عيد الكتاب العربي تقليد ثقافي جعل من تطوان المغربية مهد الحداثة الأدبية، والتظاهرة تتضمن معرض لآخر المنشورات وندوات ولقاءات شعرية وعروض فنية.
تنطلق بداية هذا الأسبوع فعاليات الدورة الـ20 من “عيد الكتاب” في مدينة تطوان، أقصى شمال المغرب.
وتشهد مدينة تطوان في الفترة من 16 إلى 23 أبريل الجاري فعاليات الدورة الـ20 من عيد الكتاب بتطوان. وتعرف التظاهرة تنظيم معرض لآخر المنشورات في مختلف المعارف والتخصصات، فضلا عن ندوات ولقاءات شعرية وعروض فنية، مع توقيع آخر الإصدارات الجديدة.
سيرفانطيس والوزاني
هذه التظاهرة التي تعود إلى سنة 1940 جعلت من تطوان أول مدينة عربية احتفلت بـ”عيد الكتاب”. حدث ذلك في مرحلة الحماية الإسبانية، على غرار المدن الإسبانية يومها، التي ظلت سباقة إلى الاحتفاء بالكتاب في مختلف الجهات الإسبانية، بلا استثناء.
وتصادف أعياد الكتاب ذكرى رحيل مبدع “دون كيخوطي مي لا مانشا”، لرائد السرد الأوروبي الحديث ميغيل أنخيل دي سيرفانطيس، والذي ولد في منتصف القرن السادس عشر، في قلعة على ضفاف نهر إيناريس في مدريد، ورحل يوم 23 أبريل 1616.
وإذا كانت منظمة اليونسكو قد اعتمدت 23 أبريل يوما عالميا للكتاب وحقوق المؤلف في اجتماع باريس عام 1995، فإن إسبانيا ظلت تحتفي بعيد الكتاب منذ 85 سنة، مع تنظيم أول عيد للكتاب في العاصمة الإسبانية مدريد.
ولا تزال المدن الإسبانية تحافظ على عادة تنظيم أعياد الكتاب، لكن كل مدينة تختار زمنا معينا، ما بين شهري مارس ويونيو، ليكون في جميع الحالات ربيعا للكتاب الإسباني.
وإذا كانت تطوان أول مدينة عربية ستنظم عيد الكتاب في هذا السياق الإسباني، فإن بعض المصادر التاريخية تورد أخبارا تذهب إلى أن المغرب كان سباقا إلى الاحتفاء بالكتاب، في عهد السلطان المنصور السعدي، حين جعل من يوم 7 شوال يوما للاحتفاء بالكتاب.
إذا كان عيد الكتاب تقليدا ثقافيا كونيا مرتبطا بذكرى صاحب أول رواية في تراث الإنسانية، فإن عيد الكتاب في تطوان سوف يرتبط بالتهامي الوزاني، صاحب أول رواية في تاريخ المغرب، وهي رواية “الزاوية”، التي كتبها سنة 1940. والتهامي الوزاني هو أيضا أول من ترجم رائعة “دون كيخوطي دي لا مانشا”، وإن كان لم يكمل فصولها الأخيرة.
وللتهامي الوزاني قصة مع تظاهرة عيد الكتاب. فعلى صفحات جريدة “الريف” التي كان يرأس تحريرها، تصدى الرجل لتظاهرة عيد الكتاب وخلفيتها “الكولونيالية” حين كانت تحمل اسم “عيد الكتاب الإسباني”، بينما تقام في تراب المغرب. وهو ما اضطر إدارة الحماية الإسبانية إلى الاعتراف بإبداعات المغاربة وكتاباتهم، وتسمية التظاهرة “عيد الكتاب الإسباني العربي” منذ سنة 1950.
وفي مرحلة لاحقة، وبعد استقلال المغرب، سوف تكون للتهامي الوزاني الكلمة الفصل في تسمية التظاهرة “عيد الكتاب العربي”. وهو لم يسمه عيد الكتاب المغربي لأنه كان يعتبر الصراع الثقافي صراعا لغويا، وليس سياسيا، كما يشير إلى ذلك في إحدى افتتاحياته الشهيرة، التي حملت اسم “عيد الكتاب العربي”.
عيد الكتاب في تطوان سوف يرتبط بالتهامي الوزاني، صاحب أول رواية في تاريخ المغرب، وهي رواية 'الزاوية'
هكذا، ومنذ الأربعينات، كانت المكتبات والمؤسسات الثقافية المغربية، كما الإسبانية، من جامعات وغيرها، تعرض إصداراتها في الساحات والشوارع العمومية، كما ظلت تقام تظاهرات ثقافية كبرى ومسابقات واحتفاليات فنية، لا يزال الأرشيف الفوتوغرافي للمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان شاهدا عليها.
وفي سنة 1953، وضمن برنامج عيد الكتاب، جرى الإعلان عن جائزة للكتاب تمنح في صنفي الشعر والسرد، لفائدة الكتاب المغاربة، وجائزة أخرى بالإسبانية بعنوان “جائزة المغرب”. وكانت تلك هي السنة التي زار فيها الشاعر الإسباني الكبير بيثنطي ألكسندري مدينة تطوان. ومنذ ذلك الوقت لمعت أسماء رائدة في الكتابة الأدبية، مثل شاعر الموشحات إبراهيم الإلغي، وكتابة القصة الرائدة مثل آمنة اللوه والقاص أحمد عبدالسلام البقالي والشاعر الغنائي أحمد الطنجاوي.
ذكرى محمد أنقار
أعمال الدورة الحالية من تظاهرة عيد الكتاب بتطوان مهداة إلى روح الكاتب والناقد المغربي محمد أنقار، الذي غادرنا شهر فبراير الماضي. وتقام الندوة الافتتاحية لعيد الكتاب حول تجربة الراحل، ناقدا وساردا، وهو صاحب رؤية نقدية أصيلة، استقاها من السيميائيات السردية والأسلوبيات المعاصرة والبلاغة الجديدة، والنظريات حول الصورة، قبل أن يستقر على رؤية نقدية خاصة، قائمة على مفاهيم الصورة ونظرية الأجناس والأنواع الأدبية، وحقول السمات ومكونات كل جنس أدبي.
وقد دشن أنقار هذا الدرس النقدي الخاص به منذ أطروحته حول "بناء الصورة في الرواية الاستعمارية"، حين اشتغل على صورة المغرب في الرواية الاستعمارية. وقبل ذلك، كان محمد أنقار في طليعة النقاد الذين درسوا أدب الأطفال في المغرب، من خلال كتابه المرجعي “قصص الأطفال في المغرب” الذي توج بجائزة المغرب للكتاب.
وكتب محمد أنقار القصة القصيرة، وكتب قصصا للأطفال، وهو كاتب روائي، من أهم أعماله “المصري”، ورواية “باريو مالقة”، التي رسم فيها صورا روائية للحي الذي عاش فيه “الباريو”، في مدينة تطوان، غير بعيد عن الساحات التي كانت تشهد إقامة عيد الكتاب بتطوان منذ أربعينات القرن الماضي، حيث قضى الراحل طفولته وحياته في “عيد الكتاب”.
مخلص الصغير
كاتب مغربي
تنطلق بداية هذا الأسبوع فعاليات الدورة الـ20 من “عيد الكتاب” في مدينة تطوان، أقصى شمال المغرب.
وتشهد مدينة تطوان في الفترة من 16 إلى 23 أبريل الجاري فعاليات الدورة الـ20 من عيد الكتاب بتطوان. وتعرف التظاهرة تنظيم معرض لآخر المنشورات في مختلف المعارف والتخصصات، فضلا عن ندوات ولقاءات شعرية وعروض فنية، مع توقيع آخر الإصدارات الجديدة.
سيرفانطيس والوزاني
هذه التظاهرة التي تعود إلى سنة 1940 جعلت من تطوان أول مدينة عربية احتفلت بـ”عيد الكتاب”. حدث ذلك في مرحلة الحماية الإسبانية، على غرار المدن الإسبانية يومها، التي ظلت سباقة إلى الاحتفاء بالكتاب في مختلف الجهات الإسبانية، بلا استثناء.
وتصادف أعياد الكتاب ذكرى رحيل مبدع “دون كيخوطي مي لا مانشا”، لرائد السرد الأوروبي الحديث ميغيل أنخيل دي سيرفانطيس، والذي ولد في منتصف القرن السادس عشر، في قلعة على ضفاف نهر إيناريس في مدريد، ورحل يوم 23 أبريل 1616.
وإذا كانت منظمة اليونسكو قد اعتمدت 23 أبريل يوما عالميا للكتاب وحقوق المؤلف في اجتماع باريس عام 1995، فإن إسبانيا ظلت تحتفي بعيد الكتاب منذ 85 سنة، مع تنظيم أول عيد للكتاب في العاصمة الإسبانية مدريد.
ولا تزال المدن الإسبانية تحافظ على عادة تنظيم أعياد الكتاب، لكن كل مدينة تختار زمنا معينا، ما بين شهري مارس ويونيو، ليكون في جميع الحالات ربيعا للكتاب الإسباني.
وإذا كانت تطوان أول مدينة عربية ستنظم عيد الكتاب في هذا السياق الإسباني، فإن بعض المصادر التاريخية تورد أخبارا تذهب إلى أن المغرب كان سباقا إلى الاحتفاء بالكتاب، في عهد السلطان المنصور السعدي، حين جعل من يوم 7 شوال يوما للاحتفاء بالكتاب.
