د. أحمد الحطاب - كورونا. هناك مَن يقول ابتلاء و هناك مَن يقول عقاب

مَن يقول إن وباءَ كورونا ابتلاء من عند الله، فإن قولَه يتماشى مع ما ينصُّ عليه القرآن الكريم في العديد من آياته التي تبيِّن بوضوح أن اللهَ سبحانه و تعالى يريد الخيرَ لعباده. و لهذا، يقول في كتابه المُنزَّل على رسولِه محمد (ص)، إنه لطيف و رحيم و رؤوف بعباده. و إنْ ابتلاهم بالوباء، فهذا اختبارٌ لإيمانهم و دعوةٌ لهؤلاء العباد ليقفوا وقفةَ تأمُّل و تبصُّر ليُدركوا أن وجودهم في هذا الكون له معنى، لكن معنى من المفروض أن يًسايرَ و يتلاءمَ مع ما يريده الله جل جلالُه من خير للبشر.

أما مَن يقول إن وباءَ كورونا هو عقاب من الله لعباده، فإن قولَه، أولا، مخالف لما أراده و يريده الله سبحانه و تعالى من خيرٍ لعباده. ثانيا، إن الله يفعل ما يريد و لا أحد من البشر له القدرة على أن يعرفَ قبل الله ما يريده الله. و بعبارة أخرى، ما يريده الله يدخل في علم الغيب و الغيب لا يعلمه إلا هو. فكل مَن يقول إن الوباء عقابٌ من الله لعباده بدون دلائل ملموسة، فإنه تجاوز حدودَ الله. بل إنه لم يُدرك شيئآ من معاني القرآن الكريم و لم يستبطن عمقَه و رسالتَه للبشر. أكثر من هذا، إن هذا النوعَ من الناس يريد أن يبلِّغَ للغير أنه يفهم الدينَ أكثر من غيره و بالتالي، يعطي لنفسه الحقَّ أن يكونَ وصيّاً على الآخرين.

غير أن ما لم يدركه المُتدينون القائلون بأن الوباء عقاب من الله للناس، هو أن الله سبحانه و تعالى ابتلى البشرية جمعاء بالوباء بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية و الاجتماعية. فهذا الابتلاء هو دعوة للبشر أجمعين ليتعايشوا و يتساكنوا طبقا لما يريده الله لهم من خير. و التعايش و المساكن لا يمكن أن يتماشيا مع يريده الله من خير للعباد دون تبنِّي القيمَ الإنسانيةَ كمحرِّكٍ أساسي للحياة بصفة عامة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
حضور الجائحات والأوبئة والأمراض في الاداب والفنون
المشاهدات
520
آخر تحديث
أعلى