أعرف أخبار غزة ، بعد توقف القتال ، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ؛ كتابة وصورا ومقاطع فيديو ومكالمات شبه نادرة من بعض معارفي ، ولكن " الحكي والشوف من خلال وسيط ، مش مثل الشوف المباشر " الذي تتشمم فيه الروائح وترى الدم الطري الذي لم يجف ، ولطالما استشهدت بعبارات ( جان جينيه ) الذي كتب عن مذبحة شاتيلا في أيلول ١٩٨٢ وهو فيها ، لا وهو جالس في مقهى في باريس .
" الحكي مش مثل الشوف " ، وأمس جلست في مقهى الميناوي في نابلس فتذكرت غزة .
جلس قريبا مني ثلاثة شباب في العشرينيات ، أو بداية الثلاثينيات ، من عمرهم ، وأخذوا يؤرجلون ويثرثرون حول الحرب الأخيرة ، ومما تناهى إلى سمعي قول أحدهم يخاطب صديقيه قائلا :
- شباب نحن في الجولة الأخيرة من الحرب .
أحد صديقيه وافقه مستشهدا بكلام حاخام إسرائيلي خاطب فيه اليهود :
- تفرقوا في الأرض قبل أن تبادوا .
ولم أتابع كل ما تفوه به الثلاثة ، ولكنني قلت لنفسي :
- نحن نذرع الشوارع ونجلس في المقاهي ونثرثر في " الوساع " .
وتساءلت :
- ترى ما هو حال آلاف المواطنين الغزيين ؟ وبم يثرثرون الآن وهم جالسون على أنقاض بيوتهم ؟!
و :
- كيف يقضي أهل فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ لياليهم في ظل موجة المداهمات الليلية لبيوت من وقفوا إلى جانب القدس وغزة ؟
" واللعب في الهيجاء غير اللعب في الميدان " شطر ببت لأبي الطيب المتنبي ، وشطره الأول هو :
" وتوهموا اللعب الوغى " وقد ورد البيت في قصيدته :
" الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني " .
شخصيا استمعت إلى كلام كثير صدر عن الغزيين يحمل وجهات نظر مختلفة ، وهذا طبيعي جدا ، ومن المؤكد أن نشوة النصر ستتضاءل أمام الواقع القاسي المتمثل في عدم التوصل إلى حل نهائي قريب للصراع ، وفي رحلة التعمير الصعبة القادمة ، وفي الاكتظاظ السكاني في المدارس وما قد ينجم عنه و .... و .... وفي رضوخ قيادة القطاع للدول الممولة .
أمس مثلا كتب الصدبق Akram Musallam على صفحته فقرة تحت عنوان " هسسسسسسس " أتت على تصريحات قطرية بخصوص حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهي لا تتطابق وخطاب السيد اسماعيل هنية ، من قطر ، في أثناء المعارك . كأن قطر تقول للسيد هنية :
- ارض بما نقول نحن ، فنحن الممول .
هل " طارت السكرة وأجت الفكرة " ؟
وهل انتهى النصر بانتهاء الاحتفال به في اليوم الأول لتوقف المعارك ؟
كنت كتبت عما جرى في الأقصى والشيخ جراح في اليوم الثاني للهدنة ، فقد عاد المستوطنون وخفت صوت أبو عبيدة ولم يتحقق جواب الشرط في " إن عدتم عدنا " ، ومن المؤكد أنه لا يحق لي شخصيا أن أقرر ماذا على المقاومة الإسلامية وغير الإسلامية في قطاع غزة أن تفعل ، فأنا ، مثل الشباب الثلاثة ، أتحدث في " الوساع " ولا أجلس الآن في العراء بلا بيت وبلا أهل شأن الذين خاضوا الحرب . إنني أخوض الحرب مثلهم - أي الشباب الثلاثة - في الميدان ، لا في الهيجاء .
وأنا أسير في شارع النصر في البلدة القديمة ، في وقت الظهيرة ، لاحظت الحركة خفيفة فقلت :
- لعل الناس في المسجد يصلون ويتقيللون في الظلال .
وتساءلت من جديد عن أحوال الغزيين الآن في المدارس يتقاتلون على تفاصيل الحياة . وأمس وأنا في الشارع نفسه سألت عن " أبو ناجح الدحدوح " الذي عرفته في مقهى البرلمان منذ خمسة عشر عاما تقريبا وعرفت أنه مات من ستة أيام عن عمر يناهز الثمانين عاما . كم من معارفي في هذا الشارع توفي في العام الأخير ؟!
في المساء وأنا على الدوار اشتريت فاكهة الكيوي وراق لي العنب ، فسألت عن سعره و منشئه ثم واصلت طريقي ، والكتابة في الأمر قد تطول ، وأخذت أفكر في أبرز أسماء شوارعنا : النصر والجلاء وفلسطين وحطين والاستقلال وفيصل وعمر المختار وتونس والسكة و .... والحكي " مش مثل الشوف " .
المعارك توقفت ولسوف نعود في قادم الأيام لنمارس مهنتنا على أرض فلسطين . هل سنعود خلال السنوات القادمة " كافر سبت " في بيوت اليهود أم أن نبوءة بسام جرار ستتحقق وستنتهي إسرائيل في العام القادم ، ولطالما رددنا قبل العام ألفين " تؤلف ولا تؤلفان " وغدا سأكتب عن مهنتنا في دولة أبناء عمنا " كافر سبت " .
صباح الخير
خربشات
٢٧ / ٥ / ٢٠٢١ .
" الحكي مش مثل الشوف " ، وأمس جلست في مقهى الميناوي في نابلس فتذكرت غزة .
جلس قريبا مني ثلاثة شباب في العشرينيات ، أو بداية الثلاثينيات ، من عمرهم ، وأخذوا يؤرجلون ويثرثرون حول الحرب الأخيرة ، ومما تناهى إلى سمعي قول أحدهم يخاطب صديقيه قائلا :
- شباب نحن في الجولة الأخيرة من الحرب .
أحد صديقيه وافقه مستشهدا بكلام حاخام إسرائيلي خاطب فيه اليهود :
- تفرقوا في الأرض قبل أن تبادوا .
ولم أتابع كل ما تفوه به الثلاثة ، ولكنني قلت لنفسي :
- نحن نذرع الشوارع ونجلس في المقاهي ونثرثر في " الوساع " .
وتساءلت :
- ترى ما هو حال آلاف المواطنين الغزيين ؟ وبم يثرثرون الآن وهم جالسون على أنقاض بيوتهم ؟!
و :
- كيف يقضي أهل فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ لياليهم في ظل موجة المداهمات الليلية لبيوت من وقفوا إلى جانب القدس وغزة ؟
" واللعب في الهيجاء غير اللعب في الميدان " شطر ببت لأبي الطيب المتنبي ، وشطره الأول هو :
" وتوهموا اللعب الوغى " وقد ورد البيت في قصيدته :
" الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني " .
شخصيا استمعت إلى كلام كثير صدر عن الغزيين يحمل وجهات نظر مختلفة ، وهذا طبيعي جدا ، ومن المؤكد أن نشوة النصر ستتضاءل أمام الواقع القاسي المتمثل في عدم التوصل إلى حل نهائي قريب للصراع ، وفي رحلة التعمير الصعبة القادمة ، وفي الاكتظاظ السكاني في المدارس وما قد ينجم عنه و .... و .... وفي رضوخ قيادة القطاع للدول الممولة .
أمس مثلا كتب الصدبق Akram Musallam على صفحته فقرة تحت عنوان " هسسسسسسس " أتت على تصريحات قطرية بخصوص حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وهي لا تتطابق وخطاب السيد اسماعيل هنية ، من قطر ، في أثناء المعارك . كأن قطر تقول للسيد هنية :
- ارض بما نقول نحن ، فنحن الممول .
هل " طارت السكرة وأجت الفكرة " ؟
وهل انتهى النصر بانتهاء الاحتفال به في اليوم الأول لتوقف المعارك ؟
كنت كتبت عما جرى في الأقصى والشيخ جراح في اليوم الثاني للهدنة ، فقد عاد المستوطنون وخفت صوت أبو عبيدة ولم يتحقق جواب الشرط في " إن عدتم عدنا " ، ومن المؤكد أنه لا يحق لي شخصيا أن أقرر ماذا على المقاومة الإسلامية وغير الإسلامية في قطاع غزة أن تفعل ، فأنا ، مثل الشباب الثلاثة ، أتحدث في " الوساع " ولا أجلس الآن في العراء بلا بيت وبلا أهل شأن الذين خاضوا الحرب . إنني أخوض الحرب مثلهم - أي الشباب الثلاثة - في الميدان ، لا في الهيجاء .
وأنا أسير في شارع النصر في البلدة القديمة ، في وقت الظهيرة ، لاحظت الحركة خفيفة فقلت :
- لعل الناس في المسجد يصلون ويتقيللون في الظلال .
وتساءلت من جديد عن أحوال الغزيين الآن في المدارس يتقاتلون على تفاصيل الحياة . وأمس وأنا في الشارع نفسه سألت عن " أبو ناجح الدحدوح " الذي عرفته في مقهى البرلمان منذ خمسة عشر عاما تقريبا وعرفت أنه مات من ستة أيام عن عمر يناهز الثمانين عاما . كم من معارفي في هذا الشارع توفي في العام الأخير ؟!
في المساء وأنا على الدوار اشتريت فاكهة الكيوي وراق لي العنب ، فسألت عن سعره و منشئه ثم واصلت طريقي ، والكتابة في الأمر قد تطول ، وأخذت أفكر في أبرز أسماء شوارعنا : النصر والجلاء وفلسطين وحطين والاستقلال وفيصل وعمر المختار وتونس والسكة و .... والحكي " مش مثل الشوف " .
المعارك توقفت ولسوف نعود في قادم الأيام لنمارس مهنتنا على أرض فلسطين . هل سنعود خلال السنوات القادمة " كافر سبت " في بيوت اليهود أم أن نبوءة بسام جرار ستتحقق وستنتهي إسرائيل في العام القادم ، ولطالما رددنا قبل العام ألفين " تؤلف ولا تؤلفان " وغدا سأكتب عن مهنتنا في دولة أبناء عمنا " كافر سبت " .
صباح الخير
خربشات
٢٧ / ٥ / ٢٠٢١ .