إذا كان عيد الكتاب تقليدا ثقافيا كونيا مرتبطا بذكرى صاحب أول رواية في تراث الإنسانية، فإن عيد الكتاب في تطوان سوف يرتبط بالتهامي الوزاني، صاحب أول رواية في تاريخ المغرب، وهي رواية “الزاوية”، التي كتبها سنة 1940. والتهامي الوزاني هو أيضا أول من ترجم رائعة “دون كيخوطي دي لا مانشا”، وإن كان لم يكمل فصولها الأخيرة.
وللتهامي الوزاني قصة مع تظاهرة عيد الكتاب. فعلى صفحات جريدة “الريف” التي كان يرأس تحريرها، تصدى الرجل لتظاهرة عيد الكتاب وخلفيتها “الكولونيالية” حين كانت تحمل اسم “عيد الكتاب الإسباني”، بينما تقام في تراب المغرب. وهو ما اضطر إدارة الحماية الإسبانية إلى الاعتراف بإبداعات المغاربة وكتاباتهم، وتسمية التظاهرة “عيد الكتاب الإسباني العربي” منذ سنة 1950.
وفي مرحلة لاحقة، وبعد استقلال المغرب، سوف تكون للتهامي الوزاني الكلمة الفصل في تسمية التظاهرة “عيد الكتاب العربي”. وهو لم يسمه عيد الكتاب المغربي لأنه كان يعتبر الصراع الثقافي صراعا لغويا، وليس سياسيا، كما يشير إلى ذلك في إحدى افتتاحياته الشهيرة، التي حملت اسم “عيد الكتاب العربي”.
عيد الكتاب في تطوان سوف يرتبط بالتهامي الوزاني، صاحب أول رواية في تاريخ المغرب، وهي رواية 'الزاوية'
هكذا، ومنذ الأربعينات، كانت المكتبات والمؤسسات الثقافية المغربية، كما الإسبانية، من جامعات وغيرها، تعرض إصداراتها في الساحات والشوارع العمومية، كما ظلت تقام تظاهرات ثقافية كبرى ومسابقات واحتفاليات فنية، لا يزال الأرشيف الفوتوغرافي للمكتبة العامة والمحفوظات بتطوان شاهدا عليها.
وفي سنة 1953، وضمن برنامج عيد الكتاب، جرى الإعلان عن جائزة للكتاب تمنح في صنفي الشعر والسرد، لفائدة الكتاب المغاربة، وجائزة أخرى بالإسبانية بعنوان “جائزة المغرب”. وكانت تلك هي السنة التي زار فيها الشاعر الإسباني الكبير بيثنطي ألكسندري مدينة تطوان. ومنذ ذلك الوقت لمعت أسماء رائدة في الكتابة الأدبية، مثل شاعر الموشحات إبراهيم الإلغي، وكتابة القصة الرائدة مثل آمنة اللوه والقاص أحمد عبدالسلام البقالي والشاعر الغنائي أحمد الطنجاوي.
ذكرى محمد أنقار
أعمال الدورة الحالية من تظاهرة عيد الكتاب بتطوان مهداة إلى روح الكاتب والناقد المغربي محمد أنقار، الذي غادرنا شهر فبراير الماضي. وتقام الندوة الافتتاحية لعيد الكتاب حول تجربة الراحل، ناقدا وساردا، وهو صاحب رؤية نقدية أصيلة، استقاها من السيميائيات السردية والأسلوبيات المعاصرة والبلاغة الجديدة، والنظريات حول الصورة، قبل أن يستقر على رؤية نقدية خاصة، قائمة على مفاهيم الصورة ونظرية الأجناس والأنواع الأدبية، وحقول السمات ومكونات كل جنس أدبي.
وقد دشن أنقار هذا الدرس النقدي الخاص به منذ أطروحته حول "بناء الصورة في الرواية الاستعمارية"، حين اشتغل على صورة المغرب في الرواية الاستعمارية. وقبل ذلك، كان محمد أنقار في طليعة النقاد الذين درسوا أدب الأطفال في المغرب، من خلال كتابه المرجعي “قصص الأطفال في المغرب” الذي توج بجائزة المغرب للكتاب.
وكتب محمد أنقار القصة القصيرة، وكتب قصصا للأطفال، وهو كاتب روائي، من أهم أعماله “المصري”، ورواية “باريو مالقة”، التي رسم فيها صورا روائية للحي الذي عاش فيه “الباريو”، في مدينة تطوان، غير بعيد عن الساحات التي كانت تشهد إقامة عيد الكتاب بتطوان منذ أربعينات القرن الماضي، حيث قضى الراحل طفولته وحياته في “عيد الكتاب”.
مخلص الصغير
كاتب مغربي