تمهيد:
يؤسس المشروع السردي لدى القاص والروائي المغربي لحسن باكور (1972-) أرضية خصبة تستمد مقوماتها من الذاكرة الثقافية والجمعية للأمكنة والشخصيات التي يصطاد تفاصيلها بعبق الجمال والقبح معا. فما يميز تجربته الإبداعية انتماؤه –مهنيا- إلى سلك الشرطة والأمن في المغرب، حيث يستقر بمدينة مراكش، ويشتغل ضابطا للأمن فيها، وهو شيء غير مألوف في مهن الكتّاب الذين اعتدنا -إلى حد ما- انتماءهم إلى حقول كلاسيكية من قبيل التدريس والصحافة والمحاماة والسياسة والطب والإدارة وغيرها.
نقف منذ الوهلة الأولى مشدوهين عند قراءة إبداعات لحسن باكور، المعروف بنيله عددا من الجوائز العربية في السرد (دبي الثقافية والشارقة والطيب صالح)، إذ تنفتح تجربته على كثير من الثيمات المتفردة، فيحضر خلالها إيقاع البعد التشكيلي بشكل صارخ، وتنبني الكتابة عنده على خاصية اصطياد التفاصيل المشهدية الدقيقة، تجعله يحاصر اليومي الإنساني بألوانه وأصواته المتفردة، قريبا من المراوغات اللاذعة و بعيدا عن الصراعات الأفقية والعمودية التي تملأ حياتنا الصاخبة بمختلف طبقاتها الاجتماعية.
1) حوارية الألوان والأصوات:
تأتي أضمومة ''رجل الكراسي'' في طبعتها الأخيرة - بعدما سبق لها أن حازت جائزة الشارقة دورة 2008- في سياق إبداعي يثري المشروع الاستطيقي Esthetic الذي يرسمه المبدع هاهنا منطلقا من أرضية قلق أبدي لا يسكن، ومن إيقاع نفسي لا يهدأ. ويشترك -في هذا المنطلق أساسا- مع كتاب عالميين مثل بورخيس وفوينتس، من حيث النفس الاحتفائي بالذات في تشظياتها المتنوعة، محولا تفاصيل البشاعة إلى منبع للتصالح مع الذات وتحريك العاطفة الإنسانية.
كما يتقاطع مع كبار الروائيين العرب في ذات المجال من قبيل رائد الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل والمغربي محمد برادة وحنا مينا و غيرهم، فتجده بذلك مرتكزا على مقومات استطيقا الفن وأبعاد التفاصيل الهامشية التي يضمدها بلغة سلسة تنساب على صفحات قصصه مضمخة بأكاليل التشكيل وصيد التفاصيل اليومية.
وهكذا، تحضر أبعاد البياض والسواد بعبقها الجمالي في هذه المجموعة ضمن عدة نصوص قصصية، بما هي خلفية تشكيلية تحاصر شخصيات القصص التسع في فضاءاتها المتنوعة، وتلملم جراحاتها المتعددة. ومن ثمة، تصنع منها عوالم متداخلة الأبعاد، تضمخها بوليفونية الأصوات المنتشية بعبق الذاكرة وصيحات الأنا في تداعي فضاءات وأزمنة تشتغل سرديا ووصفيا حسب الوتيرة الحكائية ذاتها.
إن البعد الإيتمولوجي Etymologic لعتمة الألوان هنا لا يتقاطع مع الظلام وانعدام الرؤية أو السديمية المطلقة كما قد يُفهم مبدئيا، وإنما هو حضور خافت لمساحات الظل المتاحة؛ تماما مثل الخلفية الفنية والجمالية التي تحبل بها لوحات التشكيل والرسم التجريدي، فيتم توظيفها بهذا الوعي المحطم للجسور بين الأشكال التعبيرية الإنسانية، لتأتي الأمكنة خالية من بريقها الحقيقي بوصفها انعكاسا للحالة السيكولوجية للشخصيات القصصية الباهتة في حضورها/وجودها الاجتماعي والاقتصادي.
تصير الكتابة القصصية عند لحسن باكور مُرمّزة بسَنَنٍ علاماتي/بصري وأيقوني بهذا التصوير الفني لهذه اللذات الضيقة والعابرة في حياتنا، تقتات من اختراق إحداثيات وأبعاد ''الواقعية البلزاكية''، وتبصم على عبور وإثراء التشكل الخطابي لصيغ السرد داخل القصص، عبر التعدد الوجودي للأصوات وتلوين ملامحها البوليفونية بصيغ متداخلة. والجميل في ذلك أن الشخصيات التي يختارها القاص هنا "غير واعية بالأبعاد الإيديولوجية لممارساتها الحياتية اليومية، بشكل يجعل أداءها عفويا و تلقائيا"[1].
كما أن اشتغال مساحات العتمة والظل ضمن هذا المنحنى المتداعي يُصيرها خلفية متأرجحة بين الضبابية في نسج تفاصيل الكتابة القصصية ''الشذرية''، وبين التحركات الحاضرة في تحرك وسكون الشخصيات. وربما يعود ذلك إلى "نوع من المثالية الباحثة عن الوعي الإنساني باعتباره عالما للخلاص والبراءة بتعبير هوسرل"[2].
فليس الأمر هنا متعلقا بوحدة موضوع/ثيمة بالمفهوم الكلاسيكي والتقليدي، بقدر ما هو تشابك ''ثيماتيكي'' خفي في البنية العميقة للنصوص -المختلفة مضمونا والمتماثلة تصويرا- بإيقاع تشكيلي متفرد.
ويحتفي القاص بالمهمشين والموتى وعوالم الظل الباهتة في الهنا والهناك، ويسمع (برفع أوله وكسر ما قبل آخره) أصواتهم بعيدا عن الأيديولوجيا الضيقة المغلقة للتأويل، وقريبا من القيم والمشترك الإنساني العام ذي النزعة المتعددة الأصوات.
ويحيلنا النفس التشكيلي عند باكور على تجربة الروائي الفلسطيني المتميز جبرا إبراهيم جبرا الذي تقتات نصوصه الروائية و السردية من الخلفية الثرية التي تمنحها الفنون التشكيلية (الرسم والنحت أساسا)، حين سعى إلى تحطيم الجسور بين عالم الكتابة السردية "وعالم الرسم بصفة عامة مستفيدا من تقنياته ومن آليات تشكل الخطاب البصري. ولعل التجربة المكتنزة لهذا الملمح السردي... نابعة من صلب التجربة الفنية"[3].
ونلمس ذلك في هذا السياق، حيث تحضر هذه العوامل الخلفية بوعي مغاير داخل النص القصصي عند باكور في جداريات متناثرة بألق جمالي يلملم تأرجح الواقع و قبح الأشياء، و يأسرها في لحظاتها الخاطفة.
لقد سعى القاص المغربي في هذه المجموعة إلى وضع اليد على نقطة البدء في الرسم والنقش بالكلمات بما هي موقد تتقد فيه شرارة الألوان منذ وعى الإنسان خصوصية الطبيعة وتلاوينها، تتشابك أحيانا وتتباعد أحيانا أخرى، فينتج عن احتكاكها ظهور ألوان جديدة وابتكارات جمالية استثنائية، وظفها باحترافية لغوية في النفس القصصي.
و يؤشر على ذلك هذا الاحتفاء باللغة وعدم "تجاهل حياة الألفاظ خارج معمل الفن، أي وسط الفضاءات الشاسعة، للساحات العمومية، والأزقة والمدن والقرى، والفئات الاجتماعية والأجيال والحقب"[4].
إن حضور الصور المتداخلة في هذا الطقس الإبداعي لا يحيل على عالم الرؤية بالمفهوم ''المادي'' المباشر، بقدر ما يفتح أعيننا على رؤية بانورامية (بمفهوم هنري جيمس) مشرعة على ثنائيات متشابكة ضمن عوالم الخيال والواقع، الحب والألم، الفرح والأذى، القبح والجمال، توحدها الصور العابرة التي تتورط فيها ذوات الشخصيات وخلفيات ''التفضيء'' و''التزمين'' المحتضنة لها، تماما كما يشير غومبريتش Gombrich إلى أن جمال العمل الإبداعي والفني لا يكمن فقط في جمال موضوعه بل في جمال أسلوب التعبير عنه[5].
2) لذة التلقي و ملء البياضات:
يجد القارئ نفسه متورطا، حتى أخمص قدميه، في لعبتي السرد والوصف عند قراءة أضمومة ''رجل الكراسي''، تتقاذفه عوالم الشخصيات بملامحها الهاربة من ظل الأحداث اللافحة، على غرار حبكة "الضوء الهارب" للكبير فنّا وسردا محمد برادة، وكأن الأمر يتعلق بصراع "الدون كيشوت" ضد طواحين الهواء التي يسعى جاهدا لدحضها. ولا تكتمل لذة قراءة مجموعة "رجل الكراسي" باستنباط الدلالات الثاوية في بواطن نصوصها فقط، بل تتطلب بشكل خاطف ضرورة استحضار صيرورة التأويل في بعدها الهرمينوطيقي، وتضمخ أبعاده بملء البياضات الضحلة والعميقة من لدن قارئ متفطن عاشق للسرد، و عارف بالمجال التي تجري فيه الأحداث.
ومن داخل هذا الطقس القرائي بامتياز، نجد أنفسنا مشدوهين حتى النخاع بسردية الأحداث و تناصها، وضرورة ملء الفراغات حتى يكتمل البعد التأويلي، وتتكشف أمامنا سراديب الدلالة. لذلك، فخلال قراءتنا لهذه المجموعة القصصية نستكشف أغوار اللذة القرائية المستعصية والتي تغلفها عتمة أسلوبية خاطفة، يوظفها القاص بتقنية جمالية تأخذها من النقيض الدلالي المادي الذي توصف به إلى المعنى الهائم الذي يجعل الدلالة ها هنا مغلفة بشرنقة التصوير بلغة إيحائية وانزياحية تنساب بعذوبة في نفسية القارئ.
إن تشييد مسار الدلالة عند قراءة هذه القصص ينبع من اعتبار "المعنى، مثلا، ليس مجرد حكم إدراكي للنقد الأدبي، بل عملية تحويل أكثر جوهرية، ذات مستويات عديدة، تطور عن طريقها المادة الخيالية في النص التي يشترك فيها القارئ"[6].
إنها اللذة الزئبقية التي تجاور تأويلات غائرة في حدود اللامعنى، وهو الأمر الذي يتطلب التسلح بعُدة أركيولوجية عابرة لأشكال التعبير الإنساني كي يوظفها في استكناه بواطن مثل هذه النصوص، منفتحا قبل ذلك على التشكيل والرسم والفنون الأخرى لتحصيل رؤيا شاملة وعميقة الدلالة أثناء عملية التلقي.
ليس لحسن باكور ها هنا مجرد قاص يسيج ثيماته ومواضيع قصصه بتحركات الكائنات الورقية داخل اسمنت الفضاء وعقارب ''التزمين'' ولسعاتها، بقدر ما هو مناور ذكي ينحت في خصوبة التجارب الإنسانية التي يجعل منها مساحات لقطف لذائذ صامتة، وكأننا به يحيلنا على صمت الألوان الصارخة في لوحات الفن التشكيلي عند انعكاسها الاغترابي في واقعنا المأزوم بالمفهوم الفينومينولوجي phenomenological عند غادامير.
كما أن طريقته في السرد تخرق الحبكة التقليدية، حيث أن " تسلسل الأحداث لم يعد خاضعا لقواعد أو نظام البداية- الوسط (العقدة) ثم الحل، بل أصبح النص القصصي يروم الإمساك بقانون بنيوي جديد يضبط النص، حيث الانتقال من السرد المتسلسل للأحداث إلى السرد المتقطع أو اللاسرد. فالنص يتشظى إلى مقاطع مشهدية، مما يجعل الجمل السردية تبدو مستقلة عن بعضها رغم وجود خيط ناظم بين أحداثها وفضاءاتها وشخصياتها وأنفاسها المتقطعة"[7].
و نقرأ معه في هذا السياق، من قصة "امرأة جميلة تنتظر" :
" في ظل الجدار العالي تقف امرأة وحيدة.. كانت تنتظر شيئا أو أحدا ما... و أنا كنت أرنو إليها من هناك، يتلبسني الخوف و الترقب، و أنتظر أن تنهار و تتهاوى في أي لحظة"[8].
ويمثل الانتظار هنا عالما ضبابيا يثير الدهشة،بوصفه عالما غامضا ملتبسا لا نعرف رأسه من نهايته، نستسلم فيه لتداعيات الزمن و الآخر البعيد القابع هناك، حيث يشرع السارد بشكل إيحائي في طرح أسئلة عارمة يتوقع جوابها عند الخروج من هذا العالم، كما يصبو إلى الاقتراب من هذه المرأة، لكنه لا يستطيع ذلك، مادامت هي نفسها متورطة في الحدث، شاردة في الزمن و المكان.
3) القلق الوجودي وملمح التشكيل السردي:
تثير قصة "رجل الكراسي" -وهي بالمناسبة عنوان المجموعة- مصير الذات الإنسانية المغلفة بالعذاب الداخلي، المتنطعة للخلاص من جبروت الواقع، عبر الانفتاح على عالمي الوقوف والانتظار في الزمن والمكان معا، إذ ينساب هذا النفس المتردد مثل رجع الصدى عندما يأتي بائع الكراسي ولا يقتعد مكانا بعينه طيلة اليوم، مسلما ذاته للحركة داخل حيز مكاني ضيق يلخص حياة الإنسان وعالمه الصغير.
و يتكرر الأمر ذاته في قصة "نظارات سوداء" التي تغلف شخصياتها ضراوة الزمن بتجاوز الواقع والسعي للخلاص من ربقة الواقع المتشظي، ويتقاطع لحسن باكور بذلك مع روائي وقصاص مغربي شهير هو محمد زفزاف (1945-2001)، حيث نلفي لدى الأخير نصوصا "تفجر بؤرة الأعماق السفلى.. تستعيد رمزيا العيش وقساوته، تنتسب لسطوة المكان. كما أن طبيعة التراكم النصي الذي استطاع هذا المبدع تحقيقه أفرزت تنوعا في أشكال صوغ و توليد الحكاية"[9].
و في ضوء ذلك، تعكس القصة ذاتها القلق الوجودي الذي يغلف الذات الإنسانية ويدفعها للخروج من بوتقة العذاب اليومي الذي تتورط فيه بشكل غير واع، منقادة إلى مصيرها الأزلي ومكبلة بسطوة الهامش الذي تنتمي إليه. إنه نوع من الحيرة السيكولوجية التي تضمد جراحات النفس البشرية وتدعوها للانعتاق من رحم الواقع عبر رفض لعنة البياض، كما تجسدها عتمة النظارات السوداء.
و يمضي لحسن باكور في إيقاعه المضمخ بالأسئلة الحارقة، معتمدا تقنية التخلي عن الصرامة التقريرية في الحكي، و متمسكا بالخرق التناصي لصيرورة الحدث، حيث تتداخل عوالم الحقيقة بعوالم الوهم والفنطاستيك في لمحة قصيرة تكبل أنطلوجية الفرد، وتبئر انتماءاته إلى العالم السحيق، كما تسلط الأضواء الكاشفة على سراديب نفسيته المهزوزة حتى النخاع.
وإذا عدنا إلى بعض التجليات في هذه القصة بالذات ندرك من الوهلة الأولى أن الوصف يمثل ملمحا أساسيا في المعمار النصي باعتباره نسيجا متشابكا، ينتقل فيه السارد من محطة إلى أخرى دون كلل أو ملل. و نستطيع القول في هذا الصدد أن دقة الوصف عند لحسن باكور ساهمت إلى حد ما في كشف بواطن الشخصيات وعوالمها المظلمة، مثلما أنها استطاعت إعطاءنا بصيصا من الجمال عن البعد الآخر فيها.
خــاتمة:
نخلص في نهاية هذه الورقة النقدية إلى أن الروائي والقصاص المغربي لحسن باكور يمتلك قدرة متميزة على نسج خيوط الشكل التصويري، ويجعل آفاقه تنساب بسلاسة بين إحداثيات الكلمات وأمداء الألوان المختلطة. إن الأمر ليس مجرد إعادة تدوير لدلالة الفن لجعله في خدمة الكتابة القصصية، ولكنه توظيف شكلاني و"تكنولوجي" -إذا صح المصطلح- يساعد على ملء الفراغات أثناء التأويل، ويفضي إلى تذوق عميق للمتون السردية المدروسة، وهي المؤشرات العامة التي تتغذى منها النصوص الإبداعية -عنده- وتحتفي بمواضيعها وثيماتها الاجتماعية بلغة خاطفة وتصوير تشكيلي بديع.
وفي ضوء ذلك، نسمح لأنفسنا بالقول أن هذا المبدع قد نجح في اعتماد الملامح التشكيلية في نصوصه بصيغ متفردة، واستطاع أيضا فسح المجال أمام تداخل الأصوات وحوارية شخصياته، بعدما جعلها تنسج خيوطها انطلاقا من الملمح البوليفوني الحاضر دوما في كتاباته، بما يجعل أضمومة "رجل الكراسي" تستحق بالفعل الجوائز الأدبية التي حازتها سابقا باعتبارها عالما سرديا شفافا مضمخا بعبق الحياة وتفاصيلها.
الإحالات والهوامش:
[1] -Norman Fairclough, Discourse and social change, Polity Press, USA/UK, 2006, P : 90.
[2] -Terry Eagleton, Literary criticism, University of Minnesota Press, USA ,2008, P: 49.
[3] - د. حسن لشكر، الرواية والفنون السمعية البصرية سلسلة كتاب المجلة العربية، الرياض، ط1، 2011، ص 109.
[4] -ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، تر.محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر، القاهرة، ط1، 1987، ص : 35.
[5] - د. شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 267، الكويت، مارس 2001، ص 22.
[6] - وليم راي، المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية تر. د.يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون للترجمة و النشر، بغداد، ط1، 1987، ص: 74
[7] - د.حسن لشكر، الخصائص النوعية للقصة القصيرة في المغرب: القصة التجريبية نموذجا، نداكوم دزاين، الرباط، ط1، 2006، ص:17.
[8] - لحسن باكور، رجل الكراسي، مطبعة وليلي، مراكش، ط 2، 2010، ص 13.
[9] - د.حسن لشكر الخصائص النوعية للقصة القصيرة في المغرب : القصة التجريبية نموذجا ، ص: 51.
يؤسس المشروع السردي لدى القاص والروائي المغربي لحسن باكور (1972-) أرضية خصبة تستمد مقوماتها من الذاكرة الثقافية والجمعية للأمكنة والشخصيات التي يصطاد تفاصيلها بعبق الجمال والقبح معا. فما يميز تجربته الإبداعية انتماؤه –مهنيا- إلى سلك الشرطة والأمن في المغرب، حيث يستقر بمدينة مراكش، ويشتغل ضابطا للأمن فيها، وهو شيء غير مألوف في مهن الكتّاب الذين اعتدنا -إلى حد ما- انتماءهم إلى حقول كلاسيكية من قبيل التدريس والصحافة والمحاماة والسياسة والطب والإدارة وغيرها.
نقف منذ الوهلة الأولى مشدوهين عند قراءة إبداعات لحسن باكور، المعروف بنيله عددا من الجوائز العربية في السرد (دبي الثقافية والشارقة والطيب صالح)، إذ تنفتح تجربته على كثير من الثيمات المتفردة، فيحضر خلالها إيقاع البعد التشكيلي بشكل صارخ، وتنبني الكتابة عنده على خاصية اصطياد التفاصيل المشهدية الدقيقة، تجعله يحاصر اليومي الإنساني بألوانه وأصواته المتفردة، قريبا من المراوغات اللاذعة و بعيدا عن الصراعات الأفقية والعمودية التي تملأ حياتنا الصاخبة بمختلف طبقاتها الاجتماعية.
1) حوارية الألوان والأصوات:
تأتي أضمومة ''رجل الكراسي'' في طبعتها الأخيرة - بعدما سبق لها أن حازت جائزة الشارقة دورة 2008- في سياق إبداعي يثري المشروع الاستطيقي Esthetic الذي يرسمه المبدع هاهنا منطلقا من أرضية قلق أبدي لا يسكن، ومن إيقاع نفسي لا يهدأ. ويشترك -في هذا المنطلق أساسا- مع كتاب عالميين مثل بورخيس وفوينتس، من حيث النفس الاحتفائي بالذات في تشظياتها المتنوعة، محولا تفاصيل البشاعة إلى منبع للتصالح مع الذات وتحريك العاطفة الإنسانية.
كما يتقاطع مع كبار الروائيين العرب في ذات المجال من قبيل رائد الرواية الكويتية إسماعيل فهد إسماعيل والمغربي محمد برادة وحنا مينا و غيرهم، فتجده بذلك مرتكزا على مقومات استطيقا الفن وأبعاد التفاصيل الهامشية التي يضمدها بلغة سلسة تنساب على صفحات قصصه مضمخة بأكاليل التشكيل وصيد التفاصيل اليومية.
وهكذا، تحضر أبعاد البياض والسواد بعبقها الجمالي في هذه المجموعة ضمن عدة نصوص قصصية، بما هي خلفية تشكيلية تحاصر شخصيات القصص التسع في فضاءاتها المتنوعة، وتلملم جراحاتها المتعددة. ومن ثمة، تصنع منها عوالم متداخلة الأبعاد، تضمخها بوليفونية الأصوات المنتشية بعبق الذاكرة وصيحات الأنا في تداعي فضاءات وأزمنة تشتغل سرديا ووصفيا حسب الوتيرة الحكائية ذاتها.
إن البعد الإيتمولوجي Etymologic لعتمة الألوان هنا لا يتقاطع مع الظلام وانعدام الرؤية أو السديمية المطلقة كما قد يُفهم مبدئيا، وإنما هو حضور خافت لمساحات الظل المتاحة؛ تماما مثل الخلفية الفنية والجمالية التي تحبل بها لوحات التشكيل والرسم التجريدي، فيتم توظيفها بهذا الوعي المحطم للجسور بين الأشكال التعبيرية الإنسانية، لتأتي الأمكنة خالية من بريقها الحقيقي بوصفها انعكاسا للحالة السيكولوجية للشخصيات القصصية الباهتة في حضورها/وجودها الاجتماعي والاقتصادي.
تصير الكتابة القصصية عند لحسن باكور مُرمّزة بسَنَنٍ علاماتي/بصري وأيقوني بهذا التصوير الفني لهذه اللذات الضيقة والعابرة في حياتنا، تقتات من اختراق إحداثيات وأبعاد ''الواقعية البلزاكية''، وتبصم على عبور وإثراء التشكل الخطابي لصيغ السرد داخل القصص، عبر التعدد الوجودي للأصوات وتلوين ملامحها البوليفونية بصيغ متداخلة. والجميل في ذلك أن الشخصيات التي يختارها القاص هنا "غير واعية بالأبعاد الإيديولوجية لممارساتها الحياتية اليومية، بشكل يجعل أداءها عفويا و تلقائيا"[1].
كما أن اشتغال مساحات العتمة والظل ضمن هذا المنحنى المتداعي يُصيرها خلفية متأرجحة بين الضبابية في نسج تفاصيل الكتابة القصصية ''الشذرية''، وبين التحركات الحاضرة في تحرك وسكون الشخصيات. وربما يعود ذلك إلى "نوع من المثالية الباحثة عن الوعي الإنساني باعتباره عالما للخلاص والبراءة بتعبير هوسرل"[2].
فليس الأمر هنا متعلقا بوحدة موضوع/ثيمة بالمفهوم الكلاسيكي والتقليدي، بقدر ما هو تشابك ''ثيماتيكي'' خفي في البنية العميقة للنصوص -المختلفة مضمونا والمتماثلة تصويرا- بإيقاع تشكيلي متفرد.
ويحتفي القاص بالمهمشين والموتى وعوالم الظل الباهتة في الهنا والهناك، ويسمع (برفع أوله وكسر ما قبل آخره) أصواتهم بعيدا عن الأيديولوجيا الضيقة المغلقة للتأويل، وقريبا من القيم والمشترك الإنساني العام ذي النزعة المتعددة الأصوات.
ويحيلنا النفس التشكيلي عند باكور على تجربة الروائي الفلسطيني المتميز جبرا إبراهيم جبرا الذي تقتات نصوصه الروائية و السردية من الخلفية الثرية التي تمنحها الفنون التشكيلية (الرسم والنحت أساسا)، حين سعى إلى تحطيم الجسور بين عالم الكتابة السردية "وعالم الرسم بصفة عامة مستفيدا من تقنياته ومن آليات تشكل الخطاب البصري. ولعل التجربة المكتنزة لهذا الملمح السردي... نابعة من صلب التجربة الفنية"[3].
ونلمس ذلك في هذا السياق، حيث تحضر هذه العوامل الخلفية بوعي مغاير داخل النص القصصي عند باكور في جداريات متناثرة بألق جمالي يلملم تأرجح الواقع و قبح الأشياء، و يأسرها في لحظاتها الخاطفة.
لقد سعى القاص المغربي في هذه المجموعة إلى وضع اليد على نقطة البدء في الرسم والنقش بالكلمات بما هي موقد تتقد فيه شرارة الألوان منذ وعى الإنسان خصوصية الطبيعة وتلاوينها، تتشابك أحيانا وتتباعد أحيانا أخرى، فينتج عن احتكاكها ظهور ألوان جديدة وابتكارات جمالية استثنائية، وظفها باحترافية لغوية في النفس القصصي.
و يؤشر على ذلك هذا الاحتفاء باللغة وعدم "تجاهل حياة الألفاظ خارج معمل الفن، أي وسط الفضاءات الشاسعة، للساحات العمومية، والأزقة والمدن والقرى، والفئات الاجتماعية والأجيال والحقب"[4].
إن حضور الصور المتداخلة في هذا الطقس الإبداعي لا يحيل على عالم الرؤية بالمفهوم ''المادي'' المباشر، بقدر ما يفتح أعيننا على رؤية بانورامية (بمفهوم هنري جيمس) مشرعة على ثنائيات متشابكة ضمن عوالم الخيال والواقع، الحب والألم، الفرح والأذى، القبح والجمال، توحدها الصور العابرة التي تتورط فيها ذوات الشخصيات وخلفيات ''التفضيء'' و''التزمين'' المحتضنة لها، تماما كما يشير غومبريتش Gombrich إلى أن جمال العمل الإبداعي والفني لا يكمن فقط في جمال موضوعه بل في جمال أسلوب التعبير عنه[5].
2) لذة التلقي و ملء البياضات:
يجد القارئ نفسه متورطا، حتى أخمص قدميه، في لعبتي السرد والوصف عند قراءة أضمومة ''رجل الكراسي''، تتقاذفه عوالم الشخصيات بملامحها الهاربة من ظل الأحداث اللافحة، على غرار حبكة "الضوء الهارب" للكبير فنّا وسردا محمد برادة، وكأن الأمر يتعلق بصراع "الدون كيشوت" ضد طواحين الهواء التي يسعى جاهدا لدحضها. ولا تكتمل لذة قراءة مجموعة "رجل الكراسي" باستنباط الدلالات الثاوية في بواطن نصوصها فقط، بل تتطلب بشكل خاطف ضرورة استحضار صيرورة التأويل في بعدها الهرمينوطيقي، وتضمخ أبعاده بملء البياضات الضحلة والعميقة من لدن قارئ متفطن عاشق للسرد، و عارف بالمجال التي تجري فيه الأحداث.
ومن داخل هذا الطقس القرائي بامتياز، نجد أنفسنا مشدوهين حتى النخاع بسردية الأحداث و تناصها، وضرورة ملء الفراغات حتى يكتمل البعد التأويلي، وتتكشف أمامنا سراديب الدلالة. لذلك، فخلال قراءتنا لهذه المجموعة القصصية نستكشف أغوار اللذة القرائية المستعصية والتي تغلفها عتمة أسلوبية خاطفة، يوظفها القاص بتقنية جمالية تأخذها من النقيض الدلالي المادي الذي توصف به إلى المعنى الهائم الذي يجعل الدلالة ها هنا مغلفة بشرنقة التصوير بلغة إيحائية وانزياحية تنساب بعذوبة في نفسية القارئ.
إن تشييد مسار الدلالة عند قراءة هذه القصص ينبع من اعتبار "المعنى، مثلا، ليس مجرد حكم إدراكي للنقد الأدبي، بل عملية تحويل أكثر جوهرية، ذات مستويات عديدة، تطور عن طريقها المادة الخيالية في النص التي يشترك فيها القارئ"[6].
إنها اللذة الزئبقية التي تجاور تأويلات غائرة في حدود اللامعنى، وهو الأمر الذي يتطلب التسلح بعُدة أركيولوجية عابرة لأشكال التعبير الإنساني كي يوظفها في استكناه بواطن مثل هذه النصوص، منفتحا قبل ذلك على التشكيل والرسم والفنون الأخرى لتحصيل رؤيا شاملة وعميقة الدلالة أثناء عملية التلقي.
ليس لحسن باكور ها هنا مجرد قاص يسيج ثيماته ومواضيع قصصه بتحركات الكائنات الورقية داخل اسمنت الفضاء وعقارب ''التزمين'' ولسعاتها، بقدر ما هو مناور ذكي ينحت في خصوبة التجارب الإنسانية التي يجعل منها مساحات لقطف لذائذ صامتة، وكأننا به يحيلنا على صمت الألوان الصارخة في لوحات الفن التشكيلي عند انعكاسها الاغترابي في واقعنا المأزوم بالمفهوم الفينومينولوجي phenomenological عند غادامير.
كما أن طريقته في السرد تخرق الحبكة التقليدية، حيث أن " تسلسل الأحداث لم يعد خاضعا لقواعد أو نظام البداية- الوسط (العقدة) ثم الحل، بل أصبح النص القصصي يروم الإمساك بقانون بنيوي جديد يضبط النص، حيث الانتقال من السرد المتسلسل للأحداث إلى السرد المتقطع أو اللاسرد. فالنص يتشظى إلى مقاطع مشهدية، مما يجعل الجمل السردية تبدو مستقلة عن بعضها رغم وجود خيط ناظم بين أحداثها وفضاءاتها وشخصياتها وأنفاسها المتقطعة"[7].
و نقرأ معه في هذا السياق، من قصة "امرأة جميلة تنتظر" :
" في ظل الجدار العالي تقف امرأة وحيدة.. كانت تنتظر شيئا أو أحدا ما... و أنا كنت أرنو إليها من هناك، يتلبسني الخوف و الترقب، و أنتظر أن تنهار و تتهاوى في أي لحظة"[8].
ويمثل الانتظار هنا عالما ضبابيا يثير الدهشة،بوصفه عالما غامضا ملتبسا لا نعرف رأسه من نهايته، نستسلم فيه لتداعيات الزمن و الآخر البعيد القابع هناك، حيث يشرع السارد بشكل إيحائي في طرح أسئلة عارمة يتوقع جوابها عند الخروج من هذا العالم، كما يصبو إلى الاقتراب من هذه المرأة، لكنه لا يستطيع ذلك، مادامت هي نفسها متورطة في الحدث، شاردة في الزمن و المكان.
3) القلق الوجودي وملمح التشكيل السردي:
تثير قصة "رجل الكراسي" -وهي بالمناسبة عنوان المجموعة- مصير الذات الإنسانية المغلفة بالعذاب الداخلي، المتنطعة للخلاص من جبروت الواقع، عبر الانفتاح على عالمي الوقوف والانتظار في الزمن والمكان معا، إذ ينساب هذا النفس المتردد مثل رجع الصدى عندما يأتي بائع الكراسي ولا يقتعد مكانا بعينه طيلة اليوم، مسلما ذاته للحركة داخل حيز مكاني ضيق يلخص حياة الإنسان وعالمه الصغير.
و يتكرر الأمر ذاته في قصة "نظارات سوداء" التي تغلف شخصياتها ضراوة الزمن بتجاوز الواقع والسعي للخلاص من ربقة الواقع المتشظي، ويتقاطع لحسن باكور بذلك مع روائي وقصاص مغربي شهير هو محمد زفزاف (1945-2001)، حيث نلفي لدى الأخير نصوصا "تفجر بؤرة الأعماق السفلى.. تستعيد رمزيا العيش وقساوته، تنتسب لسطوة المكان. كما أن طبيعة التراكم النصي الذي استطاع هذا المبدع تحقيقه أفرزت تنوعا في أشكال صوغ و توليد الحكاية"[9].
و في ضوء ذلك، تعكس القصة ذاتها القلق الوجودي الذي يغلف الذات الإنسانية ويدفعها للخروج من بوتقة العذاب اليومي الذي تتورط فيه بشكل غير واع، منقادة إلى مصيرها الأزلي ومكبلة بسطوة الهامش الذي تنتمي إليه. إنه نوع من الحيرة السيكولوجية التي تضمد جراحات النفس البشرية وتدعوها للانعتاق من رحم الواقع عبر رفض لعنة البياض، كما تجسدها عتمة النظارات السوداء.
و يمضي لحسن باكور في إيقاعه المضمخ بالأسئلة الحارقة، معتمدا تقنية التخلي عن الصرامة التقريرية في الحكي، و متمسكا بالخرق التناصي لصيرورة الحدث، حيث تتداخل عوالم الحقيقة بعوالم الوهم والفنطاستيك في لمحة قصيرة تكبل أنطلوجية الفرد، وتبئر انتماءاته إلى العالم السحيق، كما تسلط الأضواء الكاشفة على سراديب نفسيته المهزوزة حتى النخاع.
وإذا عدنا إلى بعض التجليات في هذه القصة بالذات ندرك من الوهلة الأولى أن الوصف يمثل ملمحا أساسيا في المعمار النصي باعتباره نسيجا متشابكا، ينتقل فيه السارد من محطة إلى أخرى دون كلل أو ملل. و نستطيع القول في هذا الصدد أن دقة الوصف عند لحسن باكور ساهمت إلى حد ما في كشف بواطن الشخصيات وعوالمها المظلمة، مثلما أنها استطاعت إعطاءنا بصيصا من الجمال عن البعد الآخر فيها.
خــاتمة:
نخلص في نهاية هذه الورقة النقدية إلى أن الروائي والقصاص المغربي لحسن باكور يمتلك قدرة متميزة على نسج خيوط الشكل التصويري، ويجعل آفاقه تنساب بسلاسة بين إحداثيات الكلمات وأمداء الألوان المختلطة. إن الأمر ليس مجرد إعادة تدوير لدلالة الفن لجعله في خدمة الكتابة القصصية، ولكنه توظيف شكلاني و"تكنولوجي" -إذا صح المصطلح- يساعد على ملء الفراغات أثناء التأويل، ويفضي إلى تذوق عميق للمتون السردية المدروسة، وهي المؤشرات العامة التي تتغذى منها النصوص الإبداعية -عنده- وتحتفي بمواضيعها وثيماتها الاجتماعية بلغة خاطفة وتصوير تشكيلي بديع.
وفي ضوء ذلك، نسمح لأنفسنا بالقول أن هذا المبدع قد نجح في اعتماد الملامح التشكيلية في نصوصه بصيغ متفردة، واستطاع أيضا فسح المجال أمام تداخل الأصوات وحوارية شخصياته، بعدما جعلها تنسج خيوطها انطلاقا من الملمح البوليفوني الحاضر دوما في كتاباته، بما يجعل أضمومة "رجل الكراسي" تستحق بالفعل الجوائز الأدبية التي حازتها سابقا باعتبارها عالما سرديا شفافا مضمخا بعبق الحياة وتفاصيلها.
الإحالات والهوامش:
[1] -Norman Fairclough, Discourse and social change, Polity Press, USA/UK, 2006, P : 90.
[2] -Terry Eagleton, Literary criticism, University of Minnesota Press, USA ,2008, P: 49.
[3] - د. حسن لشكر، الرواية والفنون السمعية البصرية سلسلة كتاب المجلة العربية، الرياض، ط1، 2011، ص 109.
[4] -ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، تر.محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر، القاهرة، ط1، 1987، ص : 35.
[5] - د. شاكر عبد الحميد، التفضيل الجمالي، سلسلة عالم المعرفة، عدد 267، الكويت، مارس 2001، ص 22.
[6] - وليم راي، المعنى الأدبي من الظاهراتية إلى التفكيكية تر. د.يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون للترجمة و النشر، بغداد، ط1، 1987، ص: 74
[7] - د.حسن لشكر، الخصائص النوعية للقصة القصيرة في المغرب: القصة التجريبية نموذجا، نداكوم دزاين، الرباط، ط1، 2006، ص:17.
[8] - لحسن باكور، رجل الكراسي، مطبعة وليلي، مراكش، ط 2، 2010، ص 13.
[9] - د.حسن لشكر الخصائص النوعية للقصة القصيرة في المغرب : القصة التجريبية نموذجا ، ص: 51.