مفهوم السعاده فى الفلسفه الغربيه:
اولا: الفلسفه اليونانيه:
افلاطون: السعادة عنده تقوم على نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف في حالة تعددها. ويعد أفلاطون السعادة هي الخير الأسمى؛ حيث تقوم على تنظيم منسجم لكل الأشياء الماثلة في الحياة المعتادة؛ وهو ما يمكِّن الشخص من القيام بدوره في الحياة. والسعاده الحقيقيه عنده تتحقق في عالم مفارق هو عالم المثل.
أرسطو : يعرف السعادة وفقا لفضيلتها ، وإذا كان هناك أكثر من فضيلة للنفس؛ فإنه يكون وفقا لأعظم فضائلها وأكثرها كمالا، وهى التأمل او التفكير الفلسفي. ويصل إلى نتيجة مؤداها أن الحياة الأكثر سعادة هي الحياة المكرسة لهذا النشاط العقلي. وبذلك فإن التأمل يصبح بمنزلة غاية أو هدف غالب على الحياة السعيدة.
الأبيقوريه: في نظر أبيقور فإن الخير هو اللذة ، ولكنه يعرف اللذة بدورها بانها غياب واعي للألم والإزعاج، فالناس جميعا يكافحون من أجل اللذة ، ولا يوجد هناك شخص يرفض ويكره أو يتجنب اللذة لذاتها؛ وإنما بالأحرى؛ لأن هناك نتائج مؤلمة تصيب أولئك الذين لا يعرفون كيف يسعون إلى اللذة بطريقة عقلانية.ولكنه يضع حساب للذات يكتفى فيه باللذات الطبيعيه الضروريه.
الرواقية : تؤكد أن الخير الوحيد للمرء هو الفضيلة بما في ذلك العدالة. وترى أن غاية الوجود البشري هي التوافق مع الطبيعة، ، و نظرت إلى السكينة باعتبارها تنطوي على الرؤية القائلة بأن أحداث الحياة العارضة لا ينبغي أن تشغلنا ، وأنها أجزاء محتومة وضرورية من نظام الكون,
ثانيا: الفلسفه الوسيطه:
الأكويني : يرى إن السعادة البشرية التامة تكمن في رؤية الجوهر الإلهي.
أوغسطين: يرى ان جزاء الفضيلة سيكون هو الله نفسه الذي يهب الفضيلة، والذي نذر نفسه لنا، وليس هناك من هو أفضل أو أعظم منه؛ فالله سيكون غاية رغبتنا وسوف نرى أنه بلا نهاية، نحبه بلا حدود ونمجده بلا كلل.
ثالثا: الفلسفه الاوربيه الحديثه:
نيتشه : يذهب - وخلافا لأفلاطون - إلى أن تصادم الرغبات وليس انسجامها يمكن أن يكون أمرا مرغوبا فيه. ويرى أن تضارب الأهداف يمنع الحياة أن تستتب في حالة من الروتين الممل، وأن تقاوم ذلك النوع من السعادة الذي يريده أغلب الناس. وترتبط السعاده عنده بالقوه واراده القوه.
اسبينوزا : يرى أنّ السعادة هي الغبطة التي ندركها حينما نتحرّر من عبوديّة الأهواء ومن الخرافات والأحكام المسبقة. وينطلق من تعريف للإنسان بوصفه "رغبة في ماهيته" ، لذلك فإنّ قدره الوحيد هو الفرحة بالوجود، وأنّ الإنسان عنده قادر على أن يكون سيّدا على رغباته عبر التفكير، ولذلك يمكنه إدراك البهجة التي -دونما تضحية بالرغبة- بوسعها أن تؤول إلى غبطة؛ أي إلى فرح تامّ ودائم.
