لم تكفيه الغربة التي احاط بها نفسه، إكتظت جميع الفضاءات التي هام على وجهه بين ثقوبها ومساماتها الضيقة، أوعز الى أقدام أن تطأ كل الحدود حتى تتجاوزها عنوة، فالعالم الذي يعيش لا يحترم خطوط الطول والعرض أو مساحات دول، قِيَم سَمِع عنها بأن الدين قد وضعها كعهود ومواثيق يحترمها بنو البشر الذين صنعوا من أفلاك السماوات بطانة تحميهم من جراد حثيث يصل الى ما لا يستطعيون حمايته، يأكل الأخضر واليابس تسابقوا معه لأكل اليابس وإطلاق يده على الأخضر.. فاقوا الحشرات في إيصال رسالة إن لا حدود لأي شيء محرم، فالحرام كلمة يمكن تحويل حروفها بغير مسمى وجعلها عتبة صورية إضطرارية العبور فيما إذا تعارضت مع المصالح، ملأ حقيبته بكل الاوجاع التي عرفتها الخليقة كما حمل معه خوازيق شهدتها ابواب ولات خوزقوا فيها من كان يريد طلب الحرية في التعبير دون ان يستطعم الألم، شاع أن الألم أصله أمل فقط علينا ان نحور الحروف، إننا الخبراء في التغيير بعد ان ركبنا التدين بغلة لا تلد عقيم الى الأبد، نموت ونحيا بالمسميات ونلوذ بمنابر الخطابة، نتمسح بكتف الخطيب، نسعد حينما يتف في الماء ونشرب مر ريقه الذي لولا الخجل لتفه بلغم وغصة مما يُسمع أُذنيه في كل مرة يصعد ليجيش بوجع تمكن من التأريخ فركب الرزية وترك السنون تبيكه ذلة وهيهات... سارع بنظرة سريعة الى أن لا وطن يستثمر فيه ألمه سوى العراق، بلد غني له تأريخ وحضارة وبُعد في أفق الله الزمني حيث آدم ونوح، امتد الى أن سكنه دون إرادته أحفاد خاتم النبيين و وصيه.. فما ان وطئت أقدامه أرض القداسة هَمَّ يراجع قوانين نبوخذ نصر وحمورابي وتلك الآلهة والملوك التي ديدنت أيامها بين طبول زمر وطبول فاقت معايير ومقاييس الأزمان، شيع أن المُلك لا يدوم إلا بالدم، أما الأعراف فهي عبارة عن خرقة يتمسح فيها كل أراد بعد أن يقضي حاجته، فهي لا يعول عليها فمن أراد المُلك، عليه أن يُفَرِّج بين أفخاذه لتتراقص الثعابين وتختار بيتا لتسكن فيه، تحرره من الشرف والهيبة تلبسه ثوب الخنوع والذلة، تعطي نساءه زي العري ليكون ديوثا بإمتياز يمارس الرذيلة على إنها فرصة يبيع ويشتري بالذمم على إنها مواثيق عهد قديم بعد أن يختم على مؤخرته...
بحث عن مكان إقامة يليق به وبما يحمله فلم يجد سوى أرض القبور تلك التي يقطن بباطن أرضها أكثر ممن يتحركون على سطحها.. فَرَدَ بساطه ورمى بالدموع، الهجر، الألم، الوجع، علب من جرعات هَمّ، وأخرى من نكد، عوز، ضياع، بغاء، حرام، زنا بعنوان حلال ... الى جانب كتيبات للتعليمات لكل من لا يعرف إستخدام هذه الوصفات التي لا تشبة علاج أي من الأعشاب الطبيعية او الكميائية، إنها وليدة من اوجده الخالق ليكون عبدا لرب واحد غير أنهم استفرخوا أنفسهم فصنعوا لأنفسهم ارباب ومحظيات، زنادقة كي يَسمَون فوق الشبهات... بلغوا في مقتنياتهم محاريب ومعابد صالوا.. جالوا.. باعوا.. إشتروا.. تسيدوا للعين التي في رأس هرم، ساقوا النجوم كلها إلا تلك النجمة التي سميت بنجمة داوود شرعوا بالسجود لها ونسوا الخالق... مكثوا يتمسحون بأست خنزير وسعدان كي يلمعوا سيرهم الذاتية، عراة أو أشباه عراة رغم إرتدائهم الزي العربي والمستورد منه.. طفقوا يخصفون على عوراتهم بأجساد عاهرات مستوردة بنوا الصروح كي يمارسوا الرذليية بعناوين النوع والجنسية... أما أنا فقد بحت لهم بأني ابيع الألم وكثيرا ما اجعله ثوابا للفقراء والمساكين فهم الذين اوصى الخالق بمداراتهم والسباقين للعبادة والتمسك بأي إله أو رب ما دام يرمي لهم بفتات قوت، مَصَنّع كان او عفن صالح للإستعمال الآدمي أو الحيواني فهم لا يميزون هذا عن ذاك فعالمهم مغطى بوهم المتدينين.. لم يعلم أنه يلقى رواجا لبضاعته التي نفذت وصار لا يمكنه مجاراة الطلبات فصار يشتري من الموت اوجاع ذنوب وضيق قبور أعاد تصنيعها بسلفنة زرق ورق...
بينما هو كذلك إذ إقترب منه رجل شارف أن يفارق الحياة واستغرب أكثر!! عندما شاهد طيف إبتسامة تعلو محياه، افلت ما كان يمسكه بين يديه شعر ولأول مرة بهزة بداخلة، لم يعرف من أين جاءت؟ تراجع الى الوراء فرك عيناه ليرى سحنة القادم بشكل جيد... لا إراديا صاح هل لك من حاجة أقضيها لك سيدي؟... سيدي قال في نفسه!! من يكون حتى أقول له سيدي؟ ابتلع حديث نفسه، زاغت عيناه الى ما يلبسه الرجل لقد بدا عليه الفقر والعوز لكن القبول والرضا بما حاله عليه لم تشعره بمنغصات أيام وفتن دنيا، فعالمه محاط بهاله من الهدوء بادره هيه أنت الى أين؟
بداية لم يعره إهتماما غير أن إستفزازه له عندما قال له هيه أنت!؟؟ توقف رمقه نظرة أشعرت سائله برهبة فبلع ريقه وقال: لم أعني شيئا وإنما اردت أن أعرف..
فقال العجوز: سألت فعي الجواب... عندما تتمثل الحياة لك بإنها إقصوصة إقرأها بشغف وأضف ما تحسنه ظنا لنهايتها فالنهايات الغير متوقعة صادمة، وهذا ما أنت فاعله بعد أن تصورت أنك تمتلك النهايات لكنك اغريت السائل والقارئ كما قال الشاعر: ( ما قرأت حرفك لولا أن الحرف أغراني... أردت ضمه أو حتى رفعه لكنه بالكسر جازاني)... فطالما كان الإغراء وسيلتك لإيقاع ضعاف النفوس وما أكثرهم، كسوت السلاطين صولجان ظلم فراق لهم سبي العباد بترهات تدين ومنارات ومآذن وحتى كنائس صرت تبيع الدين أفيون شعوب فأدمنه الناس وصار ذكره لوثة ومما رسته طريق ضلال.. إننا يا هذا عندما نصنع من عاهرة المجون أيقونة نتداولها لاشك أننا نشارك ديوثي مروجي صناعتها، فهناك من يتألق نفاقا حين تعتريه رائحة الهوس الوطني ليكون عنوانا اعلاميا عند تداعيات ارض على يد امة عقيمة لاتنجب العطاء، هكذا هم طالبي السلطة مثل طابلي الدفوف حولها الحاشية هم كل ذلك، وأراك صرت مثلهم تعول على الالم الذي جلبته عبر أزمان إبتلاها الله وفاض تنور خبزها فجمعته أنت وأعدت عجينه بما ترتضيه نفسك ليكون طُعما لجياع السلطة والدم... ونسيت أنك تُخَلف وراءك صور من الويلات تتبارى فيما بينها شاكية الى الله، ترى الكثير منها تتوضأ الملائكة في كل صلاة بدموع أيتام الشهداء وتسجد على آهات الأمهات، انت تتكاثر البكتيريا مع بطانة فاسدة... إني يا هذا رجل ركبت الحياة بإرادتي وعلمت خطها فأتخذته وسيلة لغاية لا تستطيع أنت وكل ما جمعت من خطب وأوجاع وممارسات دين أن تجعلني أحيد عنه، لقد مر علي العديد من امثالك، ألزمت نفسي العهد بأني ألتزم الصمت... فبعد ان كلت يدي ولساني فذهبت الى أضعف الإيمان وهو قلبي فمن يقف بوجه طوفان الرذيلة تجرفه الذنوب والخطايا الى حيث العالم السفلي، وأظنك تعلم ذلك لذا دعني وخط بتنورك هذا فهناك الكثير ممن يجرعون سُمَك على أنه إكسير حياة فإلى الجحيم أنت وآلامك ومن هم على شاكلتك.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي
بحث عن مكان إقامة يليق به وبما يحمله فلم يجد سوى أرض القبور تلك التي يقطن بباطن أرضها أكثر ممن يتحركون على سطحها.. فَرَدَ بساطه ورمى بالدموع، الهجر، الألم، الوجع، علب من جرعات هَمّ، وأخرى من نكد، عوز، ضياع، بغاء، حرام، زنا بعنوان حلال ... الى جانب كتيبات للتعليمات لكل من لا يعرف إستخدام هذه الوصفات التي لا تشبة علاج أي من الأعشاب الطبيعية او الكميائية، إنها وليدة من اوجده الخالق ليكون عبدا لرب واحد غير أنهم استفرخوا أنفسهم فصنعوا لأنفسهم ارباب ومحظيات، زنادقة كي يَسمَون فوق الشبهات... بلغوا في مقتنياتهم محاريب ومعابد صالوا.. جالوا.. باعوا.. إشتروا.. تسيدوا للعين التي في رأس هرم، ساقوا النجوم كلها إلا تلك النجمة التي سميت بنجمة داوود شرعوا بالسجود لها ونسوا الخالق... مكثوا يتمسحون بأست خنزير وسعدان كي يلمعوا سيرهم الذاتية، عراة أو أشباه عراة رغم إرتدائهم الزي العربي والمستورد منه.. طفقوا يخصفون على عوراتهم بأجساد عاهرات مستوردة بنوا الصروح كي يمارسوا الرذليية بعناوين النوع والجنسية... أما أنا فقد بحت لهم بأني ابيع الألم وكثيرا ما اجعله ثوابا للفقراء والمساكين فهم الذين اوصى الخالق بمداراتهم والسباقين للعبادة والتمسك بأي إله أو رب ما دام يرمي لهم بفتات قوت، مَصَنّع كان او عفن صالح للإستعمال الآدمي أو الحيواني فهم لا يميزون هذا عن ذاك فعالمهم مغطى بوهم المتدينين.. لم يعلم أنه يلقى رواجا لبضاعته التي نفذت وصار لا يمكنه مجاراة الطلبات فصار يشتري من الموت اوجاع ذنوب وضيق قبور أعاد تصنيعها بسلفنة زرق ورق...
بينما هو كذلك إذ إقترب منه رجل شارف أن يفارق الحياة واستغرب أكثر!! عندما شاهد طيف إبتسامة تعلو محياه، افلت ما كان يمسكه بين يديه شعر ولأول مرة بهزة بداخلة، لم يعرف من أين جاءت؟ تراجع الى الوراء فرك عيناه ليرى سحنة القادم بشكل جيد... لا إراديا صاح هل لك من حاجة أقضيها لك سيدي؟... سيدي قال في نفسه!! من يكون حتى أقول له سيدي؟ ابتلع حديث نفسه، زاغت عيناه الى ما يلبسه الرجل لقد بدا عليه الفقر والعوز لكن القبول والرضا بما حاله عليه لم تشعره بمنغصات أيام وفتن دنيا، فعالمه محاط بهاله من الهدوء بادره هيه أنت الى أين؟
بداية لم يعره إهتماما غير أن إستفزازه له عندما قال له هيه أنت!؟؟ توقف رمقه نظرة أشعرت سائله برهبة فبلع ريقه وقال: لم أعني شيئا وإنما اردت أن أعرف..
فقال العجوز: سألت فعي الجواب... عندما تتمثل الحياة لك بإنها إقصوصة إقرأها بشغف وأضف ما تحسنه ظنا لنهايتها فالنهايات الغير متوقعة صادمة، وهذا ما أنت فاعله بعد أن تصورت أنك تمتلك النهايات لكنك اغريت السائل والقارئ كما قال الشاعر: ( ما قرأت حرفك لولا أن الحرف أغراني... أردت ضمه أو حتى رفعه لكنه بالكسر جازاني)... فطالما كان الإغراء وسيلتك لإيقاع ضعاف النفوس وما أكثرهم، كسوت السلاطين صولجان ظلم فراق لهم سبي العباد بترهات تدين ومنارات ومآذن وحتى كنائس صرت تبيع الدين أفيون شعوب فأدمنه الناس وصار ذكره لوثة ومما رسته طريق ضلال.. إننا يا هذا عندما نصنع من عاهرة المجون أيقونة نتداولها لاشك أننا نشارك ديوثي مروجي صناعتها، فهناك من يتألق نفاقا حين تعتريه رائحة الهوس الوطني ليكون عنوانا اعلاميا عند تداعيات ارض على يد امة عقيمة لاتنجب العطاء، هكذا هم طالبي السلطة مثل طابلي الدفوف حولها الحاشية هم كل ذلك، وأراك صرت مثلهم تعول على الالم الذي جلبته عبر أزمان إبتلاها الله وفاض تنور خبزها فجمعته أنت وأعدت عجينه بما ترتضيه نفسك ليكون طُعما لجياع السلطة والدم... ونسيت أنك تُخَلف وراءك صور من الويلات تتبارى فيما بينها شاكية الى الله، ترى الكثير منها تتوضأ الملائكة في كل صلاة بدموع أيتام الشهداء وتسجد على آهات الأمهات، انت تتكاثر البكتيريا مع بطانة فاسدة... إني يا هذا رجل ركبت الحياة بإرادتي وعلمت خطها فأتخذته وسيلة لغاية لا تستطيع أنت وكل ما جمعت من خطب وأوجاع وممارسات دين أن تجعلني أحيد عنه، لقد مر علي العديد من امثالك، ألزمت نفسي العهد بأني ألتزم الصمت... فبعد ان كلت يدي ولساني فذهبت الى أضعف الإيمان وهو قلبي فمن يقف بوجه طوفان الرذيلة تجرفه الذنوب والخطايا الى حيث العالم السفلي، وأظنك تعلم ذلك لذا دعني وخط بتنورك هذا فهناك الكثير ممن يجرعون سُمَك على أنه إكسير حياة فإلى الجحيم أنت وآلامك ومن هم على شاكلتك.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي