نشطت المسابقات الأدبية في الإسكندرية – خاصة بالنسبة للقصة القصيرة – فكان فتحي الأبياري يعلن عن مسابقته السنوية في القصة، فيشترك الكثير في المسابقة، يقوم الأستاذ محمود- سكرتير نقابة الصحفييين – باستلام القصص المشتركة في نقابة الصحفيين بشارع طلعت حرب، بعد دفع رسوم الإشتراك. ويحدد فتحي الأبياري موعدا لتوزيع الجوائز، حيث يقام حفل كبير في مسرح جمعية الشبان المسلمين بالشاطبي.
كانت هذه المسابقة عيد للثقافة في الإسكندرية، فهناك كتاب وكاتبات لا يظهرون إلا عندما يأتي فتحي الأبياري من القاهرة ليحضر هذا الأحتفال. – خاصة السيدة سعيدة قطيط وسلوى المحلاوي وغيرهما، ويكفي أن هذه المسابقة كانت السبب الأساسي في ظهور موهبة أدبية عالية هي موهبة إبراهيم عبد المجيد. فهو لم يكن يأتي لقصر ثقافة الحرية، ولم نعرفه ونحس بوجوده إلا عندما اشترك في مسابقة نادي القصة السكندري بقصة فيها فانتازيا، فحصل بها على المركز الأول، وأهتم به فتحي الأبياري - الذي كان وقتها سكرتيرا لتحرير صفحة أدبية في جريدة الأخبار، رئيس تحريرها أنيس منصور- فنشروا قصة إبراهيم عبد المجيد، فكانت حجر الأساس لظهوره وانتشاره.
كنت أحضر ندوة القصة بجمعية الشبان المسلمين بالمكتبة، فقد اتفق حسني نصار مع حسن شهاب – أمين المكتبة – لاقامة ندوة أسبوعية، فكنا نذهب للجمعية، نشرب الكاكاو خارج المكتبة، فليس مسموحا لنا بدخول المكتبة إلا في حضور حسني نصار، فإذا لم يأت حسني نصار لأي سبب من الأسباب- أن يكون مشغولا في عمله، أو على سفر- ننسحب في صمت من جمعية الشبان المسلمين، ونجلس في قهوة لقراءة قصصنا.
اتفق حسني نصار مع السيد خليفة – صاحب مطبعة لوران بشارع صلاح الدين – لنشر مجموعة قصصية لعشرة كتاب، يدفع كل منهم ثلاثة جنيهات، ويحصل العشرة على نصف كمية النسخ، والنصف الآخر يبيعه السيد خليفة لحسابه.
دفعت الجنيهات الثلاثة، واشترطت على حسني نصار أن نشترك كلنا في اختيار القصص، لكنه لم يفعل هذا، فقد وافق على قصص ضعيفة. فاعترضت على قصة لكاتبة لم تستطع الخروج من دائرة كتابة الخاطرة، ولم تتمكن من الوصول لمرحلة الخلق، واعترضت أيضا على قصص أخرى لآخرين، فقال لي حسني نصار:
- أنت كاتب جيد، لكن يوجد في المجموعة من هو أجود منك.
فقلت له ليس هذا هو موضوعنا. فأعطاني الجنيهات الثلاث، وخرجت من المشروع. وصدر كتاب طريق الشوك، لم يستمر فيه سوى إبراهيم عبد المجيد، والباقي كان هذا الكتاب هو أول وآخر أعمالهم.
هذه الحادثة شرخت العلاقة بيني وبين حسني نصار، فقد كتبت قصة قصيرة بعنوان الليل وبقايا انسان، قرأتها في ندوات كثيرة، فحققت اهتماما، فتقدمت بها في مسابقة نادي القصة التي يقيمها فتحي الأبياري وتوقع لي البعض أن تفوز ولو في العشرة الأوائل، لكن يوم توزيع الجوائز كان مفاجئا لي، ففتحي الأبياري أعطى لحسني نصار كل القصص المشتركة ليستبعد منها القصص التي لا يصح أن تشترك في مسابقة أدبية، لضعفها وسذاجتها. ففاز صديقي سعيد بدر بالجايزة الثانية أو الثالثة – لست أذكر - وفاز البعض بجوائز متأخرة جدا، يعني مثلا الخامسة والأربعين، واسمي لم يذكر وكأني لم اشترك، وقال لي حسني نصار إنه استبعد قصتي.
هذا الحادث أثر في كثيرا، فأنا الوحيد – بين الأصدقاء - الذي لم يفز في هذه المسابقة. فأقام سعيد بدر حفل لنا في سانتا لوتشيا أنفق فيه الكثير، رغم إنه لم يحصل على أي مبالغ نظير فوزه. قال لي: صعدت على المنصة، لكني لم أحصل إلا على شهادة الفوز.
قررت أن ابتعد عن الندوات نهائيا، كتبت عن هذه التجربة المريرة في روايتي سينما الدورادو. حالة الأسى والحزن التي انتابتني لعدم فوزي، بينما فاز كل زملائي في الندوة.
زرت حسني نصار في بيته بكليوباترا كثيرا مع الأصدقاء، وأكد لي بإنه هو الذي كتب كتاب " تجربتي لعثمان أحمد عثمان، فقد أختاره الناشر أحمد يحيي صاحب المكتب المصري الحديث لكي يفرغ شرائط الكاسيت التي سجلها عثمان أحمد عثمان بصوته، وقام حسني نصار بصياغة الكتاب وتوضيبه. ولكي نصدق قوله أخرج لنا من درج مكتبه الورق الذي كتب فيها الكتاب، وكان مكتوبا بقلم رصاص.
كانت مديرية الثقافة تقيم مسابقة كبرى كل سنة في القصة القصيرة والمسرحية ذات الفصل الواحد، وفي شعر الفصحى وشعر العامية. وتوزع الجوائز في احتفال كبير يقام في قلعة قايتباي يوم 26 يوليو- العيد القومي للإسكندرية- وكثيرا ما جاءت السيدة جيهان السادات لتوزع الجوائز علينا، ويحضر الأحتفال محافظ الإسكندرية وكبار كتاب مصر.
كان هذا اليوم عيد لنا، نسعد به، نتقابل فيه مع كتاب كبار يأتوا خصيصا من القاهرة، كما أننا كنا نحصل على مبلغ ليس بالقليل- جوائز في المسابقة - فقد كنت أفوز عادة بالجائزة الثانية في القصة القصيرة – بعد سعيد بكر – وأفوز أيضا بجائزة في مسابقة المسرحية ذات الفصل الواحد.
كانت الجوائز توزع طبقا للإتفاق، فقد كنا نخرج من الندوة، فنسير حتى ميدان محطة الرمل لتفقد الكتب والمجلات الأدبية هناك، فسمعت رجب سعد السيد يقول لعبد الله هاشم وسعيد بكر في اعتراض:
- كل سنة توزعوا المكافآت كما تريدون.
فقال سعيد بكر محذرا بصوت أراد أن يكون خافتا لكنني سمعته بوضوح:
- مصطفى نصر ورانا، مصطفى نصر ورانا.
ومرة اشترك حسني نصار في التحكيم، مشاركا عبد الله هاشم، فقال عبدالله هاشم لي – في لحظة صدق -:
- طلب سعيد بكر مني أن أعطيه نمرة أكبر، لأنه قلق لاشتراك حسني نصار في التحكيم، لأنه رجل تقليدي ولن يتعاطف مع قصصه الحداثية.
حصلت لأول مرة على المركز الثالث في هذه المسابقة بسبب حسني نصار، فقد قال لي:
- أعطيتك درجة أقل لأنك أقرب لي من الآخرين، فخشيت أن تؤثر علاقتي بك على النتيجة.
كنت حزينا ليلة توزيع الجوائز، حصلت على المرتبة الثالثة في القصة القصيرة وجائزة في مسرحية الفصل الواحد، وإذ بزميل – لا داعي لذكر اسمه – يمد يده من بين الجالسين معترضا لحصولي على جائزتين في مسابقة واحدة قائلا:
- إيه يا مصطفى، إيه يا مصطفى؟!
سبحان الله، أنا حزين وأعاني من الأسى وهو يستكثر على ذلك، فاتخذت قرارا بعدها بعدم الإشتراك في هذه المسابقات.
00
رغم العيوب التي صاحبت المسابقات الأدبية في الإسكندرية، ورغم التربيطات التي كانت تحدث قبل ظهور النتيجة، مما يؤدي لظلم البعض، أطالب مديرية الثقافة في الإسكندرية بالعودة لآقامة هذه المسابقاتكل عام، ومنح جوائزة سنوية في شعر الفصحى والعامية والقصة القصيرة والمسرحية ذات الفصل الواحد. فهم بذلك سينشطون الحركة الفنية، وسيسعدوا الأدباء. وأعتقد أن هناك أكثر من طريقة للحصول على أموال لتوزيع الجوائز
مصطفى نصر
كانت هذه المسابقة عيد للثقافة في الإسكندرية، فهناك كتاب وكاتبات لا يظهرون إلا عندما يأتي فتحي الأبياري من القاهرة ليحضر هذا الأحتفال. – خاصة السيدة سعيدة قطيط وسلوى المحلاوي وغيرهما، ويكفي أن هذه المسابقة كانت السبب الأساسي في ظهور موهبة أدبية عالية هي موهبة إبراهيم عبد المجيد. فهو لم يكن يأتي لقصر ثقافة الحرية، ولم نعرفه ونحس بوجوده إلا عندما اشترك في مسابقة نادي القصة السكندري بقصة فيها فانتازيا، فحصل بها على المركز الأول، وأهتم به فتحي الأبياري - الذي كان وقتها سكرتيرا لتحرير صفحة أدبية في جريدة الأخبار، رئيس تحريرها أنيس منصور- فنشروا قصة إبراهيم عبد المجيد، فكانت حجر الأساس لظهوره وانتشاره.
كنت أحضر ندوة القصة بجمعية الشبان المسلمين بالمكتبة، فقد اتفق حسني نصار مع حسن شهاب – أمين المكتبة – لاقامة ندوة أسبوعية، فكنا نذهب للجمعية، نشرب الكاكاو خارج المكتبة، فليس مسموحا لنا بدخول المكتبة إلا في حضور حسني نصار، فإذا لم يأت حسني نصار لأي سبب من الأسباب- أن يكون مشغولا في عمله، أو على سفر- ننسحب في صمت من جمعية الشبان المسلمين، ونجلس في قهوة لقراءة قصصنا.
اتفق حسني نصار مع السيد خليفة – صاحب مطبعة لوران بشارع صلاح الدين – لنشر مجموعة قصصية لعشرة كتاب، يدفع كل منهم ثلاثة جنيهات، ويحصل العشرة على نصف كمية النسخ، والنصف الآخر يبيعه السيد خليفة لحسابه.
دفعت الجنيهات الثلاثة، واشترطت على حسني نصار أن نشترك كلنا في اختيار القصص، لكنه لم يفعل هذا، فقد وافق على قصص ضعيفة. فاعترضت على قصة لكاتبة لم تستطع الخروج من دائرة كتابة الخاطرة، ولم تتمكن من الوصول لمرحلة الخلق، واعترضت أيضا على قصص أخرى لآخرين، فقال لي حسني نصار:
- أنت كاتب جيد، لكن يوجد في المجموعة من هو أجود منك.
فقلت له ليس هذا هو موضوعنا. فأعطاني الجنيهات الثلاث، وخرجت من المشروع. وصدر كتاب طريق الشوك، لم يستمر فيه سوى إبراهيم عبد المجيد، والباقي كان هذا الكتاب هو أول وآخر أعمالهم.
هذه الحادثة شرخت العلاقة بيني وبين حسني نصار، فقد كتبت قصة قصيرة بعنوان الليل وبقايا انسان، قرأتها في ندوات كثيرة، فحققت اهتماما، فتقدمت بها في مسابقة نادي القصة التي يقيمها فتحي الأبياري وتوقع لي البعض أن تفوز ولو في العشرة الأوائل، لكن يوم توزيع الجوائز كان مفاجئا لي، ففتحي الأبياري أعطى لحسني نصار كل القصص المشتركة ليستبعد منها القصص التي لا يصح أن تشترك في مسابقة أدبية، لضعفها وسذاجتها. ففاز صديقي سعيد بدر بالجايزة الثانية أو الثالثة – لست أذكر - وفاز البعض بجوائز متأخرة جدا، يعني مثلا الخامسة والأربعين، واسمي لم يذكر وكأني لم اشترك، وقال لي حسني نصار إنه استبعد قصتي.
هذا الحادث أثر في كثيرا، فأنا الوحيد – بين الأصدقاء - الذي لم يفز في هذه المسابقة. فأقام سعيد بدر حفل لنا في سانتا لوتشيا أنفق فيه الكثير، رغم إنه لم يحصل على أي مبالغ نظير فوزه. قال لي: صعدت على المنصة، لكني لم أحصل إلا على شهادة الفوز.
قررت أن ابتعد عن الندوات نهائيا، كتبت عن هذه التجربة المريرة في روايتي سينما الدورادو. حالة الأسى والحزن التي انتابتني لعدم فوزي، بينما فاز كل زملائي في الندوة.
زرت حسني نصار في بيته بكليوباترا كثيرا مع الأصدقاء، وأكد لي بإنه هو الذي كتب كتاب " تجربتي لعثمان أحمد عثمان، فقد أختاره الناشر أحمد يحيي صاحب المكتب المصري الحديث لكي يفرغ شرائط الكاسيت التي سجلها عثمان أحمد عثمان بصوته، وقام حسني نصار بصياغة الكتاب وتوضيبه. ولكي نصدق قوله أخرج لنا من درج مكتبه الورق الذي كتب فيها الكتاب، وكان مكتوبا بقلم رصاص.
كانت مديرية الثقافة تقيم مسابقة كبرى كل سنة في القصة القصيرة والمسرحية ذات الفصل الواحد، وفي شعر الفصحى وشعر العامية. وتوزع الجوائز في احتفال كبير يقام في قلعة قايتباي يوم 26 يوليو- العيد القومي للإسكندرية- وكثيرا ما جاءت السيدة جيهان السادات لتوزع الجوائز علينا، ويحضر الأحتفال محافظ الإسكندرية وكبار كتاب مصر.
كان هذا اليوم عيد لنا، نسعد به، نتقابل فيه مع كتاب كبار يأتوا خصيصا من القاهرة، كما أننا كنا نحصل على مبلغ ليس بالقليل- جوائز في المسابقة - فقد كنت أفوز عادة بالجائزة الثانية في القصة القصيرة – بعد سعيد بكر – وأفوز أيضا بجائزة في مسابقة المسرحية ذات الفصل الواحد.
كانت الجوائز توزع طبقا للإتفاق، فقد كنا نخرج من الندوة، فنسير حتى ميدان محطة الرمل لتفقد الكتب والمجلات الأدبية هناك، فسمعت رجب سعد السيد يقول لعبد الله هاشم وسعيد بكر في اعتراض:
- كل سنة توزعوا المكافآت كما تريدون.
فقال سعيد بكر محذرا بصوت أراد أن يكون خافتا لكنني سمعته بوضوح:
- مصطفى نصر ورانا، مصطفى نصر ورانا.
ومرة اشترك حسني نصار في التحكيم، مشاركا عبد الله هاشم، فقال عبدالله هاشم لي – في لحظة صدق -:
- طلب سعيد بكر مني أن أعطيه نمرة أكبر، لأنه قلق لاشتراك حسني نصار في التحكيم، لأنه رجل تقليدي ولن يتعاطف مع قصصه الحداثية.
حصلت لأول مرة على المركز الثالث في هذه المسابقة بسبب حسني نصار، فقد قال لي:
- أعطيتك درجة أقل لأنك أقرب لي من الآخرين، فخشيت أن تؤثر علاقتي بك على النتيجة.
كنت حزينا ليلة توزيع الجوائز، حصلت على المرتبة الثالثة في القصة القصيرة وجائزة في مسرحية الفصل الواحد، وإذ بزميل – لا داعي لذكر اسمه – يمد يده من بين الجالسين معترضا لحصولي على جائزتين في مسابقة واحدة قائلا:
- إيه يا مصطفى، إيه يا مصطفى؟!
سبحان الله، أنا حزين وأعاني من الأسى وهو يستكثر على ذلك، فاتخذت قرارا بعدها بعدم الإشتراك في هذه المسابقات.
00
رغم العيوب التي صاحبت المسابقات الأدبية في الإسكندرية، ورغم التربيطات التي كانت تحدث قبل ظهور النتيجة، مما يؤدي لظلم البعض، أطالب مديرية الثقافة في الإسكندرية بالعودة لآقامة هذه المسابقاتكل عام، ومنح جوائزة سنوية في شعر الفصحى والعامية والقصة القصيرة والمسرحية ذات الفصل الواحد. فهم بذلك سينشطون الحركة الفنية، وسيسعدوا الأدباء. وأعتقد أن هناك أكثر من طريقة للحصول على أموال لتوزيع الجوائز
مصطفى نصر