أ. د. عادل الأسطة - الفلسطيني التاجر المقامر في رواية ليلى الأطرش "لا تشبه ذاتها"

" لا تشبه ذاتها " هي آخر روايات ليلى الأطرش الفلسطينية المقيمة في الأردن منذ ١٩٦٧ . صدرت الرواية عن دار الشروق في ٢٠١٨ ، وكان صدر للكاتبة الروايات الآتية : " وتشرق غربا " (١٩٨٨ ) و " امرأة للفصول الخمسة " (١٩٩٠ ) و " ليلتان وظل امرأة " ( ١٩٩٨ ) و " و" صهيل المسافات " ( ١٩٩٩ ) و " مرافيء الوهم "( ٢٠٠٥ ) و " رغبات ذلك الخريف "( ٢٠١٠ ) و " أبناء الريح " ( ٢٠١٢ ) و " ترانيم الغواية " ( ٢٠١٤ ) والأخيرة فازت بجائزة فلسطينية .
في البحث عن صورة الفلسطيني في روايات ليلى الأطرش يجد المرء نفسه يثير سؤال الهوية . هل تعد ليلى كاتبة فلسطينية أم كاتبة أردنية ؟
ليست إثارة السؤال السابق تعود إلى توجه إقليمي على الإطلاق ، وإنما ترجع لأمور تقنية لتحديد صورة الفلسطيني كما تقدمها الروايات العربية غير الفلسطينية ، فليلى فلسطينية المولد والنشأة ، واعتمادا على هذا المعيار يمكن أن تدرس تحت عنوان " الفلسطيني في الرواية الفلسطينية " - أي تصور الفلسطيني لذاته ، ولكن ليلى تزوجت من أردني وحملت الجنسية الأردنية واستقرت في الأردن ، واعتمادا على معيار المكان ؛ مكان الإقامة في أثناء كتابة الرواية ، ومعيار الهوية السياسية / جواز السفر ، فهي أردنية ، وهنا تدرس روايتها على أنها رواية أردنية ، علما بأن موضوعها أوسع من الأردن مكانا ، فهو يعود إلى مناطق واسعة من هذا العالم ؛ أفغانستان والقدس وعمان ولندن وبعض دول خليجية .
مرايا الفلسطيني :
تأتي الرواية التي تسردها حبيبة العين أرسلان الغلزاني الأفغانية ، على قصة حياتها وحياة أسرتها الإقطاعية في أفغانستان وتشردها ، إثر انقلاب الأحوال هناك ، إلى استقرارها في لندن وزواجها من الفلسطيني منذر الشرفا الذي ولد لأسرة شردت في العام ١٩٤٨ من القدس الغربية ، فعاش في المنفى وتعلم في الغرب وعانى من فقدان الوطن ، ولكنه خلافا لأبطال جبرا ابراهيم جبرا وتحديدا وليد مسعود في " البحث عن وليد مسعود " ، لم تدفعه معاناته وعلمه إلى التفكير بخدمة وطنه ، وإنما انساق وراء رغباته الذاتية ومصالحه ، فلعب القمار وكاد يفلس ، وسعى لتحقيق الثروة فقاده إغواؤها إلى إطفاء " وخز الضمير " وخلق المبررات ، فنعست القيم " ثم راحت في سبات " ، بل إنه سعيا وراء الثروة تبدل تبدلا سريعا في مواقفه من الإسرائيليين ، فتشارك معهم بعد اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل ، إذ أدرك أن فتح الأسواق الأوروبية أمام الإنتاج الزراعي يحتاج إلى علاقات وخبرة دولية يملك عزرا البهودي مفاتيحها " . ولم يعد وجود سارة وابراهام اليهوديين يثير التداعيات " السلبية لعام النكبة لديه ولا حتى ثورات هجرة عائلته ومآسي شعبه في تعامله - أي منذر - مع عزرا .
منذر الشرفا " مقامر أضاع كل شيء " وفي النهاية خسر زوجته التي ضحت من أجله واختارته على الرغم من عدم رضا أبيها و عدم ارتياحه له ، كما تقول هي ، فهي التي تروي وتبوح ، وخسر أيضا ابنتهما الوحيدة منار .
صار منذر يبرر كل السلوكات القبيحة التي ترتكب بحق الفقراء ، ومنها التجارب العلمية التي تجرى عليهم ، ولسان حاله حين أخبرته عما فعله جد والدها الإقطاعي بالفقراء ، وما أجراه عليهم مع الشركات الأجنبية من تجارب هو :
" لولا التجارب على الفئران والحيوانات وبعض المتبرعين من البشر لما حقق الإنسان أي تقدم علمي ، أو تحسن العلاج أو تطورت الأدوية ، وتجارب المختبرات أخلاقية ومسموح بها " .
والطريف أن منذر مثقف وله رأي نقدي في الفن التشكيلي وهو أيضا قاريء روايات ، فحين تسأله زوجته عن رأيه في جدارية غيرنيكا لبيكاسو يجيب :
- تأكيد لرؤيتك عن أن الصورة العامة للحروب تختزل مآسي الأفراد . لكن عبقرية بيكاسو أنه صور الحرب الأهلية الإسبانية بالتركيز على المعاناة الفردية للناس ، فتشكلت من المعاناة الفردية جدارية الهول الجمعي " .
وفي مرة ثانية ، حين كان منذر مع زوجته يطل على عمان بأحلامهما الشابة ، تروي له قصة قتل صبية أفغانية زوجها والدها لتاجر طاعن في السن يغيب عنها للتجارة ، فأحبت شابا وسيما وعوقبت بالرجم ، يعلق منذر بالآتي :
" - قصاص النساء واحد رغم اختلاف الثقافات ، ما وصفت يشبه رجم الأرملة في رواية كازانتاكس ، زوربا اليوناني " .
ولكي لا نظلم الساردة ونقول إنها إنما تبرز هذه الصورة السلبية لمنذر لأنه تخلى عنها وطلقها ، ولأنها في حالة نفسية صعبة ، حيث تعاني من السرطان ، فإنه يجب علينا أن ننظر في الصورة التي قدمتها لجد والدها الإقطاعي ، ولكن قبل ذلك لنقرأ
السطر الآتي لحبيبة العين حيث تلخص فيه رأيها في طليقها :
" أسئلة حيرتني قبل أن أكتشف معدنك ، أن مصلحتك وحدها تقود خطاك " . إنه محور ذاته " ولم تسمح يوما إلا أن تتقدم مصالحك على احتياجات من حولك " .
مقابل هذا لا تتردد في إيراد ما قالته طفلة أفغانية لها تبدي رأيها في عائلتها - أي عائلة حبيبة العين :
" طائراتكم رشت الناس بالسم ، فكبروا عميانا أو ضعاف البصر ، لم يروا طائرة من قبل ، ولم يقل لهم رجال جدك أن يغلقوا عيونهم ، وهم يدعون على عائلتك ليلا نهارا " وما قالته الطفلة لها قالته لها أمها وأكدته ، عدا أن الجد كان يستغل العاملات ويزني بهن ، وعدا أنه ظلم أخاه ولم يعطه حقه في الميراث ، ولتبرير سلوكه إزاء أخيه زعم أن " أخاه كان شابا لاهيا مبذرا مترفعا عن متابعة العمل في الأرض ، عاش محبا للنساء والبذخ ، طارد الجواري والخادمات ولم تسلم زوجة فلاح من تحرشه " ، وهذا ما كان ينطبق على جد والدها ، والدها الذي تربى بعد وفاة أبيه في كنف جده ، فما يقال عنه - أي الجد - هو أنه " لم يكن ينتظر من يختار حتى تعتسل من روائح الطعام ، كانت حياته جمع المال والخمر وحفلات السهر والطرب ، رجل بلا قلب ، طرد شقيقه الدرويش وسرق أملاكه . مشردا عاش المسكين دون أن يعرف أحد أي بقاع الأرض حنت على اغترابه " وفي الرواية نقرأ أنه استقر في القدس متصوفا .
لا تكتمل الصورة التي تشكلها الساردة عن الفلسطيني وجد والدها الأفغاني والأفغان بعامة إلا إذا قرأنا تصورها لليهود الذين تأتي عليهم ؛ من الحاخام بنيامين إلى سارة وابراهام ، ولا يبدو هؤلاء ملائكة ، بل ولا تكتمل إلا في ضوء قراءة صورة الفلسطيني في رواياتها السابقة ، فالنظر إلى صورة الفلسطيني في هذه الرواية فقط قد يسيء إلى الكاتبة ويثير حولها جدلا ، وهو ما لاحظته ذات نهار في أثناء تعقيب بعض القراء على ما كتبته في الفيس بوك ، وهو ما جعل الكاتبة تدافع عن نفسه إذ اقترحت ألا ينظر إلى هذه الرواية منعزلة عن بقية رواياتها ، وأعتقد أن تتبع النماذج الفلسطينية في رواياتها كلها وفي ضوء زمنها الكتابي وتطور هذه الصورة وتغيرها وربطها بالأوضاع السياسية للفلسطينيين في الوطن والشتات يبدو أمرا مجديا ومنصفا أكثر ، فعزل " لا تشبه ذاتها " عن مجمل أعمال الكاتبة ودراسة صورة الفلسطيني فيها فقط ليس في صالح ليلى الأطرش على الإطلاق ، حتى لو دافعت عن روايتها فنيا وقالت إن صورة الفلسطيني فيها لا تعكس تصورها هي ، فالساردة ليست بالضرورة الكاتبة ، وتجربة الساردة / الشخصية كانت مع الفلسطيني تجربة مرة ، عدا أنها حين التقت به أحبته وتزوجت منه وتفهمت مأساة شعبه ورأت أنه شعب ضحية ، بل وأكثر من ذلك أشارت إلى موقف الشعب الأفغاني من الشعب الفلسطيني والأقصى والقدس ونصرته لهم .
بقي أن أكتب عن صورة اليهود في الرواية ، وهذه تحتاج إلى مقالة خاصة
الجمعة
١١ حزيران ٢٠٢١

د. عادل الاسطة

** ( مقال الأحد في جريدة الايام الفلسطينية ١٣ حزيران ٢٠٢١ ، مع تعديلات )


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى