لقد كان الناقد أنور المعداوي من الذين يملأون بنقده ومعاركه الأدبية صفحات المجلات الأدبية المتخصصة وأهمها الرسالة، مثلما كان الشاعر كامل أمين شاعر الملاحم الإسلامية تاليه في الشهرة، وإن لم يكن بنفس القدر، في ذلك الوقت، غير أن الشاعر إبراهيم محمد نجا لم يكن معروفا كسابقيه على الرغم من أنه كتب للإذاعة المصرية العديد من القصائد والأغنيات والصور الغنائية التي تنوعت بين الفصحى السهلة والعامية التي تغنى بها بعض كبار المطربين من ألحان كبار الملحنين، غير أن شهرته ذاعت في الوسط الأدبي أو بالأحرى عند بعض الأدباء المصريين من علاقته العاطفية بالشاعرة فدوى طوقان آنذاك، ومع كونه كان صاحب الشهرة الأقل إلا أنه كان السبب المباشر في الحديث عنه وعنهما وعن الشاعرة فدوى كذلك!
اختار كبير الإذاعيين الأستاذ أحمد مُبدي مُعِد ومُقدِّم البرنامج الشهير "أشعار على الأوتار" بشبكة صوت العرب، قصيدة "أين حبي" من كلمات الشاعر إبراهيم محمد نجا ومن ألحان وغناء الموسيقار الفخم رياض السنباطي ليتناولها بالتحليل والتأصيل النغمي والكلمي على مدار حلقتين أسبوعيتين، مدة إذاعة الحلقة الواحدة ساعة، اختص الموسيقار كمال عواد بتحليل النغمات وتناول المقامات الموسيقية وتفسير الجمل اللحنية، بينما تناولتٌ الجانب اللغوي والشعري وتحليل المفردات وتاريخ الشاعر، ولأن الأستاذ مُبدي شاعرًا مُجيدًا في الأساس، ولا يُطلِع ضيوف البرنامج على أسئلته التي أعدها سلفا كقاذفات اللهب بفهم وعلم؛ فقد وضع كل ضيف أمام مسئولية كبيرة من الفحص والدرس والبحث والتدقيق، وكانت المشكلة التي واجهتُها استثنائية لم أقابلها من قبل في حلقات البرنامج، وتكمن في الشاعر إبراهيم نجا نفسه، وهذا هو التوضيح الأول.
يقع الخلط عند من يتناولون اسم الشاعر حين يختتمونه بـ "ندا" وليس "نجا" أو "محمد أحمد نجا"، وليس "إبراهيم محمد نجا"، وهم يخلطون بهذا بينه وبين الشاعر الإذاعي "محمد السيد ندا"، وقد جاء اسم "إبراهيم محمد نجا" مطابقا لاسم عالم لغوي معجمي مصري، كما وضعوا لقصيدته ـ المشار إليها ـ أكثر من اسم، هكذا: "الزهرة والعصفور"، و "ذات يوم يا حبيبي"، والصواب أنها "أين حبي؟!"، كما انتشر على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي، والمواقع الالكترونية، والمقالات سواء من العامة أو بعض المتخصصين والأكاديميين الخلط الفاضح الفادح بين تاريخ العاشق الأول من الشعراء المصريين للشاعرة فدوى طوقان وبين تاريخ الشاعر نجا حيث أدمجوه قسريا وتعسفيا وتكراريا حتى صار خطأ مشهور تصديقا لمقولة: "خطأ مشهور خير من صواب مهجور"، وهذا ينافي أبجديات البحث العلمي التاريخي، كما ينافي الأمانة العلمية والتاريخية!
التقت الشاعرة فدوى طوقان بشاعر مصري تطوع في بعض المعارك بحرب فلسطين (1948-1949) وكان بينهما حب روحي عميق، ثم افترقا بعودة الشاعر إلى مصر، وعاشت الدراسات الأدبية زمنا ليس بالقصير وهي تخمن من يكون هذا الشاعر، وهو ما يحيلنا إلى تاريخ الشاعر إبراهيم نجا الذي ولد في 11 فبراير سنة 1919م، وتخرج في كلية اللغة العربية، وحصل على العالمية وإجازة التدريس 1947، وقد اشتغل بالتدريس طوال عمره، في مصر والسعودية والعراق، فكيف التقى بفدوى طوقان؟!
كيف ومتى التقى نجا بفدوى وهو لم يسافر قط إلى فلسطين: يقول رجاء النقاش في كتابه: "بين المعداوي وفدوى طوقان.. صفحات مجهولة في الأدب العربي": (وقد روى لي "إبراهيم نجا" قصة حبه لفدوى، فإذا بهذه القصة لا تخرج عن أنه أحبها على البعد من خلال شعرها وأنها أحبته على البعد من خلال شعره، وأنهما لم يلتقيا أبدا وجها لوجه، وإنما التقيا ـ إذا صح التعبير ـ "شعرا لشعر")، وفي موضع آخر من نفس الكتاب يحكي النقاش: (قال لي إبراهيم أن علاقته بفدوى قد بدأت حوالي سنة 1948 وانتهت سنة ۱۹5۱ تقريبا، وخلال فترة علاقته بفدوى لم يرها علي الإطلاق ولم يلتق بها أبدا، وإنما اقتصرت علاقتهما علي الرسائل المتبادلة، وكان إبراهيم وفدوى يعبران عن عواطفها في هذه الرسائل، وفي القصائد المختلفة التي كتبها إبراهيم وفدوى).. فكيف التقيا في فلسطين؟!
بل ولم يلتقيا في القاهرة حين زارتها فدوى طوقان وذهبت للمدرسة التي كان يعمل بها لتعرف أنه انتقل إلى عنوان جديد، وفشلت المحاولة وخاب الأمل في اللقاء، وقد سجلت فدوى هذا في قصيدتها التي نشرتها في ديوانها الأول وعنوانها: "قصة موعد"، تماما مثلما سجلها نجا في قصيدة له بعنوان: "بلا أمل" في ديوانه الأول. يعلق النقاش على علاقة فدوى ونجا بتفضيله علاقة روميو بجولييت الأكثر واقعية؛ فقد أُتيح لهما أن يرى كلاهما الآخر في ضوء القمر، ويسمعان صوت بعضهما، (أما هنا عند إبراهيم نجا وفدوى طوقان فكل شيء خيال في خيال) .. فكيف التقيا؟! وهذا هو التصحيح الأول.
أما سبب كتابة هذا المقال فهو ما ذكره الأستاذ فراس حج محمد في مقاله: "بمناسبة رحيل حبيب فدوى طوقان الأخير سامي حدّاد.. الحبّ في حياة فدوى طوقان": (ويتبين من خلال كتاب النّقّاش أن فدوى طوقان قد مرت بتجربتي حبّ قبل المعداوي، أحدهما "شاعر مصري اشترك- متطوعا- في بعض معارك حرب فلسطين (1948-1949) والتقى بفدوى في هذه الفترة وكان بينهما حب روحي عميق، ثم افترقا بعودة الشاعر إلى مصر، والثاني أيضا شاعر مصري، أحجم النّقّاش والرسائل عن ذكر اسمه، وعندما نشر كتاب النّقّاش كان هذا الشاعر ما زال على قيد الحياة، وأفصح عن اسمه الشاعر والناقد رمضان عمر في كتابه الذي أعده عن الشاعرة فدوى وشعرها، وهو الشاعر كامل أمين .. كما يذكر النّقاش قصّة حب أخرى وصفها بأنها كانت معروفة لدى عدد من الأدباء المصريين، وكان من السهل معرفة هذه القصة، لأن القصة كلها كانت لا تزيد على مجموعة من قصائد الحب التي نشرها الشاعر إبراهيم نجا ونشرتها فدوى، وقد حدثت القصة على الأغلب بعد أن انتهت قصتها مع الشاعر المصري الآخر الذي ظل مجهول الاسم واشترك في حرب فلسطين، فقد انقطعت أخباره بعد 1949، وإن كانت قصائد إبراهيم وفدوى منشورة في هذه الفترة).
ذكر الأستاذ فراس أنهما "تجربتين حبّ" ثم حولهما إلى ثلاثة! [الأول: شاعر مصري "مجهول" متطوع في حرب فلسطين، والثاني: شاعر مصري "كامل أمين"، والثالث الشاعر إبراهيم نجا]، لقد نجح الأستاذ فراس في تحويل الشاعر كامل أمين إلى شخصيتين مع كونهما واحد، ولو قرأ سيرته لعرف أنه هو نفسه الشاعر المجهول أو الذي حوله هو لمجهول، وهو شاعر الملاحم الإسلامية الذي كتب عنه الأستاذ حسني سيد لبيب في مجلة رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وفيها يشير إلى سيرة كامل أمين الذي رمى بنفسه في أتون الجهاد على أرض فلسطين الحبيبة، وموسوعة دار المقتبس التي تذكر كامل أمين وسيرته (تلقى ثقافته في مدرسة الفرير ثم في مدرسة ثانوية، وبعدها التحق في مدارس الجيش متطوعاً، وأكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة عين شمس، ونضجت تجاربه في الحياة التي يحياها، وخاصة في الحياة العسكرية التي عاشها في الميدان خلال الحرب العالمية الثانية، وأنه تطوع وخاض حرب فلسطين ومعاركها الدامية، وانتهت حرب فلسطين عام 1947م، وعاد الشاعر من الميدان جريحاً مريضاً عاطلاً لا يملك شيئاً، ولجأ إلى أستاذه الشاعر المرحوم "إبراهيم ناجي"، وطرق باب منزله في مصر الجديدة، ودخل يجر رجليه جرًّا، فدهش ناجي، وكان يظن أن الشاعر المترجم استشهد في الميدان، وهاله نحوله وجراحه ورأسه اشتعلت شيباً على حين فجأة، فأدخله المستشفى الذي كان مديراً له لمعالجته، واستمر شهوراً تحت رحمة الأطباء).
تؤكد الكاتبة فتحية إبراهيم صرصور في ندوة "صالون نون الأدبي" الذي كان يُحيي الذكرى الخامسة عشرة لرحيل شاعرة فلسطين وخنساؤها فدوى طوقان عام 2018م ما سبق أن ذكرته في أطروحتها للماجستير في العام 2005م والتي حولتها لكتاب، وأنقل ما قالته في ص41 من الرسالة والتي تؤكد أن علاقة فدوى طوقان بدأت بكامل ثم نجا وانتهت بالمعداوي، وأنها لم تلتقي نجا أو المعداوي: (من خلال معجم فدوى الشعري يمكنني القول بأن حبها مشاع لكل من أحبت، فمشاعرها متشابهة ومتساوية في تجاربها الحبيّة الثلاث، وما قالته في واحد يصلح للكل، وكأن الرجل لديها موديل واحد بغض النظر عن اسمه أو شكله، والدليل أنها لم ترَ الحبيبين الثاني "إبراهيم نجا" والثالث "أنور المعداوي"، ومع ذلك فدرجة حرارة الحب لهما متساوية مع ما قالته في الحبيب الأول "أيوب كامل" الذي التقته جريحا في سفح عيبال).
على الرغم من أن الكاتبة فتحية صرصور قد ساندتنا في توضيح وتصحيح إشكالية غير أنها أوقعتنا في إشكالية جديدة عندما ذكرت اسم الشاعر كامل أمين باسم "أيوب كامل" وهي مجازفة علمية لم تقدم عليها دليل ولم يراجعها فيها من ناقشوا رسالتها، والمدهش أن الناقد رجاء النقاش ذكر في كتابه المشار إليه في المقال إلى الحرفين الأوليين من اسمه على الترتيب "ك.أ" إلا أنها لم تنتبه لأنها لم تدرج الكتاب في مراجعها، كما لم تستعن بكتاب "سيرة فدوى طوقان وأثرها في أشعارها" للشاعر والناقد رمضان عمر الذي صدر في عكا عام 2004م وقت أن كانت تعد صرصور الرسالة التي بدأتها في 2003م وأنهتها في 2005م!
ولم يكن هناك إلا شاعر اسمه كامل أيوب ولد في عام 1934م وتوفى في عام 1995م بالقاهرة وله العديد من الدوواوين غير أنه لم يشارك في حرب فلسطين؛ فعمره لا يسمح وقتها، فلا أدري من أين أتت صرصور بهذا الاسم الذي أصرت على ذكره في الندوة بالرغم من مرور كل هذه الأعوام وكانت فرصتها أن تصحح هذا الخطأ الذي صار معروفا صوابه!
كما لا أدري كيف مر اسم كامل أمين على الأستاذ السواح وهو الذي ذكره الأستاذ النقاش في كتابه في أكثر من صفحة مقرونا بجهاده في فلسطين، والسبب في عدم ذكر اسمه لكونه لم يزل حيا وقت صدور كتاب النقاش في طبعتيه الأولى والثانية عن دار نشر سعودية عام 1976م وعام 1990م، ولم يبقَ من العشاق الثلاثة على قيد الحياة غير الشاعر كامل أمين الذي توفي عام 2003م عن (88) عاما بينما غادر دنيانا المعداوي في عام 1965م ليلحق به بعد سنوات نجا في عام 1969م. وأحيل الأستاذ فراس إلى الصفحات أرقام: (195)، (261)، و(271 ـ 272) من كتاب النقاش المشار إليه ليتبين أن الشاعر المجهول هو الشاعر المتطوع وهو نفسه الشاعر كامل أمين، ولا أود سرد كافة النقول من الصفحات المشار إليها مخافة الطول، ولكون الأمر صار معلوما وواضحا.
وحين ذكرت أن الشاعر كامل أمين هو الحب الأول لفدوى طوقان في برنامج "أشعار على الأوتار" أي من الشعراء المصريين، أو حين نضجتْ وإلا فقد سبق أن أحبتْ الفتى صبحي في طفولتها الباكرة، كما أحبتْ في صباها الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود الذي كان طالبا عند أخيها إبراهيم طوقان في مدرسة النجاح الوطنية، غير أن مأساة الشاعرة فدوى طوقان تكمن في قولها: (في كل تجارب الحب التي مرت بي كنت أحب كثيرا.. أحب في كل مرة وكأنها المرة الأولى .. لكن دائما هناك غصة في نفسي سببها أن الرجل لا يحبني لشخصي.. وإنما لأنني شاعرة.. وأستطيع أن أكتب فيه شعرا.. أريد أن يحبني لشخصي).. وبهذا أكون قد أنهيت التوضيح، وذكرت التصحيح.. وأرحب بمن يعقب، وصولا للحقيقة.. والحق.
اختار كبير الإذاعيين الأستاذ أحمد مُبدي مُعِد ومُقدِّم البرنامج الشهير "أشعار على الأوتار" بشبكة صوت العرب، قصيدة "أين حبي" من كلمات الشاعر إبراهيم محمد نجا ومن ألحان وغناء الموسيقار الفخم رياض السنباطي ليتناولها بالتحليل والتأصيل النغمي والكلمي على مدار حلقتين أسبوعيتين، مدة إذاعة الحلقة الواحدة ساعة، اختص الموسيقار كمال عواد بتحليل النغمات وتناول المقامات الموسيقية وتفسير الجمل اللحنية، بينما تناولتٌ الجانب اللغوي والشعري وتحليل المفردات وتاريخ الشاعر، ولأن الأستاذ مُبدي شاعرًا مُجيدًا في الأساس، ولا يُطلِع ضيوف البرنامج على أسئلته التي أعدها سلفا كقاذفات اللهب بفهم وعلم؛ فقد وضع كل ضيف أمام مسئولية كبيرة من الفحص والدرس والبحث والتدقيق، وكانت المشكلة التي واجهتُها استثنائية لم أقابلها من قبل في حلقات البرنامج، وتكمن في الشاعر إبراهيم نجا نفسه، وهذا هو التوضيح الأول.
