أمس كان اليوم الثالث من أيام عيد الفطر السعيد ، ولم يكن سعيدا .
كانت صور الأطفال الذين استشهدوا ، والذين استشهد أهاليهم ونجوا هم ، والذين فقدوا بيوتهم وألعابهم ، كانت صورهم تطغى على شاشات التلفزيون وصفحات التواصل الاجتماعي وأشرطة الفيديو المتداولة .
أمس صباحا لم أقو على كبح جماح الكتابة وتأجيلها إلى موعدها المحدد ، فكتبت تحت عنوان " الطفل الوحيد الناجي " من عائلة قتلت بالكامل ، وقد ذكرني برواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ونكبة ١٩٤٨ والخروج الكبير من المدينة ورعب الأهل الهاربين الذين حملوا وسادة بدل أن يحملوا طفلهم الرضيع ، كما ذكرني بقصيدة ( هنريك ابسن ) " تيريه فيجن " .
نسيت صفية طفلها خلدون وربته عائلة يهودية ، فصار اسمه دوف ، والتحق بالجيش الإسرائيلي .
هذه المرة سيربي الفلسطينيون الطفل الوحيد الناجي وسيحافظون على اسمه ، وبالصور سيرونه كيف أبيدت عائلته ، فكيف سيتصرف حين يكبر ؟
هل سيسامح ( نتنياهو ) إن امتد العمر بالأخير وعاش مائة عام كما عاش أبوه ، أم أنه - أي الطفل الناجي - سيثأر من قاتل أبيه ؟
لا أجواء عيد هذا العام ، فحين خرجت في الخامسة مساء أتجول في الحي كانت الشوارع خالية .
في المساء تابعت خطاب السيد اسماعيل هنية من الدوحة / قطر ، وفي البداية التبس الأمر علي إذ ظننته يخطب في إحدى ساحات غزة معلنا انتهاء المعارك ، وظننت أن الجماهير التي تهتف للتحرير هي جماهير غزة معبرة عن فرحها ، غير مكترثة للدمار ، وأنها تبدي استعدادها لمواصلة الحرب ، وأنها طربت للخطاب الذي أعلن أن المقاومة لن تتنازل عن " صفد " وغيرها من مدن فلسطين التاريخية ( اسمع يا أبو مازن ! أنت ابن صفد تنازلت عنها ، وأنا لن أفرط فيها ) .
وأمس كاد يتشكل عندي رأي أن هذه الحرب حرب تنم عن مستوى عال من الأخلاق ؛ فالضابط الإسرائيلي يتصل بصاحب برج الجلاء ويمنحه مدة عشر دقائق لإخلائه من السكان ومن الصحفيين ، حتى تتم تسويته بالأرض ، ورئيس أركان حركة المقاومة الإسلامية يرفع منع التجول عن سكان تل أبيب ساعتين ؛ من العاشرة حتى الثانية عشرة ليلا ، حتى يتسوقوا .
في غزة يبدو الدمار شاملا ، وتل أبيب تحترق وسكانها الذين يتحدثون بلغات عديدة ، منها الروسية ، خائفون مرتعبون يلعنون حظ ولادتهم العاثر .
الحرب تثقل القلب . أما كان لحكومات إسرائيل المتعاقبة أن تفكر بهذه اللحظة ؟ أما كان بإمكانها إعادة اللاجئين الفلسطينيين بدل استيراد سكان من روسيا واثيوبيا و " هونولولو " ؟
كانت طائراتها تقصف دمشق ولبنان ووصلت إلى إيران ، وكنا نصغي إلى أخبار عن الرد في المكان والوقت المناسبين ونضحك ، وربما كان أبو يائير مثلنا يضحك ، ولطالما ابتسم ابتسامة صفراء ساخرة .
أمس تذكرت سطرا شعريا من قصيدة لمحمود درويش كتبها في ٢٠٠٣ عن زيارته للقدس :
"- أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب ؟ " .
هل كان في مخيلة الاسرائيليين والفلسطينيين أن الأمور يمكن أن تتطور إلى هذا الحد ؟!
منذ ١٤٨٠ عاما هجريا والأقصى هو الأقصى ، يصلي فيه المسلمون ، وحين احتله الصليبيون تسعين عاما ظل أهله يستصرخون المسلمين من أجل تحريره ، إلى أن هيأ الله له نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي . ولم تتعلم إسرائيل الدرس ، علما بأن الكاتب الإسرائيلي ( ابراهام يهوشع ) كتب روايته " إزاء الغابات " منبها إلى حريق كبير .
هل ما شاهدناه أمس على شاشة الفضائيات كان مجرد أفلام سينمائية ومجرد ألعاب نارية ؟
لا أحد يعرف بالضبط كيف ستسير الأمور وإلى أين ستنتهي ، وعلى رأي محمد عبد الوهاب " جايين الدنيا منعرف ليه ولا رايحين فين " .
الحق كل الحق على السيد ( بلفور ) وعلى المستر ( دل ) الذي لم يدبرها ولم يحلها ، والكل في ورطة .
صباح الخير
خربشات
١٦ أيار ٢٠٢١ .
كانت صور الأطفال الذين استشهدوا ، والذين استشهد أهاليهم ونجوا هم ، والذين فقدوا بيوتهم وألعابهم ، كانت صورهم تطغى على شاشات التلفزيون وصفحات التواصل الاجتماعي وأشرطة الفيديو المتداولة .
أمس صباحا لم أقو على كبح جماح الكتابة وتأجيلها إلى موعدها المحدد ، فكتبت تحت عنوان " الطفل الوحيد الناجي " من عائلة قتلت بالكامل ، وقد ذكرني برواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " ونكبة ١٩٤٨ والخروج الكبير من المدينة ورعب الأهل الهاربين الذين حملوا وسادة بدل أن يحملوا طفلهم الرضيع ، كما ذكرني بقصيدة ( هنريك ابسن ) " تيريه فيجن " .
نسيت صفية طفلها خلدون وربته عائلة يهودية ، فصار اسمه دوف ، والتحق بالجيش الإسرائيلي .
هذه المرة سيربي الفلسطينيون الطفل الوحيد الناجي وسيحافظون على اسمه ، وبالصور سيرونه كيف أبيدت عائلته ، فكيف سيتصرف حين يكبر ؟
هل سيسامح ( نتنياهو ) إن امتد العمر بالأخير وعاش مائة عام كما عاش أبوه ، أم أنه - أي الطفل الناجي - سيثأر من قاتل أبيه ؟
لا أجواء عيد هذا العام ، فحين خرجت في الخامسة مساء أتجول في الحي كانت الشوارع خالية .
في المساء تابعت خطاب السيد اسماعيل هنية من الدوحة / قطر ، وفي البداية التبس الأمر علي إذ ظننته يخطب في إحدى ساحات غزة معلنا انتهاء المعارك ، وظننت أن الجماهير التي تهتف للتحرير هي جماهير غزة معبرة عن فرحها ، غير مكترثة للدمار ، وأنها تبدي استعدادها لمواصلة الحرب ، وأنها طربت للخطاب الذي أعلن أن المقاومة لن تتنازل عن " صفد " وغيرها من مدن فلسطين التاريخية ( اسمع يا أبو مازن ! أنت ابن صفد تنازلت عنها ، وأنا لن أفرط فيها ) .
وأمس كاد يتشكل عندي رأي أن هذه الحرب حرب تنم عن مستوى عال من الأخلاق ؛ فالضابط الإسرائيلي يتصل بصاحب برج الجلاء ويمنحه مدة عشر دقائق لإخلائه من السكان ومن الصحفيين ، حتى تتم تسويته بالأرض ، ورئيس أركان حركة المقاومة الإسلامية يرفع منع التجول عن سكان تل أبيب ساعتين ؛ من العاشرة حتى الثانية عشرة ليلا ، حتى يتسوقوا .
في غزة يبدو الدمار شاملا ، وتل أبيب تحترق وسكانها الذين يتحدثون بلغات عديدة ، منها الروسية ، خائفون مرتعبون يلعنون حظ ولادتهم العاثر .
الحرب تثقل القلب . أما كان لحكومات إسرائيل المتعاقبة أن تفكر بهذه اللحظة ؟ أما كان بإمكانها إعادة اللاجئين الفلسطينيين بدل استيراد سكان من روسيا واثيوبيا و " هونولولو " ؟
كانت طائراتها تقصف دمشق ولبنان ووصلت إلى إيران ، وكنا نصغي إلى أخبار عن الرد في المكان والوقت المناسبين ونضحك ، وربما كان أبو يائير مثلنا يضحك ، ولطالما ابتسم ابتسامة صفراء ساخرة .
أمس تذكرت سطرا شعريا من قصيدة لمحمود درويش كتبها في ٢٠٠٣ عن زيارته للقدس :
"- أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب ؟ " .
هل كان في مخيلة الاسرائيليين والفلسطينيين أن الأمور يمكن أن تتطور إلى هذا الحد ؟!
منذ ١٤٨٠ عاما هجريا والأقصى هو الأقصى ، يصلي فيه المسلمون ، وحين احتله الصليبيون تسعين عاما ظل أهله يستصرخون المسلمين من أجل تحريره ، إلى أن هيأ الله له نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي . ولم تتعلم إسرائيل الدرس ، علما بأن الكاتب الإسرائيلي ( ابراهام يهوشع ) كتب روايته " إزاء الغابات " منبها إلى حريق كبير .
هل ما شاهدناه أمس على شاشة الفضائيات كان مجرد أفلام سينمائية ومجرد ألعاب نارية ؟
لا أحد يعرف بالضبط كيف ستسير الأمور وإلى أين ستنتهي ، وعلى رأي محمد عبد الوهاب " جايين الدنيا منعرف ليه ولا رايحين فين " .
الحق كل الحق على السيد ( بلفور ) وعلى المستر ( دل ) الذي لم يدبرها ولم يحلها ، والكل في ورطة .
صباح الخير
خربشات
١٦ أيار ٢٠٢١ .