(1)
عندما كنت في الخارج كنت محاصرا بأعينهم ..و للآن صرت محاصرا بالقضبان..
قد تستطيع عيناي صهر القضبان،وقد يستطيع قلبي تدبر أمر الظلام وتقاسم الأنفاس الدبقة مع الأشقاء، ولكنه لن يستطيع ابدا لن يستطيع تحمل لعنة النظر إلى أمه وهي فارجة فخديها لعيشقها.
قد يكون السجن عالم حدي،القسوة فيه مطلقة والرطوبة تكاد تلتهم أعضاء المساجين،ولكنه يظل أرحم من عالم رحب فسيح رائحة الصمت والخيانة تمتد فيه ثقيلة لزجة،دبقة كثيفة,لا نكاد من خلالها نحس بنقاوة الهواء خصوصا في تثاقله الذي يهبط على الصدر ويكاد يخنقه.
كلما تعانقت اهذابي إلا وارتمت صورة الخيانة أمامي بمظهرها المشوش الكئيب،أحاول العودة حيث أنا أقيس الفارق الزمني،تنزلق الجدران بجوانبها الأربعة،يتقلص الحيز بيني و بين الأشقاء، تقترب الظلمة من اعماق النفوس التي تشتد عتمة مع عتمة الجدران..
تتشابك أيدينا، تندى جباهنا تتجافى جنوبنا ثم ثم..لانقوى على الانكماش أكثر،يفترش بعضنا البعض الآخر، نتحسس بنشوة أعضاء بعضنا البعض ثم نتيه في عالم لامتناهي من الاصوات العجيبة،تتراوح ايقاعاتها وتتفاوت بين انات واهات تنخفض تارة و تعلو تارة أخرى، تتعرق أجسادنا وتتطفو رائحة العرق الممزوج برائحة النتن المتصاعدة من أعضائنا اللزجة, نصحو من حالة الخدر تلك ونحن مثقلون بشتى أنواع الأحاسيس، فكلما وصلنا لعمق الجسد،كلما اختفت تلك الرغبة الملحة في أن نكون جزءا منه.
بعد تلك الرحلة الطويلة ينزوي الرجال منا في مكان،ويسير الاخرون الى مكان آخر،.. لو لم نفعل ذلك لكنا..لكنا ماذا ؟لن نكون شيئا فنحن مجرد أجساد شبه ميته تتكدس فوق بعضها البعض،تشكو من البؤس والحرمان والاضطهاد و اللامبالاة..وهذا ما نحن عليه،فلا أحد خارج هذه القضبان يدري مما نشكو،نحن سجناء الحق العام.
حقوقنا التي قفز عليها النظام،اقدارنا التي امتصها الزمن أحلامنا التي اغتيلت في عز شبابنا،،وجوهنا التي لا تشبه الوجوه في شيء،كلها أشياء توحي باننا مكبلون بالقيود، وأيما قيود قيود تجعل منا مواطنين من الدرجة الثانيه،يحملون أجسادهم ريثما يختار لهم القدر وطنا آخر يستحق أن ينتموا اليه.
قرأتها ذات مرة و استحقت اعجابي"ليس للانسان العربي وطن سوى جسده" ولكن حتى أجسادنا لم تعد تقوى هي الأخرى عن حمل وزر الكائن الذي يسكننا،وما على هذه النفوس المستوفزه إلا أن ترجوا الخلاص من لعنة القدر ومن لعنة الوطن وحتى من لعنة تلك الوجوه الصدئة التي تسعى بكل جبروتها أن تجعل منا أشباه رجال.
لست أدري كيف استطعت العيش مع كل تلك الألغام؟بفرح مسروق وبهجة لا تقل قبحا عن الوجه الذي يحملها ألعن اليوم الذي ولدت فيه من ذلك العمق السحيق،فهو من أودى بي هنا..في هذا الجحيم المستعر..
يتبع.
****
(2).. نعم
...نعم هو من جعلني ارتمي حيث أنا اليوم،ومنه اخدت ثأري لانه لم يعلمني كيف احتال على الحياة بتفاصيلها المنمقة،شرفي كله كان هناك وهي سمحت له أن يمحوه ويمحوني معه.
أليس لها الحق أن تحيا؟ أن تكون ذاتها؟...كلا لا يحق لها ذلك استحقت الموت حتى الموت.
في أعماقي كنت أشتاق لوجودها بجانبي،لحنوها علي،لجبروتها وسلطتها ولكن..
كنت أقول دوما هي من صنعت بيديها ذلك الوحش الذي يسكن بداخلي،هي من زرعت في حب امتلاكها، هي من كانت تلفني لفا وتقول أنت رجلي وحياتي،مادمت كذلك لماذا خنتني مع عشيقك؟لماذا سمحت له أن يسلبني انتمائي، كرامتي وماضي؟
لا أتخيل نفسي وأنا محاط بكل هذه الأسوار إلا كائنا لا يشبهني في شيء،الظلمة تقتات من أعماق روحي والمكان يخيم بسلطته المطلقة على ذاكرتي،كيف أبدد هذا الوجع الذي يسكنني؟كل شيء هنا يشي برداءة أحلامي ،وهذه النفوس التي تحيط بي من كل مكان تسلبني الرغبة حتى في استنشاق الهواء ،لكل منهم قصته وحكايته التي جعلت منه منبوذا غدى صراعه في الحياة فقط من أجل الفوز بمكان يستطيع فيه أن يمدد أطرافه ويخلو بنفسه،كنت كلما أمعنت النظر في وجوههم المنفرة وشممت رائحة جلودهم إلا وازددت يقينا بقدر المؤساة التي لازالت تنتظرني هنا.
أمسيت أنظر للوراء حيث كانت البداية،جلبة وضوضاء،شرطة ،سجن..كل تلك الصور اختزلتها في ذاكرتي فأضحت هي كل ما تحصلت عليه طيلة سنين حياتي ،لن أنسى الاستقبال الاسطوري الذي حظيت به في مخفر الشرطة كل شيء لايمت للانسانية بصلة هو ذاك الذي عشته ،حتى لم أسأل عن الجرم الذي ارتكبته فقط السب والشتم والركل والرفس كان له الحظ الاوفر من جسدي،غيبت عن المكان ،لم أعد أدري أين حطت بي الرحال..لازلت أتنفس..لازلت هنا..اختلطت أنفاسي بطعم الدم وسباب الشرطي كان كل شيء يطوف من حولي،أين الوجه؟أين الرجلين؟كيف أستعيد استقامتي؟
لم أكن أحظى بجواب فقط العيون ترمقني وبالشر المستطير تتوعدني، وددت في تلك اللحظة لو امتلكت الجرأة كي أمتنع عن الكلام في غياب المحامي،ههه المحامي؟نحن في دولة لا نحتاج فيها للمحامين، الحمد لله أنني ارتكبت الجريمة ولا احتاج لمحام ،فأنا أساسا لا املك ثمن اتعابه ،ولا أثق كذلك في محامي النيابة ...لكن لماذا السب والشتم ؟أنا اعترفت بالجريمة،نعم قتلتها مع سبق الاصرار و الترصد فلماذا الإصرار على هته الاهانه؟ الا أملك الحق في معامله انسانية حتى ولو كنت مجرما؟ نحن لا نملك من الوجود غير ذواتنا،وهذه الذوات من تجعل منا اسيادا أو عبيدا وأنا اخترت أن أكون عبدا لحريتي وكرامتي،فلو كان القاضي مكاني لما أكتفي بالنظر،أكيد أنه هو الاخر سيغسل شرفه كما لو كان قطعة قماش من النوع الرفيع...
أحقا نحن نملك السلطة لنحاكم الاخرين على أفعالهم؟ ولما لا ان كانت هذه الأفعال لا تتماشى والقانون الذي أوجدناه، لقد فعلت ما أملاه علي ضميري..هذا ما نسميه القصاص العادل ...في الحقيقة لم أكن مقتنع تماما بما قلت،لم أكن راض عن حالي،ماذا لو تركتها تعيش ؟هي أيضا تستحق الحياة،تستحق أن تحب .. أن تحيا..
لو أنني تريث قليلا،لربما..لربما استطعت أن أغير قدري ،أن اقف في وجهه،أن اقتنص تلك الهدايا التي يمحنا اياها عندما يريد ..لو أنني تريث لما كنت اليوم هنا ألبس على مقاسهم وأنسج أحلامي وسط كومة من الحشاشين...
انتهى.
عندما كنت في الخارج كنت محاصرا بأعينهم ..و للآن صرت محاصرا بالقضبان..
قد تستطيع عيناي صهر القضبان،وقد يستطيع قلبي تدبر أمر الظلام وتقاسم الأنفاس الدبقة مع الأشقاء، ولكنه لن يستطيع ابدا لن يستطيع تحمل لعنة النظر إلى أمه وهي فارجة فخديها لعيشقها.
قد يكون السجن عالم حدي،القسوة فيه مطلقة والرطوبة تكاد تلتهم أعضاء المساجين،ولكنه يظل أرحم من عالم رحب فسيح رائحة الصمت والخيانة تمتد فيه ثقيلة لزجة،دبقة كثيفة,لا نكاد من خلالها نحس بنقاوة الهواء خصوصا في تثاقله الذي يهبط على الصدر ويكاد يخنقه.
كلما تعانقت اهذابي إلا وارتمت صورة الخيانة أمامي بمظهرها المشوش الكئيب،أحاول العودة حيث أنا أقيس الفارق الزمني،تنزلق الجدران بجوانبها الأربعة،يتقلص الحيز بيني و بين الأشقاء، تقترب الظلمة من اعماق النفوس التي تشتد عتمة مع عتمة الجدران..
تتشابك أيدينا، تندى جباهنا تتجافى جنوبنا ثم ثم..لانقوى على الانكماش أكثر،يفترش بعضنا البعض الآخر، نتحسس بنشوة أعضاء بعضنا البعض ثم نتيه في عالم لامتناهي من الاصوات العجيبة،تتراوح ايقاعاتها وتتفاوت بين انات واهات تنخفض تارة و تعلو تارة أخرى، تتعرق أجسادنا وتتطفو رائحة العرق الممزوج برائحة النتن المتصاعدة من أعضائنا اللزجة, نصحو من حالة الخدر تلك ونحن مثقلون بشتى أنواع الأحاسيس، فكلما وصلنا لعمق الجسد،كلما اختفت تلك الرغبة الملحة في أن نكون جزءا منه.
بعد تلك الرحلة الطويلة ينزوي الرجال منا في مكان،ويسير الاخرون الى مكان آخر،.. لو لم نفعل ذلك لكنا..لكنا ماذا ؟لن نكون شيئا فنحن مجرد أجساد شبه ميته تتكدس فوق بعضها البعض،تشكو من البؤس والحرمان والاضطهاد و اللامبالاة..وهذا ما نحن عليه،فلا أحد خارج هذه القضبان يدري مما نشكو،نحن سجناء الحق العام.
حقوقنا التي قفز عليها النظام،اقدارنا التي امتصها الزمن أحلامنا التي اغتيلت في عز شبابنا،،وجوهنا التي لا تشبه الوجوه في شيء،كلها أشياء توحي باننا مكبلون بالقيود، وأيما قيود قيود تجعل منا مواطنين من الدرجة الثانيه،يحملون أجسادهم ريثما يختار لهم القدر وطنا آخر يستحق أن ينتموا اليه.
قرأتها ذات مرة و استحقت اعجابي"ليس للانسان العربي وطن سوى جسده" ولكن حتى أجسادنا لم تعد تقوى هي الأخرى عن حمل وزر الكائن الذي يسكننا،وما على هذه النفوس المستوفزه إلا أن ترجوا الخلاص من لعنة القدر ومن لعنة الوطن وحتى من لعنة تلك الوجوه الصدئة التي تسعى بكل جبروتها أن تجعل منا أشباه رجال.
لست أدري كيف استطعت العيش مع كل تلك الألغام؟بفرح مسروق وبهجة لا تقل قبحا عن الوجه الذي يحملها ألعن اليوم الذي ولدت فيه من ذلك العمق السحيق،فهو من أودى بي هنا..في هذا الجحيم المستعر..
يتبع.
****
(2).. نعم
...نعم هو من جعلني ارتمي حيث أنا اليوم،ومنه اخدت ثأري لانه لم يعلمني كيف احتال على الحياة بتفاصيلها المنمقة،شرفي كله كان هناك وهي سمحت له أن يمحوه ويمحوني معه.
أليس لها الحق أن تحيا؟ أن تكون ذاتها؟...كلا لا يحق لها ذلك استحقت الموت حتى الموت.
في أعماقي كنت أشتاق لوجودها بجانبي،لحنوها علي،لجبروتها وسلطتها ولكن..
كنت أقول دوما هي من صنعت بيديها ذلك الوحش الذي يسكن بداخلي،هي من زرعت في حب امتلاكها، هي من كانت تلفني لفا وتقول أنت رجلي وحياتي،مادمت كذلك لماذا خنتني مع عشيقك؟لماذا سمحت له أن يسلبني انتمائي، كرامتي وماضي؟
لا أتخيل نفسي وأنا محاط بكل هذه الأسوار إلا كائنا لا يشبهني في شيء،الظلمة تقتات من أعماق روحي والمكان يخيم بسلطته المطلقة على ذاكرتي،كيف أبدد هذا الوجع الذي يسكنني؟كل شيء هنا يشي برداءة أحلامي ،وهذه النفوس التي تحيط بي من كل مكان تسلبني الرغبة حتى في استنشاق الهواء ،لكل منهم قصته وحكايته التي جعلت منه منبوذا غدى صراعه في الحياة فقط من أجل الفوز بمكان يستطيع فيه أن يمدد أطرافه ويخلو بنفسه،كنت كلما أمعنت النظر في وجوههم المنفرة وشممت رائحة جلودهم إلا وازددت يقينا بقدر المؤساة التي لازالت تنتظرني هنا.
أمسيت أنظر للوراء حيث كانت البداية،جلبة وضوضاء،شرطة ،سجن..كل تلك الصور اختزلتها في ذاكرتي فأضحت هي كل ما تحصلت عليه طيلة سنين حياتي ،لن أنسى الاستقبال الاسطوري الذي حظيت به في مخفر الشرطة كل شيء لايمت للانسانية بصلة هو ذاك الذي عشته ،حتى لم أسأل عن الجرم الذي ارتكبته فقط السب والشتم والركل والرفس كان له الحظ الاوفر من جسدي،غيبت عن المكان ،لم أعد أدري أين حطت بي الرحال..لازلت أتنفس..لازلت هنا..اختلطت أنفاسي بطعم الدم وسباب الشرطي كان كل شيء يطوف من حولي،أين الوجه؟أين الرجلين؟كيف أستعيد استقامتي؟
لم أكن أحظى بجواب فقط العيون ترمقني وبالشر المستطير تتوعدني، وددت في تلك اللحظة لو امتلكت الجرأة كي أمتنع عن الكلام في غياب المحامي،ههه المحامي؟نحن في دولة لا نحتاج فيها للمحامين، الحمد لله أنني ارتكبت الجريمة ولا احتاج لمحام ،فأنا أساسا لا املك ثمن اتعابه ،ولا أثق كذلك في محامي النيابة ...لكن لماذا السب والشتم ؟أنا اعترفت بالجريمة،نعم قتلتها مع سبق الاصرار و الترصد فلماذا الإصرار على هته الاهانه؟ الا أملك الحق في معامله انسانية حتى ولو كنت مجرما؟ نحن لا نملك من الوجود غير ذواتنا،وهذه الذوات من تجعل منا اسيادا أو عبيدا وأنا اخترت أن أكون عبدا لحريتي وكرامتي،فلو كان القاضي مكاني لما أكتفي بالنظر،أكيد أنه هو الاخر سيغسل شرفه كما لو كان قطعة قماش من النوع الرفيع...
أحقا نحن نملك السلطة لنحاكم الاخرين على أفعالهم؟ ولما لا ان كانت هذه الأفعال لا تتماشى والقانون الذي أوجدناه، لقد فعلت ما أملاه علي ضميري..هذا ما نسميه القصاص العادل ...في الحقيقة لم أكن مقتنع تماما بما قلت،لم أكن راض عن حالي،ماذا لو تركتها تعيش ؟هي أيضا تستحق الحياة،تستحق أن تحب .. أن تحيا..
لو أنني تريث قليلا،لربما..لربما استطعت أن أغير قدري ،أن اقف في وجهه،أن اقتنص تلك الهدايا التي يمحنا اياها عندما يريد ..لو أنني تريث لما كنت اليوم هنا ألبس على مقاسهم وأنسج أحلامي وسط كومة من الحشاشين...
انتهى.