سفيان صلاح هلال - البطل يعبر ق~ والأحقاف

لم تكن في أيام أستاذنا جوائز تدفع بالدولارت للكتاب، لكنه حين وجد تلاميذه يقبضون ويعتلون المنصات؛ طلب منهم أعمالهم الفائزة ليقرأها، فلا شك أن هذه الأعمال استفادت من أستاذيته؛ وسوف يفخر بذلك. في البداية تحسر على مجهوداته النقدية، ودمه الذي كان يحرقه وهو ينفعل عليهم موجها لهم بخلاصة خبراته وقراءاته، فضلا عن محاضراته عن الحداثة وإعمال العقل، لكنه عاد وهمس لنفسه ربما يمنحونهم الجوائز من باب التشجيع! فهذه الأعمال المطبوخة لا تعني شيئا. لكنه حين تحدث مع تلاميذه وجدهم يفخرون جدا بأعمالهم وبالدراسات التي كتبها الباحثون عنها!
أصابه التعجب! وخرج من ملكوته المفروش بكبار الأدباء والنقاد والمنظرين؛ ليطل على العالم الأدبي المعاصر. هاله ما شاهد من أشياء لم يكن يعتادها مثل "البيست سيلر" والروايات المستعادة من أعمال كبرى والشعر الذي لا يمد للشعر بصلة! لكنه أقنع نفسه أن الناس كثرت وبالتالي فمن العادي أن يكثر الكتاب ويكون بينهم الغث والثمين؟
بدأ يتقرب أكثر لتلاميذه؛ لعله يعرف ماذا يقرأون؟ أو كيف يفكرون؟ رغبة منه في توجيههم، لكنه وجدهم لا يقرأون ولا يشترون حتى الإصدارات الأدبية التي ما زال هو يشترك في معظمها، وكل ما يفعلونه هو فتح موبيلاتهم الحديثة طوال الليل والنهار ويتبادلون أعمالهم وأخبار الأكثر مبيعا على صفحات التواصل، واكتشف علاقات حب وتلميحات سهوكة بين الشباب والشابات، فتحسر على أيامه حين كان يستحي أن يرفع عينيه في بنت الجيران حتى بعد أن خطبها! وكم أخذ نفسا عميقا وهو يتذكر المعارك الإبداعية أيامهم، والحوارات التي ما أثمرت دولارا واحدا! رغم طرحها حدائق الإبداع.
وتحسر الرجل على أيامهم حين كانوا يراسلون الإصدارات بالبريد ومن ينشر له نص بعد سنة وستة أشهر يتحول الأسبوع كله "يا ليلة العيد".
لكنه اشترى تليفونا واندمج قي العالم الجديد، وإن ظل في داخله يشعر بالفخر لما يدركه عن نفسه من علم وخبرة وثقافة وإبداع.
في يوم وجد تلاميذه يتكلمون عن مسابقة جديدة في مجال الرواية، سألهم عن السن والمطلوب فأرسلوا له رابط الاشتراك، لم يجد مانعا يحول بينه وبين الفوز بالمركز الأول بالطبع. من خلال تواصله عرف أن المسابقات تنظر للسيرة الذاتية والإنتاج السابق و...و ... الخ . تمم رواية كان يكتبها، و"سطّب" سيرة محترمة عن تاريخه الأدبي، وعمله البحثي، ومشاركته في حروب الاستنزاف وعبور أكتوبر العظيم، وكفاحه في التربية والتعليم، وترأسه لأندية الأدب، ومشاركاته في التحكيم الأدبي، والتحرير بصفحات الإبداع ....... وتصور صورة تليق بمبدع له مثل تاريخه... ثم أرسل المطلوب من خلال موقع الجائزة، أخبروه بقبول العمل وطلبوا منه أن يرسل صورة لجواز سفر وخمس نسخ ورقية، ظن من الطلب خيرا، لابد أنهم قرأوا سيرته ورأوا أنه لابد أن يفوز لذا طلبوا منه هذه الطلبات، مال على أحد زملائه واستدان ألف جنيه وفي عجلة وعصبية أزعحت كل من حوله استخرج جواز السفر، ولما استعجب المسؤول من رجل في عمره سيسافر قال له بفخر أنا الأديب (م.م.م) وسأسافر لأمثل مصر إن شاء الله أدبيا. تابع تنسيق النسخ ومراجعتها بنفسه وأرسلها بالبريد السريع المكلف جدا.
ظل الأستاذ ينتظر ظهور النتيجه وفوزه بالمركز الأول قرابة عام، يتخيلهم ينادون اسمه بمقدمة عن سيرته الذاتية وقيمة عمله الإبداعي الذي لا نظير له في إنتاج هذه الأيام، شاهد نفسه يستلم الجائزة ثم يلقي كلمته عن الإبداع جماليا ومعنويا، حدث زوجته عن الدولارات التي يحمد الله على أنه أحياه لعصرها؛ ليقبضها ويصرفها على تحيق طلبات زوجته التي عانت من شطحاته الإبداعية كثيرا، عاش حتي موعد النتيجة عاما؛ لو كتبه في رواية لفازت حقا.
يوم النتيجة جلس نفس الجلسة التي انتظر فيها نتيجة التوجيهية، حين كانت نصف درجة تحت الحد الأدني لدرجة النجاح بمادة؛ تجعله يعيد السنة كلها في كل المواد دون أثر رجعي، جلس ينتظر... سمع اسم أحد تلاميذه يفوز بالمركز الأول، والذي قال له من فترة : يا ولدي أنت معدوم الخيال وبينك وبين اللغة جبال ق وبينك وبين الإبداع صحراء الأحقاف. قال ربما الثاني، ثم انتظر الثالث... وأخيرا سمع اسم عمله الذي رأت اللجنة طباعته تقديرا له كعمل مميز خارج السباق!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى