في غرة المحرم سنة 1107 ھ وكانت خواتيم ولاية علي باشا على مصر اجتمع الفقرا والشحاذون من الرجال والنساء والصبيان وطلعوا إلى القلعة ووقفوا بحوش الديوان وصاحوا يشتكون من شدة الجوع فلم يجبهم أو يلتفت إلى حالهم أحد فراحوا يرجمون بالطوب والأحجار الديوان وكل من يصادفونه في طريقهم من أهل القلعة، فركب الوالي وطردهم فنزلوا إلى الرميلة(منطقة أسفل القلعة) ونهبوا حواصل الغلة (ماتزال تسمى مخازن الغلة في أرياف الصعيد بالحواصل حتى الآن) الموجودة بها ووكالة القمح وحاصل كتخدا الباشا كان ملآنا بالشعير والفول فأصبح قاعا صفصفا، وكانت هذه الحادثة ابتداء الغلاء في مصر حتى إنه بيع أردب القمح بستماية نصف فضة(نصف الفضة عملة فضية كان وزنها يقرب من 1،30جم) وأما العدس فلم يوجد منه شيء، وحصلت شدة عظيمة بمصر وأقاليمها وحضرت أهالي القرى والأرياف حتى امتلأت منهم الأزقة في القاهرة واشتد الكرب فأكل الناس الجيف ومات كثيرون من الجوع فخلت قرى كثيرة من أهلها، وصار الفقراء يخطفون الخبز من الأسواق ومن الأفران ومن على رؤوس الخبازين، وكان يذهب الرجلان والثلاثة مع طبق الخبز يحرسونه من الخطف وبأيديهم النبابيت والعصي حتى يخبزوه بالفرن ثم يعودون به، واستمر الأمر كذلك إلى أن عزل علي باشا في الثامن من المحرم ، وكانت مدة ولايته أربع سنوات وثلاثة أشهر وأياما.
وعين بدلا من الوالي المخلوع إسماعيل باشا الذي جاء من الشام عن طريق البر فطلع القلعة بالموكب على العادة (موكب حاشد احتفالا بقدوم الوالي الجديد) وكان ذلك يوم الخميس السابع عشر من صفر فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء أمر إسماعيل باشا بجمع الفقراء والشحاذين بقراميدان (ميدان بجوار القلعة سمي بهذا الاسم نسبة إلى قرا قوش رجل صلاح الدين الأيوبي القوي باني القلعة ويسميه بعضهم ميدان الرميلة وهو جزء الآن من حي الدرب الأحمر) فلما جمعوهم أمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان؛ كل واحد منهم على قدر منصبه وغناه ولم يستثن نفسه فأخذ جماعة كبيرة منهم وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء إلى أن انقضى الغلاء، ولكن أعقب ذلك الفناء العظيم (طاعون 1107ھ/1695م) فأمر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمنين هذا بخلاف ما من كفنه الأغنياء وأهل الخير من الأمراء والتجار ثم انقضى ذلك الوباء في آخر شوال.
ج1 من "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للجبرتي بتصرف
سعد عبد الرحمن
من كتاب مخطوط"مائة حكاية وحكاية من التاريخ"
وعين بدلا من الوالي المخلوع إسماعيل باشا الذي جاء من الشام عن طريق البر فطلع القلعة بالموكب على العادة (موكب حاشد احتفالا بقدوم الوالي الجديد) وكان ذلك يوم الخميس السابع عشر من صفر فلما استقر في الولاية ورأى ما فيه الناس من الكرب والغلاء أمر إسماعيل باشا بجمع الفقراء والشحاذين بقراميدان (ميدان بجوار القلعة سمي بهذا الاسم نسبة إلى قرا قوش رجل صلاح الدين الأيوبي القوي باني القلعة ويسميه بعضهم ميدان الرميلة وهو جزء الآن من حي الدرب الأحمر) فلما جمعوهم أمر بتوزيعهم على الأمراء والأعيان؛ كل واحد منهم على قدر منصبه وغناه ولم يستثن نفسه فأخذ جماعة كبيرة منهم وعين لهم ما يكفيهم من الخبز والطعام صباحا ومساء إلى أن انقضى الغلاء، ولكن أعقب ذلك الفناء العظيم (طاعون 1107ھ/1695م) فأمر الباشا بيت المال أن يكفن الفقراء والغرباء فصاروا يحملون الموتى من الطرقات ويذهبون بهم إلى مغسل السلطان عند سبيل المؤمنين هذا بخلاف ما من كفنه الأغنياء وأهل الخير من الأمراء والتجار ثم انقضى ذلك الوباء في آخر شوال.
ج1 من "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" للجبرتي بتصرف
سعد عبد الرحمن
من كتاب مخطوط"مائة حكاية وحكاية من التاريخ"
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com