يقع الخلط عند من يتناولون اسم الشاعر حين يختتمونه بـ "ندا" وليس "نجا" أو "محمد أحمد نجا"، وليس "إبراهيم محمد نجا"، وهم يخلطون بهذا بينه وبين الشاعر الإذاعي "محمد السيد ندا"، وقد جاء اسم "إبراهيم محمد نجا" مطابقا لاسم عالم لغوي معجمي مصري، كما وضعوا لقصيدته ـ المشار إليها ـ أكثر من اسم، هكذا: "الزهرة والعصفور"، و "ذات يوم يا حبيبي"، والصواب أنها "أين حبي؟!"، كما انتشر على كثير من صفحات التواصل الاجتماعي، والمواقع الالكترونية، والمقالات سواء من العامة أو بعض المتخصصين والأكاديميين الخلط الفاضح الفادح بين تاريخ العاشق الأول من الشعراء المصريين للشاعرة فدوى طوقان وبين تاريخ الشاعر نجا حيث أدمجوه قسريا وتعسفيا وتكراريا حتى صار خطأ مشهور تصديقا لمقولة: "خطأ مشهور خير من صواب مهجور"، وهذا ينافي أبجديات البحث العلمي التاريخي، كما ينافي الأمانة العلمية والتاريخية!
التقت الشاعرة فدوى طوقان بشاعر مصري تطوع في بعض المعارك بحرب فلسطين (1948-1949) وكان بينهما حب روحي عميق، ثم افترقا بعودة الشاعر إلى مصر، وعاشت الدراسات الأدبية زمنا ليس بالقصير وهي تخمن من يكون هذا الشاعر، وهو ما يحيلنا إلى تاريخ الشاعر إبراهيم نجا الذي ولد في 11 فبراير سنة 1919م، وتخرج في كلية اللغة العربية، وحصل على العالمية وإجازة التدريس 1947، وقد اشتغل بالتدريس طوال عمره، في مصر والسعودية والعراق، فكيف التقى بفدوى طوقان؟!
كيف ومتى التقى نجا بفدوى وهو لم يسافر قط إلى فلسطين: يقول رجاء النقاش في كتابه: "بين المعداوي وفدوى طوقان.. صفحات مجهولة في الأدب العربي": (وقد روى لي "إبراهيم نجا" قصة حبه لفدوى، فإذا بهذه القصة لا تخرج عن أنه أحبها على البعد من خلال شعرها وأنها أحبته على البعد من خلال شعره، وأنهما لم يلتقيا أبدا وجها لوجه، وإنما التقيا ـ إذا صح التعبير ـ "شعرا لشعر")، وفي موضع آخر من نفس الكتاب يحكي النقاش: (قال لي إبراهيم أن علاقته بفدوى قد بدأت حوالي سنة 1948 وانتهت سنة ۱۹5۱ تقريبا، وخلال فترة علاقته بفدوى لم يرها علي الإطلاق ولم يلتق بها أبدا، وإنما اقتصرت علاقتهما علي الرسائل المتبادلة، وكان إبراهيم وفدوى يعبران عن عواطفها في هذه الرسائل، وفي القصائد المختلفة التي كتبها إبراهيم وفدوى).. فكيف التقيا في فلسطين؟!
بل ولم يلتقيا في القاهرة حين زارتها فدوى طوقان وذهبت للمدرسة التي كان يعمل بها لتعرف أنه انتقل إلى عنوان جديد، وفشلت المحاولة وخاب الأمل في اللقاء، وقد سجلت فدوى هذا في قصيدتها التي نشرتها في ديوانها الأول وعنوانها: "قصة موعد"، تماما مثلما سجلها نجا في قصيدة له بعنوان: "بلا أمل" في ديوانه الأول. يعلق النقاش على علاقة فدوى ونجا بتفضيله علاقة روميو بجولييت الأكثر واقعية؛ فقد أُتيح لهما أن يرى كلاهما الآخر في ضوء القمر، ويسمعان صوت بعضهما، (أما هنا عند إبراهيم نجا وفدوى طوقان فكل شيء خيال في خيال) .. فكيف التقيا؟! وهذا هو التصحيح الأول.
أما سبب كتابة هذا المقال فهو ما ذكره الأستاذ فراس حج محمد في مقاله: "بمناسبة رحيل حبيب فدوى طوقان الأخير سامي حدّاد.. الحبّ في حياة فدوى طوقان": (ويتبين من خلال كتاب النّقّاش أن فدوى طوقان قد مرت بتجربتي حبّ قبل المعداوي، أحدهما "شاعر مصري اشترك- متطوعا- في بعض معارك حرب فلسطين (1948-1949) والتقى بفدوى في هذه الفترة وكان بينهما حب روحي عميق، ثم افترقا بعودة الشاعر إلى مصر، والثاني أيضا شاعر مصري، أحجم النّقّاش والرسائل عن ذكر اسمه، وعندما نشر كتاب النّقّاش كان هذا الشاعر ما زال على قيد الحياة، وأفصح عن اسمه الشاعر والناقد رمضان عمر في كتابه الذي أعده عن الشاعرة فدوى وشعرها، وهو الشاعر كامل أمين .. كما يذكر النّقاش قصّة حب أخرى وصفها بأنها كانت معروفة لدى عدد من الأدباء المصريين، وكان من السهل معرفة هذه القصة، لأن القصة كلها كانت لا تزيد على مجموعة من قصائد الحب التي نشرها الشاعر إبراهيم نجا ونشرتها فدوى، وقد حدثت القصة على الأغلب بعد أن انتهت قصتها مع الشاعر المصري الآخر الذي ظل مجهول الاسم واشترك في حرب فلسطين، فقد انقطعت أخباره بعد 1949، وإن كانت قصائد إبراهيم وفدوى منشورة في هذه الفترة).
ذكر الأستاذ فراس أنهما "تجربتين حبّ" ثم حولهما إلى ثلاثة! [الأول: شاعر مصري "مجهول" متطوع في حرب فلسطين، والثاني: شاعر مصري "كامل أمين"، والثالث الشاعر إبراهيم نجا]، لقد نجح الأستاذ فراس في تحويل الشاعر كامل أمين إلى شخصيتين مع كونهما واحد، ولو قرأ سيرته لعرف أنه هو نفسه الشاعر المجهول أو الذي حوله هو لمجهول، وهو شاعر الملاحم الإسلامية الذي كتب عنه الأستاذ حسني سيد لبيب في مجلة رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وفيها يشير إلى سيرة كامل أمين الذي رمى بنفسه في أتون الجهاد على أرض فلسطين الحبيبة، وموسوعة دار المقتبس التي تذكر كامل أمين وسيرته (تلقى ثقافته في مدرسة الفرير ثم في مدرسة ثانوية، وبعدها التحق في مدارس الجيش متطوعاً، وأكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة عين شمس، ونضجت تجاربه في الحياة التي يحياها، وخاصة في الحياة العسكرية التي عاشها في الميدان خلال الحرب العالمية الثانية، وأنه تطوع وخاض حرب فلسطين ومعاركها الدامية، وانتهت حرب فلسطين عام 1947م، وعاد الشاعر من الميدان جريحاً مريضاً عاطلاً لا يملك شيئاً، ولجأ إلى أستاذه الشاعر المرحوم "إبراهيم ناجي"، وطرق باب منزله في مصر الجديدة، ودخل يجر رجليه جرًّا، فدهش ناجي، وكان يظن أن الشاعر المترجم استشهد في الميدان، وهاله نحوله وجراحه ورأسه اشتعلت شيباً على حين فجأة، فأدخله المستشفى الذي كان مديراً له لمعالجته، واستمر شهوراً تحت رحمة الأطباء).
تؤكد الكاتبة فتحية إبراهيم صرصور في ندوة "صالون نون الأدبي" الذي كان يُحيي الذكرى الخامسة عشرة لرحيل شاعرة فلسطين وخنساؤها فدوى طوقان عام 2018م ما سبق أن ذكرته في أطروحتها للماجستير في العام 2005م والتي حولتها لكتاب، وأنقل ما قالته في ص41 من الرسالة والتي تؤكد أن علاقة فدوى طوقان بدأت بكامل ثم نجا وانتهت بالمعداوي، وأنها لم تلتقي نجا أو المعداوي: (من خلال معجم فدوى الشعري يمكنني القول بأن حبها مشاع لكل من أحبت، فمشاعرها متشابهة ومتساوية في تجاربها الحبيّة الثلاث، وما قالته في واحد يصلح للكل، وكأن الرجل لديها موديل واحد بغض النظر عن اسمه أو شكله، والدليل أنها لم ترَ الحبيبين الثاني "إبراهيم نجا" والثالث "أنور المعداوي"، ومع ذلك فدرجة حرارة الحب لهما متساوية مع ما قالته في الحبيب الأول "أيوب كامل" الذي التقته جريحا في سفح عيبال).
