يتحدث رفاعة رافع الطهطاوي في كتابه " تخليص الإبريز في تلخيص باريز " عن معاناة المصريين الذين رافقوا الفرنسيين العائدين لبلادهم بعد انتهاء حملة نابليون على مصر، فقد رحب الفرنسيون بهم أول الأمر ودعوهم للسفر معهم حتى لا يعاقبهم المصريون على خيانتهم واشتراكهم في الحرب ضد الأهالي، فأطعموهم في باريس، وأسكنوهم، لكن بعد وقت قصير، بردت القضية، ونسى الفرنسيون ما فعلوه من أجلهم، فتخلوا عنهم وتركوهم للجوع والعراء، وكانت حالتهم سيئة للغاية.
وهذا ما حدث للمصريين الذين انحازوا للخديو عباس حلمي عند خلعه من قبل الإنجليز وسافروا للإستانة لنصرته ضد عمه السلطان حسين كامل الذي عينته بريطانيا حاكما لمصر في بداية الحرب العالمية الأولى، ثم ناصروه ضد عمه الملك أحمد فؤاد الذي حكم مصر بعد موت أخيه حسين كامل.
فقد رحب الخديو بهم أول الأمر، وأعانهم وأنفق عليهم، ثم بردت القضية بمرور الوقت، خاصة أن عباس حلمي كان بخيلا، ولبخله الشديد كان إذا رأي خادما عنده، يرتدي قميصا جديدا أو حذاءً جديدا، يهيج ويأمر بجرد مخازنه ويصيح في الخادم:
- من أين لك هذا، لابد أنك سرقتني.
وعاش من ناصروه ودافعوا عن قضيته في تكايا هناك كالشحاتين، وعمل فريق منهم حمالين أو أعمال من هذا النوع، وكانت حياة الفرد منهم غاية في السوء، فهم حفاة وأقرب من الموت إلى الحياة، يكادون أن يكونوا عراة، وبعضهم ينام في الشوارع والأرصفة ومنعطفات الطرق.
وقد طرد الخديو، محمد توفيق فاضل - سكرتيره الخاص -وأتهمه بالسرقة، – فعاش في استانبول في حالة كرب شديد. انقطع حذاؤه فأضطر أن يعمل له رقعة، كانت سببا في قطع قدمه، وكادت تسبب له غرغرينا، حتى نام في الفراش مريضا.
وظل محمد توفيق فاضل يعاني من شدة فقره حتى أقدم على الانتحار، فقد تعاطى كمية تماثل عشرة أضعاف ما يحتمله إنسان؛ من الاستركنين السام –
وعمل محمد علي أفندي الضابط السابق في الجيش المصري، كمساري ترام ليعيش.
وظلوا في الأستانة في حالتهم هذه، غير قادرين على العودة إلى مصر، خوفا من الملك فؤاد الذي عادوه من أجل الخديو الذي تخلى عنهم، كما أنهم لا يجدون مالا للسفر والعودة لمصر، حتى أرسل الملك فؤاد مندوبا عنه لدرس حالتهم ومساعدتهم للعودة لمصر.
ويتكرر هذا الآن مع الهاربين إلى تركيا لمناصرة الإخوان - فالذي حدث لأنصار الحملة الفرنسية، وأنصار الخديو عباس حلمي المخلوع، يحدث الآن بحذافيره مع أنصار مرسي ومؤيدي الإخوان.
شاب خدعته الظروف، فتظاهر بعد خلع مرسي، وعلم بأن اسمه ذكر في محاضر الضبط والإحضار على ذمة قضايا التظاهر بدون ترخبص. فيدفع والده عشرة آلاف جنيه ويستطيع تهريبه إلى تركيا، فيجد الشاب الاهتمام لبعض الوقت، ثم يتخلى الكل عنه وعن زملائه، فيقول:
- العيشة فى تركيا صعبة ولكن هعمل إيه ما باليد حيلة، أفضل من السجن - تعبت جدا حتى أجد مدرسة تقبلنى لأحصل على الشهادة الثانوية وأكمل دراستى. مصاريف المعيشة والإقامة فى الشهر نحو ثلاثمائة دولار، ومصاريف المدرسة ألفان وخمسمائة دولار فى العام يعنى كله ألفان وثمانمائة دولار ــ ما يعادل ثمانية وأربعون ألفا من الجنيهات المصرية، ــ ووالدى يتكلف بى ويقوم بتحويل هذه الأموال بانتظام.