جيرمي بنثام وجون ستيوارت مل: يرى كلاهما ان تعريف السعادة بوصفها لذة - وإن كان بأساليب مختلفة- يساعد على تزويدنا بمعيار لاتخاذ السلوك الصحيح. ويرى بنثام إن سعادة الأفراد التي تتألف منها سعادة المجموع هي الغاية ، والغاية الوحيدة التي ينبغي أن يضعها المشرع في الاعتبار. ويرى بنثام أن الخير هو تجربة اللذة بالمعنى الأكثر تداولاً لمفهوم اللذة، وهو المعنى الذي ضمنه كثيرا في إطار التحرر من الإزعاج؛ فهو يرى أن المرء يمكن أن يكون سعيدا بالتناسب مع قدر اللذة التي يمكن أن يحصل عليها.
الفلسفه الغربيه المعاصره:
ألان باديو :
تعريف السعاده: أنّ السعادة قائمة في جوهرها على عدم الرضا وعدم القناعة بنظام العالم كما هو.
نقد التصور الراسمالى للسعاده: وهو يعترض على التصوّر الراسمالى - اللبيرالي للسعادة بما هي إشباع.فالسعادة عند باديو كَونيّة، في حين أنّ الإشباع فرديّ وأنانيّ. السعادة يمكنها أن تؤسس الرغبة من جديد سواء على صعيد الفلسفة أو في الحياة الحقيقية، في حين أنّ الإشباع لا يلبي غير حاجات فرديّة ضيّقة تحوّل الإنسان إلى وسيلة في آلة الاستهلاك الكبرى للعالم الرأسمالي المتوحّش.فالقيم الكونية التي تسود العالم الآن؛ فهي كونيّة المال والتجارة العالميّة وأجندات الحروب والنفط والمنافسة والتسابق والتباري في المظاهر والموضة. وحده المال هو القيمة العالمية الوحيدة.
مهمه الفلسفه: ومهمة الفلسفة في عصرنا الحالي هي استعادة السعادة الحقيقية من كلّ ضروب ابتذال مفهوم السعادة في عالم ارتدّ فيه البشر إلى أرقام استهلاكيّة في آلة الرأسماليّة المتوحّشة. حيث يرى الفلاسفة أن الفلسفة هي المانحة للسعادة؛ لأنها تمرد على الواقع المعاش، ومحاولة لفهمه وتفكيك بدهياته من أجل تغييره) ( ابراهيم هلال- مفهوم السعادة: رحلة في أروقة التاريخ والفلسفة - موقع الجزيره – 29/1/2021 ).
ميشيل فوكو: يقوم باعاده احياء السعاده الحسيه كما فى فلسفات اللذه الفلسفه الغربيه كالسوفسطائيه والابيقوريه ومذهب اللذه الحديث، فيعرف السعاده بانها اللذه،ويقصر اللذه اللذه الحسيه، ولا يصضع اى اعتبار لحساب اللذات الذى قال به كثير من اعلام مذهب اللذه, ويرفض وضع اى ضوابط اخلاقيه او دينيه لاشباع اللذه.فيعتبر ان اللذه الحسيه هى غايه فى ذاتها ، وليست مجرد وسيله لغايه اخرى.وهو هنا يساوى بين رفضه اعتبار الجنس وسيله لتكوين الاسره"كما فى الشرق " ، واعتباره مجرد سلعه"كما فى الغرب الراسمالى".
مفهوم السعاده فى المنظور القيمى الاسلامى:
السعاده فى النص القرانى:عبر القرآن الكريم عن مضمون السعاده وابعادها ومستوياتها المتعدده بألفاظ متعددة،ذات دلالات غير متطابقه ولكنها متقاربه، تتضمن بعض هذه الدلالات هذا المضمون وابعض هذه الابعاد والمستويات، ومن هذه الالفاظ: الحياة الطيبة كما فى قوله تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَّيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97(، وانشراح الصدركما فى قوله تعالى (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)(الأنعام:125)، و طمأنينة القلب كمافى قوله تعالى (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( (الرعد:28( ، والسكينة كما فى قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح:4)، والأمنكما فى قوله تعالى )الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)(الأنعام:82(..واستخدم القران الكريم لفظ السعاده فى سياق الاشاره الى الجزاء الاخروى فى قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(هود:108(. ومن هذا العرض نخلص الى ان النص القرانى اعتبر ان السعاده الاخرويه المتمثله فى الجزاء الاخروى على الايمان والعمل الصالح "الجنه " هى السعاده الحقيقيه اى السعاده المطلقه المستمره غير المنقطعه . ولكنه لم يرتب على ذلك انكار السعاده الدنيويه وانماطها – مستوياتها - المتعدده – كما فى مذاهب الرهبنه - ، ولكنه اعتبارها سعاده نسبيه – مقيده غير مستمره تقطعها انماط من الشقاء من باب الابتلاء الالهى الانسانى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾(الأنبياء: 35). فالسعاده الاخرويه طبقا للنص القرانى تحدد السعاده الدنيويه - بانماطها المتعدده- كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه .
الفلسفه الاسلاميه:
الفارابى: تناول السعاده فى سياق تصوّره للمدينة الفاضلة التي تحتاج إلى الفضائل النظريّة والأخلاقيّة. حيث يرى أنّ السعادة هي أعظم الخيرات.فحصول المعقولات الأولى للإنسان هو استكماله الأوّل، وهذه المعقولات إنّما جُعِلت له ليستعملها في أن يصير إلى استكماله الأخير؛ وذلك هو السعادة.
التصوف الاسلامى:
الإمام الغزالي : يرى إن اللذة والسعادة الحقيقيه عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل، فيقول (اِعلم أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأن القلب مخلوق لها).
مفهوم السعاده فى علم النفس: تعددت تعريفات السعاده فى علم النفس ، وتشترك اغلب هذه التعريفات فى ان السعاده ترتبط بمفاهيم كالإشباع والرضا وتحقيق الذات... وبحث علم النفس فى طرق تحقيق هذه المفاهيم. كما تناول السعاده طبقا لابعاد ومستويات متعدده ، ومنها البعد الانفعالي باعتبارها شعورالفرد بمزاج مُعتدل، والبعد الإدراكي فاعتبارها الوصول للرضا. لكن اختلفت مدارس علم النفس – باعتبارها تمثل فلسفه علم النفس- فى تحديد نمط السعاده او مستواها الاساسى.
مفهوم السعاده فى علم النفس الإيجابي:
تعريف علم النفس الإيجابي: تمت الإشارة إلى مفهوم علم النفس الإيجابي لأول مرة من قبل ماسلو في عام 1954 في دراساته المتعلقة بالدوافع والشخصية، في نهاية التسعينيات أضفى مارتن سيليجمان في الولايات المتحدة الشرعية على استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى نهج نظري مقترح لفهم الإنسان. وفقاً لشيلدون وكينج فإن علم النفس الإيجابي هو أحد الدراسات العلمية الخاصة بالقوى وفضائل البشر.
السعاده كغايه لعلم النفس الايجابى: بالنسبة إلى سليجمان فإن علم النفس الإيجابي هو دراسة المشاعر والعواطف والمؤسسات والسلوكيات الإيجابية التي يكون هدفها النهائي هو السعادة البشرية.
تعديل محور اهتمام علم النفس: يقترح هذا المنظور في المقام الأول تعديل تركيز علم النفس بتسليط الضوء على الصحة بدلاً من المرض من خلال إزالة التركيز عن المرض النفسي تم فتح إمكانية إبراز الجوانب الإيجابية ونقاط القوة والفضائل والإمكانات للإنسان، مع التركيز على الوقاية الصحية وتعزيزها
نظرية السعادة الحقيقية في علم النفس الإيجابي ( مارتن سيليجمان):توجد ثلاثة مسارات لنظرية السعادة الحقيقية في علم النفس الإيجابي وهى:
اولا:المتعة: يمكن أن يُنظر إلى الفرد الذي يعيش حياة من المتعة على أنه يزيد من المشاعر الإيجابية ويقلل من المشاعر السلبية.
