محمد العرجوني - بمناسبة تتويج الشاعر الأشعري بجائزة الأركانة...

هل حقا كما عرفنا عبر التاريخ أن أغلب الشعراء انتهازيون... مصلحيون...؟ ورغم ذلك لهم الجاه والجوائز... لهم التصفيق عوض "التصرفيق"... لأن الشعر قبل كل شيء، ولأنه ينتعش تحت نسائم الحرية بجميع أوجهها، يربي الروح الإنسانية... والزهد... فهل نعيب على الشعراء الانتهازيين حينما تطبل لهم المؤسسات والجمعيات وتجازيهم بيوت الشعر رغم ابتعادهم عن قيمة الشعر الإنسانية الحقيقية؟ أو نعيب على هذه المؤسسات التي، عبر تتويجها لشعراء لم يشرفوا قدسية الشعر الإنسانية، تصبح هي أيضا لا تؤمن بقيمة الشعر الإنسانية الحقة... نتيجة لعدم استيعابها هذه القيمة الكبرى أو لجهلها تصرفات الشعراء الانتهازيين؟؟
كمثال على ذلك:
اذكر الشاعر العربي الكبير الذي "يعبده" الشعراء. أعني أبا الطيب المتنبي. خاصة في علاقته مع كافور الإخشيدي. تقرب منه طلبا في المال. وسكن مصر وأصبح صديقا لكافور لمدة أربع سنوات. خلالها امتدحه... تقربا وتزلفا... وقال في حقه:
قواصدَ كافور تواركَ غيره = ومن قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا إنسانَ عينِ زمانه = وخلت بياضا خلفها ومآقيا
لكن حينما لم ينل ما كان يطمح إليه من الإخشيدي، هجاه وعبر عن عنصريته المقيتة بالقصيدة المعروفة أكثر من قصيدة المدح. وهذا ربما تواطؤ من قبل النقاد الذين لم يركزوا أكثر إلا على الهجاء. حيث قال:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها = فقد بشمن وما تفنى العناقيد
صار الخصي إمام الآبقين بها = فالحر مستعبد والعبد معبود
لا تشتر العبد إلا والعصا معه = إن العبيد لأنجاس مناكيد
فكيف يمكن التعامل مع هذا الإنسان المتلون الذي يلوث الشعر وقدسيته الإنسانية؟
مع الأسف التاريخ لا يسجل الموقف النبيل للإخشيدي الذي يبدو انه كان يؤمن بالصداقة الصرفة من غير مصلحة. فربما لم يجد مؤهلات لدى الشاعر لهذا لم يحمله مسؤولية أي منصب. فلم يكن يعتقد أن الشاعر الكبير سوف ينزل للحضيض ويهجوه من أجل ذلك.
ثم اذكر الشاعر المغربي الاشعري الذي توج مؤخرا بجائزة الأركانة من قبل بيت الشعر، رغم ما تعرض إليه من انتقادات لاذعة حينما كان وزيرا بحكومة التناوب على إثر منعه لبعض الصحف من الصدور حينها... ومنذ ذلك الحين غاب عن الساحة. نعم منعها وسلب لها حريتها، هو الذي ينعته الآن بيت الشعر بشاعر الحرية، بهذه الشهادة : "قصيدة الشاعر محمد الأشعري (...) عملت (...) لصالح القيم ولصالح الحياة".
وأضاف: "قصيدة الأشعري ظلت وفية لما يوسع أفق الحرية في الكتابة وبالكتابة، باعتبار هذه الحرية مقاومة باللغة، بما جعل الانحياز إلى هذا الأفق، في منجزه النصي، ذا وجوه عديدة". كيف غيب بيت الشعر الدور السلبي لهذا الشاعر فيما يخص حرية الصحافة؟ أي حرية الكلمة، هذه الحرية التي تدخل في القيم الإنسانية التي يتغنى بها الشعر... والشاعر الزاهد... وليس الشاعر الانتهازي والبيت شاهد الزور.
وهناك أمثلة عديدة... و شعراء كثيرون يدخلون التاريخ من باب الخذلان مستغلين جهل المؤسسات والنسيان الذي يلف ذاكرتها. شخصيا كتبت وقتها هذا النص، سنة 2001 كما هو مشار إليه. نص لازلت احتفظ به وجاءت المناسبة "لأهنئ"/أذكر به هذا الشاعر... وبيت الشعر أيضا، صاحب الشهادة و الجائزة، لأنه لدينا ذاكرة لا تنسى....و سنة 2001، ليست بعيدة :
المنع بقلم جاف
ا*+*+*+
كنت تكتب القصيدة
متكئا على الوسادة
ممتطيا
جناح أحلام اليقظة
تحلم بأحلى صورة
ترفرف من فوقها
على براري الاستعارة
كي تنشد
بطوق من جمال
وحب في الآمال
ما تحكيه
عامة الناس في
"زرهون" المدينة...
كنت تكتب القصيدة
وأنت تقضم
كسرة شعير
بللتها
بكأس شاي منعنع
ساعة الظهيرة
متكئا
على فخذ العجوز
وتطلق العنان
للقلم
في "عين العقل"
لتبوح جهرا
بسر
سجنته أنياب الغولة...
كنت تكتب القصيدة
وتصطاد أجمل صورة
لتعري
قبح الزمان
ذاك الذي
لم تنفع معه أية حيلة...
كنت تكتب القصيدة
بأشعار
تزهر
حرة طليقة
تحظر المنع
وتلد الحرية
في أحسن صورة
كنت ... وكنت...
واليوم ها أنت
تكتب
بجميع ألوان
المنع
مقتحما جنان الحلم
وأقحوان الحب
وقرنفل الحس
رفسا
ودوسا
تتبول
أمام أعين
الشعر
ولا تخجل...
أي مسخ هذا
يا شاعرا كان
يطل
من "عين العقل"
يا شاعرا
فتح فيه
بالمنع
وعين المكر
ا*+*+*+*+
ألا زالت
"تسعفك العبارة"
وألوان الطيف
أم قاطعتك فراشات الشعر
محتجة
على سيف البتر
ا*+*+*+*+
كنت تكتب...
وها أنت تكتب
قرارات المنع
بقلم جاف
لا يعرف للحلم
طريقا
فضلّ عن المنبع....
ا*+*+*+*+
ت 17-02-2001

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى