بعدَ القليلِ مِن الإيمانِ
في أن ينتَهي كلُّ هذا الألمِ،
والكثيرِ من الشَّكِّ في أن يشبعَ الموتُ
أو يُصابَ بتُخمةٍ
من كثرةِ ما ابتلعَ مِنَ الأرواحِ
المُحترقةِ داخِلَ أجسادِها
تخيلتُني فجأةً يا حبيبتي
أحتضنُ كلَّ مَنْ ألقاهُ
وأُقَبِّلهُ أربعًا على خدَّيهِ
ثم أتمشَّىٰ علىٰ قارِعةِ الطريقِ بِكُلِّ ثِقةٍ
بجوارِ صديقٍ مُقرَّبٍ
-لم أقابلْه منذُ أن جَرَّمتِ الحكومةُ التجمعاتِ-
وعلى المقهى
أطلبُ لنا شايًا واحِدًا به الكثيرُ من السُّكَّرِ
لنتمكنَ سويًا دونَ قلقٍ
من تبادِلِ الشرابِ بنفسِ الكوبِ.
وأقرِّبُ أذني من فَمِهِ
وهو يُلقي على مسامِعي
قصيدتَهُ "زمنُ الوباء"
لأشعرَ بحرارةِ كلماتِهِ وأنفاسِهِ
على وجهِي.
وكعادتي التي كنتُ افتقدتُها مُؤخَّرًا
أُعيدُ قراءتَهَا بنفْسِي
من الأوراقِ التي كُتِبتْ عليها
مُستمتِعًا بملمَسِ الحبرِ
فوقَ الصفحاتِ
وانحناءاتِ الحروفِ واتِّساقِهَا
لتُلائِمَ الرعبَ الذي على الأقلِّ
أرادَ أن يُوحِّدَنا جميعًا.
لمحتُني مُندسًّا بزحمةِ الشراءِ والبيعِ
بسوقِ البلدةِ
أتردَّدُ جَيْئةً وذهابًا
قبل أن أبتسمَ بمودةٍ
لبائعةِ الجَرجيرِ
والتي امتنعتُ عن مُصافحتِها
أثناءَ إجراءاتِ الوقايةِ المُمِلَّةِ.
وفي قرَارةِ نفسي
نويتُ أن أعودَ مرضىً لا أعرفُهم
لأُنهي تمامًا بداخلي عُقدةَ الخوفِ
من انتقالِ العدوى
بالإضافةِ إلى أن أزورَ اللهَ
لأشكرَهُ أنَّني ما زِلتُ حيًّا
دونَ أن يفترسَني ذلكَ الفيروس الشرسُ
والعادلُ الذي لا يُفرِّقُ بين غنيٍّ وفقيرٍ
من ضحَاياهُ.
شاهدتُني مُوزَّعًا في اليومِ الواحِدِ
على الحدائِقِ ودُورِ السينما وجلساتِ المقاهي،
ومُلاصِقا عن يميني ويساري في مسجدٍ ملآنٍ
لقدَمَيْ رَجُلينِ وكتفيهِما أيضًا،
ومُستنِدًا بكفيِ على درابزينِ
أيِّ سُلَّمٍ وأنا أَصعدُ وأنزَلُ،
ومُتنقِلاً بين المواصلاتِ العامةِ
دون هدفٍ أو مكانٍ معينٍ
لأشعرَ بدِفْءِ حكايا الرُّكَّابِ
وأنا أُتابِعُهم:
- مُنهمِكينَ في سَردِ مُغامرَاتِهم
بين الطُرقاتِ أيامَ حظرِ التِّجوَالِ.
- غارِقينَ في نوادِرِهم بالبيوتِ
في ليالي الحجرِ الذاتِيِ.
- حُزنَاءَ على ما أصابَ أرواحَهم من الفَقْدِ
وسوادِ مشاهدهِ في نُفُوسِهم
وغُصَّتِهِ المُرَّةِ في الحَلْقِ.
وفوقَ كُلِّ ما سبقَ
وكأنَّني في حُلمٍ استعدتُ فيهِ طُفولتِي
رأيتُنِي أنتقِلُ بِعصًا في يديِ
على قُضبانِ الأسوارِ الحدِيديةِ في الشَّوارِعِ
كأنَّني أعزِفُ على إكسليفونٍ ضخمٍ وأُغني.
وكلَّما قابلتْنِي -يا حبيبتي-
سيارةٌ مركونةٌ في طريقي
أكتبُ بِسبابتِي علىٰ زُجاجِها الأمامِيِّ
أولَ حروفِ اسمِكِ
وأرسُمُ حولَهُ قلبي.
*****
صدِّقيني
حتَّى في أَحْلَكِ اللحظاتِ
رُغمَ غِيابِكِ البعيدِ
ليس لي سِواكِ الآنَ
ليُشارِكَني رُعبَ نهايةِ العالَمِ
وأُقَاسِمَهُ الشهيقَ الأخيرَ للحياةِ.
# إسلام سلامة
في أن ينتَهي كلُّ هذا الألمِ،
والكثيرِ من الشَّكِّ في أن يشبعَ الموتُ
أو يُصابَ بتُخمةٍ
من كثرةِ ما ابتلعَ مِنَ الأرواحِ
المُحترقةِ داخِلَ أجسادِها
تخيلتُني فجأةً يا حبيبتي
أحتضنُ كلَّ مَنْ ألقاهُ
وأُقَبِّلهُ أربعًا على خدَّيهِ
ثم أتمشَّىٰ علىٰ قارِعةِ الطريقِ بِكُلِّ ثِقةٍ
بجوارِ صديقٍ مُقرَّبٍ
-لم أقابلْه منذُ أن جَرَّمتِ الحكومةُ التجمعاتِ-
وعلى المقهى
أطلبُ لنا شايًا واحِدًا به الكثيرُ من السُّكَّرِ
لنتمكنَ سويًا دونَ قلقٍ
من تبادِلِ الشرابِ بنفسِ الكوبِ.
وأقرِّبُ أذني من فَمِهِ
وهو يُلقي على مسامِعي
قصيدتَهُ "زمنُ الوباء"
لأشعرَ بحرارةِ كلماتِهِ وأنفاسِهِ
على وجهِي.
وكعادتي التي كنتُ افتقدتُها مُؤخَّرًا
أُعيدُ قراءتَهَا بنفْسِي
من الأوراقِ التي كُتِبتْ عليها
مُستمتِعًا بملمَسِ الحبرِ
فوقَ الصفحاتِ
وانحناءاتِ الحروفِ واتِّساقِهَا
لتُلائِمَ الرعبَ الذي على الأقلِّ
أرادَ أن يُوحِّدَنا جميعًا.
لمحتُني مُندسًّا بزحمةِ الشراءِ والبيعِ
بسوقِ البلدةِ
أتردَّدُ جَيْئةً وذهابًا
قبل أن أبتسمَ بمودةٍ
لبائعةِ الجَرجيرِ
والتي امتنعتُ عن مُصافحتِها
أثناءَ إجراءاتِ الوقايةِ المُمِلَّةِ.
وفي قرَارةِ نفسي
نويتُ أن أعودَ مرضىً لا أعرفُهم
لأُنهي تمامًا بداخلي عُقدةَ الخوفِ
من انتقالِ العدوى
بالإضافةِ إلى أن أزورَ اللهَ
لأشكرَهُ أنَّني ما زِلتُ حيًّا
دونَ أن يفترسَني ذلكَ الفيروس الشرسُ
والعادلُ الذي لا يُفرِّقُ بين غنيٍّ وفقيرٍ
من ضحَاياهُ.
شاهدتُني مُوزَّعًا في اليومِ الواحِدِ
على الحدائِقِ ودُورِ السينما وجلساتِ المقاهي،
ومُلاصِقا عن يميني ويساري في مسجدٍ ملآنٍ
لقدَمَيْ رَجُلينِ وكتفيهِما أيضًا،
ومُستنِدًا بكفيِ على درابزينِ
أيِّ سُلَّمٍ وأنا أَصعدُ وأنزَلُ،
ومُتنقِلاً بين المواصلاتِ العامةِ
دون هدفٍ أو مكانٍ معينٍ
لأشعرَ بدِفْءِ حكايا الرُّكَّابِ
وأنا أُتابِعُهم:
- مُنهمِكينَ في سَردِ مُغامرَاتِهم
بين الطُرقاتِ أيامَ حظرِ التِّجوَالِ.
- غارِقينَ في نوادِرِهم بالبيوتِ
في ليالي الحجرِ الذاتِيِ.
- حُزنَاءَ على ما أصابَ أرواحَهم من الفَقْدِ
وسوادِ مشاهدهِ في نُفُوسِهم
وغُصَّتِهِ المُرَّةِ في الحَلْقِ.
وفوقَ كُلِّ ما سبقَ
وكأنَّني في حُلمٍ استعدتُ فيهِ طُفولتِي
رأيتُنِي أنتقِلُ بِعصًا في يديِ
على قُضبانِ الأسوارِ الحدِيديةِ في الشَّوارِعِ
كأنَّني أعزِفُ على إكسليفونٍ ضخمٍ وأُغني.
وكلَّما قابلتْنِي -يا حبيبتي-
سيارةٌ مركونةٌ في طريقي
أكتبُ بِسبابتِي علىٰ زُجاجِها الأمامِيِّ
أولَ حروفِ اسمِكِ
وأرسُمُ حولَهُ قلبي.
*****
صدِّقيني
حتَّى في أَحْلَكِ اللحظاتِ
رُغمَ غِيابِكِ البعيدِ
ليس لي سِواكِ الآنَ
ليُشارِكَني رُعبَ نهايةِ العالَمِ
وأُقَاسِمَهُ الشهيقَ الأخيرَ للحياةِ.
# إسلام سلامة