ثانيا:المشاركة: الفرد الذي يعيش حياة من الارتباط يبحث باستمرار عن الأنشطة التي تسمح له بالتدفق؛ وهو حالة من الانخراط العميق السلس، يحدث بشكل متكرر عندما نركز اهتمامنا الكامل على الأنشطة التي تمثل تحديًا متوسط لنا،
ثالثا:المعنى: الفرد الذي يعيش حياة ذات معنى ينتمي إلى شيء أكبر منه ويخدمه، يمكن أن تكون هذه الكيانات الأكبر هي الأسرة أو الدين أو المجتمع أو البلد أو حتى الأفكار.
نموذج بيرما ( PERMA MODEL) في علم النفس الايجابى: الاسم اختصارمكون من الاحرف الاولى لعناصر النموذج وهى: (P) Positive Emotion المشاعر الإيجابية (E) Engagement الانخراطR) ) Relations العلاقات (M) Meaning المعنى(A) Accomplishments الإنجازات .
المشاعر الإيجابية : وهي القدرة على التفاؤل.
الإنخراط : إن الانخراط الكامل فيما نقوم بفعله لا يقتصر تأثيره على إثراء السعادة التي نشعر بها فحسب، ولكنه عامل جوهري كذلك لمساعدتنا على التطور، والتعلّم والوصول لأفضل مستوى يمكننا الوصول إليه.
العلاقات :التواصل مع الآخرين من الصفات البشرية الأساسية في الحياة
المعنى : إن وجود هدف ومعنى لحياتك وما تقوم بفعله هو عامل رئيسي في إنجاز أي شيء يراد له أن يكون مرضياً ويمنح شعوراً بالسعادة.
الإنجازات :دائما ما تدعمنا الأهداف والغايات في سبيل تحقيق الأشياء التي تعطينا الشعور بالانجاز.
( نموذج PERMA لتحقيق سعادة الموظفين 24-HRM Way Blog - Sana Omar- مارس، 2019)
مفهوم السعادة في علم الاجتماع : تناول علم الاجتماع مفهوم السعادة تحت اطار دائرة العلاقات الاجتماعية، وطبقا له فان التفاعل الاجتماعي يؤثر على سعادة الفرد، ويُعرّف علم الاجتماع السعادة بأنها المشاعر الإيجابية الناتجة عن التفاعل الاجتماعي، ومن الأمثلة على العلاقات الاجتماعية التي تؤدي للسعادة: الزواج، والأصدقاء، والأخوة، وزملاء العمل، والجيران، كما أنَّ علم الاجتماع يلخص السعادة بأنها مقدار الدعم الذي تقدمه شبكة العلاقات الاجتماعية للفرد.
منظور تكاملى للسعاده:
تعدد انماط السعاده: ينطلق المنظور التكاملى للسعاده من تقرير ان الوجود الانسانى مركب وليس بسيط ، فهو وجود مركب من أبعاد مادية وروحية متعددة ومتفاعله. ويترتب على هذا انه يقول بتعدد انماط السعاده – وبعباره اخرى تعدد ابعاد ومستويات السعاده - فهناك سعاده ماديه –حسيه، وهناك سعاده عاطفية، وهناك عقلية ، وهناك سعاده روحيه...
العلاقه بين انماط السعاده :
رفض مذاهب الأولوية المطلقة والالغاء: والمنظور التكاملى للسعاده يرفض المذاهب التى تتطرف فى اثبات بعض انماط - ابعاد – السعاده ، من خلال تقريرها الاولويه المطلقة لها، لدرجه الغاء بعضها الآخر .
اقرار مذهب الاولويه المقيده- النسبيه والابقاء: و يستند الى مذهب يقوم على الاقرار بكل انماط – ابعاد - السعاده. وهو يقول بأولوية بعض انماط – ابعاد - السعاده (كالسعاده الروحيه) ، ولكنها أولوية مقيدة – نسبيه .
العلاقه التكاملية بين انماط السعاده: لذا فهو يجعل العلاقه بين هذه الانماط – الابعاد - المتعددة للسعاده علاقه تكاملية ، اى علاقه تحديد وتكامل ، وليست علاقه تناقض وإلغاء كما يلزم من المذهب الاول .
د. صبرى محمد خليل/ استاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم
[email protected]
---------------------------------
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري
اولا: الفلسفه اليونانيه:
افلاطون: السعادة عنده تقوم على نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف في حالة تعددها. ويعد أفلاطون السعادة هي الخير الأسمى؛ حيث تقوم على تنظيم منسجم لكل الأشياء الماثلة في الحياة المعتادة؛ وهو ما يمكِّن الشخص من القيام بدوره في الحياة. والسعاده الحقيقيه عنده تتحقق في عالم مفارق هو عالم المثل.
أرسطو : يعرف السعادة وفقا لفضيلتها ، وإذا كان هناك أكثر من فضيلة للنفس؛ فإنه يكون وفقا لأعظم فضائلها وأكثرها كمالا، وهى التأمل او التفكير الفلسفي. ويصل إلى نتيجة مؤداها أن الحياة الأكثر سعادة هي الحياة المكرسة لهذا النشاط العقلي. وبذلك فإن التأمل يصبح بمنزلة غاية أو هدف غالب على الحياة السعيدة.
الأبيقوريه: في نظر أبيقور فإن الخير هو اللذة ، ولكنه يعرف اللذة بدورها بانها غياب واعي للألم والإزعاج، فالناس جميعا يكافحون من أجل اللذة ، ولا يوجد هناك شخص يرفض ويكره أو يتجنب اللذة لذاتها؛ وإنما بالأحرى؛ لأن هناك نتائج مؤلمة تصيب أولئك الذين لا يعرفون كيف يسعون إلى اللذة بطريقة عقلانية.ولكنه يضع حساب للذات يكتفى فيه باللذات الطبيعيه الضروريه.
الرواقية : تؤكد أن الخير الوحيد للمرء هو الفضيلة بما في ذلك العدالة. وترى أن غاية الوجود البشري هي التوافق مع الطبيعة، ، و نظرت إلى السكينة باعتبارها تنطوي على الرؤية القائلة بأن أحداث الحياة العارضة لا ينبغي أن تشغلنا ، وأنها أجزاء محتومة وضرورية من نظام الكون,
ثانيا: الفلسفه الوسيطه:
الأكويني : يرى إن السعادة البشرية التامة تكمن في رؤية الجوهر الإلهي.
أوغسطين: يرى ان جزاء الفضيلة سيكون هو الله نفسه الذي يهب الفضيلة، والذي نذر نفسه لنا، وليس هناك من هو أفضل أو أعظم منه؛ فالله سيكون غاية رغبتنا وسوف نرى أنه بلا نهاية، نحبه بلا حدود ونمجده بلا كلل.
ثالثا: الفلسفه الاوربيه الحديثه:
نيتشه : يذهب - وخلافا لأفلاطون - إلى أن تصادم الرغبات وليس انسجامها يمكن أن يكون أمرا مرغوبا فيه. ويرى أن تضارب الأهداف يمنع الحياة أن تستتب في حالة من الروتين الممل، وأن تقاوم ذلك النوع من السعادة الذي يريده أغلب الناس. وترتبط السعاده عنده بالقوه واراده القوه.
اسبينوزا : يرى أنّ السعادة هي الغبطة التي ندركها حينما نتحرّر من عبوديّة الأهواء ومن الخرافات والأحكام المسبقة. وينطلق من تعريف للإنسان بوصفه "رغبة في ماهيته" ، لذلك فإنّ قدره الوحيد هو الفرحة بالوجود، وأنّ الإنسان عنده قادر على أن يكون سيّدا على رغباته عبر التفكير، ولذلك يمكنه إدراك البهجة التي -دونما تضحية بالرغبة- بوسعها أن تؤول إلى غبطة؛ أي إلى فرح تامّ ودائم.
جيرمي بنثام وجون ستيوارت مل: يرى كلاهما ان تعريف السعادة بوصفها لذة - وإن كان بأساليب مختلفة- يساعد على تزويدنا بمعيار لاتخاذ السلوك الصحيح. ويرى بنثام إن سعادة الأفراد التي تتألف منها سعادة المجموع هي الغاية ، والغاية الوحيدة التي ينبغي أن يضعها المشرع في الاعتبار. ويرى بنثام أن الخير هو تجربة اللذة بالمعنى الأكثر تداولاً لمفهوم اللذة، وهو المعنى الذي ضمنه كثيرا في إطار التحرر من الإزعاج؛ فهو يرى أن المرء يمكن أن يكون سعيدا بالتناسب مع قدر اللذة التي يمكن أن يحصل عليها.
