حين رن جرس هاتفي قبل ايام، فوجئت بصوت مروان وهو يمسك بالعود ويغني من أعماق قلبه :
خطار عدنه الفرح نعلك صواني شموع.
خافن يمر بالعكد نرش العكد بدموع
يكليبي وين الحزن حدر لحدر مرفوع
دومك تون ونّتك تبجي بقلب مفجوع.
كانت في صوته حشرجة حزن، وفي غنائه بكاء حبيس يقبض عليه بشدة، ومع كل ذا، ظل يضحك من اعماق قلبه ويسمعني من الطرائف ما يود أن يزيح بها همّي وهمّه.
مذ تعمقت علاقتي به قبل عشرين عاما ، عرفته لا يحسن أن يخدش مخلوقا لأنه خلق ضمادا وبلسما ، يبث ما بداخله من طيب بصدق وعفوية فتشعر أن كلامه اغرودة تنبع من قلب ام ليطيب منام وليدها ، وان قصائده صديقات وفيات متمنعات، يداعبن وحدتك بوقار تام ويزحن عن فؤادك وحشة تراكمت كجبل من دجى ، تنهل منه على الدوام ماء عذبا صافيا مثل نهر مسدل الجفنين ، ينسال ليغفو بأمان عند اهوار الجنوب.
مازلت اذكر يوم قصدني الى صحيفة الأحرار وهو يحمل نسخة من مقالة لي ، جاءني وهو يعاتبني على مقدار الشجن الذي كتبته في مقالتي
(مركب هوانه ... من البصره جانه) والذي رثيت فيه وطني .
وقف عند اسطري وصار يتلو مقالتي بصوت مسموع :
(( نخال المركب لن يصل.. لربما شبت به النيران وهو لم يبلغ بعد اهوارنا الكسيره، لربما مزق الاوغاد شراعه على مشارف بغداد وصنعوا من اخشابه نعشا لحلم مسفوح الدم ،أنى لنا ان نشعل الانوار والظلمات تغمر النفوس،والوطن طوته حقيبة معدة للتهريب ، والنوارس معدة للشواء لتسد رمق سياسي فاسق..
بشراك عشقنا القديم .. ما اضمحلت المشاعر .. ولم تحرق النيران الرسائل.. نحن فحسب من احترقنا واصبح كل منا رفات حرف حزين يحلّق ليغير معالم قصيدة بهيجه..
ما زلنا نؤدي رقصة وحشية على طبول عرس لن يتم، ما زلنا نحلم بغد طواه امس بعيد، ما زلنا نحلم، وفي الآفاق .. سائق وشهيد !))
انتهى من القراءة ثم طالبني بغرامة فورية، وحين سألته عنها أجابني : فنجان قهوة على شواطيء دجلة، فقد اختنقت بعبرتي على وطني حقا !!
منذ ذلك اليوم، صار بيننا لقاء الأحد، اذ ننسلخ عن ذواتنا واركب معه دراجته النارية الشهيرة لنجوب شوارع بغداد غير آبهين بوضعها الأمني المرتبك حد الضياع.
لا أذكر انا تركنا موضوعا لم نتطرق اليه، في التأريخ والادب ، والعلم والموسيقى، والفلك ووادي الجن الذي يلهم الشعراء، كان كتلة من جمال، يتلذذ بنقدي لقصائده ومشاكساتي لبعض ابيات شعره، فإن راق له الكلام كنت ضيفه وهو من يدفع الحساب، والا فعليّ انا دفع ثمن غضبه النبيل المحبب.
مع السنين، اكتشفت ان ابا يوسف هو الانسان الذي لا يمكن الا ان تحبه، وتظل نفسك بحاجة لكي يحبك ولا ينقطع عنك .
كريم النفس، طيب الكلمة الذي يبذل كل ما يستطيع من اجل من لا يعرفهم، فكيف بمن عرفهم واحبهم من اعماق قلب مفعم بعشق الجمال .
اليوم، رحل أعز صديق لي ، واكاد أشعر ان صوته يجوب لوحده في الطرقات ليبحث عن النور ، ليتفقد صحبه ، وقد أبى دخول المقابر الموحشة..
مروان الذي أصر على أن يسمعني أغنيته الحزينة ، رحل اليوم مع رحيل (خطار الفرح)، لكننا لم نشعل الشموع ، إذ أبت الا ان تطفئها الدموع..
اليوم أقول له وقد تركني وحيدا :
(( بشراك مروان.. الباسم وبين جنبيك خافق يتلظى ، حين مددت يدك نحو قبعتك المدهشة واستخرجت مثل ساحر باهر.. اقمارا وانوارا واشعارا زينت سماءنا ورفعت عنا سوادات من ضيق ،ظمئت البصرة وغرق (مركب هوانا) وظل هوانا غريبا، واستبيحت آمالنا ، فاستحالت قبعتك سفينة تنتشلنا من نهر يأس عميق الى حزن شفيف يورق نبتة امل بغد سعيد .. غد دونهم .. يحفل ببسمتك الجميلة العذبة )).
خطار عدنه الفرح نعلك صواني شموع.
خافن يمر بالعكد نرش العكد بدموع
يكليبي وين الحزن حدر لحدر مرفوع
دومك تون ونّتك تبجي بقلب مفجوع.
كانت في صوته حشرجة حزن، وفي غنائه بكاء حبيس يقبض عليه بشدة، ومع كل ذا، ظل يضحك من اعماق قلبه ويسمعني من الطرائف ما يود أن يزيح بها همّي وهمّه.
مذ تعمقت علاقتي به قبل عشرين عاما ، عرفته لا يحسن أن يخدش مخلوقا لأنه خلق ضمادا وبلسما ، يبث ما بداخله من طيب بصدق وعفوية فتشعر أن كلامه اغرودة تنبع من قلب ام ليطيب منام وليدها ، وان قصائده صديقات وفيات متمنعات، يداعبن وحدتك بوقار تام ويزحن عن فؤادك وحشة تراكمت كجبل من دجى ، تنهل منه على الدوام ماء عذبا صافيا مثل نهر مسدل الجفنين ، ينسال ليغفو بأمان عند اهوار الجنوب.
مازلت اذكر يوم قصدني الى صحيفة الأحرار وهو يحمل نسخة من مقالة لي ، جاءني وهو يعاتبني على مقدار الشجن الذي كتبته في مقالتي
(مركب هوانه ... من البصره جانه) والذي رثيت فيه وطني .
وقف عند اسطري وصار يتلو مقالتي بصوت مسموع :
(( نخال المركب لن يصل.. لربما شبت به النيران وهو لم يبلغ بعد اهوارنا الكسيره، لربما مزق الاوغاد شراعه على مشارف بغداد وصنعوا من اخشابه نعشا لحلم مسفوح الدم ،أنى لنا ان نشعل الانوار والظلمات تغمر النفوس،والوطن طوته حقيبة معدة للتهريب ، والنوارس معدة للشواء لتسد رمق سياسي فاسق..
بشراك عشقنا القديم .. ما اضمحلت المشاعر .. ولم تحرق النيران الرسائل.. نحن فحسب من احترقنا واصبح كل منا رفات حرف حزين يحلّق ليغير معالم قصيدة بهيجه..
ما زلنا نؤدي رقصة وحشية على طبول عرس لن يتم، ما زلنا نحلم بغد طواه امس بعيد، ما زلنا نحلم، وفي الآفاق .. سائق وشهيد !))
انتهى من القراءة ثم طالبني بغرامة فورية، وحين سألته عنها أجابني : فنجان قهوة على شواطيء دجلة، فقد اختنقت بعبرتي على وطني حقا !!
منذ ذلك اليوم، صار بيننا لقاء الأحد، اذ ننسلخ عن ذواتنا واركب معه دراجته النارية الشهيرة لنجوب شوارع بغداد غير آبهين بوضعها الأمني المرتبك حد الضياع.
لا أذكر انا تركنا موضوعا لم نتطرق اليه، في التأريخ والادب ، والعلم والموسيقى، والفلك ووادي الجن الذي يلهم الشعراء، كان كتلة من جمال، يتلذذ بنقدي لقصائده ومشاكساتي لبعض ابيات شعره، فإن راق له الكلام كنت ضيفه وهو من يدفع الحساب، والا فعليّ انا دفع ثمن غضبه النبيل المحبب.
مع السنين، اكتشفت ان ابا يوسف هو الانسان الذي لا يمكن الا ان تحبه، وتظل نفسك بحاجة لكي يحبك ولا ينقطع عنك .
كريم النفس، طيب الكلمة الذي يبذل كل ما يستطيع من اجل من لا يعرفهم، فكيف بمن عرفهم واحبهم من اعماق قلب مفعم بعشق الجمال .
اليوم، رحل أعز صديق لي ، واكاد أشعر ان صوته يجوب لوحده في الطرقات ليبحث عن النور ، ليتفقد صحبه ، وقد أبى دخول المقابر الموحشة..
مروان الذي أصر على أن يسمعني أغنيته الحزينة ، رحل اليوم مع رحيل (خطار الفرح)، لكننا لم نشعل الشموع ، إذ أبت الا ان تطفئها الدموع..
اليوم أقول له وقد تركني وحيدا :
(( بشراك مروان.. الباسم وبين جنبيك خافق يتلظى ، حين مددت يدك نحو قبعتك المدهشة واستخرجت مثل ساحر باهر.. اقمارا وانوارا واشعارا زينت سماءنا ورفعت عنا سوادات من ضيق ،ظمئت البصرة وغرق (مركب هوانا) وظل هوانا غريبا، واستبيحت آمالنا ، فاستحالت قبعتك سفينة تنتشلنا من نهر يأس عميق الى حزن شفيف يورق نبتة امل بغد سعيد .. غد دونهم .. يحفل ببسمتك الجميلة العذبة )).
Войдите на Facebook
Войдите на Facebook, чтобы общаться с друзьями, родственниками и знакомыми.
www.facebook.com