أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٣٦ : مثل سيارة خربة

كلما كبرنا عاما احتجنا إلى قطع غيار . نحن ، كبار السن ، الآن تماما مثل سيارة عتيقة ، ومرة كتبت تحت هذا العنوان: " في الخامسة والستين أنت مثل سيارة عتيقة خربة " .
أمس ذهبت إلى طبيب الأسنان لينظر في أمر إحدى الطواحين ، فخلع واحدة ونظف ثانية مكسورة ، وقال لي :
- بعد أربعين يوما نعمل جسرا لأربعة طواحين .
وأنا منذ كان أبوه يعالج لي أسناني كنت أردد :
- يا دكتور نستغل أسناننا ما استطعنا ثم ...
ولم أنتبه إلى أن السكر كان مرتفعا وأنني أمس أخذت قرص مميع دم ولكن الله سلم .
أمس بقيت وحيدا ولم أتمكن من فعل أي شيء بسبب خلع الضرس وتنظيف الثاني ، فلم أتجول في شوارع البلدة القديمة.
ما إن غادرت عيادة الطبيب حتى ركبت التاكسي إلى الشقة ،
وفيها أعدت النظر لثلاث دقائق في الفصل الأخير من رواية الحبيب السايح " أنا وحاييم " ، وتحديدا في الصفحة التي أوحت لي بالكتابة عن القشلة والعمارة في نابلس .
ماذا يعرف الجيل الجديد في نابلس عن هاتين البنايتين اللتين قصفتهما الطائرات الإسرائيلية في انتفاضة الأقصى في ٢٠٠١ ، ما أدى إلى أن تهدم السلطة الفلسطينية بقاياهما ، لتقيم على أنقاضهما مبنى المقاطعة الجديد الحالي ؟
عندما كنس الجزائريون المستعمرين الفرنسيين قاموا بتدمير كل ما يدل على وجودهم ، فهدموا الكنائس وتصرفوا بمحتوياتها - الرواية تأتي على مدينة وهران - واستغل مندوب الحزب الأشياء لمصلحته الفردية ، وهذا ما لم يرق لأرسلان الذي يسرد ، فوجهة نظره تتمثل في أن الهدم خطأ ، وكان من المفروض المحافظة على ما بناه الفرنسيون ليعرف الجيل الجديد من الجزائريين أن المستعمرين مروا من هنا .
تدمير الاسرائيليين القشلة ومبنى العمارة ربما كان سببه الحقيقي غير السبب الظاهر ، وهو قتل أبو هنود وإخوانه ، حيث كانوا سجناء مطلوبين . ربما كان سببه أن يتخلص الاسرائيليون من ماضيهم الأسود في هذين المبنيين ، وان يمسحوا ذكرياتهما من العقل الفلسطيني ، ففي القشلة والعمارة حقق الاسرائيليون مع آلاف الفلسطينيين ، وسجنوا وعذبوا أيضا عشرات الآلاف ، ولم تقتصر المعاناة على هؤلاء ، فقد عانى أهلهم من عذاب الانتظار في أيام الزيارات .
الآن أنت تمر يوميا بالمقاطعة التي لما يكتمل بناؤها من جديد ، فلا ترى شرطيا اسرائيليا أو جنديا من الجيش وحرس الحدود ، ولكنك في تعاملك مع بعض من أنفقوا سنوات في البنايتين تطلب من الله أن يصلح الأحوال ... إلخ .. إلخ ..
صرنا في عمرنا هذا مثل سيارة عتيقة خربة مهما حاولت تصليحها فإنها تظل إنتاجا قديما ، وفي حالتي إنتاج العام ١٩٥٤ .
أحيانا أجدني أكرر قول تميم بن مقبل الشاعر الجاهلي / الإسلامي :
" هل عاشق نال من دهماء حاجته
في الجاهلية قبل الدين مرحوم ؟
ما أطيب العيش ، لو أن الفتى حجر
تنبو الحوادث عنه ، وهو ملموم " .
و " اللي بطلع على مصيبة غيره بتهون عليه مصيبته " .
حالة تعبانة يا ليلى مزاج ما فيش .
صباح الخير
خربشات
٢١ نيسان ٢٠٢١

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى