تتضمّن رواية "ملتقى البحرين" (الأهلية للنشر والتوزيع، 2019) للأديب والروائي د. وليد سيف رؤيةً جديدة للروايات التاريخية؛ إذ أنّ شخصيّاتها تتحرّك في فضاءٍ زمنيٍّ معروف، ولكنّ أمكنتها ليست محدّدَةً تماماً. أما شخصياتُ الرواية فإنها، وإن كانت خياليّة، إلا أنّها تُحيلُ إلى شخصيّاتٍ عُرفت في التاريخِ الإسلامي، بشكلٍ جُزئي.
في ملتقى البحرين، يتخّذُ د. وليد سيف من الشخصيّة النسائية (قمر/سلمى) محرّكاً لبنية الرواية وبنائها السرديّ، وينجحُ في إزاحة الغطاءِ عن الصراع النفسيّ لأبطال روايته. ويُمكن حصر الشخصيات الرئيسية للرواية قبل قراءتها؛ فلقد حملَ عنوانَ الرواية، بترميزٍ ملفِتٍ، أبطالها على الغلاف: امرأةٌ تفصلُ بينَ بحريْن يوشكُ موج كلٍّ منهما على التصادمِ بموج الآخر، ولن يجدَ الناظرُ إلى الغلاف شكوكاً حول ما يُحيلُ إليه الرمزُ على الحقيقة. وبمجرّد الدخول إلى الصفحات الأولى، تبدأ عوالمُ البحريْنِ بالتكشّف؛ الأوّلُ هو السلطانُ: ركنُ الدين عبد الله بن سعد، أما الثاني، فهو الثائر: المعلّمُ عليّ. وأما ملتقاهُما، فهي الجاريةُ قمر/سلمى.
يبدأ الروائي التمهيد لعوالم أبطاله وأجواء صراعاتهم ببناءٍ متناسقٍ يتكّئ على الحوار: الخارجي، والداخلي (المونولوج) بحيثُ يتلاعبُ باللّغة لخلقِ تساؤلاتٍ مشروعةٍ لدى القارئ، يستمرّ هذا التفاعل، الذي هو أحد أعمدة السرد، بالتصاعد طوال تشكّل عالم الرواية، ويصل ذروته مع وصول الحبكة ذروتَها، متذبذباً، قبل ذلك، بين مشاعر قد تصلُ في اوقاتٍ قليلة إلى البرود، ومشاعرَ تجعلُ من القارئ يفقدُ الحدّ بينه وبين عالم الرواية، ويتداخلُ مع شخوصها في مساحةٍ متخفيّة.
يظهر التواءُم في الرواية بين الخيال والواقع من خلال مقدرة القارئ على لمس خيال الروائي؛ ذلك أنّ الشعور بواقعية النص يُكثّف الرغبة في خلق تقارباتٍ مبرّرة مع رمزياتٍ تاريخية أثرت في بناء شخوصه.
في أثناء القراءة، لا يستطيع القارئ الفصل بين عالم وليد سيف الدرامي، وعالمه الروائي، يبقى النصّ محكوماً بمشاهدات القارئ لأعمال الكاتب الدرامي، فلا يستطيعُ، مثلاً، أن يُشيحَ عن الورق صورةَ صبح البشكنجية في قمر/سلمى! ولربما كان ذلك الالتباسُ لكون القارئ شديد التفاعلِ مع التاريخِ الذي كتبه الروائي بقلمه، وشاهده القارئ بعينيه.
تقعُ رواية ملتقى البحرين على مساحة 189 صفحة من القطع المتوسط. تروي قصةَ الجارية قمر/سلمى التي تشتريها زوجة السلطان، عبد الله بن سعد، من دار النخاس حسان، هدية لزوجها. ولكنّ ماضيها الموجِع، مع نقمة العامة على استبداد السلطان وحاشيته، كانا قد دفعاها، منذ زمن، إلى التدبير مع المعلّم عليّ، معلّم الصبيان، للثورة من أجلِ تحقيق العدل، لتتابع الأحداثُ ضمن سرديّةٍ بديعة، يغلب عليها تخبّطُ القارئ، بين بحريِ الحكاية؛ فتارةً ينحازُ إلى المعلّم، وتارةً إلى السلطان، وربما كان ذلك التخبطُّ من تخبّط ممسكة خيوط الحبكة نفسِها، أي قمر/سلمى.
تبدو شخصيّات ملتقى البحرين، خارجةً من فطرةٍ بشريةٍ تحملُ ملامح الخير والشرّ في آن. ولقد نجح الكاتب، باستغلال تلك الطبيعة، في خلقِ عقدةِ صراعٍ لا تستندُ إلى ثابت. بالإضافة إلى أنّ هذا التوتر الإنسانيّ جعلَ للحوارِ بنيةً لا تنفكّ تغري قارئها بالتوغلِ في جوانيّات أطرافه.
عند الوصول إلى الثلث الأخير منها، تزدادُ حدّة كلّ شيء، وتعمّ عالم الروايةِ حركةٌ أشبه بالفوضى، بفضل تلك الفوضى، رسم د. وليد سيف أحداثاً لا يمكن توقّع ما ستؤولُ إليه.
تستبيح رواية ملتقى البحرين في الشقّ الثوريّ منها المناطقَ المعتمةَ في صراعات الثورة نفسها؛ إذ أنّها تلتبسُ بين حدي الغاية والوسيلة، في تشوّشٍ يُنبئُ عن تحولات شخصيّة المعلم الثائر لو تمّ له الأمر. يظهرُ ذلك جليّا حين يعاتب قمر/سلمى حين أفسدت على الفاسدين خطتهم وأقنعت السلطان بالانتصار للمقهورين.
ترمزُ نهاية رواية ملتقى البحرين، ربما، إلى المتاهة التي غابت فيها كلّ الأطراف في الثورات العربية، وإن كانت المآلات في الرواية لا تسير على نسق مآلات الثورات العربية الواقعي، لكنّ الرمز بدا واقعيا.
في ملتقى البحرين، تبدو العقدة التي شكّلت ذروة صراع شخوص الرواية غاية في الإبهار،إذ أن الروائي استخدم شخوصاً خيالية ذات أبعادٍ حقيقية ليُظهر نزوع النفس البشرية إلى السلطة، وليجعلَها تسير ضمن إطارها البنيوي مترنّحةً بين الخير والشر؛ تستقيمُ أحيانا وتزلّ أحيانا أخرى.
في ملتقى البحرين، يتخّذُ د. وليد سيف من الشخصيّة النسائية (قمر/سلمى) محرّكاً لبنية الرواية وبنائها السرديّ، وينجحُ في إزاحة الغطاءِ عن الصراع النفسيّ لأبطال روايته. ويُمكن حصر الشخصيات الرئيسية للرواية قبل قراءتها؛ فلقد حملَ عنوانَ الرواية، بترميزٍ ملفِتٍ، أبطالها على الغلاف: امرأةٌ تفصلُ بينَ بحريْن يوشكُ موج كلٍّ منهما على التصادمِ بموج الآخر، ولن يجدَ الناظرُ إلى الغلاف شكوكاً حول ما يُحيلُ إليه الرمزُ على الحقيقة. وبمجرّد الدخول إلى الصفحات الأولى، تبدأ عوالمُ البحريْنِ بالتكشّف؛ الأوّلُ هو السلطانُ: ركنُ الدين عبد الله بن سعد، أما الثاني، فهو الثائر: المعلّمُ عليّ. وأما ملتقاهُما، فهي الجاريةُ قمر/سلمى.
يبدأ الروائي التمهيد لعوالم أبطاله وأجواء صراعاتهم ببناءٍ متناسقٍ يتكّئ على الحوار: الخارجي، والداخلي (المونولوج) بحيثُ يتلاعبُ باللّغة لخلقِ تساؤلاتٍ مشروعةٍ لدى القارئ، يستمرّ هذا التفاعل، الذي هو أحد أعمدة السرد، بالتصاعد طوال تشكّل عالم الرواية، ويصل ذروته مع وصول الحبكة ذروتَها، متذبذباً، قبل ذلك، بين مشاعر قد تصلُ في اوقاتٍ قليلة إلى البرود، ومشاعرَ تجعلُ من القارئ يفقدُ الحدّ بينه وبين عالم الرواية، ويتداخلُ مع شخوصها في مساحةٍ متخفيّة.
يظهر التواءُم في الرواية بين الخيال والواقع من خلال مقدرة القارئ على لمس خيال الروائي؛ ذلك أنّ الشعور بواقعية النص يُكثّف الرغبة في خلق تقارباتٍ مبرّرة مع رمزياتٍ تاريخية أثرت في بناء شخوصه.
في أثناء القراءة، لا يستطيع القارئ الفصل بين عالم وليد سيف الدرامي، وعالمه الروائي، يبقى النصّ محكوماً بمشاهدات القارئ لأعمال الكاتب الدرامي، فلا يستطيعُ، مثلاً، أن يُشيحَ عن الورق صورةَ صبح البشكنجية في قمر/سلمى! ولربما كان ذلك الالتباسُ لكون القارئ شديد التفاعلِ مع التاريخِ الذي كتبه الروائي بقلمه، وشاهده القارئ بعينيه.
تقعُ رواية ملتقى البحرين على مساحة 189 صفحة من القطع المتوسط. تروي قصةَ الجارية قمر/سلمى التي تشتريها زوجة السلطان، عبد الله بن سعد، من دار النخاس حسان، هدية لزوجها. ولكنّ ماضيها الموجِع، مع نقمة العامة على استبداد السلطان وحاشيته، كانا قد دفعاها، منذ زمن، إلى التدبير مع المعلّم عليّ، معلّم الصبيان، للثورة من أجلِ تحقيق العدل، لتتابع الأحداثُ ضمن سرديّةٍ بديعة، يغلب عليها تخبّطُ القارئ، بين بحريِ الحكاية؛ فتارةً ينحازُ إلى المعلّم، وتارةً إلى السلطان، وربما كان ذلك التخبطُّ من تخبّط ممسكة خيوط الحبكة نفسِها، أي قمر/سلمى.
تبدو شخصيّات ملتقى البحرين، خارجةً من فطرةٍ بشريةٍ تحملُ ملامح الخير والشرّ في آن. ولقد نجح الكاتب، باستغلال تلك الطبيعة، في خلقِ عقدةِ صراعٍ لا تستندُ إلى ثابت. بالإضافة إلى أنّ هذا التوتر الإنسانيّ جعلَ للحوارِ بنيةً لا تنفكّ تغري قارئها بالتوغلِ في جوانيّات أطرافه.
عند الوصول إلى الثلث الأخير منها، تزدادُ حدّة كلّ شيء، وتعمّ عالم الروايةِ حركةٌ أشبه بالفوضى، بفضل تلك الفوضى، رسم د. وليد سيف أحداثاً لا يمكن توقّع ما ستؤولُ إليه.
تستبيح رواية ملتقى البحرين في الشقّ الثوريّ منها المناطقَ المعتمةَ في صراعات الثورة نفسها؛ إذ أنّها تلتبسُ بين حدي الغاية والوسيلة، في تشوّشٍ يُنبئُ عن تحولات شخصيّة المعلم الثائر لو تمّ له الأمر. يظهرُ ذلك جليّا حين يعاتب قمر/سلمى حين أفسدت على الفاسدين خطتهم وأقنعت السلطان بالانتصار للمقهورين.
ترمزُ نهاية رواية ملتقى البحرين، ربما، إلى المتاهة التي غابت فيها كلّ الأطراف في الثورات العربية، وإن كانت المآلات في الرواية لا تسير على نسق مآلات الثورات العربية الواقعي، لكنّ الرمز بدا واقعيا.
في ملتقى البحرين، تبدو العقدة التي شكّلت ذروة صراع شخوص الرواية غاية في الإبهار،إذ أن الروائي استخدم شخوصاً خيالية ذات أبعادٍ حقيقية ليُظهر نزوع النفس البشرية إلى السلطة، وليجعلَها تسير ضمن إطارها البنيوي مترنّحةً بين الخير والشر؛ تستقيمُ أحيانا وتزلّ أحيانا أخرى.