على الرغم من أن الكاتبة فتحية صرصور قد ساندتنا في توضيح وتصحيح إشكالية غير أنها أوقعتنا في إشكالية جديدة عندما ذكرت اسم الشاعر كامل أمين باسم "أيوب كامل" وهي مجازفة علمية لم تقدم عليها دليل ولم يراجعها فيها من ناقشوا رسالتها، والمدهش أن الناقد رجاء النقاش ذكر في كتابه المشار إليه في المقال إلى الحرفين الأوليين من اسمه على الترتيب "ك.أ" إلا أنها لم تنتبه لأنها لم تدرج الكتاب في مراجعها، كما لم تستعن بكتاب "سيرة فدوى طوقان وأثرها في أشعارها" للشاعر والناقد رمضان عمر الذي صدر في عكا عام 2004م وقت أن كانت تعد صرصور الرسالة التي بدأتها في 2003م وأنهتها في 2005م!
ولم يكن هناك إلا شاعر اسمه كامل أيوب ولد في عام 1934م وتوفى في عام 1995م بالقاهرة وله العديد من الدوواوين غير أنه لم يشارك في حرب فلسطين؛ فعمره لا يسمح وقتها، فلا أدري من أين أتت صرصور بهذا الاسم الذي أصرت على ذكره في الندوة بالرغم من مرور كل هذه الأعوام وكانت فرصتها أن تصحح هذا الخطأ الذي صار معروفا صوابه!
كما لا أدري كيف مر اسم كامل أمين على الأستاذ السواح وهو الذي ذكره الأستاذ النقاش في كتابه في أكثر من صفحة مقرونا بجهاده في فلسطين، والسبب في عدم ذكر اسمه لكونه لم يزل حيا وقت صدور كتاب النقاش في طبعتيه الأولى والثانية عن دار نشر سعودية عام 1976م وعام 1990م، ولم يبقَ من العشاق الثلاثة على قيد الحياة غير الشاعر كامل أمين الذي توفي عام 2003م عن (88) عاما بينما غادر دنيانا المعداوي في عام 1965م ليلحق به بعد سنوات نجا في عام 1969م. وأحيل الأستاذ فراس إلى الصفحات أرقام: (195)، (261)، و(271 ـ 272) من كتاب النقاش المشار إليه ليتبين أن الشاعر المجهول هو الشاعر المتطوع وهو نفسه الشاعر كامل أمين، ولا أود سرد كافة النقول من الصفحات المشار إليها مخافة الطول، ولكون الأمر صار معلوما وواضحا.
وحين ذكرت أن الشاعر كامل أمين هو الحب الأول لفدوى طوقان في برنامج "أشعار على الأوتار" أي من الشعراء المصريين، أو حين نضجتْ وإلا فقد سبق أن أحبتْ الفتى صبحي في طفولتها الباكرة، كما أحبتْ في صباها الشاعر الفلسطيني الشهيد عبد الرحيم محمود الذي كان طالبا عند أخيها إبراهيم طوقان في مدرسة النجاح الوطنية، غير أن مأساة الشاعرة فدوى طوقان تكمن في قولها: (في كل تجارب الحب التي مرت بي كنت أحب كثيرا.. أحب في كل مرة وكأنها المرة الأولى .. لكن دائما هناك غصة في نفسي سببها أن الرجل لا يحبني لشخصي.. وإنما لأنني شاعرة.. وأستطيع أن أكتب فيه شعرا.. أريد أن يحبني لشخصي).. وبهذا أكون قد أنهيت التوضيح، وذكرت التصحيح.. وأرحب بمن يعقب، وصولا للحقيقة.. والحق.