أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٦٤ : " أنا وأنت ... والحرب القادمة "

بعد حرب حزيران ١٩٦٧ كتب ( حانوخ ليفين ) الكاتب الإسرائيلي الساخر مسرحيته " أنا وأنت ... والحرب القادمة " ، وفيها يسخر من حزب العمل الصهيوني الذي لم يخرج من الحرب إلا بحرب جديدة .
المسرحية لفتت أنظار الشاعر محمود درويش فكتب عنها في كتابه " يوميات الحزن العادي " ١٩٧٣ ، ولم تخل من تأثر بها قصيدته " الكتابة على ضوء بندقية " ، وقد قام الصديق انطوان شلحت بترجمة المسرحية إلى العربية .
أمس وأنا أتابع مجريات الأحداث على جبهة غزة وفي بقية الوطن الفلسطيني ، من رأس الناقورة حتى رفح ومن نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط ، أخذت أحصي الحروب التي وعيتها وتلك التي لم أعيها ( أعها ) .
أنا من مواليد حزيران ١٩٥٤ ، وقد ولدت في خيمة اللجوء بعد ست سنوات من تهجير أبي وأمي من يافا .
في العام ١٩٥٦ حدث العدوان الثلاثي على مصر .
منذ ولدت انفجرت حرب التحرير الجزائرية واستمرت ثمانية أعوام وكنا في المدارس ننشد للجزائر .
في العام ١٩٦٦ اعتدى الاسرائيليون على قرية السموع ، فجر اعتداؤهم مظاهرات شعبية كنت شاهدا عليها ، وقد شاركت فيها ولما أتجاوز الثانية عشرة .
في العام ١٩٦٧ عشت في مثل هذه الأيام أجواء الاستعداد للحرب ، وتغنيت بصواريخ جمال عبد الناصر ؛ الظافر والقاهر ، ولم تمر أيام حتى شاهدت جنود الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس .
في الأعوام ١٩٦٩ و١٩٧٠ و١٩٧١ تابعنا حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية والحرب الفلسطينية - الأردنية ، وعشت أجواء مشابهة لهذه يوما يوما .
في تشرين الأول ١٩٧٣ اشتعلت الحرب العربية الإسرائيلية على جبهتي مصر وسوريا ، ولم نكد نتنفس حتى بدأت الحرب الأهلية في لبنان ، وفي أثناء هذه الحرب تابعنا الحرب الفلسطينية اللبنانية الإسرائيلية في الجنوب اللبناني في ١٩٧٨ ، وتكرارها في صيف ١٩٨٢ ، وفي الأخيرة جربت إسرائيل أحدث الأسلحة الأميركية ومنها القنبلة الفراغية ، وفي العام ١٩٨٧ اندلعت الانتفاضة التي استمرت ست سنوات .
في العام ١٩٨٠ حتى العام ١٩٩١ تابعنا أخبار حرب الخليج كما كنا نتابع الحروب العربية الإسرائيلية .
هل اختلف الأمر مع توقيع معاهدة سلام أو معاهدات سلام في الجبهات المشتعلة ؟
في أيلول من العام ٢٠٠٠ اندلعت انتفاضة الأقصى واستمرت سبع سنوات تابعنا خلالها حرب تحرير الجنوب اللبناني وحرب الضاحية في العام ٢٠٠٦ .
في ١١ أيلول ٢٠٠١ ؛ يوم تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك ، بدأت طبول الحرب تقرع فعشنا أجواء الحرب الأميركية - الأفغانية .
في صيف ٢٠٠٧ شهدت غزة حرب حركتي فتح وحماس التي ظلت ذيولها قائمة إلى الآن .
في ٢٠٠٨و٢٠٠٩ بدأت حروب إسرائيل الدموية على قطاع غزة ، وتواصلت في ٢٠١٢ و ٢٠١٤ و ٢٠٢١ ، والحرب لما تنته .
ماذا كان ( حانوخ ليفين ) سيكتب لو امتد به العمر ، فما أعرفه عنه أنه توفي .
نحن جيل لم يعرف إلا الحرب ، فمن حرب إلى ثانية فثالثة فرابعة .
في قصته " زمن الاشتباك " ( الصغير يذهب إلى المخيم ) ميز غسان كنفاني بين الاشتباك والحرب ، ففي الأخيرة تحدث هدنة ، أما في زمن الاشتباك فأنت لا تلتقط أنفاسك ؛ لأنك لا تخرج من اشتباك إلا إلى اشتباك آخر . هل نحن جيل الاشتباك أم جيل الحرب ؟
إننا الجيل الذي يصح أن يقال بحقه المثل الشعبي " طول عمرك يا زبيبة بطيزك هالعودة " .
كما لو أن الحرب قدرنا ، بل هي كذلك .
عندما زرت أحد متاحف برلين أو بناية الرايخستاغ في برلين - لم أعد أذكر - شاهدت تجسيدا لسيلان الدم في الحروب حتى الحرب العراقية - الإيرانية التي انتهت في ١٩٨٨ . كان الدم الذي سال في القرن العشرين هو الأغزر .
هل سيجسد فنان فلسطيني أو إسرائيلي لوحة مجرى لسيلان الدم ، في فلسطين ، منذ بدأ الاستيطان اليهودي ؟
كم كانت خسائرنا أمس ؟
كم كانت خسائرنا منذ بداية الحرب ؟
كم كانت خسائرنا منذ العام ١٩٢١ ؟
أمس تذكرت قصة ( فرانز كافكا ) القصيرة " بنات آوى وعرب " وفيها زعم أن العداوة بين الطرفين ؛ بنات آوى والعرب ، في الدم ، وهذا يعني - إن صح - أن الحكاية طويلة ، وكما نطقها عبد الحليم حافظ " لسه طويلة " .
في إحدى قصائد ديوان " محاولة رقم ٧ " ١٩٧٤ كتب محمود درويش :
" - من أي عام جاء هذا الحزن؟
- من سنة فلسطينية لا تنتهي
وتشابهت كل الشهور ، تشابه الموتى .
هذا هو الحزن الذي لا ينتهي ، في ساحة لا تنتهي
في ليلة لا تنتهي ،
هذا هو العرس الفلسطيني ،
لا يصل الحبيب إلى الحبيب
إلا شهيدا أو شريد " .
الله المستعان به .
صباح الخير
خربشات
١٩ أيار ٢٠٢١





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى