أحمد مفدي - كلمة اتحاد كتاب المغرب إلى شعراء العالم في اليوم العالمي للشعر

يـا شـعراء العالم اتحدوا..!
وانتبِـهُـوا إلـى قَـراصـنَـة الـفَـرَحِ وهُـمْ يَـشـنُـقـونَ وردَةَ الـمَـحـبّـةِ والـجَـمَـال وَكَـانَ عَـبـيـرُهَـا قَـد لاَمَـسَ أَيْـدِي الـعَـاشـقـيـن، واحْـذَرُوا تَـشظِّـي الـقِـيَـمِ الـنّـبـيـلَـةِ وَقَـدْ بَـسَّ بَـهـاءَهَـا الـطُّـغَـاةُ الـعَـابِـرون الـذينَ إذَا رأَوْا الخيـر الـمُـشْــِرقَ بِـجَـمَـالـيَـات الـمَـحـبّـةِ أدبَـرُوا، وإذا رأوْا الـشّـرَّ الـمُـحـدِقَ بـالـبَـشـريّـةِ أقْـبـلُـوا، فِـي زَمـنٍ تَـسُـودهُ الـمُـسـوخَـاتُ الـمُـهـتَـرئَـةُ جِـهَـاراً، أمَـامَ صَـانِـعِـي عَـاهَـاتِ هَـذَا الـعـالَـمِ الـمَـغْـمـوسِ فِـي بَـهَـاراتِ الـنِّـفَـاق ودمَـاءِ الأشْـقِـيـاء، وهُـمْ فَـرحُـون بِـمَـا يَـفْـعـلُـون..! ولا يَـفْـسـحـونَ مـجَـالاً للـشُّـعـراءِ لِـيُـقـيـمُـوا خَـيْـمـةً تَـتَـمَـلّأُ حُـبًّـا وجمالاً، فَـمَـنْ للــحـبِّ والـجـمَـالِ والـسّـلام بِـوادٍ غَـيْـرِ ذِي زَرْعٍ سِـوَى الـشّـعـراء لِـيَـزْرعُـوا كَـرْمَـةَ الـفَـرحِ لِـعُـشَّـاقِ الـعُـرُوجِ إِلَـى الـمَـدَى اللامُـتَـنَـاهِـي حَـيْـثُ تَـمْـحَـقُ الـمَـحـبَّـةُ الـكَـراهـيـةَ، فَـتَـرْقُـصُ عَـنَـادلُ الـعَـاشِـقـيـنَ عَـلَـى شُـطْـآن الـمَـحَـبَّة، حِـيـنَ تَـهْـوِي الـكـراهـيـةُ وصَـانـعـوهَـا إِلـَى الـجَـحـيـم.
إنَّ الـعَـالـمَ ــ بِـلاَ شِـعْـرٍ ــ أعْـشَـى، لا يَـرَى مَـا يَـحْـمـلُـهُ مِـن أسْـقَـامٍ للـبـشَـريـة. حَـيْـثُ يَـمْـشِـي مَـقْـلـوبـًا عَـلَـى رَأسِـهِ، بِـلاَ زادٍ ولا قِـيَـمٍ تَـشْـفـعُ لَـهُ انْـكِـسـارَهُ وانـحِـدارَه حَـتَّـى اسْـتَـهَـانَ الـغِـرُّ بِـنُـبُـوءاتِ الـشّـعرِ وصَـفَــاءِ رُوَائـهِ، وازورَّ الأمير عَـنْ لآلِـئـهِ وابْـتَـغَـاهُ حِـذَاءَه، وتمنع الـقَـصِـيـدُ على الجهبذ الكبير ــ أحْـيـانـًا ــ حتى قَـالَ ذَاتَ زَمـانٍ: لَـقلعُ ضرس أهونُ علـيَّ من قول بيت شِـعْـرٍ، إذَا توارت الطقوسُ الـشِّـعْـريـة وانكسرت الـكُـؤُوس على شفاه الشعراء دون أن يَـذوقُـوا من راحِ مَـا تَـمَـلَّأتْ بِـهِ الكأسُ مِـنْ لـذيـذِ الـشُّـفـوفِ الآتِـي مِـنْ أعْـمَـاقِ الـوُجُـودِ الـشَّـعْـرِيّ..! فاشرأبّ الـشُّـعـراءُ بأعناقهم إلى الأعلى ليسبَـحُوا في ملكوت الـحدس اللامرئي، يَامَـلُـونَ أَنْ يَـتَـلـقَّـفُـوا إيحـاءً يُـومضُ مِـنْ نَـبْـعِ الـخَـيَـال لِـيَـدلَّهـمْ عَـلـَى مُـحَـاكـاةِ الـواقع بِـقَـصِـيـدَةٍ تُـورقُ فِـي الـذَّاتِ رُؤَى الـشُّـدُوهِ والانْـبِـهـار مِـنْ نَـاشِـئـةِ الـشِّـعْـر، الـتِـي لاَ تُـزهِـرُ إلا إذَا انْـزَوَى الـشاعرُ بِـذَاتِـهِ في ذاتـهِ، وَدَخـلَ فِـي سَـكْـرَتِـهِ الأبَـديـة، وَكَـانَ في خُـلـوةِ تَـغـشـاهَـا شَـطَـحَـات الـرُّؤيَـا..!
إنَّ الـشَّـاعـرَ إذَا أدركَ الـسِّـرَ في سَـكْـرةِ الـوُجُـودِ، وأيْـقَـنَ أَنَّـهُ مُـلاَقِـيـهِ، سَـيَـنْـفُـضُ عَـن اللـغَـةِ المـحايِـدةِ الـصَّـامتةِ مَـا عَـلِـقَ بِـهَـا من دلاَلاَتٍ مِـعْـيـاريـةٍ، وَيَـهُـزُّ جـذْعَ حُـرُوفِـهَـا لَـعـلَّ مَـا بَـقِـي بِـهَـا مِـنْ دلالةِ الـمَـجَـاز، يَـسَّـاقـطُ شِـعْـرًا مُـلْـتَـهِـبـًا وحُـبًّـا سَـنِـيّـاً وجَـمـالاً وسَـلاَمـًا يُـخْـرسُ الـكَـراهـيـة الـشّـرسـة والـحُـروبَ الـوحشيـة الـمـدمِّـرةَ للـقـيـمِ الإنسانية. الشعر نور ونار، طين وروح جِـنَـانٌ وجحيم، جَـمَـالٌ وحُـبٌّ، فلينظر كل مُـتلَـقٍ كَـيْـفَ يتلقى مِـنْ ناشئة الشعر قَـصِـيـدَ شاعِـرٍ اختلى فرداً في حُـوشِـهِ، ثم ذاب عِـشْـقـًا في ذاته حتى أمسي لا يدري أَهو القصيدُ أمْ الـقصيدُ هو..!؟
إنّ الشعر استـغْـوارُ الأعْـمَـقِ، واسْـتـجْـلاءُ الـغَـامِـضِ ، لِـكـشْـفِ مَـجـاهِـلِ الـنّـفْـسِ واسْـتـجْـلاَءِ مَـا انْـبَـهـمَ مِـنْ هَـذَا الـوُجُـود، واسْـتَـعْـصَـى عَـلَـى غَـيـر الـشّـاعِـر فَـهْـمُ مَـدَاهُ، لِـيُـدْرِكَ الـعـالـمُ أَنَّـهُ لـيـسَ بـالْـقـوْلِ الـهَـزْلِ ولاَ
بِـهَـذيَـانِ درويـشٍ يهـذي بِكلامٍ يُـلقَى جزافـًا يتلقفه مَـن يدري ومن لا يدري:
أن الشعر وعاء القيم الإنسانية وثقافتها، يُـخـلِّـدُ للبَـشـريةِ مَـا درجت عليه الأمم من أنماط الحياة الثقافية والسياسية والحضارية الـمُـشْـتَـرَكَـة، وَمَـا غَـبَـرتْ عَـلَـيْـه مِـنْ نَـقَـاءِ الـفِـطـرةِ واشْـتِـهـاءِ رُوَائِهَـا ولا يَـلتـفـتُ إِلـَى الـقَـبِـيـحِ مِـنْ يَـبَـابِ الـرّداءةِ إلاّ إذَا اتّـخَـذهُ رمْـزاً يَـتَـلَـمَّـسُ بِـهِ الـجَـمـيـل الآتِـي.
إِنّ الشعر كلمة وفي البدء كانت كلمةُ الـسِّـرِ سِـحْـراً / رُقُـوشـًا / أوْ نُـقُـوشـًا عَـلَـى جَـسَـدِ الـكَـوْنِ لـكـنَّـهَـا غَـامِـضة الـدّلاَلَـةِ، كَـأنَّهَـا الإشَـارةُ إِلـَى الـجَـمـيـلِ الآتِـي الـذِي يَـحْـدسُـه الـشّـاعِـرُ نُـوراً يَـأْتَـلِـقُ بَـيْـنَ الـذَّاتِ والـوَجْـدِ، بَـيْـنَ المرئي واللامرئي، بين الـرُّوحِ والـهُـيُـولـى، بَـيْـنَ الـمَـاضِـي / الـحَـاضـرِ والآتِـي..!
ومن هُـنَـا نَـخْـلـصُ أولا ـ إِلَـى أنَّ الـشـعْـرَ هُـوَ الـشّـعـر، هُـوَ الـشّـعْـر، هو الـشـعـر. كما قَـالَ ( بول فالـيـري )، لا نهتمُّ بالشّـكْـل بل بجوْهر الـشـعـر من إيـقَـاعٍ وصورٍ ورُؤَى، الشعر روح، واللغة مَـادة، ومن المادة يقْـبـسُ الـشاعرُ نُـور الـيَـقِـيـنِ الـشّـعـري، لِـيَـفْـتـرعَ الـمَـجْـهُـول، ويَـلْـتَـقِـطَ مَـا تَـهَـارقَ من الـقـيم الإنسانية ويُـضـيءَ الطريقَ لِـمَـنْ انْـبَـهمَـتْ عليهم السبلُ مِـن الـسَّـالـكـيـنَ إلى فَراديـسِ الـمَـحبَّـةِ، لأنَّ الشّـعْـرَ محبة... وبالمحبة وللمحبة خُـلِـقَ هَـذَا الـكـوْنُ الذي أفْـسَـدهُ المترفون بالانتهازية الـحَـمْـقـاء.
ثَـانـيـًا ـ إنّ الـشعر مرآة الـمجتمع والـشّـاعـر محشور في وسطه يَـرَى ويسجل مَـا يسترهصهُ من قبح وجمال وعدل وظلم وقيم وانحطاط، وهو بمخيالـه وشفوفه واستبصاره ينحاش إلى الـجَـمَـالِ والحق، ويخلِّـد مَـا تَـكَـشّـفَ لَـهُ مَـارقـًا في عصرهِ عَـنْ سَـواءِ الـحُـبِّ والسلام .
ثالثاـ الشاعر بِـلاَ قَـضيةٍ إنسانية يحملها ويتحمل عبءَ ثقـلـهَـا ليس بشاعر، إنما هو يتقوّلُ بِـمَـا لا يخدم أمَّـةً ولا إنْسانيةً. قضية الشاعر أَنْ يعرِّيَ مَـا انطمر من القيم تحت أحذية الـعَـابِـريـنَ إِلـَى الـجَـحـيـم.
هذه رسالة إلى شعراء العالم لعلهم يتحدون لرعاية الـجَـمَـالِ والسلام والمحبة، ولاَ يَـخْـجَـلـون.

فاس، في 17-03-2021 أحمد مفدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

أعلى