في العالم المتقدم ديموقراطيا يتلقى الناس كشعوب تربية ديموقراطية ممارسة، بآليات حضارية تدفع بالتنشئة الاجتماعية لجميع الفئات إلى التطور جدليا، نحو صيرورة متنامية لمفهوم الديموقراطية السياسية الفعالة…وإذا سلمنا بالأمر، فنحن مثلا نعيش سياسيا في إطار “ديموقراطية” ما، ولكن لم نتوصل إلى رفع مستواها درجات لتصل إلى المجتمع فالشرائح فالأسر فالأفراد…ولأن الأفراد ليسوا مؤهلين ليربوا أنفسهم بأنفسهم في هذا الإطار، فإن المجتمع السياسي الحزبي وكذا الجمعوي الخدماتي معه، هما المؤهلان لأن يكونا أساسا “المؤطر” الحركي للمنظومات الاجتماعية، دون إغفال المجال الثقافي بجميع أشكاله “الهوياتية”.. أي أن”الفعل السياسي” هو المسؤول على بلورة المنظومة الاجتماعية برمتها في اتجاه التكامل “الماكروبنائي” بين جميع العناصر في اختلافها..وهذا هو الضامن للعنصر التنظيري كي يتفعل في اشتغاله الملتزم ديمقراطيا..إذن لابد لهذا المجتمع من مؤطرين أكفاء في فكرهم وفي نضالهم، ويتمثل ذلك في السياسيين والنقابيين والإعلاميين والحقوقيين والمثقفين وفآت المجتمع المدني والقطاعات الشبابية بقدر تعددها وتنوعها… وهكذا تتم تغطية المساحة العامة للمجتمع بمناخ وأجواء من الحقوق والواجبات والمسؤوليات، حيث يبرز بجلاء دور النخب التي يعول عليها في هذه التنشئة ثم القيادة بكفاءة ونضج…فالقادة يجب أن ينبعثوا هم أيضا من التأطير والتنشأة،خاصة وأن النخب رهينة بقواعدها التي تنتجها، وليس هي من تنتج قواعدها منفردة بذلك، إذ يحصل التبادل صعودا وهبوطا…ولذا يجب أن تبدأ من نفسها كمثل يحتدى…
فأين موقع التنمية العامة من كل هذا..؟
– إن هذه التجمعات المؤسساتية ليست امتيازا تمن على القواعد أدوارها..إنها بالدرجة الأولى رمز للنضال، من المبادئ وإليها وكذا المواقف..فهي المؤشر الناطق باسم الوعي الذي تنوب فيه عما تمثله من شرائح مجتمعها برؤاها ومطامحها، والتي تنشغل عنها أساسا تلك القواعد لكونها مهتمة باليومي والنشء وأمنها التساكني..إن الضمير الجمعي هذا متى تحقق في النخب، والذي يجب أن يضطلع بمسؤوليته وطموحه المتكامل، وبمنظور شمولي متعاقد عليه، هو تكليف مسؤول وليس تشريفا نرجسيا لهذه النخب، فيبحث “مدللا” عن الامتيازات فقط…
– نستغرب إذن من وجود هذه المؤسسات ذات التركيبة الحزبية في بلادنا، لكونها لا تقوم بالدور الذي يجب أن تنيط به نفسها بالذات قبل كل شيء، وهو التنمية البشرية قبل الموارد، وهيكلة مجتمعها قبل تفحص نسب اقتراعها، والنضال بحزم من أجل المكاسب التي تؤهلها للدفع بآلية الديموقراطية الحقة والمضاهية لأرقاها في سيرورة بنائها طموحا، وليس بالحقد السياسي وخبثه التضاربي والمنافسة المصلحية…فلم لا نرى تلك المأموريات البناءة على رأس قائمة الأولويات، أمام طاولة الالتزامات السياسية لكل حزب وأمنائه؟ بدل التراهن على عدد المقاعد التي تخول لهم أضخم الحقائب..؟
– لهذا نرى أن أجدر النخب تفعيلا للمسؤولية هي الأحزاب،لأنها تضم في نسيجها كل الفئات الفرعية الأخرى والتي تنضوي تحتها بشكل بنيوي..فعليها تقويم سلوكها الديمقراطي وإعداده وبنائه بل وتطويره، لتكوين قوة ضاغطة ومتعاونة أيضا على/ومع مؤسسة الدولة بشكل جدي ومسؤول وبتوافق حازم وحاسم، لكي تستقيم حتما آليات التسييس والتدبير والتشريع…وهذا النضال هو صلب التنمية واستقلالية العمل السياسي وتثبيت الذات الوطنية..وهو أيضا المناعة الناجعة للتغلب على المصاعب الخارجية، لأن كل ذلك سيحول الهشاشة والانفراط إلى قوة وتلاحم…
– فلماذا إذن هذه الأحزاب لا تتحرك إلا عندما تدنو مواعيد”الاستحقاقات” لتغزو مناطق الناخبين؟ ولماذا يستكين المنتخبون وينامون نوم الفائزين بالغنيمة على مقاعدهم؟ ولماذا يجتهدون لتعزيز مواقعهم، ويطالبون بحقوقهم أكثر مما يطالبون بحقوق منتخبيهم؟
فأين موقع التنمية العامة من كل هذا..؟
– إن هذه التجمعات المؤسساتية ليست امتيازا تمن على القواعد أدوارها..إنها بالدرجة الأولى رمز للنضال، من المبادئ وإليها وكذا المواقف..فهي المؤشر الناطق باسم الوعي الذي تنوب فيه عما تمثله من شرائح مجتمعها برؤاها ومطامحها، والتي تنشغل عنها أساسا تلك القواعد لكونها مهتمة باليومي والنشء وأمنها التساكني..إن الضمير الجمعي هذا متى تحقق في النخب، والذي يجب أن يضطلع بمسؤوليته وطموحه المتكامل، وبمنظور شمولي متعاقد عليه، هو تكليف مسؤول وليس تشريفا نرجسيا لهذه النخب، فيبحث “مدللا” عن الامتيازات فقط…
– نستغرب إذن من وجود هذه المؤسسات ذات التركيبة الحزبية في بلادنا، لكونها لا تقوم بالدور الذي يجب أن تنيط به نفسها بالذات قبل كل شيء، وهو التنمية البشرية قبل الموارد، وهيكلة مجتمعها قبل تفحص نسب اقتراعها، والنضال بحزم من أجل المكاسب التي تؤهلها للدفع بآلية الديموقراطية الحقة والمضاهية لأرقاها في سيرورة بنائها طموحا، وليس بالحقد السياسي وخبثه التضاربي والمنافسة المصلحية…فلم لا نرى تلك المأموريات البناءة على رأس قائمة الأولويات، أمام طاولة الالتزامات السياسية لكل حزب وأمنائه؟ بدل التراهن على عدد المقاعد التي تخول لهم أضخم الحقائب..؟
– لهذا نرى أن أجدر النخب تفعيلا للمسؤولية هي الأحزاب،لأنها تضم في نسيجها كل الفئات الفرعية الأخرى والتي تنضوي تحتها بشكل بنيوي..فعليها تقويم سلوكها الديمقراطي وإعداده وبنائه بل وتطويره، لتكوين قوة ضاغطة ومتعاونة أيضا على/ومع مؤسسة الدولة بشكل جدي ومسؤول وبتوافق حازم وحاسم، لكي تستقيم حتما آليات التسييس والتدبير والتشريع…وهذا النضال هو صلب التنمية واستقلالية العمل السياسي وتثبيت الذات الوطنية..وهو أيضا المناعة الناجعة للتغلب على المصاعب الخارجية، لأن كل ذلك سيحول الهشاشة والانفراط إلى قوة وتلاحم…
– فلماذا إذن هذه الأحزاب لا تتحرك إلا عندما تدنو مواعيد”الاستحقاقات” لتغزو مناطق الناخبين؟ ولماذا يستكين المنتخبون وينامون نوم الفائزين بالغنيمة على مقاعدهم؟ ولماذا يجتهدون لتعزيز مواقعهم، ويطالبون بحقوقهم أكثر مما يطالبون بحقوق منتخبيهم؟