يوسف إدريس - يحيى الطاهر عبدالله.. النجم الذي هوى

حين رأيته كان قادما لتوه من أقصى الصعيد من قرية الكرنك بجوار الأقصر وكان نحيلا كعود القمح حلو الحديث والمعشر كعود القصب، فنان القامة والبنية واللمحة وذلك الخجل الصعيدي الشهم الذي لا تخطئة العين.
قابلني في قهوة ريش أيام كانت مركز الإشعاع للفن، وقال أنا أكتب القصة القصيرة . قلت هات أقرأ فأنا لا يسعدني شئ في العالم قد أن أقرأ قصة قصيرة كاتبها فنان قصة قصيرة.

وتصورت أنه سيخرج لي ظرفا فيه عشرات مما كتب وإذا به يعتدل وتأخذ سيماه طابع الإتصال العلوي ويلقي علينا قصته الأولى وكأنها الشعر يحفظه قائله.
وفعلا ومن أول سطر، عرفت أني أمام كاتب قصة وليس أي قصة , قصة جديدة طوع لها شاعرية الوجدان المصري الذي حمصته شمس الصعيد: جديدة الموسيقى، جديدة اللغة جديدة الموضوع، بل وأكاد أقول ليست مصرية فقط ولكنها أنغام صعيدية عالمية تماما.

فرحت به كالكنز أخذت منه القصة الأولى، ونشرتها في مجلة الكاتب وقلت كلمة ألفت بها الأنظار التائهة إلى الظاهرة الي يحيى الطاهر عبدالله .
أول الأمس وبحادث لا معنى له بالمرة أصيب ومات يحيى الطاهر عبدالله ولم يبلغ من العمر الثمانية والثلاثين عاما.
كتب ثلاث مجموعات من عيون القصة العربية الحديثة.

وتزوج وخلف بنتين: وبالكاد بدأ يتنفس الصعداء واذا بهذا الغادر الملعون ودونا عن ركاب عربة انقلبت وكان بها ثمانية غيره – متعهم الله بالصحة وأطال في أعمارهم- اختطفه، فعلا وكما تنطق حكمة الشعب المصري أحيانا بالحقيقىة . كان ابن موت.
الموت.. ذلك القضاء الحق الذي لا معنى له بالمرة .. مات يحيى
هكذا نعاه لي الأبنودي في منتصف الليل.

ووجدت نفسي كالأطفال أبكي عجزا، فها هو كاتب عملاق شاب آخر قد اغتيل والقاتل موت ملعون مبكر ولا حولا ولا قوة إلا بالله.
يا شعبنا المصري الطيب، يؤسفني أن أنعي إليكم واحدا من أنبغ كتاببنا، ربما لم تعرفوه إلى الآن كثيرا ربما لم يكن حديث الناس كنجوم السينما، ولكني متأكد أنه سيخلد في تاريخ أدبنا خلود لغتنا وحياتنا.
(وعزاء لك يا حركتنا الأدبية الكثيرة العدد القليلة النوع.)
أعلى