أ. د. عادل الأسطة - ذاكرة أمس ٦٧ : " وكنا نحن ولو مرة لانتصار "

توقفت الحرب واحتفل الفلسطينيون بالانتصار ، على الرغم من أن الأيام والأسابيع القادمة ستقرر الحقيقة .
لست شخصيا متشائما ، كما أنني لست متفائلا . ربما أكون مثل بطل إميل حبيبي " متشائلا " ، ولسوف أقر لاحقا بأنني كنت في تشاؤلي على خطأ إن انتهى مشروع الدولة اليهودية ، وتحقق مشروع دولة لكل مواطنيها مع حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مدنهم وقراهم .
وأنا أشاهد صور الفلسطينيين يحتفلون بالانتصار ، وصورة ( نتنياهو ) رئيس الوزراء الإسرائيلي يقر بالهزيمة ، تذكرت الشاعر الشهيد علي فودة الذي استشهد في حرب بيروت ١٩٨٢ .
شاع مقطع شعري لفودة لطالما كرره أصدقاؤه ، وهو :
" بقلبي أريحا ،
وكنا نحن ، ولو مرة ،
لانتصار " .
ومنذ الخروج الفلسطيني الكبير في أيار ١٩٤٨ والفلسطينيون يحنون إلى انتصار يعيدهم إلى يافا وحيفا واللد والرملة وعكا وبقية التراب الفلسطيني . هل ستنجز الحرب الأخيرة هذا وتحقق الأماني ؟
الصور والمقاطع الشعرية بصوت محمود درويش والاحتفالات ، كلها حفلت بأجواء انتصار ، والسؤال هو :
- وماذا بعد ؟ ماذا سيحدث غدا ؟
إن نجح أهالي حي الشيخ جراح في البقاء في بيوتهم ، فسوف يكونون حققوا الانتصار . وإن ظل الأقصى على ما كان عليه منذ مئات السنين ، مكان عبادة للمسلمين ، لا يقاسمهم فيه أحد ، ولا يلم به ما ألم بالحرم الإبراهيمي في الخليل ، فسوف يكون المقدسيون ، ومعهم من وقف إلى جانبهم ، حققوا الانتصار .
هل سيشعر أهل غزة حقا بأنهم حققوا الانتصار لأنهم نصروا الشيخ جراح والأقصى ، أم أن تفاصيل الحياة ستشعرهم بالعبث وبأن ما جرى كان ضربا من الحروب الدونكيشوتية السيزيفية التي لم تجر سوى الخراب والدمار ، مع أنها أوجعت العدو وجيشه الذي لا يقهر .
أمس واليوم وغدا ، وربما لأعوام ، سيقف الغزيون على أنقاض بيوتهم المدمرة ولسوف ينشغلون بها وهم يتذكرون الشهداء الذين ارتقوا ، ويتألمون لآلام الجرحى القدامى والجدد ويتحسرون على ما فقدوا ويتطلعون إلى بيت يأويهم .
والحكايا كثيرة . هل سنقرؤ حكايا الحرب والدمار والفقدان في قادم الأيام ؟
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مرت ألمانيا بسنوات عجاف ، واضطرت النسوة الألمانيات أن يعدن بناء ألمانيا ، وخلال أربع سنوات امتدت من ١٩٤٥ إلى ١٩٤٩ تمكن من إنجاز شيء ، وفي هذه الأثناء كتب أدباء ألمانيا نصوصا عرفت بأدب الأطلال أو أدب الأنقاض ( فولفجانغ بورخرت وهاينريش هاينة وغونتر غراس وغيرهم وغيرهم ) .
هل عرف أدبنا ظاهرة أدب الأطلال ؟
لطالما كتبت شخصيا في الموضوع ، ولكن الوقوف على أطلال المباني المدمرة في غزة في الحرب الأخيرة وقوف مختلف ، لأنه مقرون بالدمار الشامل ، وفي الموضوع نظر .
للكاتب الألماني ( هاينريش هاينة ) قصة طويلة / نوفيلا عنوانها " ولم يقل ثمة كلمة " / Und sagte kein einziges Wort " صور فيها الحياة في ألمانيا بعد انتهاء الحرب . هل علينا الآن نحن ألا نقول أية كلمة ، فالكلام لأهل غزة ؟
عندما زرت برلين في ١٩٨٨ شاهدت بعض المباني التي دمرت في الحرب ، ومنها كنيسة ، متروكة على حالها دون أن ترمم ، وذلك للذكرى .
هل سيفعل أهل غزة ذلك ، فيتركوا أنقاض أحد الأبراج على ما هي عليه ، لتكون شاهدة على وحشية القصف والحرب و ... ؟ .
صباح الخير
خربشات
٢٢ / ٥ / ٢٠٢١ .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى