في الزمن الأغبر ٢٠١١ يكتب ياسين رفاعية السوري روايته " من يتذكر تاي ؟!" عن بيروت في زمن وهجها الثقافي المضيء ، على الرغم من هزيمة حزيران القاسية .
وتاي هي المصرية عائشة بنت عبد الودود باشا التي هربت من القاهرة إلى بيروت خوفا على حياتها ، وهي ابنة تاجر مخدرات قتلته المافيا التي اغتصبت تاي على مرأى منه ومن زوجته بعد أن كتفتهما ، فقرر أن ينتقم وقتل في أثناء انتقامه . عملت تاي التي درست الفلسفة في جامعة الإسكندرية ساقية في بار وهناك عرفت الفلسطينيين الثلاثة " .
ويتذكر رفاعية غسان كنفاني ومعين بسيسو وكمال ناصر وآخرين كانت لهم صلة بها . وهكذا يحضر الفلسطيني الجميل المثقف المحبوب الذي حضر في روايات جبرا " صيادون في شارع ضيق " و" السفينة " و" البحث عن وليد مسعود".
وإذا كان جبرا استلهم الفلسطيني من شخصيته هو وجعلها مثالا للفلسطيني ، على الرغم من تعدد أسمائه ، فإن رفاعية يكتب عن أسماء حقيقية ويختتم روايته بالآتي:
" جرت أحداث هذه الرواية الواقعية بين عامي ١٩٦٧و١٩٧٣ . الأسماء والأمكنة كلها واقعية " ، فلا يحتاط ولا يدفع الالتباس إطلاقا ، فكنفاني وبسيسو وناصر في الرواية هم الأدباء الفلسطينيون الذين عرفناهم وقرأنا أدبهم وعن حياتهم وتجاربهم ، وليس فيما كتبه رفاعية عنهم ما يعرضه للمساءلة أو المحاكمة أو الاغتيال .
والصورة الإيجابية للفلسطيني المتمثلة في الثلاثة ، وهي صورة إنسانية لا تؤسطرهم ولا تجعل منهم بشرا خالين مما لا يسيء إليهم في عيون الدواعش في الزمن الداعشي الأغبر - أي ٢٠١١ عام الزمن الكتابي ، تظهر في أعمال أدبية عربية في القرن ٢١ إلى جانب صورة متدرجة من الإيجابي إلى السلبي في المطلق كما في رواية فواز حداد " المترجم الخائن " ، وإلى صورة سلبية كما في رواية ليلى الأطرش " لا تشبه ذاتها " وروايات أخرى.
استشهد كنفاني في ٨ تموز ١٩٧٢ وناصر في نيسان ١٩٧٣ في بيروت على أيدي الموساد الإسرائيلي ، ومات بسيسو في غرفة الفندق في لندن في كانون الأول ١٩٨٤ في ظروف غامضة ، وصورتهم في أذهان الفلسطينيين مشرقة إيجابية إلى يومنا ، بل إنهم صاروا أيقونة للمثقف الملتزم المخلص لشعبه وثورته وقضيته المدافع عنها.
في " من يتذكر تاي ؟" نقرأ عن الثلاثة وإن لم يكن بالمقدار نفسه ، ولكننا نقرأ عن مثقف فلسطيني يحزن ويتشاءم ويتفاءل ويحب ويخفق في حبه وينفتح على المثقفين العرب . كما نقرأ عن ريتا الفتاة الفلسطينية التي ولدت بعد وفاة أبيها بأشهر وعاشت ، بعد اللجوء ، في كنف عمها ، ولا تتذكر شيئا عن أمها.
درست ريتا الصحافة وعملت في صحافة دمشق مع معين ، وقد اغتصبها وزير داخلية سوري ولم يكتف بذلك بل عهرها ، ما دفعها إلى الانتحار ، فولد ذلك الحزن لمعين وكل من عرفها ، وكانت نهاية الوزير مأساوية ، فقد انتقم منه الله ، كما يقول الراوي عصام / ياسين.
حضر كنفاني في أعمال أدبية عديدة ، ما لفت نظري من قبل وأنا أكتب عن رواية إلياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ، وقليلا ما استحضر في الرواية العربية الشاعران ؛ بسيسو وناصر ، وربما تعد " من يتذكر تاي ؟!" الرواية العربية الأولى التي يظهران فيها شخصية روائية ، فكيف بدت صورة الثلاثة فيها؟
يبدو بسيسو متشائما خلافا لكنفاني الذي كان متفائلا ، وكلاهما كانت شعلة ثقافية يفكر في قضيته ليل نهار ولا يحول الالتزام الوطني بينهما ، ومعهما ناصر ، دون الحب والميل إلى الفرح والدعابة . يحب بسيسو ريتا كما يحب ابنته مليكة ويستقبلها بفرح ويقف إلى جانبها ، فهو من وظفها في الجريدة السورية ، حين طلب منه عمها صديقه ذلك ، ويحزن لما آلت إليه . ومثله كنفاني الذي كان متزوجا من الدانمركية آن كنفاني ، إذ يقع في حب غادة السمان ، وحبه لها لم يكن من أجل الجنس كما يرد على لسانه ، فهو مكتف بالجنس في علاقته مع زوجته . ولا يختلف ناصر عنهما ، فقد أحب ابنة عمه التي تزوجت من غيره فأصابه الإحباط.
الثلاثة يترددون على البار الذي تعمل تاي فيه ، وتعجب بكنفاني وبكتابته وبأشعار معين ، ويسود بينهم ومثقفين آخرين روح الود والدعابة ، فلم تحل قضيتهم الفلسطينية بينهم وبين عيش أجواء مرحة يتخللها التردد على بار وشرب كأس من العرق.
لم يكن كنفاني ينام وكان عشرة رجال برجل واحد وحبيبته فلسطين فوق كل الحبيبات ، وكانت تاي تحبه بصمت وتحب زياراته وتشعر بالسعادة عندما كان يغازلها على مسمع الجميع ، مجاملة ، ولكنها صادقة .
كان كنفاني ، ليبدد الوحشة والعزلة ، قد تزوج ، فالزواج ومشاكل الأولاد ومدارسهم جعلته ينسى كل ما يسمى العزلة ، وكان عليه أن يكتب فالكتابة " منجاة من الوحشة والعزلة . الكتابة ، الفن ، الموسيقى ، السينما ، المسرح ... هذه أشياء جميلة ... عندما تتعامل معها لا تتخلى عنك ، ولا تغدر بك ... إنها بالفعل مبددة للعزلة " ويرى غسان أنه من حسن الحظ أن أشياء كثيرة تقدمها لنا الحضارة بشكل لا تجعلنا نشعر بالغربة ... والوحدة القاتلة ... تأملوا لو كنا نعيش قبل مائة سنة ، فكم تكون الحياة وقتذاك مضجرة " .
" وكان معين محدثا جميلا يأسرنا بذكرياته ، الطالح والصالح ، المتفائل والمتشائم خصوصا ما تعرض له من ملاحقات .. " و " الحزن ظل طاغيا على حياة معين حتى هذه اللحظة ، وكان يتحدث عن الأمل ، وأصبح الآن فاقدا له . تحول إلى خيبة وسقوط ما تهدم في ستة أيام " ، ومع أنه شاعر مقاومة إلا أنه لم يكن يقوى على ذبح دجاجة ، فقد روي عنه أنه عندما كان يقيم في القاهرة طرقت بابه امرأة مصرية بيدها سكين ودجاجة ليذبحها لها فرفض ، وعندما أبدت المرأة دهشتها فمعين شاعر مقاومة ، أوضح لها أنه يقاوم بالكلمة لا بالسلاح وهذه هي مهمته .
وكان ناصر يرى أن فلسطين " موجودة ، إنها مثل الحياة موجودة بكل زخمها ، والفلسطيني مهما استوحش وتشرد وتفرد كنخلة في الصحراء ، لا بد أن يعود إلى الجذور وتشده فلسطين إلى حركتها ... " وكان ذا موهبة في خلق جو متوتر ومريح في آن ، فبحضوره " نسمع الشعر والنكات الضاحكة " ، ومع أنه أخفق في حبه ، فإن الحب لم يمت في قلبه ، وإنما تحول إلى حب فلسطين ، إلى حب المقاومة التي أصبحت معشوقته المفضلة .