ويكمل: مئات من شباب الإخوان الذين هربوا من مصر وجاءوا إلى تركيا يجدون صعوبة في الحياة، فلا يجدوا حلا سوى الانضمام لتنظيم داعش بعد فترة قصيرة من وصولهم.
ويحكي عن صديقه:
هو في العشرين من عمره، كان في مصر طالبا بكلية الهندسة ومن أسرة ميسورة الحال، ولكنه فشل فى الانضمام إلى أى جامعة فى تركيا عقب وصوله، وبدا له أن مستقبله ضاع، واسودت الحياة فى عينيه، وبدأ يميل إلى التشدد فى تعامله مع المواقف التى يواجهها فى حياته، حتى تعرف على أحد الأشخاص الذى ساعده على الوصول لمسئولين بتنظيم داعش والذين قاموا بدورهم بتيسير تجاوزه للحدود السورية التركية لينضم إليهم.
واضطر وجدي غنيم أن يترك قطر ويذهب إلى تركيا، فركب المواصلات العامة مع زوجته، وتذكر ما كانت تقدمه قطر له، السكن في فيللا وسيارتان تحت أمره، حتى الذين يعيشون في قطر، بمرور الوقت سيتخلى الجميع عنهم. وسيعيشون كما عاش أنصار الحملة الفرنسية والذين رافقوهم في السفر إلى فرنسا، ومصير من سافر تركيا لنصرة الخديو عباس حلمي.
هذه طريقة واحدة لا تتغير، وتحدث في كل العصور، الذين ينحازون للمطرودين، ينالون الحظوة والاهتمام أول الأمر، ثم تبرد القضية، وتقل التبرعات والإعانات، فقد ساعد الخونة، جنود الحملة الفرنسية، ضد المصريين أهاليهم، وانتهت الحملة وعادوا لبلادهم، فلماذا يدفعون لهم الآن؟!
أما في حالة الأمل في عودة عباس حلمي أو أي إخواني آخر، بمرور الوقت سيحس أنصارهم أن ليس هناك أمل في العودة، وتبرد النار المتأججة. ويبيع الكل قضيته، كما باع الخديو عباس حلمي القضية في 12 مايو 1931 بأن عقد إتفاقا مع الحكومة المصرية على أن يصمت ويكف عن المطالبة بالعرش، مقابل أن تدفع له الحكومة المصرية مرتبا سنويا – طوال حياته – قدره ثلاثون ألف جنيه ابتداءً من أول يناير 1931. وأنصاره حيارى في شوارع استانبول حفاة عراه لا يجدون عملا أو طعاما.
مصطفى نصر
وهذا ما حدث للمصريين الذين انحازوا للخديو عباس حلمي عند خلعه من قبل الإنجليز وسافروا للإستانة لنصرته ضد عمه السلطان حسين كامل الذي عينته بريطانيا حاكما لمصر في بداية الحرب العالمية الأولى، ثم ناصروه ضد عمه الملك أحمد فؤاد الذي حكم مصر بعد موت أخيه حسين كامل.
فقد رحب الخديو بهم أول الأمر، وأعانهم وأنفق عليهم، ثم بردت القضية بمرور الوقت، خاصة أن عباس حلمي كان بخيلا، ولبخله الشديد كان إذا رأي خادما عنده، يرتدي قميصا جديدا أو حذاءً جديدا، يهيج ويأمر بجرد مخازنه ويصيح في الخادم:
- من أين لك هذا، لابد أنك سرقتني.
وعاش من ناصروه ودافعوا عن قضيته في تكايا هناك كالشحاتين، وعمل فريق منهم حمالين أو أعمال من هذا النوع، وكانت حياة الفرد منهم غاية في السوء، فهم حفاة وأقرب من الموت إلى الحياة، يكادون أن يكونوا عراة، وبعضهم ينام في الشوارع والأرصفة ومنعطفات الطرق.
وقد طرد الخديو، محمد توفيق فاضل - سكرتيره الخاص -وأتهمه بالسرقة، – فعاش في استانبول في حالة كرب شديد. انقطع حذاؤه فأضطر أن يعمل له رقعة، كانت سببا في قطع قدمه، وكادت تسبب له غرغرينا، حتى نام في الفراش مريضا.
وظل محمد توفيق فاضل يعاني من شدة فقره حتى أقدم على الانتحار، فقد تعاطى كمية تماثل عشرة أضعاف ما يحتمله إنسان؛ من الاستركنين السام –
وعمل محمد علي أفندي الضابط السابق في الجيش المصري، كمساري ترام ليعيش.
وظلوا في الأستانة في حالتهم هذه، غير قادرين على العودة إلى مصر، خوفا من الملك فؤاد الذي عادوه من أجل الخديو الذي تخلى عنهم، كما أنهم لا يجدون مالا للسفر والعودة لمصر، حتى أرسل الملك فؤاد مندوبا عنه لدرس حالتهم ومساعدتهم للعودة لمصر.
ويتكرر هذا الآن مع الهاربين إلى تركيا لمناصرة الإخوان - فالذي حدث لأنصار الحملة الفرنسية، وأنصار الخديو عباس حلمي المخلوع، يحدث الآن بحذافيره مع أنصار مرسي ومؤيدي الإخوان.
شاب خدعته الظروف، فتظاهر بعد خلع مرسي، وعلم بأن اسمه ذكر في محاضر الضبط والإحضار على ذمة قضايا التظاهر بدون ترخبص. فيدفع والده عشرة آلاف جنيه ويستطيع تهريبه إلى تركيا، فيجد الشاب الاهتمام لبعض الوقت، ثم يتخلى الكل عنه وعن زملائه، فيقول:
- العيشة فى تركيا صعبة ولكن هعمل إيه ما باليد حيلة، أفضل من السجن - تعبت جدا حتى أجد مدرسة تقبلنى لأحصل على الشهادة الثانوية وأكمل دراستى. مصاريف المعيشة والإقامة فى الشهر نحو ثلاثمائة دولار، ومصاريف المدرسة ألفان وخمسمائة دولار فى العام يعنى كله ألفان وثمانمائة دولار ــ ما يعادل ثمانية وأربعون ألفا من الجنيهات المصرية، ــ ووالدى يتكلف بى ويقوم بتحويل هذه الأموال بانتظام.
ويكمل: مئات من شباب الإخوان الذين هربوا من مصر وجاءوا إلى تركيا يجدون صعوبة في الحياة، فلا يجدوا حلا سوى الانضمام لتنظيم داعش بعد فترة قصيرة من وصولهم.
ويحكي عن صديقه:
هو في العشرين من عمره، كان في مصر طالبا بكلية الهندسة ومن أسرة ميسورة الحال، ولكنه فشل فى الانضمام إلى أى جامعة فى تركيا عقب وصوله، وبدا له أن مستقبله ضاع، واسودت الحياة فى عينيه، وبدأ يميل إلى التشدد فى تعامله مع المواقف التى يواجهها فى حياته، حتى تعرف على أحد الأشخاص الذى ساعده على الوصول لمسئولين بتنظيم داعش والذين قاموا بدورهم بتيسير تجاوزه للحدود السورية التركية لينضم إليهم.
واضطر وجدي غنيم أن يترك قطر ويذهب إلى تركيا، فركب المواصلات العامة مع زوجته، وتذكر ما كانت تقدمه قطر له، السكن في فيللا وسيارتان تحت أمره، حتى الذين يعيشون في قطر، بمرور الوقت سيتخلى الجميع عنهم. وسيعيشون كما عاش أنصار الحملة الفرنسية والذين رافقوهم في السفر إلى فرنسا، ومصير من سافر تركيا لنصرة الخديو عباس حلمي.
هذه طريقة واحدة لا تتغير، وتحدث في كل العصور، الذين ينحازون للمطرودين، ينالون الحظوة والاهتمام أول الأمر، ثم تبرد القضية، وتقل التبرعات والإعانات، فقد ساعد الخونة، جنود الحملة الفرنسية، ضد المصريين أهاليهم، وانتهت الحملة وعادوا لبلادهم، فلماذا يدفعون لهم الآن؟!
أما في حالة الأمل في عودة عباس حلمي أو أي إخواني آخر، بمرور الوقت سيحس أنصارهم أن ليس هناك أمل في العودة، وتبرد النار المتأججة. ويبيع الكل قضيته، كما باع الخديو عباس حلمي القضية في 12 مايو 1931 بأن عقد إتفاقا مع الحكومة المصرية على أن يصمت ويكف عن المطالبة بالعرش، مقابل أن تدفع له الحكومة المصرية مرتبا سنويا – طوال حياته – قدره ثلاثون ألف جنيه ابتداءً من أول يناير 1931. وأنصاره حيارى في شوارع استانبول حفاة عراه لا يجدون عملا أو طعاما.
مصطفى نصر