كان ذو الكفل من أغنياء بني اسرائيل، يعيش بمفرده، بين خدمه وعبيده، وبينما هو في متجره؛ جاءته امرأة جميلة راغبة في إحسان منه، فرغب فيها، وطلب أن تأتيه إلى بيته. فترددت المرأة بعض الوقت، لكنها قبلت على مضض. أخذ يصف لها الطريق إلى بيته، وهي شاردة حزينة.
جهز ذو الكفل المكان لزائرته، المساند، والأريكة المريحة، وأفخر الطعام، وجاءت المرأة، كانت تسير وجلة. أحنت رأسها أمامه، فقال لها سعيدا:
- اجلسي.
فجلستْ، وهي تخفي وجهها خجلة. قال:
- كلي.
فمدت يدها إلى الطعام، وأكلت ساهمة، شاردة. وهو يتابعها بإعجاب شديد.
وبعد أن أكلت وغسلت يديها، اقترب منها، وامسك خمارها الذي تشده على وجهها:
- ما الذي يجعلك تخفين وجهك هكذا؟
فكشفت عن وجهها الجميل، فقام مسرعا، وأراد أن يلمسها، لكنها ابتعدت عنه قليلا وهي تبكي، فصاح بها غاضباً.
- لماذا تفعلين هذا؟
فكشفت عن وجهها ثانية، فحاول مرة أخرى، لكنها ابتعدت في جزع وخوف. فصاح غاضبا:
- هل أكرهتك على الحضور؟
- لا.
- فلماذا تبتعدين عني؟
- لأنني لم أفعل هذا قط من قبل.
- فما حملك عليه؟
- الحاجة.
فأخذ نقودا من كيسه، ووضعها في يدها قائلا:
- إنها لكِ.
أمسكت المرأة النقود الكثيرة ونظرت إليه مندهشة:
- هي لي دون شيء؟!
- نعم ، فوالله لا يعصي الله ذو الكفل أبداً.
فقامت المرأة فرحة وقد نجت من هذا. واسرعت إلى الشارع وهي غير مصدقة بنجاتها مما كان ينتظرها .
ونام ذو الكفل سعيداً بما فعل، لكن لم يقم من نومه ثانية، فقد أماته الله في ليلته.
فوجدوا مكتوباً على بابه: غفر الله لذي الكفل.
***
كتبت هذه القصة وأرسلتها إلى مجلة الأدب الإسلامي منذ سنوات كثيرة، وقد نشروا لي كثيرا من قبل، فرفضوا نشر القصة، وغضبوا مني، بمعنى كيف أتحدث على نبي ذكر في القرآن وأقول عليه ما قلته.
صدمني ردهم، فأنا أتعامل مع مثل هذه الحكايات بحذر. قلت لهم هذا ما قرأته عن ذي الكفل. فابن كثير يقول في ذلك: الظاهر أن من ذكره في القرآن بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور.
كان ذو الكفل يصلي كل يوم مائة صلاة، قيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل. قال والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل، كما أن الكثير من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا النزر اليسير.
***
ومما ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكر القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر ما قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينار على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك، ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر الله للكفل). وقال ابن كثير: ورواه الترمذي وقال: حديث حسن وروي موقوفا على ابن عمر وفي إسناده نظر فإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.
ويذكر بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي ذا الكفل وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق.
مصطفى نصر
جهز ذو الكفل المكان لزائرته، المساند، والأريكة المريحة، وأفخر الطعام، وجاءت المرأة، كانت تسير وجلة. أحنت رأسها أمامه، فقال لها سعيدا:
- اجلسي.
فجلستْ، وهي تخفي وجهها خجلة. قال:
- كلي.
فمدت يدها إلى الطعام، وأكلت ساهمة، شاردة. وهو يتابعها بإعجاب شديد.
وبعد أن أكلت وغسلت يديها، اقترب منها، وامسك خمارها الذي تشده على وجهها:
- ما الذي يجعلك تخفين وجهك هكذا؟
فكشفت عن وجهها الجميل، فقام مسرعا، وأراد أن يلمسها، لكنها ابتعدت عنه قليلا وهي تبكي، فصاح بها غاضباً.
- لماذا تفعلين هذا؟
فكشفت عن وجهها ثانية، فحاول مرة أخرى، لكنها ابتعدت في جزع وخوف. فصاح غاضبا:
- هل أكرهتك على الحضور؟
- لا.
- فلماذا تبتعدين عني؟
- لأنني لم أفعل هذا قط من قبل.
- فما حملك عليه؟
- الحاجة.
فأخذ نقودا من كيسه، ووضعها في يدها قائلا:
- إنها لكِ.
أمسكت المرأة النقود الكثيرة ونظرت إليه مندهشة:
- هي لي دون شيء؟!
- نعم ، فوالله لا يعصي الله ذو الكفل أبداً.
فقامت المرأة فرحة وقد نجت من هذا. واسرعت إلى الشارع وهي غير مصدقة بنجاتها مما كان ينتظرها .
ونام ذو الكفل سعيداً بما فعل، لكن لم يقم من نومه ثانية، فقد أماته الله في ليلته.
فوجدوا مكتوباً على بابه: غفر الله لذي الكفل.
***
كتبت هذه القصة وأرسلتها إلى مجلة الأدب الإسلامي منذ سنوات كثيرة، وقد نشروا لي كثيرا من قبل، فرفضوا نشر القصة، وغضبوا مني، بمعنى كيف أتحدث على نبي ذكر في القرآن وأقول عليه ما قلته.
صدمني ردهم، فأنا أتعامل مع مثل هذه الحكايات بحذر. قلت لهم هذا ما قرأته عن ذي الكفل. فابن كثير يقول في ذلك: الظاهر أن من ذكره في القرآن بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام وهذا هو المشهور.
كان ذو الكفل يصلي كل يوم مائة صلاة، قيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل. قال والقرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل، كما أن الكثير من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا النزر اليسير.
***
ومما ينبغي التنبه له أن (ذا الكفل) الذي ذكر القرآن هو غير (الكفل) الذي ذكر في الحديث الشريف ونص الحديث كما رواه الأمام أحمد عن ابن عمر ما قال: (كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينار على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت: لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتني عليه الحاجة. قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ ثم نزل فقال أذهبي بالدنانير لك، ثم قال: والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر الله للكفل). وقال ابن كثير: ورواه الترمذي وقال: حديث حسن وروي موقوفا على ابن عمر وفي إسناده نظر فإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل وإنما لفظ الحديث الكفل من غير إضافة فهو إذا رجل آخر غير المذكور في القرآن.
ويذكر بعض المؤرخين أن ذا الكفل تكفل لبني قومه أن يكفيهم أمرهم ويقضي بينهم بالعدل فسمي ذا الكفل وذكروا بعض القصص في ذلك ولكنها قصص تحتاج إلى تثبت وإلى تمحيص وتدقيق.
مصطفى نصر