الفلسفه الغربيه المعاصره:
ألان باديو :
تعريف السعاده: أنّ السعادة قائمة في جوهرها على عدم الرضا وعدم القناعة بنظام العالم كما هو.
نقد التصور الراسمالى للسعاده: وهو يعترض على التصوّر الراسمالى - اللبيرالي للسعادة بما هي إشباع.فالسعادة عند باديو كَونيّة، في حين أنّ الإشباع فرديّ وأنانيّ. السعادة يمكنها أن تؤسس الرغبة من جديد سواء على صعيد الفلسفة أو في الحياة الحقيقية، في حين أنّ الإشباع لا يلبي غير حاجات فرديّة ضيّقة تحوّل الإنسان إلى وسيلة في آلة الاستهلاك الكبرى للعالم الرأسمالي المتوحّش.فالقيم الكونية التي تسود العالم الآن؛ فهي كونيّة المال والتجارة العالميّة وأجندات الحروب والنفط والمنافسة والتسابق والتباري في المظاهر والموضة. وحده المال هو القيمة العالمية الوحيدة.
مهمه الفلسفه: ومهمة الفلسفة في عصرنا الحالي هي استعادة السعادة الحقيقية من كلّ ضروب ابتذال مفهوم السعادة في عالم ارتدّ فيه البشر إلى أرقام استهلاكيّة في آلة الرأسماليّة المتوحّشة. حيث يرى الفلاسفة أن الفلسفة هي المانحة للسعادة؛ لأنها تمرد على الواقع المعاش، ومحاولة لفهمه وتفكيك بدهياته من أجل تغييره) ( ابراهيم هلال- مفهوم السعادة: رحلة في أروقة التاريخ والفلسفة - موقع الجزيره – 29/1/2021 ).
ميشيل فوكو: يقوم باعاده احياء السعاده الحسيه كما فى فلسفات اللذه الفلسفه الغربيه كالسوفسطائيه والابيقوريه ومذهب اللذه الحديث، فيعرف السعاده بانها اللذه،ويقصر اللذه اللذه الحسيه، ولا يصضع اى اعتبار لحساب اللذات الذى قال به كثير من اعلام مذهب اللذه, ويرفض وضع اى ضوابط اخلاقيه او دينيه لاشباع اللذه.فيعتبر ان اللذه الحسيه هى غايه فى ذاتها ، وليست مجرد وسيله لغايه اخرى.وهو هنا يساوى بين رفضه اعتبار الجنس وسيله لتكوين الاسره"كما فى الشرق " ، واعتباره مجرد سلعه"كما فى الغرب الراسمالى".
مفهوم السعاده فى المنظور القيمى الاسلامى:
السعاده فى النص القرانى:عبر القرآن الكريم عن مضمون السعاده وابعادها ومستوياتها المتعدده بألفاظ متعددة،ذات دلالات غير متطابقه ولكنها متقاربه، تتضمن بعض هذه الدلالات هذا المضمون وابعض هذه الابعاد والمستويات، ومن هذه الالفاظ: الحياة الطيبة كما فى قوله تعالى(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَّيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97(، وانشراح الصدركما فى قوله تعالى (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)(الأنعام:125)، و طمأنينة القلب كمافى قوله تعالى (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ( (الرعد:28( ، والسكينة كما فى قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ) (الفتح:4)، والأمنكما فى قوله تعالى )الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)(الأنعام:82(..واستخدم القران الكريم لفظ السعاده فى سياق الاشاره الى الجزاء الاخروى فى قوله تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)(هود:108(. ومن هذا العرض نخلص الى ان النص القرانى اعتبر ان السعاده الاخرويه المتمثله فى الجزاء الاخروى على الايمان والعمل الصالح "الجنه " هى السعاده الحقيقيه اى السعاده المطلقه المستمره غير المنقطعه . ولكنه لم يرتب على ذلك انكار السعاده الدنيويه وانماطها – مستوياتها - المتعدده – كما فى مذاهب الرهبنه - ، ولكنه اعتبارها سعاده نسبيه – مقيده غير مستمره تقطعها انماط من الشقاء من باب الابتلاء الالهى الانسانى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون﴾(الأنبياء: 35). فالسعاده الاخرويه طبقا للنص القرانى تحدد السعاده الدنيويه - بانماطها المتعدده- كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه .
الفلسفه الاسلاميه:
الفارابى: تناول السعاده فى سياق تصوّره للمدينة الفاضلة التي تحتاج إلى الفضائل النظريّة والأخلاقيّة. حيث يرى أنّ السعادة هي أعظم الخيرات.فحصول المعقولات الأولى للإنسان هو استكماله الأوّل، وهذه المعقولات إنّما جُعِلت له ليستعملها في أن يصير إلى استكماله الأخير؛ وذلك هو السعادة.
التصوف الاسلامى:
الإمام الغزالي : يرى إن اللذة والسعادة الحقيقيه عند بني آدم هي معرفة الله عز وجل، فيقول (اِعلم أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، كل شيء خلق له، فلذة العين الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة، ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأن القلب مخلوق لها).
مفهوم السعاده فى علم النفس: تعددت تعريفات السعاده فى علم النفس ، وتشترك اغلب هذه التعريفات فى ان السعاده ترتبط بمفاهيم كالإشباع والرضا وتحقيق الذات... وبحث علم النفس فى طرق تحقيق هذه المفاهيم. كما تناول السعاده طبقا لابعاد ومستويات متعدده ، ومنها البعد الانفعالي باعتبارها شعورالفرد بمزاج مُعتدل، والبعد الإدراكي فاعتبارها الوصول للرضا. لكن اختلفت مدارس علم النفس – باعتبارها تمثل فلسفه علم النفس- فى تحديد نمط السعاده او مستواها الاساسى.
مفهوم السعاده فى علم النفس الإيجابي:
تعريف علم النفس الإيجابي: تمت الإشارة إلى مفهوم علم النفس الإيجابي لأول مرة من قبل ماسلو في عام 1954 في دراساته المتعلقة بالدوافع والشخصية، في نهاية التسعينيات أضفى مارتن سيليجمان في الولايات المتحدة الشرعية على استخدام هذا المصطلح للإشارة إلى نهج نظري مقترح لفهم الإنسان. وفقاً لشيلدون وكينج فإن علم النفس الإيجابي هو أحد الدراسات العلمية الخاصة بالقوى وفضائل البشر.
السعاده كغايه لعلم النفس الايجابى: بالنسبة إلى سليجمان فإن علم النفس الإيجابي هو دراسة المشاعر والعواطف والمؤسسات والسلوكيات الإيجابية التي يكون هدفها النهائي هو السعادة البشرية.
تعديل محور اهتمام علم النفس: يقترح هذا المنظور في المقام الأول تعديل تركيز علم النفس بتسليط الضوء على الصحة بدلاً من المرض من خلال إزالة التركيز عن المرض النفسي تم فتح إمكانية إبراز الجوانب الإيجابية ونقاط القوة والفضائل والإمكانات للإنسان، مع التركيز على الوقاية الصحية وتعزيزها
نظرية السعادة الحقيقية في علم النفس الإيجابي ( مارتن سيليجمان):توجد ثلاثة مسارات لنظرية السعادة الحقيقية في علم النفس الإيجابي وهى:
اولا:المتعة: يمكن أن يُنظر إلى الفرد الذي يعيش حياة من المتعة على أنه يزيد من المشاعر الإيجابية ويقلل من المشاعر السلبية.
ثانيا:المشاركة: الفرد الذي يعيش حياة من الارتباط يبحث باستمرار عن الأنشطة التي تسمح له بالتدفق؛ وهو حالة من الانخراط العميق السلس، يحدث بشكل متكرر عندما نركز اهتمامنا الكامل على الأنشطة التي تمثل تحديًا متوسط لنا،
ثالثا:المعنى: الفرد الذي يعيش حياة ذات معنى ينتمي إلى شيء أكبر منه ويخدمه، يمكن أن تكون هذه الكيانات الأكبر هي الأسرة أو الدين أو المجتمع أو البلد أو حتى الأفكار.
نموذج بيرما ( PERMA MODEL) في علم النفس الايجابى: الاسم اختصارمكون من الاحرف الاولى لعناصر النموذج وهى: (P) Positive Emotion المشاعر الإيجابية (E) Engagement الانخراطR) ) Relations العلاقات (M) Meaning المعنى(A) Accomplishments الإنجازات .
المشاعر الإيجابية : وهي القدرة على التفاؤل.
الإنخراط : إن الانخراط الكامل فيما نقوم بفعله لا يقتصر تأثيره على إثراء السعادة التي نشعر بها فحسب، ولكنه عامل جوهري كذلك لمساعدتنا على التطور، والتعلّم والوصول لأفضل مستوى يمكننا الوصول إليه.
العلاقات :التواصل مع الآخرين من الصفات البشرية الأساسية في الحياة
المعنى : إن وجود هدف ومعنى لحياتك وما تقوم بفعله هو عامل رئيسي في إنجاز أي شيء يراد له أن يكون مرضياً ويمنح شعوراً بالسعادة.
الإنجازات :دائما ما تدعمنا الأهداف والغايات في سبيل تحقيق الأشياء التي تعطينا الشعور بالانجاز.
( نموذج PERMA لتحقيق سعادة الموظفين 24-HRM Way Blog - Sana Omar- مارس، 2019)
مفهوم السعادة في علم الاجتماع : تناول علم الاجتماع مفهوم السعادة تحت اطار دائرة العلاقات الاجتماعية، وطبقا له فان التفاعل الاجتماعي يؤثر على سعادة الفرد، ويُعرّف علم الاجتماع السعادة بأنها المشاعر الإيجابية الناتجة عن التفاعل الاجتماعي، ومن الأمثلة على العلاقات الاجتماعية التي تؤدي للسعادة: الزواج، والأصدقاء، والأخوة، وزملاء العمل، والجيران، كما أنَّ علم الاجتماع يلخص السعادة بأنها مقدار الدعم الذي تقدمه شبكة العلاقات الاجتماعية للفرد.
منظور تكاملى للسعاده:
تعدد انماط السعاده: ينطلق المنظور التكاملى للسعاده من تقرير ان الوجود الانسانى مركب وليس بسيط ، فهو وجود مركب من أبعاد مادية وروحية متعددة ومتفاعله. ويترتب على هذا انه يقول بتعدد انماط السعاده – وبعباره اخرى تعدد ابعاد ومستويات السعاده - فهناك سعاده ماديه –حسيه، وهناك سعاده عاطفية، وهناك عقلية ، وهناك سعاده روحيه...
العلاقه بين انماط السعاده :
رفض مذاهب الأولوية المطلقة والالغاء: والمنظور التكاملى للسعاده يرفض المذاهب التى تتطرف فى اثبات بعض انماط - ابعاد – السعاده ، من خلال تقريرها الاولويه المطلقة لها، لدرجه الغاء بعضها الآخر .
اقرار مذهب الاولويه المقيده- النسبيه والابقاء: و يستند الى مذهب يقوم على الاقرار بكل انماط – ابعاد - السعاده. وهو يقول بأولوية بعض انماط – ابعاد - السعاده (كالسعاده الروحيه) ، ولكنها أولوية مقيدة – نسبيه .
العلاقه التكاملية بين انماط السعاده: لذا فهو يجعل العلاقه بين هذه الانماط – الابعاد - المتعددة للسعاده علاقه تكاملية ، اى علاقه تحديد وتكامل ، وليست علاقه تناقض وإلغاء كما يلزم من المذهب الاول .
د. صبرى محمد خليل/ استاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم
[email protected]
---------------------------------
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري