حظيت رواية المغامرة الغامضة للروائي السنغالي شيخ حامد كان بعناية فائقة لدى نقاد الأدب الإفريقي المكتوب باللغة الفرنسية. وقد عالجت الرواية قضية الغزو الاستعماري الأوربي لإفريقيا، وبصورة مكثفة في أبعاده الفكرية والثقافية. وفي هذه الورقة نحاول إبراز معالم هذا الصدام، كما تُصوره الرواية، بين ثقافة إفريقية مشوبة بطابع إسلامي وصوفي بالدرجة الأولى من جهة، وفكر مادي غربي من جهة أخرى.
تفتتح الرواية بمشهد يصدُم القارئ، مشهد شيخ الكُتَّاب وهو يذيق تلميذه الصبي سامب جالو ألوانا من العذاب، لا لشيء إلا لزلَّة لسان بسيطة وهو يطالع آيات الذكر الحكيم. تثور ثائرة الشيخ فينهال على الصبي ضربا وتوبيخا :" كن صائبا في ترتيل كلام ربك. لقد أنعم عليك بأن أنزل كلامه عليك. إن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين. وأنت، أيها المخلوق البخس، إذ يُشرّفك بترتيل كلامه، تتهاون به إلى حدِّ تحريفه، فأنت تستحق أن يُقطَّع لسانك ألف تقطيع ".
نحن هنا إزاء تربية صوفية مجردة تعتبر أن الألم مقترن حتما بكلام الله ، فليس لأحد أن يحفظ كلام الله ولم يتعرض أولا للمعاناة. وحتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لينزل عليه الوحي أول ما نزل دون أن يتعرض له الملك جبريل بالضغط والخنق. وكان يتلقى الوحي بمشقة حتى أنه كان يظن في كل مرة أن روحه ستفيض.
والشيخ عندما يعاقب الصبي إنما يريد أن يُروّضه لنمط العيش الذي يفرضه هو على نفسه، والذي قِوامه تقشف وإعراض عن الحياة وإقبال على عبادات شاقة يمارسها هو رغم بنيته الضعيفة وسنه المتقدم. كما أن الشيخ بهذه المعاقبة يهاجم على النفس الأمارة بالسوء التي تدفع العبد إلى الغفلة والكسل. ذلك أن الشيخ كان يرى أن الطريق إلى الله مسدودة بزخارف الدنيا وأموالها وألقابها. رجع سامب جالو ذات يوم من دار بنت عمه الأميرة وهو يلبس ثيابا فاخرة، فلما رآه الشيخ جُنَّ جنونه، ووثب علىيه وجرَّده من ثيابه وضربه ضربا مؤلما. ذلك أن الصبي بالرغم من انتماءه إلى الأسرة المالكة، إلا أنه مُلزم كأنداده في الكُتَّاب على أن يلبس الأسمال وينام على التراب ويعيش عيشا كله حرمان وفقر. ها هوذا تحت لذعة البرد يتسكع في شوارع القرية متسولا لأن المريد " مادام يبحث عن طريق إلى الله فلا يطيب له العيش إلا بالتسول مهما بلغت ثروة عائلته" .
ومع ذلك كله فإن الشيخ يُكنُّ للصبي حبا وعطفا لا حد لهما. فقد تفَرَّس فيه الخير مذ رآه، فعرض على أبيه أن يكون "مرشده في الطريق إلى الله ".وعاهد الله أن ليُجرّدنَّه من " كل العيوب الخُلُقية" التي تعيق العبد من الوصول إلى الله، وليغرسنَّ في قلبه التواضع والإنقطاع إلى الله والصبر على الآلام، وليجعلنَّ منه أعظم مثال للتربية الروحية في جميع ربوع البلاد.
ويحتل الموت في هذه التربية حيزا كبيرا، بل إن الغاية القصوى من هذه التربية هو إعداد العبد لتلقِّي الموت. فلا ينبغي أبدا أن تتلاشى ذكرى الموت في فكر العبد وقلبه. وقد استساغ سامب جالو فعلا هذا الدرس فنراه عندما يتسول في الصباح الباكر يُذكِّر أهل القرية بدُنوّ الموت: " ياعباد الله، تفكَّروا في موتكم الآجل، استفيقوا ! استفيقوا ! إن عزرائيل ملك الموت يشقُّ الأرض في طريقه إليكم، وسينقضُّ من تحت أرجلكم... ".
يتغنى سامب جالو منذرا أهل القرية، فيثير الرعب في نفوسهم، وتهرع الأميرة إلى الشيخ لتشتكي من سامب جالو، وتتَّهِم الشيخ بأنه يهدف إلى "قتل الحياة" في نفس الصبي. فالأميرة ترى أن قيم الكُتَّاب كما يُعلّمها الشيخ قد انقضت وأنّه آن الأوان لأبناء البلد أن يلتحقوا بالمدرسة الجديدة ليتعلموا فيها كيف "يصلون الخشب بالخشب " لأنهم على عتبة عالم جديد لايقيم لقيم الموت وزنا.
من هنا قام نزاع بين الأميرة والشيخ حول مصير البلاد: الشيخ يدافع عن قيم الموت، والحياة بالنسبة إليه ليست إلا استعدادا للموت الذي هو الغاية القصوى، بينما الأميرة ترى أنه يجب إعداد الجيل الجديد لاستساغة قيم الحياة التي تُعلمها المدرسة الجديدة. ويصبح سامب جالو مُجسّدا لهذا الصراع. ففي الكُتَّاب يفرض الشيخ عليه حياة التقشف والتجرد، ولا تلبث الأميرة أن تأخذه إلى بيتها وتغريه بالهدايا كأنما "تريد أن تزيل عنه آثار تربية الشيخ". لكن سامب جالو كان يُفضِّل قسوة العيش في الكُتَّاب على رخوته عند الأميرة لأن نفسه كانت توَّاقة إلى سعادة روحية لا سبيل إليها إلا في حِضْن شيخه.
عزمت الأميرة وصدر القرار بإرسال أبناء البلد إلى المدرسة الجديدة التي أقامها المستعمرون. وسيكون أبناء النخبة أول من سيُرسلون إليها. فإن يكُ ذلك خيرا فسيكونون أول من يجنون الثمار لمصلحة البلد، وإن يكُ شرا فسيكونون مستعدين لمواجهة الخطر وإنقاذ ذويهم. هكذا حُسِم الأمر وأُرسل سامب جالو إلى المدرسة الجديدة ليتعلم فيها "كيف ينتصر وإن لم يكن على الحق "، أو بعبارة أخرى ليكتشف سرَّ انتصار الغازين على قومه.
اُنتزِع سامب جالو من تربية كلها تواضع وتطلع إلى الموت والآخرة وسير إلى الله، إلى تربية كلها منطق وتطلع إلى الحياة وربط الظواهر بالظواهر. يجد نفسه منبهرا بلغة الغازين ويشعر بسعادة عظيمة في التهجي بحروفها وتكوين الكلمات خلالها. وعندما يتقن الكتابة في اللغة الجديدة، يُخيَّل إليه أنه يولد من جديد: " دخلت كلّيا في عالم كان قبل كل شيء فهما رائعا وانسجاما كاملا". ويكتب الرسائل إلى أبيه ليُجرٍّب علمَه للغة الجديدة. يجد نفسه يميل إلى العقلنة والتفلسف أكثر من التأمل والمناجاة كما كان في الكُتاب، ويدخل مع أبيه في مناقشات فلسفية يتوصل فيها أبوه أحيانا إلى تهدئة شكوكه، لكنه في الحقيقة بدأ يفقد سكينته الروحية.
في باريس يصبح سامب جالو طالبا في الفلسفة ويتوغل في التفكير محاولا الوصول إلى الحقيقة الجوهرية التي تفصل حضارة الغرب عن إفريقيا. لقد علَّمه الغرب كيف " ينسلق تدريجيا من صُلب الأشياء"، لكنه في الوقت نفسه كان يتخلى عن جوهره الروحي، وأصبحت فكرة الموت التي كانت قريبة منه في بلده غريبة عنه في الغرب. تعلَّم كيف يعقلن الأمور، فضاع عنه جوهر الوجود. لم تعُدْ صَلاتُه خاشعة كما كانت ويشكو لما ما آلت اليه روحه : " هنا الآن أصبح العالم صامتا ولم أعُد أسمع صداه. أنا مثل " بَالَفُونْ " مثقوب، مثل آلة موسيقية ميتة، وكأنه لم يعُد شيء يؤثر في كياني ".
ما عساه أن تكون مشاعره إزاء هذا الغرب الذي تسلَّل في روحه ومسخها ؟ إن جوابه غامض في الحقيقة. فهو يعترف بأنه أحب الغرب مبكرا، ومن غير حذر، ولكنه وهو في أوج أزمته لم يَعُد يعرف أيحب الغرب أم يبغضه.
في خضم أزمته الروحية يستنجد سامب جالو بأقاربه. يدعو شيخه المربي فيتراءى له في حُلم في صورة المهدّد. ويكتب رسالة إلى أبيه ليُفضي إليه خوالجه ، يجيبه أبوه بلهجة اللائم:" إذا كنت لم تعُد تشعر بالخشوع أمام الله كما كنتَ من قبلُ، فذلك بلا أي شك لأنك الذي أعرضت أولا عن الله ، وفضَّلت عليه تأملاتك الفلسفية، ولم تعُدْ تولي اهتماما كبيرا للشعائر الدينية".
يعود سامب جالو إلى أرض الوطن بأمر من والده ليُنعش جذوة الإيمان التي انطفأت عنده منذ عهود. ويأتي موته على يد المجنون ليضع حدا على أزمته الروحية الحادة.
لم يرتدَّ سامب جالو عن دينه، ولم ينكر قيمه الأصلية، لكن رحلته الطويلة والمؤلمة في محاولة الوصول إلى جوهر الفكر الغربي وتفكيك الصلات المعقدة التي تربطه هو بالغرب، وانطواءه العميق على ذاته في سبيل تحليل انفصامه الروحي،كل ذلك أبعده عن الطريق إلى الله بعد أن كان الله في الكُتَّاب أقرب إليه من حبل الوريد.
الدكتور شيخ امباكي جوب
أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة دكار- السنغال
تفتتح الرواية بمشهد يصدُم القارئ، مشهد شيخ الكُتَّاب وهو يذيق تلميذه الصبي سامب جالو ألوانا من العذاب، لا لشيء إلا لزلَّة لسان بسيطة وهو يطالع آيات الذكر الحكيم. تثور ثائرة الشيخ فينهال على الصبي ضربا وتوبيخا :" كن صائبا في ترتيل كلام ربك. لقد أنعم عليك بأن أنزل كلامه عليك. إن هذا الكلام قد تكلم به رب العالمين. وأنت، أيها المخلوق البخس، إذ يُشرّفك بترتيل كلامه، تتهاون به إلى حدِّ تحريفه، فأنت تستحق أن يُقطَّع لسانك ألف تقطيع ".
نحن هنا إزاء تربية صوفية مجردة تعتبر أن الألم مقترن حتما بكلام الله ، فليس لأحد أن يحفظ كلام الله ولم يتعرض أولا للمعاناة. وحتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لينزل عليه الوحي أول ما نزل دون أن يتعرض له الملك جبريل بالضغط والخنق. وكان يتلقى الوحي بمشقة حتى أنه كان يظن في كل مرة أن روحه ستفيض.
والشيخ عندما يعاقب الصبي إنما يريد أن يُروّضه لنمط العيش الذي يفرضه هو على نفسه، والذي قِوامه تقشف وإعراض عن الحياة وإقبال على عبادات شاقة يمارسها هو رغم بنيته الضعيفة وسنه المتقدم. كما أن الشيخ بهذه المعاقبة يهاجم على النفس الأمارة بالسوء التي تدفع العبد إلى الغفلة والكسل. ذلك أن الشيخ كان يرى أن الطريق إلى الله مسدودة بزخارف الدنيا وأموالها وألقابها. رجع سامب جالو ذات يوم من دار بنت عمه الأميرة وهو يلبس ثيابا فاخرة، فلما رآه الشيخ جُنَّ جنونه، ووثب علىيه وجرَّده من ثيابه وضربه ضربا مؤلما. ذلك أن الصبي بالرغم من انتماءه إلى الأسرة المالكة، إلا أنه مُلزم كأنداده في الكُتَّاب على أن يلبس الأسمال وينام على التراب ويعيش عيشا كله حرمان وفقر. ها هوذا تحت لذعة البرد يتسكع في شوارع القرية متسولا لأن المريد " مادام يبحث عن طريق إلى الله فلا يطيب له العيش إلا بالتسول مهما بلغت ثروة عائلته" .
ومع ذلك كله فإن الشيخ يُكنُّ للصبي حبا وعطفا لا حد لهما. فقد تفَرَّس فيه الخير مذ رآه، فعرض على أبيه أن يكون "مرشده في الطريق إلى الله ".وعاهد الله أن ليُجرّدنَّه من " كل العيوب الخُلُقية" التي تعيق العبد من الوصول إلى الله، وليغرسنَّ في قلبه التواضع والإنقطاع إلى الله والصبر على الآلام، وليجعلنَّ منه أعظم مثال للتربية الروحية في جميع ربوع البلاد.
ويحتل الموت في هذه التربية حيزا كبيرا، بل إن الغاية القصوى من هذه التربية هو إعداد العبد لتلقِّي الموت. فلا ينبغي أبدا أن تتلاشى ذكرى الموت في فكر العبد وقلبه. وقد استساغ سامب جالو فعلا هذا الدرس فنراه عندما يتسول في الصباح الباكر يُذكِّر أهل القرية بدُنوّ الموت: " ياعباد الله، تفكَّروا في موتكم الآجل، استفيقوا ! استفيقوا ! إن عزرائيل ملك الموت يشقُّ الأرض في طريقه إليكم، وسينقضُّ من تحت أرجلكم... ".
يتغنى سامب جالو منذرا أهل القرية، فيثير الرعب في نفوسهم، وتهرع الأميرة إلى الشيخ لتشتكي من سامب جالو، وتتَّهِم الشيخ بأنه يهدف إلى "قتل الحياة" في نفس الصبي. فالأميرة ترى أن قيم الكُتَّاب كما يُعلّمها الشيخ قد انقضت وأنّه آن الأوان لأبناء البلد أن يلتحقوا بالمدرسة الجديدة ليتعلموا فيها كيف "يصلون الخشب بالخشب " لأنهم على عتبة عالم جديد لايقيم لقيم الموت وزنا.
من هنا قام نزاع بين الأميرة والشيخ حول مصير البلاد: الشيخ يدافع عن قيم الموت، والحياة بالنسبة إليه ليست إلا استعدادا للموت الذي هو الغاية القصوى، بينما الأميرة ترى أنه يجب إعداد الجيل الجديد لاستساغة قيم الحياة التي تُعلمها المدرسة الجديدة. ويصبح سامب جالو مُجسّدا لهذا الصراع. ففي الكُتَّاب يفرض الشيخ عليه حياة التقشف والتجرد، ولا تلبث الأميرة أن تأخذه إلى بيتها وتغريه بالهدايا كأنما "تريد أن تزيل عنه آثار تربية الشيخ". لكن سامب جالو كان يُفضِّل قسوة العيش في الكُتَّاب على رخوته عند الأميرة لأن نفسه كانت توَّاقة إلى سعادة روحية لا سبيل إليها إلا في حِضْن شيخه.
عزمت الأميرة وصدر القرار بإرسال أبناء البلد إلى المدرسة الجديدة التي أقامها المستعمرون. وسيكون أبناء النخبة أول من سيُرسلون إليها. فإن يكُ ذلك خيرا فسيكونون أول من يجنون الثمار لمصلحة البلد، وإن يكُ شرا فسيكونون مستعدين لمواجهة الخطر وإنقاذ ذويهم. هكذا حُسِم الأمر وأُرسل سامب جالو إلى المدرسة الجديدة ليتعلم فيها "كيف ينتصر وإن لم يكن على الحق "، أو بعبارة أخرى ليكتشف سرَّ انتصار الغازين على قومه.
اُنتزِع سامب جالو من تربية كلها تواضع وتطلع إلى الموت والآخرة وسير إلى الله، إلى تربية كلها منطق وتطلع إلى الحياة وربط الظواهر بالظواهر. يجد نفسه منبهرا بلغة الغازين ويشعر بسعادة عظيمة في التهجي بحروفها وتكوين الكلمات خلالها. وعندما يتقن الكتابة في اللغة الجديدة، يُخيَّل إليه أنه يولد من جديد: " دخلت كلّيا في عالم كان قبل كل شيء فهما رائعا وانسجاما كاملا". ويكتب الرسائل إلى أبيه ليُجرٍّب علمَه للغة الجديدة. يجد نفسه يميل إلى العقلنة والتفلسف أكثر من التأمل والمناجاة كما كان في الكُتاب، ويدخل مع أبيه في مناقشات فلسفية يتوصل فيها أبوه أحيانا إلى تهدئة شكوكه، لكنه في الحقيقة بدأ يفقد سكينته الروحية.
في باريس يصبح سامب جالو طالبا في الفلسفة ويتوغل في التفكير محاولا الوصول إلى الحقيقة الجوهرية التي تفصل حضارة الغرب عن إفريقيا. لقد علَّمه الغرب كيف " ينسلق تدريجيا من صُلب الأشياء"، لكنه في الوقت نفسه كان يتخلى عن جوهره الروحي، وأصبحت فكرة الموت التي كانت قريبة منه في بلده غريبة عنه في الغرب. تعلَّم كيف يعقلن الأمور، فضاع عنه جوهر الوجود. لم تعُدْ صَلاتُه خاشعة كما كانت ويشكو لما ما آلت اليه روحه : " هنا الآن أصبح العالم صامتا ولم أعُد أسمع صداه. أنا مثل " بَالَفُونْ " مثقوب، مثل آلة موسيقية ميتة، وكأنه لم يعُد شيء يؤثر في كياني ".
ما عساه أن تكون مشاعره إزاء هذا الغرب الذي تسلَّل في روحه ومسخها ؟ إن جوابه غامض في الحقيقة. فهو يعترف بأنه أحب الغرب مبكرا، ومن غير حذر، ولكنه وهو في أوج أزمته لم يَعُد يعرف أيحب الغرب أم يبغضه.
في خضم أزمته الروحية يستنجد سامب جالو بأقاربه. يدعو شيخه المربي فيتراءى له في حُلم في صورة المهدّد. ويكتب رسالة إلى أبيه ليُفضي إليه خوالجه ، يجيبه أبوه بلهجة اللائم:" إذا كنت لم تعُد تشعر بالخشوع أمام الله كما كنتَ من قبلُ، فذلك بلا أي شك لأنك الذي أعرضت أولا عن الله ، وفضَّلت عليه تأملاتك الفلسفية، ولم تعُدْ تولي اهتماما كبيرا للشعائر الدينية".
يعود سامب جالو إلى أرض الوطن بأمر من والده ليُنعش جذوة الإيمان التي انطفأت عنده منذ عهود. ويأتي موته على يد المجنون ليضع حدا على أزمته الروحية الحادة.
لم يرتدَّ سامب جالو عن دينه، ولم ينكر قيمه الأصلية، لكن رحلته الطويلة والمؤلمة في محاولة الوصول إلى جوهر الفكر الغربي وتفكيك الصلات المعقدة التي تربطه هو بالغرب، وانطواءه العميق على ذاته في سبيل تحليل انفصامه الروحي،كل ذلك أبعده عن الطريق إلى الله بعد أن كان الله في الكُتَّاب أقرب إليه من حبل الوريد.
الدكتور شيخ امباكي جوب
أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة دكار- السنغال