كما كان ناصر ، كما عرفه الراوي عصام من أيام دمشق ، وقد غادر الراوي دمشق في عام ١٩٦٩ ، " كان كتلة من الحماس من أجل بلده ، وكان متفائلا إلى حد كبير بأن الثورة ستنتصر ، وأن ياسر عرفات لن يكون رئيسا لمنظمة التحرير فقط ، بل رئيسا للدولة الفلسطينية المظفرة وعاصمتها القدس الشريف كما كان عرفات يسميها " .
هل العبارة الأخيرة عبارة تنطق عما آمن به كمال ناصر أم هي من إسقاطات الزمن الكتابي ؟
يترك اغتيال كمال ناصر ، مثل موت جمال عبد الناصر واستشهاد غسان كنفاني ، أثرا كبيرا على تاي ، فلقد كان صدمة أخرى تضاف إلى الصدمتين السابقتين . لقد أحبت تاي " كمال ناصر وشعره وحضوره المتفائل والطموح والمرح وأمنيته الكبرى في تحرير فلسطين ووحدة الأمة ، وإن شمس العرب لا بد أن تعود وتشرق من جديد ... " .
كان كمال يقول إن كبوة الفارس لا تهم ، لأنه سينهض نهوض طائر الرعد " . لقد كان مطمئنا إلى المستقبل ، وهذا ما حبب تاي فيه . إنه عكس أكثر الشلة التي ترددت على البار ، وكانت هي متفائلة مثله ، وباغتيال كمال باتت تشعر بأن شيئا عميقا من روحها قد انفصل عنها وأحدث فجوة متوترة في صدرها .
لقد هزها اغتياله وسبب لها حزنا كبيرا ، فكمال هو " هذا الرجل الوسيم الناعم الذي لا يعرف كيف يحشو مسدسه ...".
ترى ماذا يردد المتشددون دينيا ، في زمننا هذا ، عن المقاومين الفلسطينيين في لبنان ؟
( المقال كتب لجريدة الأيام الفلسطينية ١١ تموز ٢٠٢١ ، وهو هنا متوسع فيه ) .
الحميس
٨ تموز ٢٠٢١
د. عادل الأسطه
( مقال من سلسلة مقالات ودراسات عن صورة الفلسطينيين في الرواية العربية )
وتاي هي المصرية عائشة بنت عبد الودود باشا التي هربت من القاهرة إلى بيروت خوفا على حياتها ، وهي ابنة تاجر مخدرات قتلته المافيا التي اغتصبت تاي على مرأى منه ومن زوجته بعد أن كتفتهما ، فقرر أن ينتقم وقتل في أثناء انتقامه . عملت تاي التي درست الفلسفة في جامعة الإسكندرية ساقية في بار وهناك عرفت الفلسطينيين الثلاثة " .
ويتذكر رفاعية غسان كنفاني ومعين بسيسو وكمال ناصر وآخرين كانت لهم صلة بها . وهكذا يحضر الفلسطيني الجميل المثقف المحبوب الذي حضر في روايات جبرا " صيادون في شارع ضيق " و" السفينة " و" البحث عن وليد مسعود".
وإذا كان جبرا استلهم الفلسطيني من شخصيته هو وجعلها مثالا للفلسطيني ، على الرغم من تعدد أسمائه ، فإن رفاعية يكتب عن أسماء حقيقية ويختتم روايته بالآتي:
" جرت أحداث هذه الرواية الواقعية بين عامي ١٩٦٧و١٩٧٣ . الأسماء والأمكنة كلها واقعية " ، فلا يحتاط ولا يدفع الالتباس إطلاقا ، فكنفاني وبسيسو وناصر في الرواية هم الأدباء الفلسطينيون الذين عرفناهم وقرأنا أدبهم وعن حياتهم وتجاربهم ، وليس فيما كتبه رفاعية عنهم ما يعرضه للمساءلة أو المحاكمة أو الاغتيال .
والصورة الإيجابية للفلسطيني المتمثلة في الثلاثة ، وهي صورة إنسانية لا تؤسطرهم ولا تجعل منهم بشرا خالين مما لا يسيء إليهم في عيون الدواعش في الزمن الداعشي الأغبر - أي ٢٠١١ عام الزمن الكتابي ، تظهر في أعمال أدبية عربية في القرن ٢١ إلى جانب صورة متدرجة من الإيجابي إلى السلبي في المطلق كما في رواية فواز حداد " المترجم الخائن " ، وإلى صورة سلبية كما في رواية ليلى الأطرش " لا تشبه ذاتها " وروايات أخرى.
استشهد كنفاني في ٨ تموز ١٩٧٢ وناصر في نيسان ١٩٧٣ في بيروت على أيدي الموساد الإسرائيلي ، ومات بسيسو في غرفة الفندق في لندن في كانون الأول ١٩٨٤ في ظروف غامضة ، وصورتهم في أذهان الفلسطينيين مشرقة إيجابية إلى يومنا ، بل إنهم صاروا أيقونة للمثقف الملتزم المخلص لشعبه وثورته وقضيته المدافع عنها.
في " من يتذكر تاي ؟" نقرأ عن الثلاثة وإن لم يكن بالمقدار نفسه ، ولكننا نقرأ عن مثقف فلسطيني يحزن ويتشاءم ويتفاءل ويحب ويخفق في حبه وينفتح على المثقفين العرب . كما نقرأ عن ريتا الفتاة الفلسطينية التي ولدت بعد وفاة أبيها بأشهر وعاشت ، بعد اللجوء ، في كنف عمها ، ولا تتذكر شيئا عن أمها.
درست ريتا الصحافة وعملت في صحافة دمشق مع معين ، وقد اغتصبها وزير داخلية سوري ولم يكتف بذلك بل عهرها ، ما دفعها إلى الانتحار ، فولد ذلك الحزن لمعين وكل من عرفها ، وكانت نهاية الوزير مأساوية ، فقد انتقم منه الله ، كما يقول الراوي عصام / ياسين.
حضر كنفاني في أعمال أدبية عديدة ، ما لفت نظري من قبل وأنا أكتب عن رواية إلياس خوري " أولاد الغيتو : اسمي آدم " ، وقليلا ما استحضر في الرواية العربية الشاعران ؛ بسيسو وناصر ، وربما تعد " من يتذكر تاي ؟!" الرواية العربية الأولى التي يظهران فيها شخصية روائية ، فكيف بدت صورة الثلاثة فيها؟
يبدو بسيسو متشائما خلافا لكنفاني الذي كان متفائلا ، وكلاهما كانت شعلة ثقافية يفكر في قضيته ليل نهار ولا يحول الالتزام الوطني بينهما ، ومعهما ناصر ، دون الحب والميل إلى الفرح والدعابة . يحب بسيسو ريتا كما يحب ابنته مليكة ويستقبلها بفرح ويقف إلى جانبها ، فهو من وظفها في الجريدة السورية ، حين طلب منه عمها صديقه ذلك ، ويحزن لما آلت إليه . ومثله كنفاني الذي كان متزوجا من الدانمركية آن كنفاني ، إذ يقع في حب غادة السمان ، وحبه لها لم يكن من أجل الجنس كما يرد على لسانه ، فهو مكتف بالجنس في علاقته مع زوجته . ولا يختلف ناصر عنهما ، فقد أحب ابنة عمه التي تزوجت من غيره فأصابه الإحباط.
الثلاثة يترددون على البار الذي تعمل تاي فيه ، وتعجب بكنفاني وبكتابته وبأشعار معين ، ويسود بينهم ومثقفين آخرين روح الود والدعابة ، فلم تحل قضيتهم الفلسطينية بينهم وبين عيش أجواء مرحة يتخللها التردد على بار وشرب كأس من العرق.
لم يكن كنفاني ينام وكان عشرة رجال برجل واحد وحبيبته فلسطين فوق كل الحبيبات ، وكانت تاي تحبه بصمت وتحب زياراته وتشعر بالسعادة عندما كان يغازلها على مسمع الجميع ، مجاملة ، ولكنها صادقة .
كان كنفاني ، ليبدد الوحشة والعزلة ، قد تزوج ، فالزواج ومشاكل الأولاد ومدارسهم جعلته ينسى كل ما يسمى العزلة ، وكان عليه أن يكتب فالكتابة " منجاة من الوحشة والعزلة . الكتابة ، الفن ، الموسيقى ، السينما ، المسرح ... هذه أشياء جميلة ... عندما تتعامل معها لا تتخلى عنك ، ولا تغدر بك ... إنها بالفعل مبددة للعزلة " ويرى غسان أنه من حسن الحظ أن أشياء كثيرة تقدمها لنا الحضارة بشكل لا تجعلنا نشعر بالغربة ... والوحدة القاتلة ... تأملوا لو كنا نعيش قبل مائة سنة ، فكم تكون الحياة وقتذاك مضجرة " .
" وكان معين محدثا جميلا يأسرنا بذكرياته ، الطالح والصالح ، المتفائل والمتشائم خصوصا ما تعرض له من ملاحقات .. " و " الحزن ظل طاغيا على حياة معين حتى هذه اللحظة ، وكان يتحدث عن الأمل ، وأصبح الآن فاقدا له . تحول إلى خيبة وسقوط ما تهدم في ستة أيام " ، ومع أنه شاعر مقاومة إلا أنه لم يكن يقوى على ذبح دجاجة ، فقد روي عنه أنه عندما كان يقيم في القاهرة طرقت بابه امرأة مصرية بيدها سكين ودجاجة ليذبحها لها فرفض ، وعندما أبدت المرأة دهشتها فمعين شاعر مقاومة ، أوضح لها أنه يقاوم بالكلمة لا بالسلاح وهذه هي مهمته .
وكان ناصر يرى أن فلسطين " موجودة ، إنها مثل الحياة موجودة بكل زخمها ، والفلسطيني مهما استوحش وتشرد وتفرد كنخلة في الصحراء ، لا بد أن يعود إلى الجذور وتشده فلسطين إلى حركتها ... " وكان ذا موهبة في خلق جو متوتر ومريح في آن ، فبحضوره " نسمع الشعر والنكات الضاحكة " ، ومع أنه أخفق في حبه ، فإن الحب لم يمت في قلبه ، وإنما تحول إلى حب فلسطين ، إلى حب المقاومة التي أصبحت معشوقته المفضلة .
كما كان ناصر ، كما عرفه الراوي عصام من أيام دمشق ، وقد غادر الراوي دمشق في عام ١٩٦٩ ، " كان كتلة من الحماس من أجل بلده ، وكان متفائلا إلى حد كبير بأن الثورة ستنتصر ، وأن ياسر عرفات لن يكون رئيسا لمنظمة التحرير فقط ، بل رئيسا للدولة الفلسطينية المظفرة وعاصمتها القدس الشريف كما كان عرفات يسميها " .
هل العبارة الأخيرة عبارة تنطق عما آمن به كمال ناصر أم هي من إسقاطات الزمن الكتابي ؟
يترك اغتيال كمال ناصر ، مثل موت جمال عبد الناصر واستشهاد غسان كنفاني ، أثرا كبيرا على تاي ، فلقد كان صدمة أخرى تضاف إلى الصدمتين السابقتين . لقد أحبت تاي " كمال ناصر وشعره وحضوره المتفائل والطموح والمرح وأمنيته الكبرى في تحرير فلسطين ووحدة الأمة ، وإن شمس العرب لا بد أن تعود وتشرق من جديد ... " .
كان كمال يقول إن كبوة الفارس لا تهم ، لأنه سينهض نهوض طائر الرعد " . لقد كان مطمئنا إلى المستقبل ، وهذا ما حبب تاي فيه . إنه عكس أكثر الشلة التي ترددت على البار ، وكانت هي متفائلة مثله ، وباغتيال كمال باتت تشعر بأن شيئا عميقا من روحها قد انفصل عنها وأحدث فجوة متوترة في صدرها .
لقد هزها اغتياله وسبب لها حزنا كبيرا ، فكمال هو " هذا الرجل الوسيم الناعم الذي لا يعرف كيف يحشو مسدسه ...".
ترى ماذا يردد المتشددون دينيا ، في زمننا هذا ، عن المقاومين الفلسطينيين في لبنان ؟
( المقال كتب لجريدة الأيام الفلسطينية ١١ تموز ٢٠٢١ ، وهو هنا متوسع فيه ) .
الحميس
٨ تموز ٢٠٢١
د. عادل الأسطه
( مقال من سلسلة مقالات ودراسات عن صورة الفلسطينيين في الرواية العربية )