أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٦٠ : والد الشهيد وأحفاد " العرب الصالحون "

ودع أحد سكان غزة ولديه شهيدين ، مباركا لهما ارتقاءهما إلى السماء ، فتذكرت ما كتبه محمود درويش في " حالة حصار " ( ٢٠٠٣ ) في الموضوع ، في انتفاضة الأقصى :
" الشهيد يحذرني : لا تصدق زغاريدهن
وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيا :
كيف بدلت أدوارنا ، يا بني ،
وسرت أمامي ؟
أنا أولا
وأنا أولا "
وكم من أب سار في جنازة ابنه ، لاستشهاده ، وكان الأصل ، لو كان موت الفلسطينيين طبيعيا ، أن يسير الابن في جنازة الأب ؟
"- أيها الفلسطينيون ! احذروا الموت الطبيعي ! " والتبس قائل العبارة في ذهني : أهو يوسف إدريس أم غسان كنفاني ؟
ويبدو أن فلسطينيي فلسطين المحتلة في ١٩٤٨ ملوا من الموت الطبيعي ، فأخذوا بالنصيحة ، وأسهموا بدورهم في الأحداث .
لطالما ليم الفلسطينيون الباقون ، بسبب وقوفهم على الحياد ، وفي العقود الثلاثة الأخيرة صاروا ينعتون من كثيرين ب " عرب إسرائيل " ، كما لو أنهم ليسوا فلسطينيين ، بخاصة بعد أن حيد قسم منهم أنفسهم باعتبارهم " لهم وضع مختلف " ، وبعد أن حيدتهم السلطة الفلسطينية حين ركزت على حل الدولة الفلسطينية المستقلة في المناطق المحتلة في العام ١٩٦٧ ، والكلام في هذا الأمر يطول .
انتفضت اللد وحيفا وعكا وقرى فلسطينية كثيرة وصارت بيوت الفلسطينيين في المدن المذكورة تعلم بالأحمر ، ما ذكر أصحابها بالهولوكست وما فعله ( ادولف هتلر ) باليهود حين صعدت النازية إلى الحكم . ولم يميز المستوطنون والمتطرفون بين العرب ، فكلهم عرب ؛ المسلم والمسيحي والدرزي والبدوي و .. ، ما ذكرني شخصيا بسؤال الهوية في قصيدة محمود درويش الشهيرة في ستينيات القرن العشرين :
" سجل أنا عربي !"
منذ أصدر الكاتب الإسرائيلي الشيوعي ( هلل كوهين ) كتابه " العرب الصالحون " عن الفلسطينيين الباقين في أرضهم ، وعن حياتهم بين ١٩٤٨ و١٩٦٧ ، مركزا على المتعاونين منهم ، لا على المقاومين ، ومنذ انحسار قوة الشيوعيين الذين أسهموا في قيادة النضال الفلسطيني ضد الصهيونية ، راج عنوان كتاب ( هلل ) لنعت الفلسطينيين هناك ، لدرجة كاد كثيرون منا ينسون قصائد توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين المعتزة بالهوية الفلسطينية .
منذ بداية حصار الأقصى وأحداث الشيخ جراح وحرب غزة انتفض أحفاد " العرب الصالحون " فصاروا مثل حصان طروادة ، ولطالما راهنا عليهم على أنهم كذلك - أي " حصان طروادة " ، فلولا بقاؤهم في أرضهم لصارت فلسطين المحتلة في ١٩٤٨ ، على رأي إميل حبيبي ، أندلسا ثانية .
أمس صار الفلسطينيون كلا واحدا واستشهد عشرة فلسطينيين في مدن الضفة .
لا طعم للعيد ، ولا عيد في العيد ، على الرغم من احتفال بعض أطفال غزة به فوق أنقاض الأبراج المهدمة المدمرة . هل تذكرون قصيدة فدوى طوقان " مع لاجئة في العيد " ؟ ، وصرنا كلنا في العيد مثل تلك اللاجئة .
هل أقول إن الحق كل الحق على " أبو يائير " ؟ وأنه ما زبطها ، تماما كما لم يزبطها ( ديفيد بن غوريون ) و ( ليفي اشكول ) والفلسطينية ( جولدا مائير ) التي تراجعت عن فلسطينيتها وتساءلت :
- أين هو الشعب الفلسطيني ؟ لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني !
هي التي اعترفت مرة بأنها قبل العام ١٩٤٨ كانت تملك جواز سفر فلسطينيا . ( هل تذكرون رواية " العشيق الفلسطيني لجولدا مائير " ؟ )
لطالما كتبت إننا سائرون إلى جنوب أفريقيا !
نحن في ذكرى النكبة الثالثة والسبعين ، وأمس .. نعم أمس ، قبل الذكرى بيوم شاهدنا أفواج اللاجئين والعرب يعودون يجتازون الحدود ولو لبضعة أمتار .
صباح الخير
خربشات
١٥ أيار ٢٠٢١




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى