د. سيد شعبان - من المعارك الأدبية.. دعوى في الميزان١

كتب إلينا السيد عبد المنعم محمد عبد الله بوزارة الأوقاف يقول:
ورد ما يلي بالعدد رقم ١١ من سلسلة أعلام العرب، التي كان لكم فضل بدئها بالكتاب الرائع عن الإمام محمد عبده، ولم أقصد إلا الإيماء بما كُتب حتى لا تكونوا عنه غافلين.
يقول مؤلف الكتاب إنه «ليس من التاريخ ولا العلم في شيء أن تسمى عبقريات محمد وفلان من أصحابه، ثم يكون الحديث عن فلان آخر من هؤلاء الصحابة، فإذا اسم الكتاب فلان في الميزان، وإنما الأمر أن الكل جميعًا في الميزان.»
ويقول: «… لا تكون الترجمة مع شيء من هذا موضوعية، وعلى هذا الأصل تدرك ما تكون عبقرية عمر حين يقول السيد مؤلفها … إلخ.»
ثم يقول: «من خفيف الملاحظة التي تغير سيرة المترجم له تغييرًا عنيفًا، وتتبين بها الحاجة الشديدة للأصول التاريخية في رسم الصورة الأدبية؛ أن عبقرية الإمام … في طبعة الهلال تزين غلافها صورة فارس على جواده شاكي السلاح … فكلمة التاريخ أن عليًّا ليس في خير أحواله فارسًا — راجع الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان — فصورة الغلاف ضد هذه الحقيقة واحترام التاريخ يستبعدها.»
فهل يجوز لناقد نزيه أن يحكم على كتاب مثل عبقرية الإمام بصورة الغلاف؟ وهل يكون من التاريخ ومن العلم أن تتناول ترجمةٌ ما الهجوم على العقاد، بينما المؤلف نفسه يقرر في صفحات الكتاب أنه ليس من العلم ولا من التاريخ أن تتناول الترجمة دفاعًا عن المترجم له وردًّا لهجوم الهاجمين عليه؟
ثم لماذا العقاد بالذات والدنيا مملوءة بالكُتاب والنقاد؟ هل هي الشهوة الجامحة لتجريح العظيم؟ أو هو شيء آخر في الصدور؟
ومن خطاب للسيد زايد أحمد حسن المنوفي، يسأل بعد تمهيد وتلخيص لما كتب في هذا الموضوع:
ألا نقرأ في صفحة اليوميات كلمة ملجمة في إيضاح هذا الذي يسمونه بالأصالة وهم يتطاولون إلى نقد مؤلفاتكم؟
ويقول الطالب الأديب خميس سعد الكنيدي بكلية التربية جامعة عين شمس:
طالعت أخيرًا كتاب الأستاذ أمين الخولي، يصف في مقدمته العبقريات بأنها ليست تاريخية علمية … فهل ينطبق هذا على ما طالعته سابقًا في الصفحة السابعة من عبقرية الصديق طبعة الهلال؛ حيث تقولون ما نصه: «في تقديم كتابي هذا عن عبقرية الصديق أقول ما قلته في عبقرية محمد وعبقرية عمر وكل كتاب من هذا القبيل، وفحواه أنني لا أكتب ترجمة للصديق — رضي الله عنه — ولا أكتب تاريخًا لخلافته وحوادث عصره … ولكنني أقصد أن أرسم للصديق صورة نفسية تُعرفنا به، وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله كما تجلو الصورة ملامح من تراه العين.»
وإنني لفي عجب ودهشة … أرجو أن أجد جوابًا شافيًا بمتابعتي يومياتكم بالأخبار.
والقراء الكرام مشكورون على غيرتهم، وإن كان لي عتب على هذه الغيرة؛ أنها كلفتهم سؤالًا في أمر غني عن السؤال!
فقد مرت بي أقاويل قديمة وحديثة من قبيل هذه الأقاويل، يسميها الشيخ أمين الخولي نقدًا موضوعيًّا أو علميًّا أو منهجيًّا، إلى آخر هذه المحفوظات المتواترة بغير معنى، فعودتنى أن أحسبها في عداد القراءات التي لا تحتمل المناقشة؛ لأنها مما يتهافت بعضه على بعض بغير حاجة إلى جواب، ولست أغير رأيي فيها بعد هذه الإضافة الجديدة التي تفضلوا بنقلها إلينا، ولكنني أجيبهم هم ولا أرى الأمر يحتاج إلى إفاضة في الجواب لجلاء الحقيقة في قيمة كل ذلك الفراغ، الذي ينطوي تحت فقاعة الموضوعية أو المنهجية أو العلمية أو الواقعية أو التحليلية أو أشباهها من فقاقيع المصطلحات الخاوية، وهي لو كانت مسبحة ألفية يكرون حباتها كل يوم وكل ساعة، لما خلقت في عالم الفكر باحثًا من غير باحث، ولا حجبت فضلًا يعرفه ذووه.
وما رأيت أحدًا يأخذ الشيخ أمين الخولي مأخذ الجد فيما يدعيه لنفسه وما يدعيه على غيره، بل ما عرفت إنسانًا يتعالم على الناس وهو أحوج منه إلى أن يتعلم ممن يتعالم عليهم، وليس أضيع من كلام يذهب في مناقشة صاحب دعوى يحسب أن اللياقة تسمح له أن يقدم كتابًا، فلا تكون مقدمته إلا عرضًا رخيصًا قصاراه أن يقول فيه: هذه هي الترجمة وإلا فلا … فاقرءوني ولا تقرءوا أحدًا سواي!
وليس أضيع من كلام يُقال لمن يدعي أنه هو وحده قد اختصه الله بحق الكتابة في العلم والتاريخ والأدب، فإذا سمحت رخصة من عنده بالمشاركة في فضلات هذا الحق فعلى شرط واحد؛ وهو استثناء من يُسمى عباس العقاد، بعد أن جرده من كل قدرة على كتابة الكتب، حتى العنوان والغلاف!
فإذا تناولنا أول حبة من حبات الموضوعية، فعلامة التحقيق فيها أن هذا «الموضوعي الوحيد» يقرأ الكتاب ويلغيه، وهو لا يفهم موضوعه.
فما كان موضوع العبقريات، كما يدل عليه عنوانها، إلا دراسة نفسية ووصفًا لصاحب العبقرية. فإن لم يستطع الناقد من العنوان أن يفهم الفرق بين وصف الملكات والأخلاق وبين سرد الأرقام والأخبار، فقد يفهمه من الموضوع الذي بيناه وفصلناه وقلنا إننا نقصده ولا نقصد ما عداه؛ وهو كما نقله الطالب الأديب رسم صورة نفسية وليست «سيرة للصديق أو تاريخًا لخلافته».
وما قلناه وكررناه عن العبقريات يكفي لفهم الموضوع المقصود، ولكنه مع هذا لم يكن بالتعريف الوحيد للترجمة كما نعنيها، بل ذكرناه مرات قبل ذلك وسبقنا إلى تقريره قبل العبقريات بأكثر من عشر سنوات؛ حيث نقول في مقدمة كتابنا عن ابن الرومي: «إنها ترجمة وليست ترجمة؛ لأن الترجمة يغلب أن تكون قصة حياة، ولَأَنْ تكون ترجمة ابن الرومي صورة خير من أن تكون قصة.»
وربما خلت العبقرية بجملتها من ذكر رقم من أرقام السنين، بل ربما خلت من ذكر رقم السنة التي وُلد فيها صاحب العبقرية أو تولى فيها أو حانت فيها وفاته بتاريخها المعروف، وما من أحد يستطيع أن يزعم — ولو كان من طراز الشيخ الموضوعي — أن ذكر هذه السنين أمر يعجز عنه كاتب سيرة، ولو كان من أجهل الجهلاء بين أصحاب الجزازات والفهارس والهوامش والعنعنات؛ فهي متروكة لأنها غير لازمة لجلاء الملكات والأخلاق، وليست متروكة لأنها منهج غير مستطاع من مناهج التأليف.
وهذه هي الحبة الأولى من المسبحة الطويلة.
والحبة الثانية لا تزال واقفة منا عند العنوان: إن الناقد الموضوعي صاحب التمييز الدقيق الذي وهبه الله له وحرمنا نحن وحدنا منه على الخصوص …




تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
معارك أدبية
المشاهدات
1,017
آخر تحديث
أعلى