هدأت جبهة غزة قليلا واستراح المحارب إلى أمد لا يعلم مداه إلا الله ، وعاد التحرش الإسرائيلي بالأقصى من جديد، وبدأت الروح الفلسطينية التي توحدت، إبان اشتعال المعارك خلال أحد عشر يوما تتشقق، وكنا نراهن على تشقق الجبهة الداخلية للدولة العبرية .
أفسدت بعض الكتابات والصور وأشرطة الفيديو على كثيرين، ممن عدوا نتيجة المعركة نصرا، نشوة النصر. كما لو أن روح الانقسام التي سادت منذ ٢٠٠٧ ترسخت فينا وفعلت فعلها أكثر مما فعلته أيام الحرب وصواريخها التي قصفت تل أبيب. هل تعمقت روح الانقسام فينا ؟
عندما ظهر قائد حماس السيد يحيى السنوار في شوارع غزة اقترب منه شاب غزي ينتمي إلى حركة فتح وخاطبه: - مع أنني فتحاوي إلا أنني سأقبل رأسك .
فرد عليه ردا يتناسب والحالة، وهو إن فلسطين الآن أكبر من فتح وحماس.
وكان المرء يتمنى أن يكون الأمر كذلك - أي أن تكون فلسطين فوق الفصيلين وأكبر منهما، ولكن ما قرأه المرء في وسائل التواصل الاجتماعي قال شيئا مختلفا.
أحد أبناء غزة من العقلانيين، وهو الكاتب شجاع الصفدي كتب عن مواساته أحد معارفه، وبينما هو في بيت العزاء هاتف شخص ما، ينتمي إلى فصيل، أهل الشهيد يطلب منهم أن يرفعوا علم الفصيل في سرادق العزاء، ليتكفل الفصيل بالتكاليف. وكتب شجاع حكاية تحتمل تأويلات كثيرة عما جرى مع أبيه الذي هب لنجدة رجل اعتدى عليه آخرون، ولم يقف الرجل إلى من وقف إلى جانبه، بل ولم يسأل عنه ولامه لأنه تدخل لنجدته، فقد كان عليه أن يهرب.
في صفحة ثانية أدرجت صاحبتها عبارات كتبها مواطن غزي على صفحته يعبر فيها عن استيائه مما ألم بمدينته، ومن فلسطينيي الضفة الغربية الذين فرحوا للحرب، فغزة دفعت ثمنا عاليا فيما كانت أيدي الآخرين بالماء ولم تكتو بالنار.
اللافت أكثر مما سبق هو سوء الفهم الناجم عن سوء الإصغاء إلى ما قيل عن المرحوم أبو عمار. لقد حضر أبو عمار في أثناء الحرب حضورا لافتا ، وظهرت صوره مع المرحوم الشيخ أحمد ياسين، وهتف المتظاهرون لهما.
"يرحم روحك يا أبو عمار" سمعها بعض المشاركين "يفضح عرضك يا أبو عمار " وهات حلها ، فكتب كثيرون منددين "إلا أبو عمار" و "أبو عمار خط أحمر" وأدرج هؤلاء صوره مع صور أحمد ياسين يسقيه الماء ويبوسه و .. .
هل تأثر قسم منا بما أدرجه الكابتن الإسرائيلي على صفحته يهاجم حماس ويدعو أهل الضفة إلى تجنب تأييدها وتتبع خطاها، حتى لا يلم بمدن الضفة وقراها ومخيماتها ما ألم بقطاع غزة؟
الردود على ما أدرجه الكابتن الإسرائيلي على صفحته قالت إنه لم ينجح ولن ينجح في بث بذور الشقاق، ولكن بعض ما أدرج على صفحات بعض النشطاء وما جرى في الأقصى مع المفتي قال شيئا آخر. هل سيلم بنا الآن ما ألم بحركة فتح بعد حرب لبنان ١٩٨٢؟ هل سيتعمق الانقسام المتعمق أصلا ؟
"آه من رحلة كان يقتل فيها الشهيد الشهيد!" كتب محمود درويش في ديوان "ورد أقل" عن معارك البداوي بين فتح وفتح.
أطرف الصور المتداولة أمس الأول كانت صورة حلاق يحلق شعر أحد الغزيين على أنقاض البيوت والعمارات المدمرة. المرآة منتصبة وعدة الحلاقة على كرسي والحلاق يحلق، ما ذكرني بقصيدة محمود درويش "صهيل على السفح ":
أعد لسيدتي صورتي . علقيها إذا مت فوق الجدار
تقول: وهل من جدار لها؟ قلت: نبني لها غرفة.
- أين.. في أي دار ؟"
وما أشبه الليلة بالبارحة! ما أشبه ما ألم بغزة في الأسبوعين الأخيرين بما ألم بالفلسطينيين في بيروت في صيف العام ١٩٨٢.
" ورد أقل " عبارة اختارها الشاعر عنوانا لديوانه في تلك الأيام وعنها، ولكنه مع ذلك قال "ولكني سأواصل مجرى النشيد ولو أن وردي أقل" .
وأمس كان شباب غزة ينظفون شوارع مدينتهم ويواصلون مجرى النشيد ، ونحن نعرف أن وردهم، ولسنوات، أقل!
كان الله في عون أهل غزة وفي عون أهل المخيمات في لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية.
عادل الأسطة
* كاتب من نابلس - فلسطين
أفسدت بعض الكتابات والصور وأشرطة الفيديو على كثيرين، ممن عدوا نتيجة المعركة نصرا، نشوة النصر. كما لو أن روح الانقسام التي سادت منذ ٢٠٠٧ ترسخت فينا وفعلت فعلها أكثر مما فعلته أيام الحرب وصواريخها التي قصفت تل أبيب. هل تعمقت روح الانقسام فينا ؟
عندما ظهر قائد حماس السيد يحيى السنوار في شوارع غزة اقترب منه شاب غزي ينتمي إلى حركة فتح وخاطبه: - مع أنني فتحاوي إلا أنني سأقبل رأسك .
فرد عليه ردا يتناسب والحالة، وهو إن فلسطين الآن أكبر من فتح وحماس.
وكان المرء يتمنى أن يكون الأمر كذلك - أي أن تكون فلسطين فوق الفصيلين وأكبر منهما، ولكن ما قرأه المرء في وسائل التواصل الاجتماعي قال شيئا مختلفا.
أحد أبناء غزة من العقلانيين، وهو الكاتب شجاع الصفدي كتب عن مواساته أحد معارفه، وبينما هو في بيت العزاء هاتف شخص ما، ينتمي إلى فصيل، أهل الشهيد يطلب منهم أن يرفعوا علم الفصيل في سرادق العزاء، ليتكفل الفصيل بالتكاليف. وكتب شجاع حكاية تحتمل تأويلات كثيرة عما جرى مع أبيه الذي هب لنجدة رجل اعتدى عليه آخرون، ولم يقف الرجل إلى من وقف إلى جانبه، بل ولم يسأل عنه ولامه لأنه تدخل لنجدته، فقد كان عليه أن يهرب.
في صفحة ثانية أدرجت صاحبتها عبارات كتبها مواطن غزي على صفحته يعبر فيها عن استيائه مما ألم بمدينته، ومن فلسطينيي الضفة الغربية الذين فرحوا للحرب، فغزة دفعت ثمنا عاليا فيما كانت أيدي الآخرين بالماء ولم تكتو بالنار.
اللافت أكثر مما سبق هو سوء الفهم الناجم عن سوء الإصغاء إلى ما قيل عن المرحوم أبو عمار. لقد حضر أبو عمار في أثناء الحرب حضورا لافتا ، وظهرت صوره مع المرحوم الشيخ أحمد ياسين، وهتف المتظاهرون لهما.
"يرحم روحك يا أبو عمار" سمعها بعض المشاركين "يفضح عرضك يا أبو عمار " وهات حلها ، فكتب كثيرون منددين "إلا أبو عمار" و "أبو عمار خط أحمر" وأدرج هؤلاء صوره مع صور أحمد ياسين يسقيه الماء ويبوسه و .. .
هل تأثر قسم منا بما أدرجه الكابتن الإسرائيلي على صفحته يهاجم حماس ويدعو أهل الضفة إلى تجنب تأييدها وتتبع خطاها، حتى لا يلم بمدن الضفة وقراها ومخيماتها ما ألم بقطاع غزة؟
الردود على ما أدرجه الكابتن الإسرائيلي على صفحته قالت إنه لم ينجح ولن ينجح في بث بذور الشقاق، ولكن بعض ما أدرج على صفحات بعض النشطاء وما جرى في الأقصى مع المفتي قال شيئا آخر. هل سيلم بنا الآن ما ألم بحركة فتح بعد حرب لبنان ١٩٨٢؟ هل سيتعمق الانقسام المتعمق أصلا ؟
"آه من رحلة كان يقتل فيها الشهيد الشهيد!" كتب محمود درويش في ديوان "ورد أقل" عن معارك البداوي بين فتح وفتح.
أطرف الصور المتداولة أمس الأول كانت صورة حلاق يحلق شعر أحد الغزيين على أنقاض البيوت والعمارات المدمرة. المرآة منتصبة وعدة الحلاقة على كرسي والحلاق يحلق، ما ذكرني بقصيدة محمود درويش "صهيل على السفح ":
أعد لسيدتي صورتي . علقيها إذا مت فوق الجدار
تقول: وهل من جدار لها؟ قلت: نبني لها غرفة.
- أين.. في أي دار ؟"
وما أشبه الليلة بالبارحة! ما أشبه ما ألم بغزة في الأسبوعين الأخيرين بما ألم بالفلسطينيين في بيروت في صيف العام ١٩٨٢.
" ورد أقل " عبارة اختارها الشاعر عنوانا لديوانه في تلك الأيام وعنها، ولكنه مع ذلك قال "ولكني سأواصل مجرى النشيد ولو أن وردي أقل" .
وأمس كان شباب غزة ينظفون شوارع مدينتهم ويواصلون مجرى النشيد ، ونحن نعرف أن وردهم، ولسنوات، أقل!
كان الله في عون أهل غزة وفي عون أهل المخيمات في لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية.
عادل الأسطة
* كاتب من نابلس - فلسطين