إسماعيل أزيات - "كيف يكون هناك أدب في لغة ما"...

تتمّة للمنشور السّابق، أقدّم ترجمة لمقاطع واسعة من ردود الأستاذ عبد الفتاح كيليطو على تساؤلات الطالبات والطلاّب الذين استمعوا إلى عرضه الشفهي الذي كان موضوعه "لغات الأدب في المغرب"...

1 ـ "يمكن أن نكتب في أيّة لغة وبأيّة لغة. ليس هناك أيّ منع تجاه أيّة لغة لحسن الحظّ. يلزم أن نكتب بلغة نشعر فيها بالرّاحة. لن يُحاسبك أحد على لغتك. ستُحاسب على قيمة عملك."
2 ـ "هل تطوّرت الفصحى؟
حين تكتب بالفصحى، ليس الفصحى هي الأهمّ، بل فصحاك أ،ت، أسلوبك في الفصحى هو المثير للاهتمام. إذا كتبت بالفصحى، عليك أن تعيد خلق الفصحى، وعليك أن تعيد خلق العامية إذا كنت تكتب بالعامية."
3 ـ "لا تتحوّل أيّة لغة إلى لغة كتابة بقرار. ليس في مستطاع أيّة سلطة أن تقرّر ذلك بالقول : يجب الكتابة بهذه اللغة! الكتابة اختيار.
في الفصحى هناك نصوص تأسيسية بدءا من المعلّقات، المقامات... النّصوص الكبرى. هل في العامية نصوص تأسيسية؟ هل في إمكانكم تقديم نص واحد يمثّل علامة، نصا تدشينيا ولو كان أسطوريا؟ لا أرى ذلك.
النص التدشيني بالنسبة للإيطاليين هو الكوميدبا الالهية لدانتي. المعلّقات بالنسبة للعرب هي النص التأسيسي. ما الذي يُكتب بالعامية؟ هناك شعر عامي. لكن الرواية، وهي الجنس الأدبي الأكبر في هذا العصر، هل هناك من أحد كتب رواية بالعامية؟ في حدود معرفتي، لاأحد. لماذا لم نقم بذلك؟ وهل تتصوّرون قراءة رواية بالعامية؟ هذا هو السّؤال. ألن تبذلوا جهدا في قراء رواية بالعامية؟ أليس من السّهل قراءة رواية بالفصحى من قراءة رواية بالعامية؟ أسئلة كثيرة أطرحها. ثمّ إنّ لغة لكي تشعّ ينبغي أن يكون هناك أدب في هذه اللغة.
كيف يكون هناك أدب في لغة ما؟ ليس بالشعر، إنّما بالنّثر. حين يتطوّر النثر المكتوب، يمكن الحديث عن أدب. ما ننعته بالحضارات، نجد أنّها تنبني على النّثر وليس على الشّعر. لستُ ضدّ الشعر. أضرب مثلا ما هي الكتب العربية المعروفة خارج العالم العربي؟ المؤلّفون العرب المعروفون خارجه؟ من هم هؤلاء المؤلّفون؟ الشّعراء؟ لا. لا شاعر معروفا في الغرب، بينما المعروفون في أوروبا، في الغرب هم النّاثرون، هو النّثر الذي جعلهم معروفين. إشعاع الثقافة العربية رهن بالنّثر. لستُ أدري إن كنتم تتفّقون معي.."
4 ـ "عدم اكتراث من يكتبون بالفرنسية تجاه من يكتبون بالعربية. هل من تفسير؟ هناك أحكام مسبقة كالاعتقاد بأنّ هذا الأدب شائخ. ربّما لنقص في الحظوة في مكان ما. حين أبديتُ هذه الملاحظة، لم أعرف كيف أغادرها، كيف أطوّر الفكرة، كيف أشرحها، وإلى أيّ مدى هذا الافتراض يمكن إثباته؟ عليكم أنتم أن تقولوا لي ذلك، أم ما إذا كان الأمر كلّه مجرّد اختلاق! ثمّ أمر آخر: يبدو الأدب العربي لبعضهم أحيانا كنسخة باهتة من الأدب الأوروبي. إذن أنا المتكلّم بالفرنسية، عوض أن أهتمّ بالنّسخة، فلأهتمْ بالأصل، فلأذهبْ مباشرة إلى النص الأوروبي. لماذا أمرّ عبر النص العربي إذا كان الأدب العربي ليس إلاّ نسخة من الأدب الأوروبي! فمنذ منتصف القرن 19 صار الأدب العربي يُكتب على صورة الأدب الأوروبي؛ الأجناس هي نفسها، الكتابة هي نفسها، التّمثيلات هي نفسها. هناك إذن هذه الفكرة؛ فكرة الأصل والنّسخة. ثمّ إنّ الأدباء العرب الذين يكتبون بالعربية يرغبون بشدّة أن يُترجموا إلى لغة أوروبية، لماذا؟ المحزن أنّه في هذه اللحظة يتمّ الاعتراف بك. حين تُترجم إلى الفرنسية أو الإنجليزية يتمّ الاعتراف بك وسط أهلك! لستُ أدري هل الأمر محزن أم لا. لا أدري ما أضيفه..."
5 ــ "سؤال : أنتم تكتبون بالفرنسية كما بالعربية. الكتب التي كتبتموها بالعربية منحتكم نفوذا حين تُرجمت إلى الفرنسية؟!
جواب كيليطو: لا أعتقد ذلك. لقد تُرجمت بشكل متأخّر إلى الفرنسية. كان لديّ من قبل قرّاء في العالم العربي. الذين يكتبون بالفرنسية لا يعرفون ما أكتبه بالعربية أبدا. هذا لا يعنيهم مطلقا. الذين يكتبون بالعربية يهتمّون بما أكتبه بالفرنسية. العكس غير صحيح. أفهمهم!"
6 ـ "النّاطقون بالإنجليزية لهم فضول أكبر مقارنة بالفرنسيين. لكي تثير اهتمام الناطق بالانجليزية ولاسيما الأميريكي يلزم معرفة قدر من الانجليزية، وكيفما كانت طريقتك في التكلّم بها، لا يهتمّ بالأخطاء اللغوية، ما يهمّه هو المجهود الذي تبذله للتحدّث إليه. منذ هذه اللحظة يتمّ تبنّيك مهما كان مستواك اللغوي. حتى اتحدّث عن تجربتي الشخصية، أضرب لكم هذا المثال : كنت مدعوا من الشعبة الفرنسية في جامعة شيكاغو. كان عليّ أن اتحدّث بالفرنسية. نفس المحاضرة التي ألقيتها بالفرنسية، أعدتها بجامعة أخرى قريبة من شيكاغو، لكن بالانجليزية. أيّ من المحاضرتين كانت ناجحة في نظركم؟ تلك التي ألقيتها بالانجليزية، وبالرّغم من أنّ مستواي في هذه اللغة متوسّط ونطقي بها فظيع لم يمنع ذلك من نجاح المحاضرة، مع أنّ المحاضرة الأخرى كنتُ أتوجّه فيها إلى عارفين ومتكلّمين بالفرنسية، وبالكاد أثارت اهتمامهم. أعتقد أنّ الجامعيين الأمريكيين لهم فضول أكبر تجاه ما يُكتب بالعربية من الجامعيين الفرنسيين حسب تجربتي ووجهة نظري."
7 ــ "الكاتب المغربي أو المغاربي لا يكتب في هذه اللغة أو تلك، يكتب في لغتين. إذا قرأت كاتبا مغربيا يكتب بالفرنسية، ستلمح وراء عبارته الفرنسية اللغة العربية. إذا قرأت كاتبا يكتب بالعربية، ماذا ستلمح وراء عبارته؟ ستعثر على اللغة الفرنسية، على الأدب الفرنسي أو الأوروبي. هناك دائما هذه الازدواجية التي يتّصف بها الأدب المغربي المكتوب بالعربية أو الفرنسية. هي مسألة نبرة كما هي حالتي؛ قضيتُ عمري أتعلّم الفرنسية، لكنّي أنطق R راء. نطقي يفضحني. أُبقي وأُديم لغة في لغة أخرى."[يقصد كيليطو، ربّما، أنّ حديثه بالفرنسية تتخلّله الرّاء كما تُنطق بالعربية!]...
8 ـ "L'auteur et ses doubles"، هذا العنوان الرّائع، لستُ أنا من أوجده. إنّهما جيرار جنيت وتزيفتان تودوروف هما من عثرا على هذا العنوان الجميل للغاية. تحدّثت في الكتاب عن الثقافة العربية، لكن في الخلفية كانت تتواجد الثقافة الأوروبية والفرنسية . كما قلتُ لكم: نحن مزدوجي اللغة. قُضي الأمر. لا يمكن إلاّ أن تكون مزدوج اللغة."
أعلى