د. سليم جوهر - في صقيع كورونا... محبة الآخرين تعطي معنى للحياة

في زمن الكورونا تقهقر الانسان في صراعه ضد الفيروس، فاسماه باللعين، فهو في بحثه المحموم عن العلاج، عن اللقاح، ارتد الى كهفه يبحث عمن يؤويه ويمنحه الآمان من شر اللعين، ابتعد عن اصدقائه، عائلته، محبيه.
لم يعد المعنى حاضرا بيننا ليربطنا بعضنا ببعض، فغاب الانسان الذي نحته الانبياء والقديسين والمصلحين والعظماء، ليرتد الى جسده فيحبس كل وجوده فيه يدافع عنه وفي مقابل تاه كل ما سعى لتحقيقه في مثله ومعناه، ليعيدنا صقيع كورورنا الى علاقاتنا الاولية، علاقات الكهف، نتقوقع في كل ذلك في جو من المشاعر الباردة ، يحاصرنا الشعور بالوحدة، فتنتفض المحبة لتجد اناس يسطرون مواقف تقهر تلك الصورة القاتمة التي يريد اللعين ان يرسمها فرجعنا القهقري.
في كل ذلك تجد المحبين يقولون ان معنى الحياة حاضرا رغم كل شيء، نحترز منك ايها اللعين ولكننا لا ننسى احبتنا، اصدقائنا علاقاتنا، لا ننسى ما يمنحنا المعنى لهذه الحياة. صور من المودة رسمها احبة زملاء لي في عملي الذي غادرته رغما عن جو التباعد الذي اجبرنا عليه الفيروس، فكانت ارادة المحبة اكبر من قهر التباعد، فنقهر المسافات بالمحبة الانسانية، فنعطي للبعد معنى آخر، بارادة المحبة.
فيهتف المحبون "ان الذين يحافظون على سبب ومعنى لوجودهم نزعوا الى البقاء، وهم من يعطون للحياة "المعنى"، الذي يجب ان يكون شيئا حقيقيا وملموسا الى حد كبير.
لقد اصبحت الحاجة للمعنى في هذا الوقت اساسية و"دافعا أوليا" للوجود، فالحاجة للمعنى يجب ان يكون شيئا موجودا بالفعل وهو يختلف من إنسان لآخر ومن لحظة لآخرى.
فكلنا نتعرض لمآلات الاشياء (الفيروس) وعلاقته بما يحيط، وعلينا ان نجيب على التماسف بزمن الكورونا بشكل فعال بأن نعطي لحياتنا معنى عبر (الطيف الكامل للمعنى الممكن).
معنى الحياة الذي يشير الى ذات الانسان، الى ما يرضي عمق وجوده، وهو يشير الى شيء ما في العمق، ويكون المعنى موجها نحو شيء ما، انسان ما، لتصبح لنا (حياة ذات معنى حقا)، ان استيفاء هذا المعنى يمر عبر :
1. العلاقات، الارتباط، اي الرابطة بالآخرين والبيئة (محبة الناس والاشياء).
2. السعي للمعرفة. (التأمل في معرفة ذاتها) دون غرض آني او شخصي.
فمحبة الآخرين تنقلنا الى ما هو اعمق من الوجود الفردي البارد، وأكثر بعدا من حدودنا الخاصة والاهتمامات الضيقة.
والمعرفة تحملنا الى ما وراء الافكار الشخصية (الغايات الآنية والشخصية)، فلا يوجد شيء ما لا يمكن التفكير فيه والتنظير حوله وتأمله.
فكل الشكر لمن منحني فرصة لاجد معهم معنى للحياة في صقيع كورونا.


د. سليم جوهر


تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
حضور الجائحات والأوبئة والأمراض في الاداب والفنون
المشاهدات
526
آخر تحديث
أعلى