أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٦٥ : يوميات غزة : من يكتبها ؟

أمس تذكرت القاص والروائي غريب عسقلاني / ابراهيم الزنط ، وتساءلت إن كان يكتب يوميات في حرب غزة الرابعة ؟ حرب رابعة خلال ثلاثة عشر عاما . يا إلاهي !
كان غريب كتب في ٩٠ القرن ٢٠ مجموعة قصصية عنوانها " وردة بيضاء من أجل ديفيد " عن الانتفاضة الأولى ، وكتب عن الجندي الإسرائيلي اليساري ديفيد الذي رفض أن يطلق النار على ابن صديقه الغزي في العمل ، فقد نشأت بين ديفيد ووالد الفتى المنتفض علاقات إنسانية وأسرية ، أدت إلى زيارات متبادلة .
كان الخطاب اليساري في الأدب الفلسطيني شائعا ومقبولا في حينه ، ثم خفت ، وحتى اللحظة لم نسمع عن طيار إسرائيلي رفض مهاجمة قطاع غزة ورفض تدمير البنايات على سكانها .
أمس تذكرت كتاب غزة الذين نشأت معهم . لقد مات قسم منهم ، ويقيم الآن قسم آخر في الضفة الغربية أو المنافي . من Khaled Juma و Wallid Hallis و عاطف ابوسيف و باسم النبريص و .. و .. وأخذت أتابع أصواتا جديدة تكتب من قلب المعركة ، وأكثرها يدون يومياته . Riyad Awad و Heba Alagha و Sama Hasan و شجاع الصفدي و .. و .. وقد أخبرني الأخير أن غريب موجود ولكن لا رغبة هناك للكتابة لأسباب عديدة منها قسوة الأوضاع وجدوى الكتابة في أثناء هذا الدمار الشامل ، عدا انقطاع الكهرباء والنت . أما الشاعر خالد جمعة الذي كتب من قبل عن الحروب السابقة ، فقد أوضح لي أن الكتابة عن الحرب يبدأ بعد انتهائها ، وإن ما يكتب الآن هو ضرب من تدوين اليوميات والأحداث .
شخصيا كنت أتابع كتابات الصديق Riyad Awad ، وهو طبيب بالدرجة الأولى ونشيط في وسائل التواصل الاجتماعي منذ سنوات ، وتابعت في الفترة الأخيرة كتابات هبة الأغا وسما حسن وغيرهم . كتابة هؤلاء ذكرتني بمقطع شعري لمحمود درويش كتبه في انتفاضة الأقصى وورد في ديوان " حالة حصار " ونصه :
" خسائرنا من شهيدين حتى ثمانية
كل يوم ،
وعشرة جرحى
وعشرون بيتا
وخمسون زيتونة ،
بالإضافة للخلل البنيوي الذي
سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة " .
هل علينا أن ننتظر نهاية الحرب حتى نكتبها ؟
الزميلة Wafa Abushmais كتبت رواية عن حرب غزة في العام ٢٠١٤ وهي في طريقها إلى النشر ، ولكن وفاء لم تعش في غزة ، والكتابة عن الحدث من داخله غير الكتابة عنه من خارجه ، ولطالما استشهدت برأي الكاتب الفرنسي ( جان جينيه ) فيما كتبه تحت عنوان " أربع ساعات في شاتيلا " .
حتى الكاميرا التي تنقل الحدث على الهواء لا تستطيع أن تنقل رائحة الدمار .
أكثر ما قرأت ينطبق عليه سطر محمود درويش " الخلل البنيوي الذي سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة " .
وأنا أدرس نصوص أدباء المقاومة في الأرض المحتلة غالبا ما كنت أشير إلى مقولة نقدية تفرق بين المؤرخ الأدبي والناقد الأدبي ، فحين نقيم أدبية النصوص علينا ألا ننسى الظروف التي كتبت فيها .
النصوص ، إلا أقلها القليل ، تصف بلغة تقريرية مباشرة الأحداث ، ويبدو العنصر الجمالي فيها شبه منعدم . هل ثمة وقت أصلا لإعادة النظر فيما يكتب ، والكاتب لا يعرف ان كان سيبقى على قيد الحياة وإن كان سيملك الوقت أصلا ليقرأ ما كتب وليراه منشورا ؟
آخر الأخبار تقول إنه سيتم وقف إطلاق النار اليوم أو يوم الجمعة . هل ستبدأ الكتابة عن الحرب أم أن قلوب الكتاب ستكون ، كما يقول المثل " من الحامض لاوي / لاوية " .
الحرب تثقل القلب ، والأب وهو يستشهد كان يوصي ابنه بأن يتماسك فهو رجل البيت القادم الذي سيكون مسؤولا عن أمه وأخته وإخوته .
الحرب تثقل القلب ، فما جدوى الكتابة ؟ ما جدوى الكتابة في الظهيرة والظلال ، والغزيون مسحوقون في حربين ، بل في حروب عديدة ؛ التشرد واللجوء والفقر والاكتظاظ السكاني والكورونا والانقسام وتدمير البنايات والبيوت وقلة الكهرباء و .. و .. وحكايا غزة كثيرة . إنها أكثر من الهم على القلب .
يا إلاهي !!
صباح الخير
خربشات
٢٠ / ٥ / ٢٠٢١ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى