زهير ميرزا - وحي النفس

تابع .. انتقام 2

- قبل خمسة أعوام
ضاقت المعيشة بفؤاد وهو الشاب النابه، وتبرم به أبواه العربيين، وآلمهما الإملاق، وضاق صدرهما على رحابته بهذا الابن المتهور، الذي لا يجد لنفسه عملا.
"بنفسي أنت يا فؤاد، والداك"
"يعتقدان أنك تحب البطالة"
"وأنك لا تجد لنفسك عملاً"
"وقد سَهَوَاْ عن الحقيقة التي"
"تسطع كالشمس، أو تهربوا من"
"طريقها كي لا تزحمهما"
"بنفسها لتقول لهم : "
"ليس من عمل..."
" ليس من عمل.."
دخل فؤاد غرفته في بيت أبيه دون أن يشعر به أحد، فوصل إلى أذنيه مشاحنة قائمة بين الأب والأم، كانت تدور حوله..
فاتقدت عيناه، وانبرت ترسل شرراً متتابعاً، وقال بينه وبين نفسه:
إلامَ ٬ أعيش ذليلاً مهاناً... وقام إلى ثيابه يجمعها، وإلى "دريهماته" فيزلقها في صدريته، وفتح الباب بهدوء وسكينة، بعد أن حدجه بنظرة عطف وحنان، وانساب من بين فرجاته، انسياب الأفعى من ثقب صغير، وراح يشق لنفسه طريقاً في الحياة.
-------
- ما اسم هذه المحطة؟..
- بيترسبورغ!..
وراح فؤاد يمشي الهوينا، والشمس ساطعة في كبد السماء، ولم يلبث أن وقف أمام فندق صغير.
--------
مضت الأعوام وتلتها الشهور، وصاحبنا يعيش عيش "الغنى والثروة والجاه" في روسيا الحمراء...
وأصبح من الأمراء الموسرين وأطلق عليه لقب "الأمير بولويسكي" وتسلم إمارة إحدى المقاطعات.
وفي إحدى الأيام بينما هو جالس وراء منضدته، إذ بالخادم يدخل وبين يديه رسالة مطيبة، ففضها على عجل فوجد أنها دعوة إلى الاحتفال بعيد ميلاد بنت الأمير السابق، فأحنى أميرنا رأسه علامة الإيجاب، وبالموعد المنتظر كان بالباب ينحني أمامه خدم القصر وقد شعت منه الأنوار واستحال الليل رغم ظلمته نهاراً، وارتفعت من صدر القاعة الواسعة أنغاماً روسية طالما كان يحبها صاحبنا الأمير، وهي القريبة من الأنغام العربية الجذابة.
وانحنت له الرؤوس، واستقبلته ربة الدار وكانت في الثمانين من عمرها، أخنى عليها الدهر فبدت محنية الظهر، تجعد وجهها فبدت عجوزاً، وإلى جانبها فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، وانحنت الأميرة أمامه انحناءة خفيفة.
كانت جذابة، تتفجر منها الأنوثة الناضجة فأعجب بها الأمير بولويسكي.
وما أن شارفت الحفلة على الانتهاء حتى كان الأمير والأميرة الصغيرة يحتسيان كؤوس الشاي على منضدة منفردة!


- يتبع .....
زهير ميرزا
أعلى