديث و المعاصر إذا لم يتشرب و يتفيأ ظلال الأصول ؟ أكيد أنه سيظل معطوبا و ناقصا مادام جزء من الذاكرة مفقودا ومثقوبا . وفي ذلك ، كان مسعى جمع مقالات نقدية حول الشعر ما بين الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي ، والتي قد سبق نشرها في جرائد وطنية ، عملا رائدا في مجال الشعر المغربي ، ويعود فيه الفضل إلى البلاغي عبد الجليل ناظم ، حيث جمع هذه المقالات النقدية في كتاب عن دار توبقال عنونه ب " نقد الشعر في المغرب الحديث " . إلا أن هذا العمل يظل ناقصا ، إذا لم يـُواكب بدراسات نقدية موازية ؛ بهدف تبئير العمل والوقوف على مختلف الظواهر الأدبية ، التي تشكل منها الأدب المغربي .
في سنة 1974 نشر عبد الكريم غلاب كتابا عنونه ب " مع الأدب والأدباء " ، أشار فيه إلى النضج الفكري ، الذي طال الأدب المغربي . وفي ذات السياق ، ركز غلاب ، بالخصوص ، على جنس القصة القصيرة والرواية ، باعتبارهما إحدى وسائل الاحتجاج الفعالة ، التي يلجأ إليها الكاتب والأديب . فبعيد الاستقلال ظهرت أسماءٌ شابة وطموحة إلى تغيير الأوضاع ، والنضال ضد جيوب المقاومة ، التي تدافع عن الوجود الفرنسي بالمغرب. وفي مقدمة هذه الأسماء نجد : عبد القادر السميحي و عبد الجبار السحيمي ، ومحمد الصباغ ومحمد برادة وأحمد عبد السلام البقالي ومحمد بيدي وربيع مبارك ورفيقة الطبيعة وخناتة بنونة وغيرهم . إلا أن النضال السياسي لم يعن في الساحة الأدبية ، إلا مع صاحب رائدة الأدب السيري " في الطفولة " عبد المجيد بن جلون ، من خلال مجموعته القصصية " وادي الدماء " . وكانت بذلك إشراقة حقيقية في المقاومة والفداء . وفي هذا الاتجاه ، كانت القصة القصيرة المغربية تمثل التيار المشرقي ، المناهض للحملات الصليبية ، التي تخضع لها هذه الربوع من الوطن العربي . فجاءت أساليب هؤلاء الشبان خالية من التنميق اللغوي ، بل دأبت قريحتهم على فضح ألاعيب المستعمر بلغة فنية واضحة ، تباشر الواقع من زوايا مختلفة . في حين كانت الرواية لازالت قيد التشكل البطيء ، باستثناء بعض الأعمال الروائية ، التي انفلتت من عنق الزجاجة ، وتعد على رؤوس الأصابع في مقدمتها : " جيل الظمأ " لمحمد عزيز الحبابي ، و" أكادير " لمحمد خير الدين ، و" المعلم علي " لعبد الكريم غلاب .
وفي السياق ذاته ، نجد أن أحمد الزيادي في كتابه " تاريخ الوطنية المغربية من القصة القصيرة " دراسة ونصوص ، قد ربط فيه الكاتب بين رافدين أساسيين للمعرفة ؛ التاريخ والأدب . إن هذه الدراسة ، ذات المنهج التاريخي ، كان لها طموح كبير عند الزيادي ، حينما كان ينظر إليها كما نظر عموم طلاب الجامعات الفرنسية ، إلى روايات وقصص بلزاك ، حيث يلجئون إلى الاستزادة بالحقائق المعرفية وأصولها التاريخية من إبداعات الأديب ، والنهل منها عوض المؤرخ .
وبهذا العمل أخرج أحمد الزيادي إلى العلن كتابا مغاربة مغمورين ، من خلال نشر أهم نصوصهم لأول مرة ، والتي تؤرخ لفترات حرجة مر بها المغرب . وعلى رأس هؤلاء الكتاب نجد : محمد حصار ، وعبد الحفيظ العلوي ، محمد الزيزي ، والتهامي الوزاني ، وأحمد الخضر الريسوني وغيرهم ... فالتيمة الأساسية ، التي تؤلف بين هذه النصوص ، تسلط الضوء على الأصول و الجذور ، من خلال إبراز المعاناة الحقيقية التي يعيشها المغاربة تحت سلطة القمع و الاضطهاد و النفي و الإبعاد من طرف السلطات الفرنسية . فكما جاءت قصة " أبحث عن بربري " للكاتب محمد حصار ، والتي نشرها لأول مرة سنة 1933 في مجلة " مجلة المغرب " ، لتصور رحلة أراد أن يقوم بها مدير المجلة إلى جبال الأطلس الشامخة . في هذه التجربة ، و التزاما بأخلاقيات مهنة الصحافة ، ينظر المدير إلى أن الوفاء ، الذي يربطه بالقراء ، من الواجب أن يحافظ على وشائجه وطقوسه . إلا أنه تفاجأ برسالة من أحد زملائه يثنيه فيها عما اعتزم القيام به ، ومرد ذلك رؤيا عجيبة راودته في منامه ، تقضي بعدم التفرقة بين البربر والعرب ؛ لأنهما ينحدران معا من نسل آدم عليه السلام .
فالمقاومة في الأدب المغربي ، لم تطل على ما هو مألوف واعتيادي ؛ وإنما القصدية من ورائها هي تثمين أدب ظل في عتـْمة النسيان . فما مصير الإبداع الحديث و المعاصر إذا لم يتشرب و يتفيأ ظلال الأصول ؟ أكيد أنه سيظل معطوبا و ناقصا مادام جزء من الذاكرة مفقودا ومثقوبا . وفي ذلك ، كان مسعى جمع مقالات نقدية حول الشعر ما بين الثلاثينيات والخمسينيات من القرن الماضي ، والتي قد سبق نشرها في جرائد وطنية ، عملا رائدا في مجال الشعر المغربي ، ويعود فيه الفضل إلى البلاغي عبد الجليل ناظم ، حيث جمع هذه المقالات النقدية في كتاب عن دار توبقال عنونه ب " نقد الشعر في المغرب الحديث " . إلا أن هذا العمل يظل ناقصا ، إذا لم يـُواكب بدراسات نقدية موازية ؛ بهدف تبئير العمل والوقوف على مختلف الظواهر الأدبية ، التي تشكل منها الأدب المغربي .